سوق رائج للصحافيين في أفغانستان على خط النار

مراسلو محطات التلفزة الخاصة في مواجهة الجماعات المتشددة

صحافيون أفغان يغطون هجمات طالبان في هلمند ({الشرق الأوسط})
صحافيون أفغان يغطون هجمات طالبان في هلمند ({الشرق الأوسط})
TT

سوق رائج للصحافيين في أفغانستان على خط النار

صحافيون أفغان يغطون هجمات طالبان في هلمند ({الشرق الأوسط})
صحافيون أفغان يغطون هجمات طالبان في هلمند ({الشرق الأوسط})

خمسة عشر عاما وجبهات القتال مشتعلة في أفغانستان رغم الإطاحة بنظام طالبان المتشدد من قبل قوات حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية نهاية عام 2001. ولا تزال طالبان تقاوم وتصعد من عملياتها العسكرية مع مرور كل عام وباتت اليوم تسيطر على مناطق شاسعة من البلاد رغم وجود ما لا يقل عن ثلاثة عشر ألف جندي أميركي وأطلسي ضمن مهمة الدعم الحاسم للجيش الأفغاني وقواته الأمنية، خلال الأعوام الماضية التي أعقبت حكم طالبان تنفس الأفغان الصعداء وباتت سوق الإعلام الخاص مزدهرة بفضل المساعدات ودعم المؤسسات الغربية لقطاع الإعلام الذي تضرر كثيرا جراء الحرب وفرض طالبان قيودا على جميع القنوات ومحطات الإذاعة باستثناء إذاعة صوت الشريعة التي كانت تبث برامج طالبان من قبيل نشر أناشيد إسلامية وبلغتي الباشتوية والدارية وهما اللغتان الرسميتان في أفغانستان إضافة إلى فتاوى حكومة طالبان التي كانت تصدرها بمناسبات عدة وتنشر من خلال صوت الشريعة أخبار الحرب وإلحاق الخسائر بخصوم الحركة آنذاك المتمثلين في تحالف شمال السابق.
وبعد رحيل حكومة طالبان أنشئت محطات إذاعية وقنوات تلفزيونية بالمئات وانتشرت في جميع المحافظات الأفغانية البالغ عددها أربعا وثلاثين محافظة، وبادر أمراء الحرب المتهمون بانتهاك حقوق الإنسان في فترات الحرب الحالية بين أعوام 1992 إلى عام 1999 من القرن الماضي بتأسيس قنوات تلفزيونية لتكون ناطقة باسمهم وتبث برامج تخدم مصالحهم الشخصية وأجنداتهم الخاصة كما قامت الأحزاب السياسية الوليدة رغم قلة تجاربها بتأسيس محطات تلفزيونية تقوم بنشر أهداف الحزب وتبث برامج خاصة بتلك الأحزاب، وسط هذا الكم الهائل من القنوات ومحطات الإذاعة قام مجموعة من الشبان الأفغان ورجال الأعمال العائدين من الغرب والولايات المتحدة الأميركية بتأسيس محطات مستقلة وبدعم مباشر من الغرب ومؤسسات أممية تهدف إلى نشر الوعي وبرامج هادفة تهدف إلى تكريس حرية الرأي والبيان المفقودين في المجتمع الأفغاني المحافظ وفي هذا السبيل تكبدت مصائب وأخطارا كثيرة أدت في كثير من الأحيان إلى استهداف منتسبي هذه القنوات والمحطات خصوصا الصحافيات والمراسلات اللواتي قمن بكسر حاجز الصمت وتجرأن بالخروج على المألوف والعادات والتقاليد المحافظة التي لا تسمح للمرأة بالخروج من المنزل إلا نادرا».
الصحافيون الأفغان الذين يعملون في القنوات المحلية رغم قلة رواتبهم الشهرية فإنهم أثبتوا خلال الأعوام الماضية ولا يزالون أنهم جنود حقيقيون للمعركة التي تخوضها أفغانستان من أجل تكريس حرية البيان ونقل المعلومة الصحيحة بصورة مستقلة إلى مشاهدي القنوات المحلية.
والآن وبعد أن صعدت طالبان من عملياتها وهجماتها وظهرت ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش في أفغانستان بات الصحافيون يواجهون حملا كبيرا وثقلا إضافيا لكنهم مصرون على أداء الواجب وإعطاء المهنة حقها كما يقولون في الفترة الأخيرة عندما صعدت طالبان من حملاتها العسكرية في ولاية هلمند المضطربة بالجنوب وسيطرت على عدة بلدات تابعة للولاية استطاع مراسلو قناة «طلوع» وهي قناة تلفزيونية خاصة ورائدة من أداء الواجب وإيصال المعلومة إلى المشاهد الأفغاني التائه بين معلومات مختلفة تنقلها له قنوات مختلفة، وأوفدت قناة «طلوع» أشهر وأشجع مراسليها إلى خط النار الأول وإلى الجبهة المتقدمة لتغطية أخبار الحرب ومساراتها بين الجيش الأفغاني المدعوم من القوات الدولية جوا ومقاتلي طالبان الذين أعادوا الكرة وسيطروا على بلدات مهمة مثل بلدة ناوه وناد علي «بمحافظة هلمند التي تغطي ثلث احتياجات العالم من الأفيون والحشيش ونبتة الخشخاش».
شريف أميري مراسل صحافي في قناة «طلوع» يعمل فيها منذ أكثر من ست سنوات وهو يغطي أخبار الحرب ومآسيها من قبيل نزوح العائلات من مناطقهم وأريافهم ووقوع ضحايا في صفوف المدنيين أوفد إلى هلمند لتغطية معارك الجيش الأفغاني ضد مسلحي طالبان وقد قدم تقارير إخبارية وإنسانية من خط المواجهة ولاقى استحسانا واسعا وكبيرا من قبل المشاهدين، ومؤسسات إعلامية وقد كانت تقاريره من الميدان لها أثر إيجابي على معنويات الجنود ونقل المعلومة الصحيحة من مصدرها الأصلي وفقا للمشاهدين الذين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم في كابل. فيما يقول أحمد مشاهد وهو شاب أفغاني في العشرينات إنه لا يفارق قناة «طلوع» ونشرة أخبارها في الساعة السادسة من مساء كل يوم، والتي تـأتي بشكل تفصيلي حول ما يجري في البلاد من الحرب وأخبار الاقتصاد، مضيفا أنه يعشق الطريقة التي يقوم بها شريف أميري مراسل «طلوع» من تغطية الأخبار وسرد المعلومات، مشيرا إلى أنه يجب على باقي القنوات أن تحذو حذو «طلوع» وتتنوع في الأخبار والبرامج.
وفي حوار أجرته «الشرق الأوسط» مع شريف أميري مراسل قناة «طلوع» الذي تحدث عن تجاربه كمراسل حربي، وهو يغطي أخبار المعارك وينتقل من جبهة إلى أخرى وهو ينقل المعلومة إلى المشاهد. من جهته، قال أميري إنه أصبح لا يخشى شيئا رغم تواتر التهديدات والمكالمات المجهولة التي يتلقاها بشكل يومي من جهات أشخاص مجهولين مشيرا إلى أنه لا يعطي أي اهتمام لهذه التهديدات وأنه مصر ومستمر في أداء المهمة الصحافية التي يعتبرها مقدسة وأنه مستعد أن يضحي بنفسه في سبيل إيصال المعلومة الصحيحة إلى المشاهدين، ولن يتوقف عن العمل ولن يغادر أفغانستان مثل بعض الصحافيين والمراسلين الذين غادروا البلاد بعد تلقيهم تهديدات حيث لجأوا إلى دول أوروبية وكذلك إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد خرج أغلب قوات التحالف الدولي نهاية عام 2014. ويضيف المراسل أميري أنه رغم قلة الإمكانات فإن الصحافيين الأفغان يؤدون الواجب ويسعون إلى حفظ مكتسبات السنوات العشر الماضية خصوصا فيما يتعلق بحرية الرأي والبيان التي أتيحت لهم بفضل وجود المجتمع الدولي.
وفي ولاية كندوز شمال شرقي أفغانستان حيث اقتربت طالبان من مركز المدينة وكادت أن تسيطر عليها للمرة الثانية خلال العام الجاري وهرب منها عدد كبير من المسؤولين الحكوميين أوفدت قناة «طلوع» أشجع وأشهر مراسليها وهو ولي أرين، الذي ظل في الولاية وهو ينتقل من بلدة إلى أخرى يغطي أخبار الحرب والمواجهات المستمرة بين الجيش الأفغاني ومقاتلي طالبان، وقد استطاع التواجد في خط المواجهة المباشر بين القوات الأمنية ومسلحي طالبان ونقل انتقادات وشكاوى الجنود الذين تحدثوا عن ضعف الإمكانات وقلتها وعدم توفر الغطاء الجوي في الحرب الجارية بين الجيش ومقاتلي الحركة الذين يتخذون من منازل السكان مقرا لعملياتهم وهجماتهم. يقول ولي أرين من ولاية كندوز وهو يستمر في تغطية الأخبار المتعلقة بحرب الكر والفر بين القوات الأمنية وطالبان بأنه يوميا يرى الموت أمام عينيه وأنه عازم على الاستمرار في تغطية الحرب والمشاركة في إيصال المعلومة للمشاهد الذي يتوق إليها.
تغطية قناة «طلوع» وباقي القنوات الأفغانية المحلية التي تعتبرها طالبان منحازة للحكومة أغضبت الحركة وهددت على لسان المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد بأنه سيتم استهداف كل من ينحاز إلى الحكومة وطالب في رسائل نصية وجهت إلى الصحافيين والمراسلين في كابل بضرورة الحيادية وعدم الانحياز إلى السلطات في تغطية الأخبار المتعلقة بالحرب .



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».