أميركا: «الذئاب المنفردة» تتغذى من العنصرية

اعتداءات نيويورك ونيوجيرسي ومينيسوتا مثالاً

لقطة من هجمات نيويورك الإرهابية ({الشرق الأوسط})
لقطة من هجمات نيويورك الإرهابية ({الشرق الأوسط})
TT

أميركا: «الذئاب المنفردة» تتغذى من العنصرية

لقطة من هجمات نيويورك الإرهابية ({الشرق الأوسط})
لقطة من هجمات نيويورك الإرهابية ({الشرق الأوسط})

واجهت الولايات المتحدة في عطلة نهاية الأسبوع ثلاث محاولات وهجمات إرهابية في ولايات مينيسوتا ونيويورك ونيو جيرسي. وبدا أن هذه الهجمات مستوحاة من تنظيم داعش الإرهابي المتطرف، وتؤشر إلى تزايد عمليات «الذئاب المنفردة» في ظل الاستقطاب المتزايد والمشاعر المعادية للمسلمين التي يعمل المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب على تأجيجها.
ثلاث هجمات في ظرف 12 ساعة، هي عبارة عن تفجيرات في شوارع مدينة نيويورك وضواحيها بولاية نيوجيرسي المتاخمة لولاية نيويورك، واعتداء بسلاح أبيض طعنًا في مركز للتسوق في ولاية مينيسوتا، كانت كفيلة بنشر البلبلة والرعب في نفوس المواطنين الأميركيين.
عند نحو الساعة التاسعة والنصف صباحًا في بلدة سيسيد بارك، بنيوجيرسي، انفجرت قنبلة أنبوبية من أصل ثلاث قنابل داخل مستوعب للنفايات، مدمّرة المستوعب من دون أن يصاب أحد بأذى، في حين لم تنفجر القنبلتان الأخريان. وعلى الأثر قال مسؤولون أمنيون إن «الانفجار كان ربما يستهدف سباقًا خيريًا من تنظيم قوات مشاة البحرية، ولكن لم يتواجد أحد بالقرب من الانفجار عند وقوعه؛ وذلك بسبب حدوث تأخير غير متوقع».
ونحو الساعة الثامنة والنصف هزّ انفجار آخر الشارع 23 والجادة 6، في حي تشيلسي بمنطقة مانهاتن، التي هي قلب مدينة نيويورك؛ ما أسفر عن إصابة 29 شخصًا. ولقد عثر المحققون على أوجه شبه بين المتفجرات التي استخدمت في المنطقتين، وفقًا لما جاء في تقارير وسائل الإعلام.
أما عند الساعة التاسعة مساءً في مدينة سانت كلاود، بولاية مينيسوتا في شمال وسط البلاد على الحدود مع كندا، دخل رجل يرتدي زيًا أمنيًا المركز التجاري «كروسرود مول»، حيث هاجم وطعن تسعة أشخاص بعدما صرخ «الله أكبر»، وذلك قبل أن يُطلق عليه النار ويقتله شرطي كان خارج دوام عمله. وحسب شهود عيان، فإن منفّذ الاعتداء الدامي سأل شخصًا واحدًا على الأقل ما إذا كان مسلمًا أم لا قبل أن يهاجمه. وبعد اعتداء مينيسوتا، ادّعت قناة «تيليغرام» التابعة لـ«داعش» أن المنفذ الجاني في مينيسوتا أمس كان «أحد جنود الدولة» المزعومة، وقام أنصار التنظيم الإرهابي بتمجيده والثناء على فعلته.
من ناحية ثانية، زعمت قناة «تيليغرام» أن هذا الاعتداء جاء استجابة لدعوة التنظيم الإرهابي المتطرف لاستهداف مواطني البلدان التي تنتمي إلى التحالف الذي تصفه بـ«الصليبي»، وهو مصطلح يشير إلى قوات التحالف التي تنفذ ضربات جوية ضد «داعش» بقيادة الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، ادعى أحمد رحمي، المشتبه به في تنظيم العمليتين الإرهابيتين في مدينة نيويورك وولاية نيوجيرسي، أنه استوحى العمليتين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش» كما تبين في دفتر يومياته الملطّخ بالدماء حين عثرت عليه الشرطة بعد إطلاقها النار عليه. وكشفت السلطات عن وجود هذا الدفتر، وقالت إنه مجّد فيه أيضًا نضال حسن، الذي قتل 13 شخصًا في قاعدة فورت هود بولاية تكساس، و«الأخ أسامة بن لادن»، وأنور العولقي، عضو تنظيم «القاعدة الأميركي اليمني» الذي قتل في هجوم طائرة بلا طيار (درون) شنته الولايات المتحدة في عام 2011، كذلك تضمنت صور من دفتر رحمي مراجع تتعلّق مباشرة بـ«أبو محمد العدناني» أحد أبرز قادة «داعش»، ولقد كتب في دفتره «كنت أبحث عن الإرشاد والحمد لله، جاءني الإرشاد من الشيخ أنور (العولقي)، والأخ العدناني- الدولة».
وكما تبين من دفتر رحمي، كان تنظيم داعش مصدر إلهام للاعتداءات التي استهدفت الولايات المتحدة بعد دعوته إلى تنفيذ عمليات من نمط عمليات «الذئاب المنفردة». وهذا الصيف أيضًا، كما تجدر الإشارة، دعا «أبو محمد العدناني» (طه صبحي فلاحة) المتحدث باسم «داعش»، الذي أعلن أخيرًا عن مقتله، أتباعه في الغرب إلى تنفيذ عمليات إرهابية، حيث يقيمون. وقال في إطار التركيز على نمط «الذئاب المنفردة» أنه لم يعد من الضروري الانضمام إلى التنظيم في العراق وسوريا، كما حرض الراديكاليون والمتطرفون من مناصري التنظيم على استخدام كل الوسائل الممكنة للقتل.
ووفقًا للدكتور ماثيو ليفيت، من «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، كان تنظيم داعش شديد الوضوح في دعوته إلى اعتماد اعتداءات فردية وفق نمط «الذئاب المنفردة» في أي مكان من العالم. وفي كتاب إلكتروني نشر على شبكة الإنترنت ويحمل عنوان «كيفية البقاء على قيد الحياة في الغرب: دليل مجاهد (2015)» يقول: «داعش» إنه «مع تزايد عدد هجمات الذئاب المنفردة سيصعب على وكالات الاستخبارات وقف انتشار العنف المتزايد والفوضى في الغرب».
وهنا يقول أليكس وارد، الخبير الأمني في «مركز برنت سكوكروفت» في «المجلس الأطلسي» خلال مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط» شارحًا «ما نعرفه هو أنه بات بإمكان الأفراد الآن شن هجمات فردية بنمط (الذئاب المنفردة) أكثر من أي وقت مضى. ومع توفّر المعلومات والتكنولوجيات للجميع، سيتمتع (الذئب المنفرد) دائمًا بالقدرة على محاولة شن اعتداء لأي سبب من الأسباب».
والحقيقة، أن لاعتداءات نيويورك - نيوجيرسي عددًا من الاتجاهات المثيرة للاهتمام، وفق ليفيت الذي يقول: «سنشهد المزيد من هجمات يشنها جانٍ وحيد (أشخاص يتصرفون بشكل مستقل)، وقد ينفذ هذه الهجمات أشخاص لا تربط بينهم أي صلة أو أشخاص على علاقة ببعضهم بعضا».
ومن ناحية ثانية، كما يرى ليفيت، أن تنظيم داعش قد يلجأ أكثر فأكثر إلى شن «هجمات انتهازية» عندما يتبين أنها ناجحة. ويضيف موضحًا «لقد أعلن التنظيم تبنيه هجمات لا علاقة لها به إطلاقًا، مثل عملية إطلاق النار في أورلاندو بولاية فلوريدا». وفعلاً تكرر ذلك في اعتداء نيس في فرنسا. ويختم ليفيت كلامه بالقول «قد يفضل (داعش) تبني العمليات الناجحة فقط، على الرغم من أن التفجيرات في مدينة نيويورك يمكن أن تعتبر ناجحة أيضا، على الأقل بشكل جزئي؛ كونها أثارت الرعب في النفوس لبضعة أيام».
ومن جهة ثالثة، قد يشجع تصاعد مناخ الاستقطاب وتزايد التهجم والتحامل على المجتمعات الإسلامية شن هجمات جديدة على الأراضي الأميركية. وحقًا، لوحظ كيف ضاعف المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب خطاباته العنصرية ضد المسلمين. ففي عام 2015، اقترح ترامب لأول مرة «الإغلاق التام والكامل للحدود لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة إلى أن يتمكن ممثلو بلدنا من معرفة ماذا يجري». وفي حينه، ساهم تشدد ترامب، وتحديدًا اقتراحه الحظر الذي طلب فرضه على المسلمين، في فوزه بترشيح الحزب الجمهوري، وذلك على الرغم من اتهامه بالتعصب الديني، وكان هذا الاتهام في نظر كثيرين مبرّرًا.
وهذا الأسبوع، أثار دونالد ترامب الابن، أكبر أولاد ترامب، ضجة عارمة في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مقارنته اللاجئين السوريين بحلوى «السكيتلز» بطعم الفاكهة؛ إذ لمّح ترامب الابن إلى أنه يتوجب على الولايات المتحدة ألا تقبل بدخول اللاجئين إلى أراضيها، وذلك عبر مشاركة صورة طرح من خلالها السؤال التالي «إذا كان لدي وعاء من السكيتلز وقلت لكم إن ثلاث حبات فقط ستقتلكم، فهل تأخذون حفنة منها؟ هذه هي مشكلتنا مع اللاجئين السوريين». وأضاف: «هذه الصورة تعبّر عن الوضع بشكل كامل. دعونا نضع حدًا لجدول الأعمال المناسب سياسيا الذي لا يضع مصلحة أميركا أولاً».
ختامًا، إذا كانت مشاعر العداء للولايات المتحدة منتشرة في العالم الإسلامي الآن، تخيّلوا مدى تفاقمها في حال أصبحت خطابات مرشّحين مثل دونالد ترامب هي السائدة. فالمجتمعات المستقطبة تميل إلى توليد رد فعل شديد، ومستويات عنف يكون الإرهاب أحد جوانبها.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.