تحرير مناطق جديدة في الأنبار.. وتطويق جزر يسيطر عليها «داعش»

ضعف التنظيم المتطرف أفقده القدرة على المقاومة

جانب من تحرير قضاء الشرقاط جنوب مدينة الموصل من قبضة «داعش» («الشرق الأوسط»)
جانب من تحرير قضاء الشرقاط جنوب مدينة الموصل من قبضة «داعش» («الشرق الأوسط»)
TT

تحرير مناطق جديدة في الأنبار.. وتطويق جزر يسيطر عليها «داعش»

جانب من تحرير قضاء الشرقاط جنوب مدينة الموصل من قبضة «داعش» («الشرق الأوسط»)
جانب من تحرير قضاء الشرقاط جنوب مدينة الموصل من قبضة «داعش» («الشرق الأوسط»)

لا تزال القوات الأمنية العراقية المتمثلة بقوات الجيش العراقي ومقاتلي عشائر محافظة الأنبار تخوض المعارك في ثلاث جزر حيوية تقع على نهر الفرات ومحاذية لمدن الرمادي وهيت والبغدادي، حيث تمكنت القوات العراقية من استعادة السيطرة على معسكر استراتيجي في منطقة جزيرة الرمادي، وكذلك تحرير مناطق شاسعة من تلك الجزر والعشرات من القرى والبلدات التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش في الجزر الثلاث، وقال قائد عمليات الأنبار، اللواء الركن إسماعيل المحلاوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «قوات الفرقتين السابعة والعاشرة في الجيش العراقي وبمشاركة مقاتلي عشائر الأنبار تمكنوا من استعادة مناطق مهمة في جزر الرمادي وهيت والبغدادي، وكان من أهم تلك المناطق المحررة هو معسكر (برافو) الواقع شمالي مدينة الرمادي بعد أن شنت قوات الفرقة العاشرة ومقاتلي العشائر، هجومًا واسع النطاق على المعسكر الواقع في الجزء الشمالي لجزيرة الرمادي، وفور دخول قواتنا إلى المعسكر لاذ مسلحو التنظيم الإرهابي بالهرب خشية من مواجهة قطعاتنا العسكرية؛ ولهذا المعسكر أهمية استراتيجية؛ كونه قطع إمداد التنظيم عن صحراء (حديثة) بالكامل بعد تحريره».
وأشار المحلاوي إلى أن «القوات الأمنية العراقية وفور تحرير معسكر برافو استطاعت تطويق جزيرة الرمادي من محاورها الثلاث الجنوبية والشرقية والشمالية للجزيرة والالتفاف على المناطق التي يتواجد فيها عناصر التنظيم الإرهابي من أجل القضاء عليهم هناك وإعلان جزيرة الرمادي محررة بالكامل وتمكنت من تحرير قرى الطسية، والصبخة، وبروثة، والجبرية، والقطنية ووصلت قواتنا إلى سن الذيب باتجاه الدولاب، وصولاً إلى جزيرة هيت، حيث ستلتقي قواتنا هناك، ومن ثم الانطلاق لتحرير آخر ثلاث مدن من مدن محافظة الأنبار الأربعين، حيث ما زال التنظيم الإرهابي يسيطر على مدن عنة وراوة والقائم الحدودية مع سوريا».
إلى ذلك، شنت القوات الأمنية العراقية هجومين متزامنين لاستعادة جزيرتي هيت والبغدادي من قبضة «داعش»، وقال القيادي في قوات عشائر محافظة الأنبار، الشيخ قطري السمرمد العبيدي إن «القطعات العسكرية التابعة لقيادة الفرقة السابعة في الجيش العراقي، وبمشاركة فاعلة من قبل مقاتلي عشائر الأنبار تمكنت وخلال عملية عسكرية واسعة من تحرير منطقتي الجرد والطايسة بين جزيرتي البغدادي وهيت، الواقعتين على بعد 70 كلم من مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار».
وأشار العبيدي إلى أن «القوات العراقية وخلال عمليات تحرير جزيرتي هيت والبغدادي لم تواجه مقاومة عنيفة لتنظيم من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي؛ كون أغلب قادة التنظيم وعناصرهم هربوا إلى مدن القائم وعنة وراوة غرب الأنبار، ولم نشهد وجودا واضحا لهم في المناطق المستهدفة في الجزيرتين».
يذكر، أن القوات الأمنية تمكنت من تحرير غالبية مدن الأنبار ومناطقها الرئيسة، وأهمها مركز المحافظة، الرمادي، والفلوجة أكبر أقضيتها وقضاء الرطبة وهيت من قبضة التنظيم، فيما تراجع نفوذ التنظيم في العراق، بعد أن سيطر على ثلث مساحة البلاد قبل نحو عامين، نتيجة العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الحكومية العراقية. وفي مدينة الرطبة الحدودية للعراق مع الأردن، قال مصدر أمني إن «تنظيم داعش شن هجوم بثلاث سيارات مفخخة، مستهدفًا مقرًا للشرطة الاتحادية في منطقة الخمسة كيلو في مدينة الرطبة غربي الأنبار، حيث انفجرت السيارات الثلاث قرب مدخل المقر؛ ما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف الشرطة».
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه «إن مسلحي تنظيم داعش حاولوا عقب عملية التفجير مهاجمة المقر لاقتحامه، واشتبكوا مع عناصر حمايته الذين أجبروا التنظيم على الانسحاب، فيما انتشرت عناصر الشرطة الاتحادية قرب المقر لمنع أي محاولة للهجوم، حيث ستقوم عناصر التنظيم بشن هجمات ومناورات من أجل تأخير تقدم القوات العراقية للمناطق الغربية التي ما زالت واقعة تحت سيطرة التنظيم».
وأشار المصدر إلى أن جبهة الرطبة تعد من الجبهات الهشة، التي يستطيع «داعش» شن هجماته عليها لبعدها في أقصى الغرب؛ لذا فإنه «يتحتم على القيادة العسكرية تعزيز أمنها وتحصينها بقطعات عسكرية إضافية، وتأمين حمايتها وعدم منح أي ثغرة للتنظيم».
ورغم طرد تنظيم داعش من عدد من مدن محافظة الأنبار فإنه ما زال يشكل خطرًا محدقًا بعدد من المناطق، خصوصا النائية منها؛ الأمر الذي دفع مسؤولين محليين إلى مناشدة الحكومة بعدم إهمال الملف الأمني في المحافظة والانشغال عنها، محذرين من خطورة استعادة التنظيم لمناطق استراتيجية في المحافظة.
من جانب آخر، أعلنت قيادة العمليات المشتركة عن تحرير قضاء الشرقاط شمالي محافظة صلاح الدين من قبضة تنظيم داعش، وقال المتحدث باسم العمليات المشتركة، العميد يحيى رسول الزبيدي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «القوات الأمنية العراقية حققت انتصارًا جديدًا بتحرير قضاء الشرقاط، وبإشراف القائد العام للقوات المسلحة، وبتخطيط وتنسيق مسبق من قبل قيادة العمليات المشتركة». وأضاف الزبيدي «لقد خاضت قواتنا المسلحة وخلال 72 ساعة فقط معركة نوعية خاطفة تكللت بتحرير قضاء الشرقاط بالكامل، ورفع العلم العراقي على المقرات الحكومية فيه».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».