مكتبة دار الهلال.. المستودع المعرفي لأقدم المؤسسات الصحافية

موسوعات تاريخية وروايات من بدايات القرن العشرين

دار الهلال
دار الهلال
TT

مكتبة دار الهلال.. المستودع المعرفي لأقدم المؤسسات الصحافية

دار الهلال
دار الهلال

في أحد أركان مبنى دار الهلال العريقة بحي السيدة زينب بوسط القاهرة، تقبع مكتبة دار الهلال كواحدة من أهم المكتبات في العاصمة المصرية. فهي ترتكن إلى جوار أعرق المؤسسات الصحافية في مصر بل والشرق الأوسط، فقد تأسست دار الهلال عام 1892، وساهمت بمطبوعاتها العديدة في صياغة فكر وثقافة ووجدان أجيال كثيرة. يعود عمر مبنى مؤسسة دار الهلال إلى بداية الأربعينات من القرن العشرين، وكان قبلة لرموز الفكر والفن والأدب والصحافة، بداية من جورجي زيدان وابنيه إميل وشكري زيدان، اللذين حملا راية التطوير بعد والدهما، مرورًا بكل من: طه حسين وعباس العقاد وحسين هيكل والمازني وسلامة موسى وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي وأحمد رامي وميخائيل نعيمة وجبران خليل وحسين مؤنس، وأميل حبيبي، وألبير قصيري، ولطيفة الزيات، وأمينة السعيد، ومي زيادة، والسباعي، وأحمد بهاء الدين، وفكري أباظة، ووصولا إلى رجاء النقاش.. والقائمة تطول. كما تردد عليها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وكوكب الشرق أم كلثوم، وأيضا نجيب محفوظ، حيث كانت تعقد ندوات للاحتفاء بكبار الشخصيات المصرية والعربية.
وعلى الرغم من صغر مساحة مكتبة الهلال؛ فإن التجول بين العناوين التي تحتويها يحمل متعة لا تنتهي، فما بين الموسوعات التاريخية، والتراجم، والروايات، وكتب السير الذاتية، ستجد نفسك حائرا وتود اقتناءها بأكملها.
يقول لنا ماجد أمين، المسؤول عن مكتبة دار الهلال: «مكتبة دار الهلال حديثة نسبيا فعمرها نحو 25 سنة فقط، وليست بعراقة مؤسسة دار الهلال، ولكنها تحتوي على إصدارات هامة وبعضها عمره يعود إلى ما قبل بدايات القرن العشرين، ومن أهمها مؤلفات جرجي زيدان: «تاريخ التمدن الإسلامي» والذي يقع في 5 أجزاء، وروايات تاريخ الإسلام وتقع في 23 جزءا. ويشير إلى أن موسوعة شخصية مصر لجمال حمدان لا تزال تحقق مبيعات كبيرة، وقد طبعت دار الهلال منها طبعة منقحة وفاخرة، وأيضا موسوعة عصر التنوير.
وفضلا عن الكتب والإصدارات القيمة والروايات المترجمة عن الأدب الروسي والفرنسي والأميركي، ستجد مطبوعات مؤسسة دار الهلال الصحافية من مجلات المصور ومجلة الهلال الثقافية وكتب الهلال الشهرية. ومن أهم الكتب السياسية التي تحويها أرفف المكتبة: «يا ولد هذا عمك جمال» وهو مذكرات للرئيس أنور السادات، وأيضا كتاب «أسرار الثورة المصرية» وكتبه السادات وقدمه الرئيس جمال عبد الناصر. وستجد وجبه دسمة من مؤلفات العقاد ومي زيادة والإمام محمد عبده، وزكي مبارك باشا، وإسماعيل صدقي باشا، وبنت الشاطئ، وعبد الوهاب المسيري، وجلال أمين. وفي قسم الروايات المترجمة عناوين كثيرة مثيرة، منها: «ثلاث سنوات» لأنطون تشيخوف، و«جرازييلا» لألفونس دولا مارتين، و«المجنون» لجي دي موباسان، و«شبح كانترفيل» لأوسكار وايلد، وغيرها الكثير.
تفتح المكتبة أبوابها طوال أيام الأسبوع ما عدا الجمعة، وهي تقدم الكتب والموسوعات بأسعار زهيدة في متناول الجميع. ويتردد عليها زوار من مختلف الأعمار فهي تضم كتبا للأطفال من سلسلة كتب للأولاد والبنات، ومجلدات سمير، وتوم وجيري وروايات بشكل مبسط عن التاريخ الإسلامي والفرعوني أيضا. ويشير أمين: «الشباب يقبلون على الروايات والموسوعات التاريخية، أما كبار السن فيقبلون على الكتب والروايات المترجمة، أو كتب التاريخ والسير الذاتية أو المذكرات» ويضيف: «بعد الثورتين الأخيرتين 25 يناير و30 يونيو، ازداد الإقبال على الكتب السياسية وبالتحديد التي تتناول سير الإخوان ومذكراتهم».
وعن أهم الكتاب والأدباء الذين ترددوا على مكتبة الهلال، يقول: «لويس عوض، وعبد القادر إسماعيل، ويوسف القعيد، وجمال الغيطاني، وخيري شلبي، وبهاء طاهر، وإبراهيم عبد المجيد، وإدوار خراط، ومحمد المنسي قنديل، وسلوى بكر، ومحمد ناجي، ومصطفى نصر، ووزير الثقافة الحالي حلمي النمنم. ومن الفنانين: نور الشريف، ويحيى الفخراني، وأحمد راتب، وعبد الله غيث» ويضيف: «بالطبع هناك أسماء كثيرة ولكن هؤلاء هم من تعاملت معهم، خلال سنوات إدارتي للمكتبة».



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.