«روسيا الموحدة» يحتفل بالنصر

حضور منافسيه في مجلس «الدوما» غدا شكليًا.. إثر فوز حزب بوتين بالغالبية الدستورية البرلمانية

«روسيا الموحدة» يحتفل بالنصر
TT

«روسيا الموحدة» يحتفل بالنصر

«روسيا الموحدة» يحتفل بالنصر

اختار الناخبون الروس يوم الثامن عشر من سبتمبر (أيلول) ممثليهم في مجلس «الدوما» - أو مجلس النواب - وهو المجلس الأدنى في البرلمان الروسي. ومهمته سن تشريعات جديدة، والنظر في جزء من القرارات الحكومية والرئاسية للموافقة عليها أو رفضها، والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وغيره من مهام تقوم بها عادة المجالس التشريعية، بما في ذلك منح أو حجب الثقة عن الحكومة أو الرئيس. ولم تحمل نتائج الانتخابات في الدورة الحالية مفاجآت أثرت بصورة جوهرية على تركيبة البرلمان الجديد، إذ حافظت الأحزاب الرئيسية التي شكلت البرلمان في دورته السابقة على تمثيلها في البرلمان الجديد، مع فارق كبير في الأصوات لصالح حزب السلطة الذي حصد نسبة من الأصوات تمنحه الحق بثلثي التمثيل في «الدوما»، بينما يبقى الثلث للأحزاب الأخرى التي تمكنت من الحصول على التمثيل النيابي بعد تجاوزها عتبة 5 في المائة من أصوات الناخبين، أي النسبة التي تشكل الحد الأدنى لحصول أي حزب سياسي على مقاعد برلمانية. وبموجب هذه النتائج لن يكون لمجمل أصوات الأحزاب الأخرى في البرلمان تأثير على القرارات التي قد يوافق عليها أو يرفضها حزب روسيا الموحدة.
يجمع المراقبون على أن الانتخابات البرلمانية الروسية لهذه الدورة اتسمت بتراجع ملحوظ على صعيد نسبة المشاركة التي لم تتجاوز 47 في المائة من أصل قرابة 100 مليون ناخب روسي. ولعل أحد أهم أسباب هذه الظاهرة هو شعور كثيرين بأن النتيجة محسومة، وأن حزب السلطة سيحافظ على الغالبية في البرلمان، أيًا كانت نسبة الاقتراع. وحقًا، على سبيل المقارنة شارك 60.21 في المائة من الناخبين في الاقتراع خلال الانتخابات البرلمانية عام 2011، وحصد حزب «روسيا الموحّدة» بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين، حينذاك نسبة 46.3 في المائة من تلك الأصوات التي خوّلت له شغل 238 مقعدا برلمانيًا. وفي انتخابات عام 2007 شارك في التصويت 63.78 في المائة من الناخبين وحصل «روسيا الموحّدة» حينذاك على 64.3 في المائة من الأصوات، وبالتالي، تظهر هذا الأرقام تراجعًا من عام لآخر بنسبة المشاركة في العملية الانتخابية.

المشهد العام
بصفة عامة، لم تخرج النتائج كثيرا عن التوقعات، فمن أصل 14 حزبا تنافست على المقاعد البرلمانية، تقاسمت الفوز بموجب القوائم الحزبية أربعة أحزاب رئيسية كانت ممثلة في البرلمان السابق، ومعها حزبان فازا بمقاعد في البرلمان بموجب القوائم الفردية. وجاء في المقدمة حزب «روسيا الموحّدة» الذي حصل على ما يزيد على 54 في المائة من أصوات الناخبين، وثانيًا جاء الحزب الشيوعي بزعامة غينادي زوغانوف الذي حصل على 13.45 في المائة من الأصوات، يليه بفارق ضئيل الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي بزعامة فلاديمير جيرينوفسكي الذي حصل وفق النتائج الأولية على 13.24 في المائة من الأصوات. وحل رابعًا حزب «روسيا العادلة» بزعامة سيرغي ميرونوف حاصلاً على 6.17 في المائة من الأصوات.
هذه النتائج تخوّل لحزب «روسيا الموحدة» (حزب السلطة، أي بوتين) شغل 343 مقعدًا من أصل 450 مقعدًا هو إجمالي عدد المقاعد في البرلمان الروسي. أي أنه ظفر بحجم تمثيل يتجاوز الثلثين. وهذا ما لم يسبق أن حصل الحزب على مثله في الانتخابات السابقة، وبفضله باتت له غالبية دستورية يستغني معها «روسيا الموحّدة» عن الحاجة لتعاون الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان خلال التصويت على مشاريع القرارات والتشريعات. ثم إن هذا التمثيل «المريح» يتيح للحزب إدخال تعديلات على الدستور في حال تطلب الأمر ذلك. أما الحزب الشيوعي الروسي فسيشغل، بموجب النتائج، 43 مقعدًا مقابل 39 مقعدًا للحزب الليبرالي الديمقراطي، في حين يتقاسم «روسيا العادلة» المقاعد المتبقية في البرلمان مع أحزاب فازت بموجب القوائم الفردية وهي حزب «الوطن» و«المنصة المدنية»، إذ حصل كل من الأحزاب الثلاثة على مقعد بموجب القوائم الفردية.

الترجمة العملية للنتيجة
وتشكل النتيجة التي حققها حزب «روسيا الموحدة» أهمية كبرى للسلطة الروسية بشكل عام، وللرئيس فلاديمير بوتين بصورة خاصة، فهو يتجه نحو الانتخابات الرئاسية عام 2018 في ظل أوضاع معقدة داخليا نظرًا للأزمة الاقتصادية التي انعكست بصورة مباشرة على حياة المواطنين في البلاد. كذلك، هناك الوضع السياسي الذي خلفته الأزمة في العلاقات مع الجوار، لا سيما أوكرانيا والعلاقة مع أوروبا. وعليه، ستوفر الغالبية الدستورية سندًا مضمونًا بنسبة 100 في المائة يدعم سياساته وأية قرارات سيتخذها في هذه المرحلة، مما سيمكّنه من دخول الانتخابات الرئاسية من موقع قوي.
ومن ثم، فهو بحال قرر خوض انتخابات عام 2018، والأرجح أنه سيشارك وسيفوز، فإنه سيدخل ولايته الثانية والأخيرة في رئاسة روسيا مدعومًا خلال السنوات الأولى من تلك الولاية بالتركيبة البرلمانية ذاتها، حيث إن الغالبية الدستورية لصالحه، ستضمن له البقاء مسيطرا على مؤسسات السلطة التنفيذية والتشريعية، وسيستطيع اتخاذ القرارات المناسبة لتنفيذ سياساته في شتى المجالات.
ويتفق معظم أصحاب الرأي على أن النسبة العالية من الأصوات التي حصدها «روسيا الموحّدة» قد لا تعبر عن مدى تأييد الناخبين للحزب بحد ذاته، بقدر ما هي نتيجة تعكس مستوى التأييد الشعبي الذي يحظى به بوتين حتى الآن. وهكذا فإن بوتين قد يستفيد خلال عمل البرلمان بتركيبته الجديدة للسنوات الخمس المقبلة كي يتخذ إجراءات معينة ترسخ وضع حزبه بصفة «الحزب القائد» في البلاد، حتى بعد عام 2025، حين تنتهي الولاية الرئاسية الثانية والأخيرة لبوتين نفسه، مما يعني ضمانته استمرار روسيا لعدة سنوات على «النهج البوتيني».

كيف تحقق الفوز
توجه اتهامات كثيرة لحزب «روسيا الموحدة»، حزب بوتين، بشأن الآليات التي سمحت له بتحقيق الفوز بالغالبية الدستورية وتغييب أحزاب كانت تطمح إلى دخول المعترك السياسي الداخلي عبر البرلمان. ومن الاتهامات التي تطلق عادة هي التزوير أثناء عملية الاقتراع، حيث عرض نشطاء مشاهد فيديو من عدة مراكز اقتراع يظهر فيها العاملون في المركز وهم يدسّون كميات من البطاقات الانتخابية في الصناديق. وفي كل المشاهد يبدو واضحًا كيف يقوم بعض العاملين في المركز بالمراقبة والتغطية بينما يتولّى آخرون رمي تلك «الدستات» من البطاقات الانتخابية في الصناديق. وبالفعل، إثر ذلك أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات عن إلغاء النتائج في بعض المراكز، والتحقيق في حالات أخرى بالانتهاكات التي أبلغ عنها ممثلو الأحزاب. إلا أن المراقبين يجمعون على أن إعادة الاقتراع في تلك المراكز وعدد البطاقات الانتخابية المزوّرة لن يتركا تأثيرا يُذكر على النتيجة النهائية وسيبقى حزب «روسيا الموحدة» محافظًا على الغالبية الدستورية.
من جهة ثانية، رأى معلّقون أن فوز حزب السلطة جاء نتيجة طبيعية لسياسة ممنهجة اعتمدها الكرملين في الحد من نفوذ أحزاب المعارضة وملاحقة رموزها والزجّ بهم في السجون، فضلا عن السيطرة شبه الكاملة على وسائل الإعلام مقابل تضييق الخناق على وسائل الإعلام المعارضة، التي تكاد تكون شبه غائبة في روسيا حاليًا. إلا أن مؤيدي الكرملين ينفون تلك الاتهامات، ويشيرون بهذا الصدد إلى السماح لأحزاب يصفونها بأنها «متشددة جدًا في معارضتها للكرملين» بخوض الانتخابات البرلمانية، مثل حزب «يابلوكو» الليبرالي الذي يعارض الكرملين في قضية غاية في الحساسية مثل ضم شبه جزيرة القرم لكيان روسيا، وكذلك حزب «باراناس» الذي يحمّل السلطات الروسية الحالية المسؤولية عن تردّي الوضع الاقتصادي في البلاد، والتوتر في العلاقات مع الجوار، وتحديدًا أوكرانيا، فضلا عن التوتر في العلاقات مع الغرب. وللعلم، يدعو «باراناس» علانية إلى تغيير السلطة في روسيا، ولكن رغم هذا سُمح له بالمشاركة في الانتخابات، وفق ما يقول مؤيدون لحزب السلطة في دحضهم للاتهامات بقمع القوى المعارضة.
في أي حال، وبغض النظر عن مدى دقة تلك الاتهامات، فإن ثمة مجموعة حقائق موضوعية يمكن لأي متابع أو محلل ملاحظتها وإدراجها ضمن جملة الأسباب التي ساعدت حزب «روسيا الموحّدة» على تحقيق تلك النتيجة في الانتخابات البرلمانية. ومن هذه الحقائق يشير كثيرون إلى استفادة «روسيا الموحّدة» من موقعه على رأس السلطة خلال الفترة الماضية، الأمر الذي سمح له دون انتهاك أي قوانين، بأن يحظى، على سبيل المثال، بتغطية إعلامية لمختلف نشاطاته، وهو ما لم تكن تحصل عليه بتلك الصورة حتى الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان السابق.
ومن جانب آخر فإن شغل ممثلي «روسيا الموحدة» المفاصل الرئيسية في الدولة على المستويين الفيدرالي والمحلي، أثر نفسيًا ولا شك على المزاجية الانتخابية للمواطنين الروس الذين، حالهم حال كثيرين، ينطلقون في اتخاذ القرار «لمَن يصوتون» من مبدأ «مَن تعرفه أفضل ممَّن تجهله»، ناهيك بأن مزاجية المجتمع الروسي ضمن الظروف المعقدة التي يمرّ بها حاليًا بسبب الأزمة الاقتصادية ليست مهيأة لتقبل أي تغيرات مجهولة النتائج، فكان الخيار لصالح حزب «روسيا الموحّدة». وأخيرًا، لعب التصادم مع الغرب ودفاع بوتين بشراسة عما يعتبره «الكرامة الوطنية» بوجه الغرب - أي اللعب على الوتر القومي والوطني - دوره في صياغة مزاجية نسبة كبيرة جدًا من الناخبين الروس، لا سيما أولئك الذين يذكرون التسعينات عندما كان الغرب يتعامل مع روسيا باستخفاف وكأنها «دولة صغيرة». كل هذه بعض العوامل التي أسهمت بشكل أو بآخر بفوز حزب «روسيا الموحّدة» في الانتخابات الحالية بأغلبية دستورية في البرلمان.

... والمعارضة تشكك
لقد سارع حزب «روسيا الموحّدة» إلى الاحتفال بانتصاره في الانتخابات بعد ساعات قليلة على إغلاق مراكز الاقتراع، حين بدأت الشاشات تبث النتائج الأولية لفرز الأصوات في أقاليم أقصى شرق روسيا وغيرها، وبينما كانت مراكز استطلاع الرأي تبث النتائج الأولية بناء على مسح عام أجرته خارج مراكز الاقتراع بين الناخبين بعد التصويت، أظهرت تقدّم الحزب. وبهذه المناسبة زار الرئيس بوتين مقر «روسيا الموحّدة» في العاصمة موسكو يرافقه الزعيم الحالي للحزب رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيديف، الذي قال إن «النتيجة التي حققها الحزب في الانتخابات جيدة. حزبنا سيحصل على الغالبية المطلقة في البرلمان». وأكد بوتين بعده على أن النتيجة جيدة، معربًا عن اقتناعه بأن «الناس في ظل هذه الظروف المعقّدة يختارون دون شك الاستقرار، ويمنحون ثقتهم للقوة السياسية القائدة في البلاد. يثقون بالحكومة التي تعتمد على كتلة روسيا الموحدة في البرلمان، ويثقون بأننا سنعمل كلنا معا بمهنية وبما يخدم مصالح المواطنين والبلاد».
وبينما أعلن كل من فلاديمير جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، وسيرغي ميرونوف زعيم حزب «روسيا العدالة» عن رضاهما على نتائج الانتخابات، لم يكن غينادي زوغانوف زعيم الحزب الشيوعي راضيًا، بل اشتكى من «سرقة أصوات» كان يفترض أن تكون لصالح حزبه، ويقصد بذلك حزبين هما «حزب الشيوعيين الروس» و«حزب المتقاعدين»، ووصفهما بأنهما حزبا «نصب» استخدمهما الكرملين في العملية الانتخابية. وحذّر زوغانوف حزبي «النصب» هذين، وحزب السلطة ذاته من «اللعب بالنار»، وفق ما قال زوغانوف في حديث عبر وسائل الإعلام الروسية.
غير أن الانتقادات الأكثر شدة للانتخابات البرلمانية الروسية الحالية جاءت على لسان رئيس الحكومة الروسية سابقًا ميخائيل كوسيانوف، زعيم حزب «باراناس»، الذي اعتبر أن «الانتخابات لم تكن حرة، ولم تكن نزيهة، والنتائج لم تكن دقيقة». وأردف أن «هذا يدفع إلى استنتاج وحيد: الانتخابات لم تكن شرعية، والبرلمان الذي سيتشكّل بناء على نتائجها لن يكون مؤسسة شرعية». أيضًا، وصف كوسيانوف الانتخابات بأنها «كانت الفرصة الأخيرة لتغيير السلطة في البلاد بأسلوب ديمقراطي»، معربا عن قناعته بأنه بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات «تراجعت إلى حد كبير فرصة التغيير الدستوري السلمي للسلطة».
أما الحزب المعارض الآخر «يابلوكو»، فقد اعتبر على لسان زعيمه غريغوري يافلينسكي أن نسبة التصويت المتدنية بشكل عام لصالح حزبه أتت على خلفية موقفه من الأزمة مع أوكرانيا وموضوع القرم. وتجدر الإشارة إلى أن يافلينسكي يعارض ضم القرم إلى روسيا الاتحادية، وكان قد دعا إلى إعادة الاستفتاء في شبه الجزيرة حول مصيرها، لكن على أساس إجراء الاستفتاء وفق القوانين الأوكرانية. واقترح أيضًا إقامة «حزام أمان» بين روسيا وأوكرانيا، وحذر من أن رفض إعادة القرم قد يتحوّل إلى مسألة تؤرق روسيا لسنوات طويلة.

المواقف الدولية من الانتخابات
والواقع أن قضية شبه جزيرة القرم، المطلة على البحر الأسود، طفت من جديدة على سطح الخلافات بين «الجارتين»، روسيا وأوكرانيا، إبان حملة الانتخابات الروسية، إذ عارضت أوكرانيا بشدة نيات روسيا إجراء الانتخابات في القرم أيضًا، كما قررت رفض السماح للمواطنين إذا ما أصرّت موسكو على مشاركة القرم في العملية الانتخابية. ومن ثم، لم تكترث روسيا للاعتراضات الأوكرانية، ونظم التصويت في القرم حالها حال مختلف الأقاليم الروسية خلال الانتخابات يوم 18 سبتمبر الحالي. ولقد أدانت أوكرانيا في بيان رسمي عن وزارة الخارجية تلك الانتخابات محذّرة من أنها ستسلّم الشركاء الغربيين قائمة بأسماء الشخصيات الضالعة، بصورة مباشرة، في تنظيم تلك الانتخابات بغية ضمهم إلى قائمة العقوبات الغربية ضد روسيا.
وفي سياق متصل انتقدت منظمة «فريدوم هاوس» Freedom House إجراء الانتخابات البرلمانية الروسية في القرم، واعتبرت أنها لا يمكن أن تمنح الشرعية لضم السلطات الروسية شبه الجزيرة. كذلك وصفت المنظمة الانتخابات هناك بأنها «لم تكن شرعية حرة وعادلة»، نظرًا لأن «سكان القرم لم يتمكنوا من اتخاذ القرار بخصوص مَن سيفوز في تلك الانتخابات ومن سيمثلهم»، حسب بيان رسمي عن روبرت غيرمان نائب رئيس «فريدوم هاوس». وتبنّى الاتحاد الأوروبي موقفا مماثلا، وعلما بأن فيديريكا موغيريني، المفوضة الأوروبية لسياسة الأمن والشؤون الخارجية، كانت قد صرحت في بيان رسمي بعد ظهور نتائج الانتخابات بأن «الاتحاد الأوروبي لا يعترف بالضم غير الشرعي لشبه جزيرة القرم و(ميناء) سيفاستوبول إلى الاتحاد الروسي، وبالتالي، لا يعترف بنتائج الانتخابات البرلمانية الروسية في القرم وسيفاستوبول».
وأكدت موغيريني أن المراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والدبلوماسيين من دول الاتحاد الأوروبي لم يشاركوا في مراقبة العملية الانتخابية في القرم وسيفاستوبول، مشددة على تمسك الاتحاد الأوروبي بدعمه لوحدة الأراضي الأوكرانية. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن موقف مماثل قبل الانتخابات بيوم. وفي ضوء هذه المواقف يحذر مراقبون سياسيون من أن تؤدي هذه المواقف لاحقًا إلى التشكيك بشرعية القرارات التي يصوّت عليها مجلس «الدوما» بمشاركة ممثلي، أو نواب، القرم.
وفي السياق نفسه، أشارت المفوضة موغيريني إلى تقرير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الذي، وإذ أكد على زيادة مستوى الشفافية والثقة في الانتخابات البرلمانية الحالية، فإنه سجل «مجموعة من المشكلات التي شابت العملية الانتخابية، ومنها تراجع نسبة المشاركة في التصويت، والتأثير السلبي الذي تركه على الانتخابات وعلى مشاركة المواطنين فيها، والحد من الحريات الرئيسية والحقوق، والتحكم بوسائل الإعلام وممارسة الضغط على المجتمع المدني»، وفق ما جاء في تقرير مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ومما أورده المراقبون «جملة انتهاكات» ادعوا أنه حدثت خلال فرز الأصوات، وأن الأحزاب التي تنافست في الانتخابات البرلمانية لم تقدم برامج انتخابية واضحة الأمر الذي أدى إلى الحد من خيارات الناخبين.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.