حلب في جحيم الغارات.. والأمم المتحدة تبحث عن طريق بديل لإيصال المساعدات

المعارضة السورية تعتبرها استمرارا لسياسة تهجير المناطق.. وخبراء يستبعدون قدرة النظام على الحسم

جانب من الدمار الذي خلفته غارة للنظام السوري على منطقة الأنصاري شمال مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي خلفته غارة للنظام السوري على منطقة الأنصاري شمال مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
TT

حلب في جحيم الغارات.. والأمم المتحدة تبحث عن طريق بديل لإيصال المساعدات

جانب من الدمار الذي خلفته غارة للنظام السوري على منطقة الأنصاري شمال مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي خلفته غارة للنظام السوري على منطقة الأنصاري شمال مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)

غرقت الأحياء الشرقية في مدينة حلب، عاصمة شمال سوريا، أمس في جحيم الغارات الكثيفة التي شنتها طائرات حربية نظامية وروسية، متسببة بدمار هائل وسقوط ما لا يقل عن 40 قتيلا. وجاءت الغارات بعد ساعات قليلة من إعلان جيش نظام بشار الأسد بدء هجوم في المنطقة، وهو ما اعتبرته المعارضة استمرارًا لسياسة تهجير المناطق على غرار ما حصل في داريا والمعضمية بضواحي العاصمة دمشق وحي الوعر في مدينة حمص، ورسالة إضافية تؤكد رفض النظام إيصال المساعدات إلى المدينة. كذلك جاءت في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة أمس أنها تبحث عن طريق بديل لإرسال مساعدات إلى الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب بينما لا تزال 40 شاحنة عالقة في منطقة بين تركيا وسوريا.
المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لاركي قال أمس: «نحاول أن نرى بكل الوسائل كيف يمكننا الوصول إلى القسم الشرقي من حلب»، واصفا الوضع في المدينة التي يعيش فيها نحو 250 ألف شخص بـ«المأساوي». وكانت الأمم المتحدة قد حاولت إيصال المساعدات عن طريق الكاستيلو، شمال غربي المدينة. لكن نزع الأسلحة في هذا الطريق الاستراتيجي بموجب ما ورد في الاتفاق بين الروس والأميركيين لم يحصل، إضافة إلى استهداف الطيران قافلة المساعدات.
وأوضح مصدر عسكري نظامي في دمشق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن العمليات البرية في حلب لم تبدأ بعد، مضيفا: «حين أعلنا بدء العمليات البرية، فهذا يعني أننا بدأنا العمليات الاستطلاعية والاستهداف الجوي والمدفعي، وقد تمتد هذه العملية لساعات أو أيام قبل بدء العمليات البرية»، مشيرا إلى أن «بدء العمليات البرية يعتمد على نتائج هذه الضربات». وبحسب مصدر عسكري ثان في دمشق، فإن «هدف هذه العملية هو توسيع مناطق سيطرة الجيش» في حلب، لافتا إلى «وصول تعزيزات مؤخرا إلى حلب تعزز القدرة على القيام بعملية برية».
في المقابل، اعتبر سمير نشار، عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، وابن مدينة حلب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحصل اليوم في حلب هو بهدف السيطرة على المدينة وتكرار سيناريو التهجير الذي حصل في داريا ومعضمية الشام وحي الوعر»، لكنه أردف «إن حلب عصية على محاولات كهذه وهي لن تخضع». ثم أضاف: «حلب التي يقاتل فيها أكثر من 10 آلاف عنصر ويسكنها أكثر من 250 ألف نسمة لن يقبل أهلها أن يهجروها ولن يقبل الثوار أن يغادروها». ورغم كل ما يحصل والحملة العسكرية العشوائية، ما زال نشار يعوّل على الموقف الدولي ولا سيما الأميركي، إذا أراد ذلك، لوقف العملية على حلب، قائلا: «لا أزال أراهن على موقف قوي من واشنطن التي أرسلت رسالة قاسية للنظام ومن خلفه روسيا عبر قصف مقرات الأول في دير الزور، ويبدو واضحا أن الحملة على حلب هي ردّ على هذا الأمر».
بدوره، اعتبر أحمد أبا زيد، الباحث في الشأن السوري، أن النظام غير قادر على حسم المعركة في حلب، وشرح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: إن «الحملة على حلب هي الأعنف في تاريخ المدينة. ويبدو أنها نتيجة فشل الهدنة والمباحثات الروسية - الأميركية، إضافة إلى أنها رسالة واضحة إلى رفض النظام إيصال المساعدات إلى الأحياء الشرقية المحاصرة، عبر توسعة خط الفصل بين الريف والمدينة من طريق الكاستيلو والراموسة». ثم أضاف: «هذه المعركة هي استنزاف عسكري للطرفين بعد أربع سنوات من الحرب لم يحصل فيها أي تبدّل كبير في المواقع»، مستطردًا «من هنا لا يبدو أن تطورا ميدانيا سيتحقق الآن، لا سيما أن النظام ليس لديه القدرة على التقدم بريًا، وإذا تحقّق سيكون مكلفا كثيرا بالنسبة إليه، لا سيما أن تكلفة الحرب في المدن تكون عادة أكبر بكثير».
في هذه الأثناء تتعرض الأحياء الشرقية في حلب، والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة منذ العام 2012. لغارات كثيفة منذ ليل أول من أمس، تنفذها طائرات روسية وسورية، وفق ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وقال عمار السلمو، مدير الدفاع المدني في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شرق حلب، بأن قصفا عنيفا لهذه المناطق أسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصا وتدمير 40 مبنى على الأقل منذ صباح الجمعة. ومن جهته، أكد «المرصد» مقتل «27 مدنيا على الأقل بينهم ثلاثة أطفال جراء ضربات شنتها الطائرات الروسية وهليكوبترات النظام على أحياء الكلاسة والقاطرجي وباب النيرب والمعادي والفردوس ومناطق أخرى في شرق مدينة حلب». وتسببت هذه الضربات وفق «المرصد» بـ«سقوط عشرات الجرحى والمفقودين» جراء هذه الضربات.
وقال مراسل (أ.ف.ب) في مناطق المعارضة في حلب بأن «القصف عنيف جدا»، لافتا إلى أن طائرات حربية تشن غارات تليها هليكوبترات تقصف بالبراميل المتفجرة، قبل أن يبدأ القصف المدفعي. وأشار إلى أن طائرات استطلاع تحلق فوق الأحياء الشرقية لالتقاط الصور قبل أن يقوم سرب من الطائرات الروسية والنظامية بالقصف. وبسبب كثافة القصف، بات متطوعو الدفاع المدني عاجزين عن الاستجابة والتحرك لإنقاذ الضحايا، خصوصا بعدما استهدفت الغارات صباحا مركزين تابعين لهم في حيي هنانو والأنصاري، وفق مراسل الوكالة، مؤكدا أن جرافة واحدة كانت تعمل على رفع الأنقاض، فيما يقف عمال الإغاثة مذهولين محاولين رفع الركام بأيديهم بحثا عن العالقين تحته.
وحسب التقارير فرت عائلات من أحياء تشكل جبهات ساخنة في شرق حلب في اليومين الأخيرين إلى أحياء أخرى، لكن لا طريق أمامها للخروج من المدينة. ويعيش نحو 250 ألف شخص في مناطق المعارضة في المدينة التي تشهد منذ صيف العام 2012 معارك وتبادلا للقصف بين قوات النظام في الأحياء الغربية والفصائل المعارضة الموجودة في الأحياء الشرقية. ويقول محلل سوري قريب من النظام لـ(أ.ف.ب) بأن «المعارك بدأت إثر فشل الاجتماع الدولي»، مضيفا: «إنها المفاوضات بالنار في حلب». وأردف «على الأميركيين أن يفهموا أنه طالما لم يفوا بالتزاماتهم (اتفاق الهدنة) وتحديدا لناحية فك الفصائل (المعارضة) ارتباطها عن جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، فإن الروس والجيش السوري سيتقدمون». وهنا نشير إلى أن قوات النظام طلبت في بيان أصدرته الخميس، من المواطنين «الابتعاد عن مقرات ومواقع العصابات الإرهابية المسلحة»، مشيرة إلى أنه «لا مساءلة أو توقيف لأي مواطن يصل إلى نقاطها».
وانهارت الاثنين هدنة استمرت أسبوعا في مناطق سورية عدة بينها مدينة حلب. وكان تم التوصل إليها بموجب اتفاق روسي أميركي. وتبادلت موسكو وواشنطن الاتهامات بعرقلة تنفيذ وقف إطلاق النار.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.