بعد شهرين وتحديدًا يومي 20 و27 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ستجرى على دورتين الانتخابات التمهيدية داخل حزب «الجمهوريون» اليميني الكلاسيكي من أجل اختيار المرشح الذي سيخوض باسم الحزب الانتخابات الرئاسية في ربيع عام 2017. وأبرز المرشحين الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ورئيسا الحكومة السابقين ألان جوبيه وفرنسوا فيون، إضافة إلى الوزير السابق والنائب الحالي برونو لومير، الأصغر سنًا من بين الأربعة.
وجديد الانتخابات المقبلة أنها تحل على خلفية الأعمال الإرهابية التي تبنى غالبيتها تنظيم داعش و«القاعدة» (240 قتيلاً ومئات الجرحى خلال العشرين شهرا الماضية)، الأمر الذي جعل ملف محاربة الإرهاب يتقدم على ما عداه مقرونا بموضوع الهجرات الكثيفة والهوية الوطنية وتحدياتها والإسلام وموقعه في المجتمع الفرنسي، ومدى ملاءمته لأساليب العيش فيه وتكيفه مع مبدأ العلمانية. وبما أن المجتمع الفرنسي يميل يمينا، كغالبية المجتمعات الأوروبية، فإن مرشحي حزب «الجمهوريون» وهو وريث الحركة الديغولية، يتنافسون في إبراز يمينيتهم ورغبتهم في اختطاط سياسة تشكل قطيعة مع سياسة اليسار الموجود في السلطة منذ عام 2012.
بيد أن قصب السبق يعود لساركوزي الراغب في العودة إلى قصر الإليزيه والحالم بمعركة انتخابية جديدة ضد من أخرجه منه أي الرئيس فرنسوا هولندا. وحسابات ساركوزي ليست معقدة إذ إنه يرغب، من خلال خطاب يلامس خطاب الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) ومرشحتها مارين لوبن، أن يجتذب إليه مجددًا الناخبين الذين ابتعدوا عن اليمين الكلاسيكي والتحقوا بطروحات لوبن. كذلك يسعى ساركوزي إلى استقطاب مجموعة من ناخبي اليمين المتطرف، خصوصًا أن استطلاعات الرأي تشير كلها إلى أن مرشح «الجمهوريون» سيكون من غير أدنى شك رئيس الجمهورية المقبل. والسبب في ذلك أن الفرنسيين «ليسوا مستعدين بعد» لأن ينتخبوا لوبن رئيسة للجمهورية الفرنسية رغم التقدم الذي حققته الجبهة الوطنية في الانتخابات التي جرت منذ أربعة أعوام ونصف العام.
إذا كانت الغاية (الفوز بالرئاسة) تبرر الوسيلة، فإن الرئيس السابق لا يتردد بتاتا في ركوب أية موجة يمكن أن تقربه من هدفه. وآخر ما تفتق عنه ذهنه طرحه أول من أمس في خطاب انتخابي في مدينة فرنكوفيل (شمال غرب باريس) سعى فيه إلى تسخير التاريخ ووضعه في خدمة طموحاته السياسية. ساركوزي جعل من موضوع الهوية والهجرة والإسلام المثلث السحري الذي سيجلب له الأصوات المترددة، وذلك عن طريق دغدغة المشاعر القومية للفرنسيين، وطرح تصور متشدد للهوية الفرنسية ولمكانتها وشروط الحصول عليها. وجدير بالذكر الإشارة إلى أنه يوم كان رئيسًا للجمهورية أوجد «وزارة الهوية الوطنية».
يقول ساركوزي: «إذا أردت أن تكون فرنسيًا، عليك أن تتحدث اللغة الفرنسية، وأن تعيش مثل الفرنسيين. لم نعد نقبل باندماج (للمهاجرين في المجتمع الفرنسي) لا بل إننا نطالب بعملية انصهار. وعندما تصبح فرنسيًا سيكون أجدادك من الغاليين (سكان مقاطعة «غاليا» وهي الاسم القديم الذي أعطاه الرومان لأجزاء من فرنسا اليوم). وفي السياق عينه، ندد ساركوزي بما يسميه «الإسلام السياسي المتطرف» الذي يسعى إلى «استفزاز الجمهورية»، مضيفًا أنه «لن يقبل ديكتاتورية الأقليات» في إشارة للمسلمين وعوائدهم كما أنه «لن يقبل تصرفات تعود إلى القرون الوسطى»، في إشارة إلى «البوركيني» (لباس البحر الإسلامي) الذي أثار جدلاً واسعًا في فرنسا في الشهرين الأخيرين. أما في موضوع الإرهاب، فقد أعلن أنه سيعلن «حربا لا هوادة فيها ضد الإرهاب الإسلامي»، وأنه سيكون الرئيس الذي «يتحرك» والذي «لا يقبل» بسقوط مئات القتلى.
أثارت تصريحات ساركوزي عن «الغاليين» (Les Gaulois) ردود فعل متنوعة. فمنها الساخر، وجاء على لسان منافسه جوبيه الذي أعلن أمس في حديث إذاعي أنه عندما يسمع أشياء كهذه فإنه «يرغب في الابتسام» أي التهزيء. لكنه أضاف جادًا هذه المرة أن كلام ساركوزي يعني أننا «كلنا متشابهون وأنه يتعين علينا أن نقطع جذورنا، ولكن عندما نقطع جذور الشجرة فإنها تموت». كذلك ردت وزيرة التعليم نجاة فالو بلقاسم المتحدرة من عائلة مغربية على الرئيس السابق، معتبرة أنه من الصحيح القول إن من بين أجدادنا «الغاليين» لكن هناك أيضا الرومان والنورمانديون والسلت والكورسيكيون... والعرب والإيطاليون والإسبانيون». وختمت الوزيرة قائلة: «هذه هي فرنسا».
الغريب عند ساركوزي أنه شخصيا ليس فرنسيا إلا من جيل واحد، إذ إن والده بول ساركوزي دو ناجي بوكسا مهاجر مجري، وانضم إلى الفرقة الأجنبية التابعة للجيش الفرنسي وحصل بعدها على الجنسية الفرنسية. وإذا كانت أمه أديل بوفيه فرنسية مولودة في مدينة ليون، فإن والدها بنديكت الملاح يهودي عاش في مدينة تسالونيكيا (اليونان). وخلال الانتخابات الرئاسية السابقة، كان ساركوزي يفتخر بأنه «الفرنسي الصغير الذي يجري في عروقه دم ممزوج»، أي من أصول مختلفة.
بيد أن الصعوبة في كلام ساركوزي عن «الغاليين» هي في الأساس تاريخية. ويعتبر المؤرخون الفرنسيون أن هذا القول «لا يستند إلى حقيقة تاريخية» بل إنه «تركيب سياسي» راج في القرن السادس عشر وهو أقرب إلى الأسطورة» التي غرضها «تثبيت هوية محددة» وتجميع الشعب حولها. وعندما كانت فرنسا دولة مستعمرة، كانت تعلم الشعوب التي تحكمها من السود في أفريقيا والصفر في آسيا أن «أجداهم هم الغاليون». هكذا فعلت في الجزائر مثلاً حيث كانت المناهج والكتب المدرسية هي المتبعة في فرنسا. واليوم، يستخدم الرئيس السابق «أسطورة الغاليين» لعلها تكون عونًا له في دغدغة مشاعر الناخبين للوصول إلى الإليزيه مهما جانب الحقيقة التاريخية أو قفز فوقها.
جدل الجذور والأجداد يدخل التنافس الانتخابي في فرنسا
الرئيس السابق ساركوزي: من يصبح فرنسيًا يصبح أجداده «الغاليين»
جدل الجذور والأجداد يدخل التنافس الانتخابي في فرنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة