فصائل المعارضة المسلحة السورية.. وخيار التضامن الحذر

اتفاق الهدنة الروسي ـ الأميركي يربك المشهد

عنصران من الجيش السوري الحر يركبان دراجة نارية في جرابلس المدينة السورية الحدودية مع تركيا (غيتي)
عنصران من الجيش السوري الحر يركبان دراجة نارية في جرابلس المدينة السورية الحدودية مع تركيا (غيتي)
TT

فصائل المعارضة المسلحة السورية.. وخيار التضامن الحذر

عنصران من الجيش السوري الحر يركبان دراجة نارية في جرابلس المدينة السورية الحدودية مع تركيا (غيتي)
عنصران من الجيش السوري الحر يركبان دراجة نارية في جرابلس المدينة السورية الحدودية مع تركيا (غيتي)

كجزء من صفقة معقدة بين الولايات المتحدة وروسيا، تمّ وقف إطلاق النار في سوريا لمدة سبعة أيام بدءًا من مساء الاثنين، أول أيام عطلة عيد الأضحى.. ومن أهداف الاتفاق تنفيذ ضربات مشتركة ضد تنظيم داعش المتطرف وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا). والواضح أن الولايات المتحدة تأمل في أن يؤدي الاتفاق إلى إجبار الثوار في المعارضة السورية على فك ارتباطهم بجبهة فتح الشام، وهو احتمال قد يكون ضئيلاً في ظلّ الواقع السوري الحالي مع إعادة تموضع الجبهة.
يتيح الاتفاق الروسي - الأميركي على هدنة - هشة جدًا - في سوريا لجيش النظام بسط سيطرته النارية على المناطق التي يسيطر عليها الثوار في مدينة حلب، بينما يفرض على المعارضة وقف القتال حول مناطق سيطرة النظام وحلفائه من الميليشيات التي تدعمها إيران.
ولكن في المقابل، يجبر اتفاق الهدنة النظام على وقف الضربات الجوية التي تعد السبب الرئيسي في قتل المدنيين، وقد يتيح استمرار وقف إطلاق النار المجال للجيش الروسي والقوات الأميركية في التحالف الدولي للتخطيط لعمليات جوية مشتركة ضد الجماعات التي يتفق عليها بأنها «جماعات متطرفة»، بما في ذلك - طبعًا - «داعش» وجبهة فتح الشام التي تحوز على دعم عدد كبير من الفصائل. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية جون كيري لدى إعلانه عن الاتفاق: «اليوم، تعلن الولايات المتحدة وروسيا عن خطة نأمل في أن تحّد من العنف، ومن المعاناة، وتستأنف التحرك نحو السلام عن طريق التفاوض والانتقال في سوريا (...) التي إذا تم تنفيذها، ستكون قادرة على توفير نقطة تحول ولحظة تغيير».
* الغايات السياسية للاتفاق
هدفت الولايات المتحدة - وتهدف - إلى «إقناع الفصائل الثورية والمعارضة السورية الأخرى بفصل نفسها عن جبهة النصرة» التي كانت تقاتل النظام، والبحث عن ملاذ لها تحت المظلة الجوية الأميركية - الروسية، كما صرّح مساعد المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، ليلة الثلاثاء، إذ قال إن «المعارضة المعتدلة» - على حد تعبيره - ستنفصل خلال الأيام المقبلة عن جبهة فتح الشام، ثم أشار خلال مؤتمر صحافي إلى أن واشنطن «تتواصل مع المعارضة المعتدلة»، وأردف أن «الفصائل تتفهّم أن اختلاطها بالنصرة ليس من مصلحتها.. ونتوقع أن نشهد الانفصال في الأيام المقبلة».
«بديهي إذن أن الاتفاق الروسي - الأميركي يهدف إلى فصل الفصائل، ومنها الجيش السوري الحر، عن جبهة فتح الشام» بحسب قيادي من الجيش السوري الحر. ولكن حسب رأي القيادي: «بالنسبة للمعارضة، على الاتفاق أن ينتج هدنة حقيقية، أما فيما يخص فصل المعارضة عن جبهة فتح الشام، فهذا الأمر لن ينجح ما لم تكن آليات تنفيذه واضحة».
في هذه الأثناء، كثرت البيانات المؤيدة للنصرة، ردًّا على الاتفاق الروسي الأميركي الأخير في شأن وقف الأعمال القتاليّة، متضمّنة عددًا من التحفظات على الاتفاق، وكان أبرزها رفضُ استهداف جبهة فتح الشام. وقد تجاوزت تلك التحفظات هذا الحد، لتبلغ رفض استهداف «أي فصيل آخر يحارب النظام، وهو ما من شأنه أن يُضعف القوى العسكريّة للثّورة». واعتبار أن استهداف النصرة، بحلتها الجديدة واسمها الجديد، «جاء ترجمةً لتوافقات إقليميّة جديدة».
* أين الميليشيات الشيعية؟
لقد رفضت فصائل الجيش السوري الحر، في بيان مشترك لها، استهداف جبهة فتح الشام، وتحفظت عن استثنائها من الهدنة، مشيرة إلى أن الاتفاق الروسي - الأميركي لم يتطرق إلى الميليشيات الشيعية التي تساند نظام بشار الأسد في قتل السوريين، بحسب «أورينت نيوز». وكان من أبرز الفصائل الموقعة على البيان: جيش الإسلام، والفرقة 13، وفيلق الشام، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وجيش النصر، والجبهة الشامية، وفيلق حمص، وحركة نور الدين الزنكي، والفرقة الشمالية، ولواء صقور الجبل. واعتبرت كل هذه الفصائل «أن بنود الهدنة المطروحة في صورتها الحالية تترك المجال مفتوحا للنظام وحلفائه لاستغلالها، وارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين، وتحقيق مكاسب عسكرية استراتيجية عجز عن تحقيقها سابقا». كما تحفظت على عدم وجود آلية مراقبة أو عقوبة زاجرة، مما يخوّل للنظام استثمار هذه الهدنة لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية.
كذلك «أعادت هذه التصريحات الثقة بين الفصائل وجبهة فتح الشام»، بحسب الدكتور رامي دالاتي، عضو المجلس السياسي في الجيش السوري الحر، المتعمق أيضًا في موضوع الفصائل المتطرفة. وصب في الخانة نفسها حديث لبيب النحاس، القيادي في حركة أحرار الشام. وبحسب تقرير لـ«أورينت نيوز»، جاء في إحدى تغريدات النحاس قوله: «إن ما رأيناه من صدق وحرص الإخوة في الفصائل أثلج قلوبنا.. هم من قادوا الدفة، وصاغوا الموقف.. لأمثالكم تُرفع القبعات». واعتبر أن الفصائل، وعلى رأسها الجيش الحر، وضعت نفسها بين جبهة فتح الشام ومن أراد استهدافها، رغم الضغوط. وأضاف النحاس أن «عمل المكاتب السياسية للفصائل أظهر إدراكًا متقدمًا للوضع الدولي، ومعرفة دقيقة بالواقع في الداخل، لا إفراط ولا تفريط».
* توحد أم «أخوة» الثورة؟
أيضًا، اعتبر النحاس أن اتفاق وزيري الخارجية الأميركي كيري والروسي لافروف «سيتمخض عنه أول غرفة عمليات عسكرية مشتركة بين أميركا وروسيا»، مضيفا: «إننا أمام حدث تاريخي يعكس حقيقة الحرب في سوريا، ويضع الثورة كلها على المحك، ويهدد وحدة صفها الداخلي واستمرارها، في حين يقدم فرصة ذهبية للنظام والروس لتحقيق أجندتهم». وتابع القيادي: «إن الثورة أنتجت أخوّة بين أبنائها مدادها الدماء والدموع، ولن نتخلى عمن يدافعون عن شعبنا، عباءة الثورة هي الجامعة».
وشدد النحاس على ضرورة التوحّد، وعدم استثناء الجيش الحر من أي مشروع توحد، قائلاً: «توحيد الموقف السياسي - العسكري للفصائل أصبح ضرورة وجودية، وليس ترفًا؛ اتفاق كيري - لافروف يضعنا أمام استحقاقات مفصلية». ثم أوضح أن «أي مشروع توحد يستثني الجيش الحر، أو يصطبغ بلون واحد، هو مشروع سيزيد الساحة استقطابًا، ويدفعها للهاوية، فإما أن نحيا كأمة أو نموت كفصائل، إما أن ننتصر كثورة أو نُهزم كتيارات».
الدكتور دالاتي من جانبه يرى أنه «لا يوجد اليوم مسوغات قانونية لاستهداف جبهة فتح الشام، فهي استجابت لضغوطات الفصائل والعلماء، وفكّت ارتباطها بتنظيم القاعدة (...) لهذه الأسباب لا نستطيع توجيه بندقيتنا ضد جبهة فتح الشام».
وبالفعل، في ضوء هذا التضامن، وجهت جبهة فتح الشام، في بيان لها، «الشكر والثناء» لجميع الفصائل الثورية التي رفضت الاتفاق الروسي - الأميركي. وجاء في البيان أن «الاتفاق جاء من أجل تقسيم الفصائل المجاهدة، والتفريق بينها، واستهدافها واحدة تلو الأخرى، بالإضافة إلى إبعاد نظام الأسد عن المواجهة، والمحافظة على نظامه ومؤسساته». ووصفت موقف الفصائل السورية بأنه موقف مشرّف يمثل الصف الواحد واليد الواحدة. وتصدى حسام الشّافعي (أبو عمّار الشامي)، من جبهة فتح الشام، للمهمّة، عبر صفحته على موقع «تويتر»، قائلاً: «نتقدم بالشكر والامتنان لكل من وقف بجانب إخوانه في فتح الشام، من إعلاميين وفصائل وقادة.. مواقف مشرفة سيسجلها التاريخ وتفخر بها الأجيال».
على صعيد آخر، ثمة من يتكلم اليوم عن اندماجات، وقد كثُرت التحليلات التي لم تستبعد أن تكون هذه المواقف مقدّمةً لخطوة الاندماج مع جبهة فتح الشام، بعد هذا التضامن وما يراه البعض «تغطية سياسية». غير أن الدكتور دالاتي استبعد هذه الفكرة بسبب خوف الفصائل من التصنيف الدولي للإرهاب الذي اعتبر أنه «سيتم تكوين هيئة سياسية للفصائل دون فتح الشام».



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟