فرنسا كرمت ضحايا الإرهاب.. وهولاند يؤكد: عدونا «داعش» و«القاعدة»

الرئيس الفرنسي: حرب الإرهاب ضدنا اتخذت أبعادا جديدة

الرئيس فرنسوا هولاند قبل مشاركته في الاحتفال التكريمي التقليدي لضحايا الإرهاب الذي جرى في قصر الأنفاليد بحضور كبار المسؤولين أمس (أ.ف.ب)
الرئيس فرنسوا هولاند قبل مشاركته في الاحتفال التكريمي التقليدي لضحايا الإرهاب الذي جرى في قصر الأنفاليد بحضور كبار المسؤولين أمس (أ.ف.ب)
TT

فرنسا كرمت ضحايا الإرهاب.. وهولاند يؤكد: عدونا «داعش» و«القاعدة»

الرئيس فرنسوا هولاند قبل مشاركته في الاحتفال التكريمي التقليدي لضحايا الإرهاب الذي جرى في قصر الأنفاليد بحضور كبار المسؤولين أمس (أ.ف.ب)
الرئيس فرنسوا هولاند قبل مشاركته في الاحتفال التكريمي التقليدي لضحايا الإرهاب الذي جرى في قصر الأنفاليد بحضور كبار المسؤولين أمس (أ.ف.ب)

فرنسا ما زالت في حالة حرب ضد الإرهاب: مرة أخرى، تشدد أعلى السلطات الفرنسية على استمرار التهديد الإرهابي وعلى الحاجة لمواجهته من خلال المحافظة على الانسجام الوطني والوحدة والاستمرار في الدفاع عن القيم التي تميز المجتمع الفرنسي مع الإبقاء على التدابير الأمنية لتلافي تكرار العمليات الإرهابية.
هذه التأكيدات جاءت أمس على لسان الرئيس فرنسوا هولاند بمناسبة الاحتفال التكريمي التقليدي الذي جرى في قصر الأنفاليد بحضور كبار المسؤولين في الدولة «رؤساء الحكومة ومجلسي النواب والشيوخ والوزراء» ولكن كذلك مسؤولين سياسيين آخرين بينهم الرئيس السبق نيكولا ساركوزي ورئيسي الحكومة السابقين ألان جوبيه وفرنسوا فيون. وهؤلاء الثلاثة يتنافسون للفوز بترشيح حزب «الجمهوريين» لخوض الانتخابات الرئاسية في شهر مايو (أيار) من العام المقبل.
وبالنظر للجدل الذي تثيره الحملة الانتخابية التمهيدية بسبب التركيز على مواضيع الإرهاب والإسلام والهوية الوطنية والتهديدات التي تلم بها، فإن مناسبة الأمس كانت فرصة للرئيس هولاند لإعادة وضع النقاط على الحروف وليطرح نفسه حاميا للوحدة الوطنية بوجه الانقسامات وسدا منيعا بوجه الإرهاب. وتنبع أهمية ما يقوله من الحملات المتلاحقة التي يقوم بها اليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف على السلطات التي يتهمها بالضعف والعجز عن حماية المواطنين. ويتضح يوما بعد يوم أن مرشحي اليمين واليمين المتطرف يتبارون في استهداف السلطة الاشتراكية ويبدون مصممين على استغلال الموضوع الأمني لاجتذاب الناخبين خصوصا أن شعبية هولاند تداعت إلى أقصى الحدود «أقل من 15 في المائة ما زالوا ينظرون بإيجابية إلى أداء هولاند رئيسا للجمهورية» ومعها تداعت قواعد اليسار والاشتراكيين على وجه الخصوص. ولم يعد سرا أن هولاند ينوي خوض المنافسة للفوز بولاية رئاسية ثانية. لكن استطلاعات الرأي تفيد أنه سيخرج من المنافسة منذ الدورة الأولى بحيث يبقى في الميدان للجولة الثانية مرشح اليمين الكلاسيكي ألن جوبيه أو نيكولا ساركوزي ومرشحة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن. لكن هولاند لن يعلن موقفا نهائيا من إعادة ترشحه إلا مع بداية العام القادم. ويراهن كثيرون على امتناعه عن التنافس في حال بقيت استطلاعات الرأي على حالها.
في الكلمة التي ألقاها أمس، في جو مهيب وبعد قراءة أسماء ضحايا الإرهاب من الفرنسيين في الداخل والخارج الذين سقطوا منذ العام 1989 والاستماع إلى كلمات مؤثرة لذوي الضحايا، عاد هولاند ليؤكد أن الإرهاب «أعلن الحرب على فرنسا» وأن العدو هو واحد ولكن بوجهين: «القاعدة» و«داعش». وأضاف الرئيس الفرنسي أن الاعتداءات الإرهابية التي ضربت بلاده كانت «تستهدف فرنسا بكليتها» وكانت جميعها تسعى لاستغلال اسم الإسلام وإلحاق العار به وزرع الخوف وضرب الديمقراطية والثقافة الفرنسيتين. لكن هولاند يرى الحرب الإرهابية اليوم «مختلفة» عن إرهاب الماضي إذ أنها «أخذت أبعادا جديدة» لأنها تريد أن «تنسف طريقتنا الاستثنائية في أن نعيش معا». وقال متوجها لضحايا الإرهاب وذويهم الذين حضروا الاحتفال: «إن فرنسا كانت كلها مستهدفة عبركم، فرنسا حقوق الإنسان التي تدافع عن قيمها في كل مكان في العالم». ورغم حرص هولاند على البقاء فوق المناكفات السياسية، فقد أراد من تركيزه على الوحدة والانسجام الوطنيين مهاجمة اليمين بجناحيه لأنه يرى أنه أخل بهذه القاعدة عندما سعى لاستغلال العمليات الإرهابية لأغراض سياسية. كذلك رد هولاند على من يريد من بين صفوف اليمين اتخاذ تدابير «استثنائية» مثل إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة الجرائم الإرهابية أو الحجر على كل من يشتبه بأنه تبنى فكرا راديكاليا متطرفا من غير المرور أمام القضاء بالتأكيد أن محاربة الإرهاب «يجب أن تبقى في إطار ما تتيحه دولة القانون» التي «لا تعني أبدا حالة من الضعف بل تعكس قوة الدولة».
ومن ناحية مقابلة، رأى الرئيس الفرنسي أنه يتعين الاستمرار في الإجراءات التي اتخذت لمواجهة الإرهاب. وجدير بالذكر أن فرنسا تعيش في ظل حالة الطوارئ منذ خريف العام الماضي بعد مقتلة مسرح الباتاكلان ومقاهي ومطاعم العاصمة ليلة 13 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن دور الدولة ليس فقط أمنيا أو تشريعيا بل هو أيضا في مواكبة ضحايا الإرهاب وذويهم ومساعدتهم نفسيا وقانونيا وماديا عبر الاستمرار في تغذية الصندوق الخاص بالتعويضات العائدة لهم فيما تسمع شكاوى تتهم الدولة بتناسيهم بعد مرور فترة من الزمن.
ربما كانت اللحظة الأكثر تأثيرا في احتفال الأمس قد حلت عندما تحدثت طالبة عمرها 21 عاما، اسمها ياسمين بوزرقان - مرزوق التي فقدت ثلاثة من إخوتها في العملية الإرهابية التي ضربت مدينة نيس ليل 14 يوليو (تموز) الماضي والتي أوقعت 84 قتيلا ومئات الجرحى. وروت ياسمين كيف وهي تبكي كيف عاشت «مشاهد الحرب» في تلك الليلة المشؤومة وكم تتألم عندما ترى أن هناك من يخلط بين الإسلام والإرهاب. ووصفت الإرهابيين بأنهم نوع من «البرابرة الذين لا دين ولا شريعة لهم». ومن ضحايا كورنيش البحر في مدينة نيس العشرات من ذوي الأصول العربية والمسلمة. وجاءت مناسبة تكريم ضحايا الإرهاب بعد أيام قليلة على «اكتشاف» فرنسا وجوها جديدة وهي الإرهاب بصيغة المؤنث والقاصرين. وخلال الأيام العشرة الماضية، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على مجموعة من الفتيات والنساء والقاصرين التي كانت تحضر لعمليات إرهابية في العاصمة باريس وفي ضواحيها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟