حلب تعيش أصعب أيامها.. وعشرات الغارات تسوي مباني سكنية بالأرض

مصدر معارض: المشافي عاجزة عن استيعاب المصابين.. ومعظمهم يعالجون في الشوارع

رجل يبحث عن ضحايا بين أنقاض مبنى دمر بأكمله أمس بعد غارة من الطيران على حي القاطرجي بحلب (أ.ف.ب)
رجل يبحث عن ضحايا بين أنقاض مبنى دمر بأكمله أمس بعد غارة من الطيران على حي القاطرجي بحلب (أ.ف.ب)
TT

حلب تعيش أصعب أيامها.. وعشرات الغارات تسوي مباني سكنية بالأرض

رجل يبحث عن ضحايا بين أنقاض مبنى دمر بأكمله أمس بعد غارة من الطيران على حي القاطرجي بحلب (أ.ف.ب)
رجل يبحث عن ضحايا بين أنقاض مبنى دمر بأكمله أمس بعد غارة من الطيران على حي القاطرجي بحلب (أ.ف.ب)

عاشت مدينة حلب ليلة هي الأعنف منذ بدء الأحداث في سوريا، حيث أعلن معارضون سوريون أن الطيران الروسي والسوري نفّذ أكثر من 100 غارة جوية على الأحياء الشرقية المحاصرة، بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي غير مسبوق، ما أدى إلى تدمير عدد كبير من المباني بالكامل، وسقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح.
وأفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية من داخل أحياء حلب الشرقية، «باستهداف هذه الأحياء بأكثر من مائة غارة طالت المدينة وريفها بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء، واستمرت حتى ساعات الفجر، الأمر الذي منع السكان من النوم نظرا لشدة القصف». وأشار إلى أن الغارات «لم تتوقف إلا بعد أن بدأ هطول الأمطار بغزارة صباحا».
وأدى القصف الذي طاول بعد منتصف الليل حي السكري شرق حلب، إلى تدمير مبنى من ستة طوابق بالكامل، وقال أبو أحمد، وهو من سكان الحي لمراسل «وكالة الصحافة الفرنسية»، أثناء إزالته الحجارة والزجاج المحطم من أمام مبنى مجاور: «كان في المبنى (المستهدف) شقيقان فقط، وقبل ساعة من القصف، كنت أزورهما وشربنا الشاي معا، ونصحني أحدهما بوجوب أن أخلي منزلي في الطابق الرابع وأنزل مع عائلتي إلى الطوابق السفلية بسبب عودة القصف الجوي». وأضاف: «لم يمض على مغادرتي إلا ساعة حتى سقط صاروخ على الحارة أدى إلى تدمير المبنى بأكمله وقُتل الشقيقان».
من جهته، أوضح الناطق العسكري باسم تجمع «فاستقم كما أمرت»، عمار سقّار، في تصريح لـ«الشرق الأوسط، أن «طيران الاحتلال الروسي وطيران النظام، كثّف غاراته على الأحياء السكنية للمدنيين في المنطقة المحاصرة في حلب، واستخدم البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، لإيقاع أكبر عدد من الضحايا». وأكد أن القصف «استهدف أحياء القاطرجي، والمشهد، وصلاح الدين، والسكري، وأحياء أخرى».
وللمرّة الأولى لم يجر تحديد عدد الضحايا بسبب تواصل الغارات، وقال سقّار: «حتى الآن لا توجد لدينا إحصائية دقيقة لعدد (الشهداء)، لكن الضحايا كثر، وما زالت هناك جثث تحت أنقاض أربعة مباني سكنية دُمرت بالكامل»، مشيرًا إلى أن «الغارات ما زالت مستمرة، وكل 10 دقائق هناك غارة، وهذا يتم في منطقة محاصرة لا يوجد لديها مخزون كاف من الأدوية». وأضاف: «المشافي في حلب عاجزة عن استيعاب المصابين، لأن معظمها بات خارج الخدمة، بعدما دمرها الطيران الروسي». وأكد أن «معظم الجرحى تتم معالجتهم في الشوارع».
ورأى الناطق العسكري باسم تجمع «فاستقم كما أمرت»، أن «السبب الأساسي للقصف الجنوني، هو فشل عصابات الأسد في التقدم على محور مخيم حندرات أمس (الأول) بعد أن تكبدوا خسائر كبيرة».
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن «عشرات الغارات الجوية التي شنّتها طائرات حربية سورية وروسية على مدينة حلب وأطرافها الجنوبية الغربية، ترافقت مع اشتباكات عنيفة، دارت بين قوات النظام وحلفائه من جهة وفصائل المعارضة من جهة أخرى جنوب غربي مدينة حلب، ساهمت في تقدم قوات النظام في المنطقة، حيث استعادت السيطرة على أبنية عدة كانت خسرتها الشهر الماضي»، مشيرًا إلى «مقتل أربعة أشخاص يعملون في منظمة طبية غير حكومية، جراء غارة جوية استهدفت مركزا طبيا في منطقة خان طومان في ريف حلب الجنوبي».
وأقر عمار سقّار بالهجوم الذي نفذته قوات النظام جنوب حلب، لكنه نفى تقدمها في أي نقطة، وقال: «لقد حاولت عصابات الأسد التقدم باتجاه محاور 1070 شقة وتلة مؤتة، لكن الثوار تمكنوا من التصدي للهجوم، وكبدوا القوات المعادية خسائر قدرت بـ20 قتيلاً»، متحدثًا عن تعزيزات للفصائل في هذه المنطقة لمنع أي تقدم للنظام وحلفائه على هذا المحور.
على جبهات أخرى، دارت اشتباكات عنيفة بين فصائل المعارضة من جهة، وقوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة أخرى، في ريف حماه الشمالي في وسط البلاد. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصدر مقرب من النظام، أن كتائب الأسد مدعومة بمقاتلين مما يسمى «حزب الله» اللبناني «بدأت فجر الأربعاء (أمس) هجوما باتجاه بلدة معردس والقرى التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، بغية توسيع نفوذ الجيش في ريف حماه الشمالي واستعادة القرى التي خسرها وبالتالي تأمين مدينة حماه».
وخسرت قوات النظام نهاية الشهر الماضي كثيرا من المدن والبلدات الاستراتيجية شمال مدينة حماه، ومن أهمها صوران وحلفايا وطيبة الإمام وعشرات القرى المنتشرة في محيطها، إضافة إلى خسارتها مقر اللواء 87 التابع للفرقة 11، ومقتل قائده اللواء علي خلوف الذي يعد واحدا من عشرات العناصر الحكومية الذين قتلوا في معارك حماه.
وذكر المصدر أن القوات البرية «تحركت باتجاه بلدة معردس، في محاولة لاستعادتها كهدف ذي أولوية كونها تشكل عقدة الوصل بين تجمعات القرى في الريف الشمالي». وأكد أن «اشتباكات ضارية تدور بين القوات الحكومية وفصائل (جيش الفتح) في محيط القرية، حيث تستميت قوات المعارضة في الدفاع عنها، نظرا لقربها من جبل زين العابدين المشرف على مدينة حماه»، مشيرًا إلى أن «الطيران الروسي يشارك في العملية العسكرية ويؤازر القوات البرية».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.