هل بدأت إسرائيل تحضيراتها لمرحلة ما بعد السلطة الفلسطينية؟

«المنسق» يستدرج الفلسطينيين إلى التعامل المباشر.. وأبو يوسف: لا يوجد بيننا أنطوان لحد

هل بدأت إسرائيل تحضيراتها لمرحلة ما بعد السلطة الفلسطينية؟
TT

هل بدأت إسرائيل تحضيراتها لمرحلة ما بعد السلطة الفلسطينية؟

هل بدأت إسرائيل تحضيراتها لمرحلة ما بعد السلطة الفلسطينية؟

مثل حاكم فعلي للشعب الفلسطيني، سافر مسؤول الإدارة المدنية الإسرائيلية، أو ما يعرف في إسرائيل بمنسق أعمال الحكومة، الميجور جنرال، يؤاف مردخاي، إلى مؤتمر الدول المانحة في نيويورك الأسبوع الماضي؛ لمناقشة هذه الدول، فيما تحتاج إليه السلطة الفلسطينية من دعم، وآليات هذا الدعم، والمسائل التي يجب التركيز عليها من وجهة نظر إسرائيل، لدعم اقتصاد الفلسطينيين.
ومردخاي نفسه، هو الذي فتح قبل أشهر قليلة، صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، للتواصل المباشر مع الشعب الفلسطيني، ملقيا عليهم محاضرات أمنية، وباثا بيانات مختلفة، داعيا إلى زيارة مباشرة لمكاتب الإدارة المدنية، من أجل الحصول على تصاريح جديدة، وإلغاء المنع الأمني، والتنقل بين الضفة وغزة وإسرائيل، في تجاوز واضح ومباشر لدور السلطة الفلسطينية.
وليس سرا أن مثل هذه النداءات لقيت آذانا صاغية؛ إذ «يحج» مئات من الفلسطينيين إلى مكاتب المخابرات الإسرائيلية من أجل تسوية أوضاعهم، من دون أدنى اهتمام بما يعنيه ذلك، أو كيف يمكن قراءته، وفي أي سياق.
وقال خالد، الذي اكتفى باسمه الأول، وهو من إحدى قرى بيت لحم، إنه ذهب إلى مكاتب المخابرات الإسرائيلية في عتصيون، من أجل الحصول على تصاريح، بعدما كان يتقدم في وقت سابق، بطلب إلى مكاتب الارتباط الفلسطيني. وأضاف «أنا في النهاية أبحث عن مصدر رزق لي ولأولادي». وتابع «لا يمكن انتظار تسوية سياسية».
ومثل خالد يوجد أعداد لا يمكن إحصاؤها ممن يتوجهون مباشرة إلى هذه المكاتب، في محاولة للحصول على تصاريح تنقل أو عمل، وأغلبهم يتقدمون بطلبات من أجل رفع المنع الأمني، ويتلقون ردودا مختلفة في غضون أسابيع فقط. وقال أبو عبد الله، إنه غير معني بأي تفسيرات، وإنما يريد ضمان حياة أفضل لأسرته، داعيا السلطة الفلسطينية، إلى تقديم بدائل إذا لم يعجبها تواصل المواطنين مباشرة مع الإسرائيليين.
وكان مردخاي نفسه، توجه إلى الفلسطينيين كافة، داعيا إلى الحضور إلى مكاتب إدارته في كل مناطق الضفة الغربية، من أجل التقدم بطلب رفع المنع الأمني عنهم، متعهدا بدارسة طلباتهم والرد عليها في غضون 8 أسابيع.
وكتب مردخاي على صفحته «كثر هم الذين توجهوا إلينا بأسئلة حول نوع وسبب المنع الأمني. للاستفسار عن هذا الموضوع، من المفضل على من يسري عليه منع أمني، أن يقدم طلب إزالة المنع عبر التوجه إلى المديرية القريبة من مكان السكن، والسؤال في قسم استقبال الجمهور بعد إبراز هويته».
ومراجعة قصيرة لصفحة «المنسق»، تظهر إلى أي حد تتدخل الإدارة المدنية في حياة الفلسطينيين الذين يفترض أن السلطة تحكمهم.
وفي أحد التغريدات، كتب مردخاي، الذي يصفه البعض بأنه الحاكم الفعلي للفلسطينيين، حول الاستعدادًات لعودة حجاج بيت الله الحرام من الفلسطينيين، واعتماد إجراءات استثنائية في جسر «اللنبي»، لتسهيل وصولهم إلى مدنهم وقراهم بعد أدائهم مناسك الحج. كما أعلن عن اتفاقات متعلقة بتطوير خدمات البريد الفلسطيني، تتضمن معايير تنظيم النقل المباشر للبريد من مختلف أنحاء العالم إلى السلطة الفلسطينية، وتنظيم قطاع الكهرباء، ناهيك عن إغلاق طرق رئيسية وفرعية في الضفة الغربية وفتحها، وفتح معابر وإغلاق أخرى، وإدخال تسهيلات على حركة البضائع والأفراد، وإعطاء تصاريح وسحب أخرى، وتحديد شروط التنقل إلى إسرائيل أو غزة، ومن غزة كذلك، إضافة إلى شروط تجديد البطاقات الممغنطة لتسهيل آلية العبور باعتماد البصمة.
ويعتقد كثير من المراقبين، أن إسرائيل تجهز لمرحلة ما بعد السلطة الفلسطينية، عبر اختبار التعامل مباشرة مع الفلسطينيين. وحذر فلسطينيون من ذلك، وأكد هذا التوجه لدى سلطات الاحتلال، اعتراف المسؤولين الفلسطينيين، وبينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن إسرائيل تحول «السلطة» إلى سلطة بلا سلطة، وأن هذا الوضع لا يمكن له أن يستمر.
وزاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الطين بلة، قبل يومين، خلال زيارته إلى واشنطن، حين قال إنه أبلغ الإدارة الأميركية، ألا خطر ديموغرافيا على اليهود في حال قررت إسرائيل ضم الضفة الغربية. وطلب نتنياهو من الإدارة الأميركية، عدم تصديق رواية اليسار الإسرائيلي بهذا الصدد. وأن أي قرار إسرائيلي مستقبلي بضم الضفة لن يؤثر في التوازن الديموغرافي اليهودي العربي.
وقال القيادي الفلسطيني واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إنهم «يريدون التعامل مع عناوين أخرى غير السلطة. هذا أصبح جليا وليس سرا». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم لا يريدون سلطة بعنوان نضالي، إنهم يتطلعون إلى سلطة عميلة للاحتلال. ويعتقدون أن هذا هو القوت المناسب لتنفيذ خطط تندرج في محاولة الاستفادة من الوضع الفلسطيني الحالي، والوضع في المنطقة. الإقليم مشغول في قضاياه الداخلية والعالم كذلك، ونحن منقسمون وإسرائيل تعتبر أن هذا هو وقت ثمين لوضع آليات لها علاقة بتجاوز السلطة».
ولا يستغرب أبو يوسف هذا التدخل الإسرائيلي في كل التفاصيل اليومية للفلسطينيين، واصفا الاحتلال بلاعب رئيسي، لكنه يرى أن ذلك سيفشل.
وقال «لقد جربوا ذلك أيام روابط القرى، وحاولوا مرارا خلق عناوين على غرار أنطوان لحد (في جنوب لبنان)، لكن 50 عاما من محاولة تطويع الشعب الفلسطيني فشلت، وستفشل هذه المرة، حتى وإن حاولوا إغراء الناس بالجزرة وتهديدهم بالعصا» في إشارة إلى خطة وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي عرض الشهر الماضي خطته المثيرة للجدل «العصا والجزرة» التي تقوم على التعامل المباشر على الفلسطينيين متجاوزا السلطة الفلسطينية. وتقوم خطة ليبرمان على خلق مسار تواصل مع الفلسطينيين يتجاوز به الرئيس الفلسطيني، ويتضمن مكافآت اقتصادية للمناطق التي تلتزم بالأمن، وعقوبات على تلك التي يخرج منها منفذو عمليات. وضمن الخطة التي وضعها، كشف ليبرمان نفسه، عن «أن مندوبين إسرائيليين من جهاز الأمن يلتقون الفلسطينيين في الضفة دون موافقة عباس أو واسطته». وأعلن ليبرمان مسبقا، أن وزارته عملت على بلورة قائمة تضم أسماء شخصيات فاعلة في السلطة الفلسطينية، أكاديميين، رجال أعمال ورجال دين، رغبة منه في إجراء حوار مباشر معهم.
وقال أيضا، إنه سيتم إنشاء موقع إخباري جديد باللغة العربية، بتكلفة 10 ملايين دولار، بهدف الوصول مباشرة إلى المجتمع المدني الفلسطيني.
وعقب أبو يوسف قائلا «باختصار لن يجدوا بيننا أنطوان لحد».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم