مدير بعثة الأزهر إلى أفغانستان: تخرج على أيدينا شبان يتولون مناصب مرموقة في الدولة

البحيري قال في حوار مع {الشرق الأوسط} إن المعهد الأزهري في كابل يقدم البديل لفكر التطرف

مدير المعهد الأزهري في كابل الدكتور زغلول السيد عطية البحيري
مدير المعهد الأزهري في كابل الدكتور زغلول السيد عطية البحيري
TT

مدير بعثة الأزهر إلى أفغانستان: تخرج على أيدينا شبان يتولون مناصب مرموقة في الدولة

مدير المعهد الأزهري في كابل الدكتور زغلول السيد عطية البحيري
مدير المعهد الأزهري في كابل الدكتور زغلول السيد عطية البحيري

قبل شهور من سقوط نظام طالبان، التقيت عام 2000 بالملا قاسم حليمي، وكان أول أفغاني أتعرف عليه يتحدث العربية بطلاقة. كان حليمي يشغل مدير بروتوكول الخارجية الأفغانية، والآن بات يشغل منصب كبير الخبراء في المحكمة العليا، وهو حاصل على الدكتوراه في الشريعة ومقارنة الأديان من جامعة الأزهر. وهناك اليوم أيضا، عشرات الشبان الأفغان يجيدون العربية وهم من خريجي جامعة أم القرى وجامعة الإمام محمد بن سعود في السعودية، ويحتلون المناصب العليا في حكومة الرئيس حميد كرزاي.
وخلال لقاء «الشرق الأوسط» مع المرشح الرئاسي عبد الله عبد الله في منزله الجميل في كارتييه بروان، بشمال كابل، قال إنه يتمني أن ترسل مشيخة الأزهر مزيدا من العلماء إلى أفغانستان لتدريس المنهج الوسطي للإسلام في مواجهة دعاوى التطرف وتجنيد الانتحاريين، بدلا من دعاوى الإرهابيين والفكر التكفيري، الذي أرجعوا تاريخ أفغانستان إلى الوراء. والمنهج الوسطي بحسب خبراء الشؤون الأفغانية في العاصمة كابل، هو البديل الحقيقي للمدارس الدينية التي نشرت فكر التطرف مثل المدرسة الحقانية في بيشاور، والتي تخرج فيها معظم قادة طالبان.
وخلال جولات «الشرق الأوسط» بين مقرات ومنازل كبار المرشحين الرئاسيين في العاصمة، أدركنا حرص كبار الساسة الأفغان وعلماء الدين الأفغان على وجود الأزهر، وزيادة دوره في أفغانستان.
أردت زيارة مقر المعهد الأزهري بكابل، فاصطحبت مع محمد نصير، وهو شاب أفغاني في الـ30 من العمر ومن خريجي الأزهر، ويعمل حاليا مترجما في كابل. في حي «شار لي» المطل على نهر كابل، كنا نسأل على المعهد الأزهري، فنرى ترحيبا كبيرا من الأفغان العاديين، ويسيرون معنا باتجاه المعهد الموجود في حي مزدحم للغاية، ويتبادلون الحديث بالداري والبشتو مع المترجم نصير، بحارة تلتف وتضيق وتصعد بين منازل الأفغان. وفي داخل المعهد التقت «الشرق الأوسط» بالدكتور زغلول السيد عطية البحيري، مدير المعهد، وهو من مدينة دمياط بمصر، وكذلك بعدد من المبعوثين الأزهريين، ودار حوار «الشرق الأوسط» معهم، وكانوا يرتدون «الجبة» أو العباءة الأزهرية المعروفة، وأصر أحدهم على أن أتوقف عن التصوير، بحثا عن عمامته التي يجلها، قبل أن ألتقط له صورة فوتوغرافية، وهو يضحك: «أرجوك حتى لا يؤنبنا فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب».
التقت «الشرق الأوسط» أيضا، مولاي حبيب الرحمن، المنسق عن الجانب الأفغاني مع مبعوثي الأزهر. ودار الحوار مع مدير المعهد الدكتور البحيري، على فترتين قبل وبعد صلاة العصر، التي شارك فيها الأساتذة والطلاب. وقال الشيخ أحمد عكاشة إبراهيم، وهو من سوهاج لـ«الشرق الأوسط» إنه عندما يريد أن يشترى شيئا لنفسه من أحد متاجر العاصمة كابل، فإنه يحرص على ارتداء الجلابية العادية، لأنه إذا خرج إلى التسوق بزيه الأزهري، فإنه لن يكفيه اليوم بطوله، بسبب إقبال الناس عليه بالعشرات، طلبا للدعاء والبركة، أو لمجرد الحصول على صورة مع «عالم أزهري». وجاء الحوار مع الدكتور البحيري على النحو التالي:
* متى أنشئ المعهد الأزهري في كابل.. وهل شاركتم في اختيار مقره في حي «شار لي» المزدحم؟
- المعهد يستقبل الطلاب منذ عام 2009، وهو أنشئ بموجب اتفاقية ومذكرة تفاهم بين مشيخة الأزهر وفاروق ورداك وزير التعليم الأفغاني، وجرى الاتفاق على إرسال 45 مبعوثا أزهريا لتعليم الطلاب الأفغان. في البداية استقبلنا 200 طالب في المرحلة الابتدائية، وهناك آمال أن يصل العدد الإجمالي إلى نحو ألف طالب يدرسون الشريعة والفقه واللغة العربية، أما النابهون والمتفوقون من الطلبة، فيذهبون، بعد انتهاء المرحلة الثانوية، إلى جامعة الأزهر في بعثات دراسية يدرسون العلوم الدينية والعلمية أيضا حسب رغبات الطلاب وتوجهاتهم.
* هل كانت هناك بنود للاتفاق بين وزارة المعارف الأفغانية ومشيخة الأزهر؟
- كان الاتفاق أن تتكفل جمهورية مصر العربية بالمرتبات بالنسبة للمبعوثين الأزهريين، والجانب الأفغاني يتكفل بالإقامة والمعيشة، والاتفاق وقع بين فضيلة الشيخ الراحل سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق، ووزارة المعارف الأفغانية ممثلة في وزيرها فاروق ورداك وافتتح المعهد عام 2009، في مقر دار الحفاظ الأفغاني، وهو الذي ندرس فيه اليوم، وستتخرج منه أجيال–إن شاء الله–قادرين على التحدث بالعربية وأيضا قادرين على نشر المنهج الوسطي للإسلام في ربوع أفغانستان، ووعدوا أن يكون هناك مقر مستقل للمعهد الأزهري في المستقبل.
* المنهج الوسطي للإسلام الذي تدرسونه وتنشرونه في معهدكم.. هل يجد صدى بين الأفغان؟
- لقد وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بالوسطية، فقال سبحانه: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا»، والوسطية جعلت المسلم ينظر إلى الحياة نظرة عدل. كما أن منهج الوسطية الذي هو سمة من سمات هذه الأمة ضمن لها الاستمرار والبقاء، وأنه لا وجود ولا بقاء للمغالين والمجافين، وهذا المنهج يجد أثرا طيبا في ربوع أفغانستان وهو البديل لفكر التطرف.. الوسطية هي شريعة العدل وغيرها إما إلى تفريط أو إفراط، وإما إلى الغلو أو الجفاء، ومنهج الوسطية يدعو إلى العلم والتعلم، ونبذ الهوى والتعصب، لذلك حثنا ديننا الحنيف على العلم والتعلم قال الله تعالى: «فاعلم أنه لا إله إلا الله». وقال تعالى أيضا: «إنما يخشى الله من عباده العلماء».
* هل تخرجت دفعات من الطلاب الأفغان من معهدكم الأزهري؟
- تخرجت الدفعة الأولى بعد أن أنهت مرحلة الصف الثالث الثانوي العام الماضي، وعددهم 17 طالبا سيسافرون إلى مصر في إطار منح دراسية حصلوا عليها من جامعة الأزهر. وينتظر هؤلاء الآن انتهاء المعاملات الرسمية واستخراج جوازات سفر لهم والحصول على التأشيرات الخاصة. سيدرسون في جامعة الأزهر ما يرغبون فيه من علوم دينية أو شرعية أو فقهية. المجال مفتوح أمامهم للدراسة في كلية الشرعة والقانون، أو كلية اللغة العربية، أو الدراسات الإسلامية أو اللغات والترجمة.
* ما مدى الأعمار السنية والمراحل الدراسية التي تستقبلون فيها الطلاب الأفغان؟
- الدراسة في المعهد الأزهري من المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية، وجميع الكتب التي يعتمد عليها الطلبة الأفغان لتعلم العربية والعلوم الشرعية تأتي من الأزهر وتوزع مجانا عليهم.
* ماذا تدرسون للطلبة الأفغان؟
- أولا ندرس للطلبة الأفغان فروع اللغة العربية بالكامل من نحو وصرف وبلاغة وأدب. أما العلوم الشرعية فندرس لهم، الحديث والتفسير والتوحيد والسيرة النبوية المشرفة، بالإضافة إلى حفظ القرآن الكريم. من الصف الأول إلى السادس يتعين على الطالب أن يحفظ عن ظهر قلب 18 جزءا من القرآن، وقبل إتمام الشهادة الثانوية يجب عليه أن يكمل حفظ القرآن ويعد ذلك جواز المرور للتخرج، والحصول على بعثة دراسية في جامعة الأزهر بمصر.
* الدراسة بمعهدكم الأزهري.. هل تؤهل الطلاب الأفغان الحصول على وظائف في سوق العمل؟
- من يتخرج من كلية الشريعة والقانون، ويحصل على شهادة جامعية بذلك من جامعة الأزهر، يكون الباب مفتوحا أمامه للعمل في سلك النيابة العامة أو القضاء أو المحكمة العليا وهي جهة قضائية مستقلة عن وزارة العدل الأفغانية، ولذا تجد الطلبة الأفغان يسعون إلى الالتحاق بالمعهد، وكثير من خريجي جامعة الأزهر وصلوا إلى مراكز مرموقة في الدولة.
* كيف ينظر المواطنون العاديون إليكم وإلى الزي الأزهري الذي ترتدونه؟
- أقول بكل صراحة نشعر أنهم ينظرون، إلى تلك العمامة التي فوق رؤوسنا بكل احترام، وهناك كثير من المواقف اليومية في الأسواق والشارع الأفغاني، تؤكد أنهم يحبون العاملين في مجال الدعوة، ويبجلون مشايخ الأزهر، لدرجة أننا في يوم الإجازة أنا وزملائي المشايخ، نفضل أن نتجول بالجلاليب العادية ونضع طاقية فوق رؤوسنا ونخلع الزي الأزهري، حتى لا نسبب حرجا لأنفسنا أو لهؤلاء الأفغان الطيبين، وإذا تحدث شيخ ما عن الأزهر بسوء مثلا، نجدهم يدافعون عن الأزهر ومشايخه باستماتة.
* كم هو عدد المشايخ الذين يعملون معكم في المعهد؟
- نحن اليوم كأسرة صغيرة مكونة من 25 شيخا، منهم الشيخ جمعة إبراهيم وكيل المعهد، وأنور شحاتة، وأحمد بسيوني أستاذ العمل الميداني، وآخرون وكلهم أساتذة أفاضل، وخلال الأيام المقبلة سينضم إلينا 16 شيخا يأتون من مصر.
* متى تعودون إلى مصر في إجازة دراسية؟
- في شهر ديسمبر (كانون الأول) تتوقف الدراسة ولا تستأنف إلا في نهاية فبراير (شباط)، بسبب الثلوج حيث تهبط درجات الحرارة إلى ما دون الصفر بكثير. ونعود إلى كابل في أول مارس (آذار). ويوميا نأتي في أتوبيس خاص من منطقة بهار ستان إلى حي شار ولي، حيث يوجد مقر المعهد.
* ما هي مواعيد الدراسة في معهدكم؟
- بسبب ترميم أحد الأبنية داخل المعهد، مواعيد الفصول الدراسية الآن من الخامسة إلى الثامنة. أما في الأيام العادية بالدراسة من الساعة الثامنة إلى الثانية عشرة ظهرا. وأستطيع القول إن الطلاب الأفغان على قدر عال من الذكاء، وكثير منهم يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب. ويوم 12 أبريل (نيسان) الحالي سنجري مسابقة لتحفيظ القرآن الكريم، تنتهي يوم 18 الحالي، وضمن شروط المسابقة لا يزيد سن الطالب من مرحلة الابتدائية حتى سن الـ20 عاما. ويجري امتحان حفظ القران على ثلاثة مستويات بثلاث جوائز، وهذه المستويات هي حفظ القران كله أو نصفه أو ربعه.
* هل تعودتم على الطعام الأفغاني أم أنكم تعيشون في مضيفتكم حيث تقيمون حياة مصرية خالصة؟
- عندنا طباخ أفغاني، تعلم إعداد الوجبات المصرية، ولكن تذوقنا الطعام الأفغاني من خلال العزومات، التي نلبيها أحيانا، وهو طعام طيب، وتعرفنا على وجبة «بولاني» و«منتو» و«كابلي بلاو».
* بعد أن تنتهي بعثتكم الأزهرية في كابل.. هل تعودون إلى الإمامة أم الأوقاف؟
- لا سأعود إلى قطاع المعاهد الأزهرية.



وزير يمني ينفي توقف تصاريح السفن إلى ميناء عدن

سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
TT

وزير يمني ينفي توقف تصاريح السفن إلى ميناء عدن

سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)

نفى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، صحة الأنباء التي تداولتها بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن وقف منح تصاريح دخول السفن إلى ميناء العاصمة المؤقتة عدن، مؤكداً أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وأنها تندرج في إطار الإشاعات التي تستهدف إرباك المشهد الاقتصادي والملاحي في البلاد.

وأوضح الإرياني، في تصريح رسمي، أنه وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية وحرصاً على طمأنة الرأي العام والقطاعَين التجاري والملاحي، جرى التواصل المباشر مع الجانب السعودي للتحقق مما أُثير، حيث تم تأكيد عدم صحة هذه الادعاءات بشكل قاطع، وأن الإجراءات المعمول بها تسير بصورة طبيعية ودون أي تغيير.

وأضاف أن عدداً من تصاريح دخول السفن إلى ميناء عدن تم إصدارها خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، بما يدحض كل ما تم تداوله من معلومات مغلوطة.

وشدد الوزير اليمني على أن ميناء عدن يواصل أداء مهامه وفق الأطر القانونية والتنظيمية المعتمدة، وأن حركة الملاحة والتجارة مستمرة بوتيرة طبيعية.

ودعا الإرياني وسائل الإعلام ورواد المنصات الرقمية إلى تحري الدقة واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، وتجنّب الانجرار خلف الشائعات التي لا تخدم استقرار البلاد ولا تصب في مصلحة المواطنين أو الاقتصاد الوطني.

وفي هذا السياق، ثمّن الوزير عالياً المواقف السعودية، ودورها الداعم لليمن في مختلف الظروف، وحرصها المستمر على تسهيل حركة التجارة والإمدادات، بما يُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية وتعزيز الاستقرار في المناطق المحررة.

تنسيق حكومي - أممي

بالتوازي مع ذلك، بحث وزير النقل اليمني، الدكتور عبد السلام حُميد، في العاصمة المؤقتة عدن، مع مصطفى البنا المنسق الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أوجه الدعم الذي يقدمه المكتب إلى القطاعات والمؤسسات والهيئات التابعة للوزارة، خصوصاً في مجالات التدريب والتأهيل وبناء القدرات وتوفير الوسائل والمعدات الفنية.

وأشاد وزير النقل اليمني بالدعم الذي قدمه البرنامج الأممي، بما في ذلك توفير وسائل الاتصالات والتجهيزات للمركز الإقليمي لتبادل المعلومات البحرية، ووسائل مراقبة التلوث للهيئة العامة للشؤون البحرية، بالإضافة إلى برامج بناء القدرات لمؤسسات المواني والهيئة عبر برنامج مكافحة الجريمة البحرية العالمية في خليج عدن والبحر الأحمر.

ميناء عدن تعرض لأضرار كبيرة جراء الحرب التي أشعلها الحوثيون (الأمم المتحدة)

وقدم الوزير حُميد عرضاً مفصلاً عن احتياجات المواني والمطارات اليمنية، وفي مقدمتها ميناء ومطار عدن، إلى أجهزة كشف المتفجرات، بهدف تنسيق الدعم مع البرنامج الأممي والدول والصناديق المانحة.

وأكد أن توفير أجهزة حديثة ومتطورة لتفتيش الشحنات والمسافرين يُعد أولوية قصوى في ظل التحديات الأمنية الراهنة، لما لذلك من أثر مباشر في تعزيز أمن الملاحة البحرية وسلامة حركة الطيران المدني.

وتحدّث وزير النقل اليمني عن حرص وزارته على تسهيل عمل مكتب الأمم المتحدة وتذليل الصعوبات التي قد تعترض تنفيذ أنشطته، بما ينعكس إيجاباً على كفاءة أداء المواني والمطارات، ويعزز ثقة المجتمع الدولي بقدرة المؤسسات اليمنية على إدارة المنافذ الحيوية وفق المعايير المعتمدة.

ونسب الإعلام الرسمي اليمني إلى المسؤول الأممي أنه أشاد بمستوى التعاون والتنسيق القائم مع وزارة النقل والمؤسسات التابعة لها، مثمناً الجهود المبذولة لإنجاح برامج الدعم الفني والأمني.

وأكد المسؤول أن المكتب الأممي سيواصل تقديم الدعم اللازم إلى المؤسسات البحرية وسلطات إنفاذ القانون في اليمن، إلى جانب التنسيق مع الجهات المانحة لتوفير وسائل الكشف عن المتفجرات والأسلحة، بما يُسهم في تعزيز أمن النقل البحري والجوي ودعم الاستقرار الاقتصادي.


الحوثيون يجندون مئات السجناء في عمران وصعدة مقابل إطلاقهم

سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يجندون مئات السجناء في عمران وصعدة مقابل إطلاقهم

سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)

كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن مواصلة الجماعة الحوثية توسيع عمليات التجنيد القسري داخل السجون الخاضعة لسيطرتها، عبر إجبار مئات المحتجزين على الالتحاق بصفوفها والمشاركة في القتال مقابل الإفراج عنهم.

وبحسب المصادر، فقد أُجبر نحو 370 سجيناً على ذمة قضايا مختلفة في محافظتي عمران وصعدة، معقل الجماعة الرئيسي، على الخضوع لدورات تعبوية وعسكرية تمهيداً لإرسالهم إلى الجبهات.

وأفادت المصادر بأن الجماعة أطلقت في الأيام الماضية حملة تجنيد جديدة استهدفت مئات المحتجزين، بينهم سجناء على ذمة قضايا جنائية، في سجون عمران وصعدة. وشملت الحملة وعوداً بالعفو، وتسوية الملفات القضائية، مقابل الموافقة على الانخراط في القتال، في خطوة وُصفت بأنها جزء من سياسة ممنهجة لاستغلال أوضاع السجناء وظروفهم القاسية.

وفي محافظة عمران، تحدثت المصادر عن زيارات ميدانية نفذها قادة حوثيون، يتصدرهم القيادي نائف أبو خرفشة، المعين مشرفاً على أمن المحافظة، وهادي عيضة المعين في منصب رئيس نيابة الاستئناف، إلى السجون في مركز المحافظة ومديريات أخرى. ووفقاً للمصادر، جرى الإفراج عن 288 سجيناً بعد إجبارهم على القبول بالالتحاق بالجبهات القتالية.

قادة حوثيون يزورون أحد السجون الخاضعة لهم في صعدة (إعلام حوثي)

وأكد حقوقيون في عمران لـ«الشرق الأوسط» أن عناصر حوثية مارست ضغوطاً وانتهاكات واسعة بحق المحتجزين، شملت التهديد بالعقوبات، وسوء المعاملة، والحرمان من الزيارة، لإجبارهم على القبول بالذهاب إلى الجبهات، مقابل الإفراج عنهم، وتقديم مساعدات محدودة لذويهم. وعدّ الحقوقيون هذه الممارسات شكلاً صارخاً من أشكال التجنيد القسري المحظور بموجب القوانين الدولية.

ويروي أحد السجناء المفرج عنهم حديثاً في عمران، طلب إخفاء اسمه لدواعٍ أمنية، أن قيادات في الجماعة نفذت زيارات متكررة للسجن الاحتياطي وسط المدينة، وعرضت على المحتجزين أكثر من مرة الإفراج مقابل الالتحاق بدورات قتالية. وقال: «من يرفض يتعرض لعقوبات داخل السجن أو يُحرم من الزيارة». وأضاف أن التهديد المستمر، وسوء المعاملة دفعاه في النهاية إلى القبول بالانضمام للجماعة.

تجنيد في صعدة

فيما تندرج هذه التحركات ضمن مساعي الحوثيين لزيادة أعداد مقاتليهم، أفادت مصادر محلية بأن الجماعة أفرجت في محافظة صعدة عن 80 سجيناً من الإصلاحية المركزية والسجن الاحتياطي، بعد إجبارهم على الموافقة على الالتحاق بصفوفها والخضوع لدورات تعبوية.

وسبق ذلك قيام القيادي المنتحل صفة النائب العام محمد الديلمي، إلى جانب رئيسي محكمة ونيابة الاستئناف في صعدة سليمان الشميري وإبراهيم جاحز، بزيارات إلى السجون، أصدروا خلالها تعليمات بالإفراج عن المحتجزين مقابل انخراطهم في القتال.

قيادات حوثية تفرج عن سجناء مقابل الالتحاق بجبهات القتال (فيسبوك)

وتقول أم أحد المعتقلين في السجن المركزي بصعدة لـ«الشرق الأوسط» إن عناصر حوثية زارت منزلهم وأبلغتهم بأن الإفراج عن ابنها مرهون بموافقة الأسرة على ذهابه للجبهات. وتضيف: «نحن بين نارين، إما أن يموت داخل السجن نتيجة التعذيب والانتهاكات، وإما يُزج به في جبهات القتال».

وتأتي هذه الخطوات في ظل سعي الجماعة إلى تعزيز حضورها العسكري في الجبهات التي تشهد ضغوطاً متواصلة، إلى جانب مشاركتها فيما تسميه «معركة تحرير فلسطين».

تصاعد الشكاوى

ولا تقتصر المساومات الحوثية على سجناء عمران وصعدة، إذ امتدت خلال الفترة الأخيرة إلى محتجزين في محافظات عدة تحت سيطرتها، من بينها صنعاء وريفها وإب وذمار والحديدة وحجة. وكان آخر هذه الحالات الإفراج عن نحو 219 محتجزاً في سجون بمحافظة تعز، تنفيذاً لتوجيهات أصدرها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

جماعة الحوثي جندت مجاميع كبيرة من السجناء خلال الفترات الماضية (فيسبوك)

ويتزامن ذلك مع تصاعد شكاوى عائلات المحتجزين من تكثيف أعمال التطييف والتعبئة القسرية داخل السجون، حيث يحذر حقوقيون يمنيون من أن الإفراج المشروط بالتجنيد يمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان، ويحوّل السجناء إلى وقود بشري.

ويشدد الحقوقيون على ضرورة حماية حقوق المعتقلين، ووقف استغلالهم في العمليات القتالية، والدفع نحو حلول سلمية شاملة تضع حداً للنزيف الإنساني المتواصل.


«المحاسبون القانونيون» تحت طائلة الاستهداف الحوثي

جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)
جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«المحاسبون القانونيون» تحت طائلة الاستهداف الحوثي

جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)
جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)

وسّعت الجماعة الحوثية من دائرة انتهاكاتها الممنهجة لتطال عشرات المحاسبين القانونيين اليمنيين في العاصمة المختطفة صنعاء، عبر حملات تعقّب، وملاحقة، وتهديدات مباشرة بالتصفية، إلى جانب الاعتقال التعسفي، والإخضاع للتطييف الفكري، في خطوة وُصفت بأنها تعسفية، وتمثل تهديداً خطيراً لاستقلال المهنة، وسلامة العاملين فيها، وانعكاساً سلبياً على بيئة العمل القانونية والمحاسبية في البلاد.

ودفعت هذه الممارسات المتصاعدة منتسبي مهنة المحاسبة القانونية في صنعاء إلى عقد سلسلة اجتماعات طارئة، وإصدار بيانات إدانة شددت على ضرورة الوقوف في وجه الجماعة، واتخاذ خطوات تصعيدية للدفاع عن حقوق المحاسبين، وحماية مهنيتهم في عموم مناطق سيطرة الحوثيين.

وأعربت «جمعية المحاسبين القانونيين اليمنيين» (مقرها صنعاء) عن قلقها البالغ إزاء تزايد الانتهاكات، والتهديدات، وأعمال الخطف التي يتعرض لها منتسبوها في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، معتبرة أن تكرار هذه الممارسات بات يشكل تهديداً واضحاً لاستقلال المهنة، وسلامة أعضائها، ويقوّض أسس العمل المهني القائم على الحياد، والشفافية.

عبر الانتماء السلالي تمكن الحوثيون من الهيمنة على الأجهزة الأمنية (إكس)

وأوضحت الجمعية، في بيان، أن المحاسب القانوني محمود الحدي تلقى أخيراً تهديدات مباشرة وصريحة عبر الهاتف بالتصفية الجسدية، صدرت عن مشرف حوثي بارز يُدعى شرف أحمد الجوفي. وأكدت أن التهديد بالقتل، والإساءة، وتوجيه الشتائم جرت أثناء حضور عدد من أعضاء الهيئة الإدارية للجمعية، في واقعة عدّتها انتهاكاً صارخاً للقانون، والأعراف المهنية.

وأشار البيان إلى أن المحاسب القانوني عزّ الدين الغفاري تعرّض قبل فترة للاحتجاز التعسفي من قبل ما تُسمى إدارة البحث الجنائي الخاضعة للجماعة في صنعاء، وذلك بإيعاز من قاضٍ موالٍ للحوثيين يعمل بمحكمة استئناف العاصمة المختطفة، على خلفية قيامه بمهامه المهنية في مراجعة شفافة لإحدى القضايا، في مؤشر على استخدام أدوات القضاء والأمن لتصفية الحسابات المهنية.

وعبّرت الجمعية عن إدانتها الشديدة لكل أشكال التهديد، والاعتداء، والاختطاف المستمرة التي طالت ولا تزال محاسبين قانونيين في مناطق سيطرة الحوثيين، مطالبة الجهات المعنية والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية بتحمل مسؤولياتها إزاء هذه الانتهاكات، والتحرك لحماية العاملين في هذا القطاع الحيوي.

استمرار التعسف

هاجم مصدر نقابي في جمعية المحاسبين اليمنيين بصنعاء كبار قادة ومشرفي الجماعة، متهماً إياهم باتخاذ مزيد من الإجراءات والممارسات التعسفية المخالفة للقانون ضد العشرات من زملائه في صنعاء، ومدن أخرى، محذّراً من انعكاسات خطيرة على مهنة العمل المحاسبي والقانوني، وعلى الثقة العامة بالبيئة الاقتصادية.

وكشف المصدر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» طلب فيه عدم ذكر اسمه، عن تعرّض أكثر من 16 مكتباً ومركزاً للمحاسبة والمراجعة والتدريب القانوني في صنعاء، إلى جانب عشرات المحاسبين الإداريين والقانونيين، خلال الربع الأخير من العام الجاري، لحملات ابتزاز، ومضايقة، وإغلاق قسري، فضلاً عن اختطاف، واعتقال تعسفي، وغير قانوني.

وأضاف أن الجمعية تواصل اتخاذ خطوات تصعيدية متاحة للدفاع عن أعضائها، وحماية كرامتهم، والتمسك بأداء واجبها في خلق بيئة مهنية آمنة تتيح للمحاسب أداء مهامه باستقلالية وحياد كاملين، بعيداً عن أي ضغوط، أو تهديدات، مؤكداً أن الصمت إزاء هذه الانتهاكات سيقود إلى مزيد من التدهور المؤسسي.

جانب من انتشار أمني حوثي في أحد شوارع صنعاء (إكس)

وتضم جمعية المحاسبين اليمنيين نحو ثلاثة آلاف عضو نشط، ولها فروع عدة في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين. كما تواصل عملها بالشراكة مع منظمات دولية متخصصة في دعم العمل المحاسبي والقانوني، عبر تنظيم فعاليات ومؤتمرات تهدف إلى تعزيز معايير المهنة، والحوكمة، والشفافية.

ومنذ اقتحام الحوثيين صنعاء ومدناً أخرى، عمدت الجماعة إلى التضييق على المحاسبين القانونيين، واتخاذ سلسلة إجراءات تعسفية بحق كثير منهم، في مسعى لفرض السيطرة على قطاع يُعد من ركائز النزاهة المالية، والرقابة، وتسخيره –على غرار قطاعات أخرى– لخدمة أجندتها.

كما أخضعت خلال فترات سابقة مئات المحاسبين للتعبئة الفكرية والعسكرية، ضمن ما تسميه «معركة الجهاد المقدس»، في خطوة أثارت مخاوف واسعة من تسييس المهنة، وتقويض أسسها المهنية.