شرطيّة سابقة تتفوق على مؤلفة «هاري بوتر»

جوائز مهرجان بريطاني لكتّاب الرواية البوليسية

جي كي رولنغ صاحبة  «هاري بوتر» لم تفز بشيء كلير ماكنتوش الفائزة بجائزة ثيكستون «أولد بيكيولير لروايات الجريمة» 2016 (إ. ب.أ)
جي كي رولنغ صاحبة «هاري بوتر» لم تفز بشيء كلير ماكنتوش الفائزة بجائزة ثيكستون «أولد بيكيولير لروايات الجريمة» 2016 (إ. ب.أ)
TT

شرطيّة سابقة تتفوق على مؤلفة «هاري بوتر»

جي كي رولنغ صاحبة  «هاري بوتر» لم تفز بشيء كلير ماكنتوش الفائزة بجائزة ثيكستون «أولد بيكيولير لروايات الجريمة» 2016 (إ. ب.أ)
جي كي رولنغ صاحبة «هاري بوتر» لم تفز بشيء كلير ماكنتوش الفائزة بجائزة ثيكستون «أولد بيكيولير لروايات الجريمة» 2016 (إ. ب.أ)

فازت الشرطيّة السابقة، كلير ماكنتوش، بجائزة ثيكستون أولد بيكيولير لروايات الجريمة للعام 2016 عن روايتها «أدعك تمضي» I Let You Go متفوقة في ذلك على جيه كيه رولنغ مؤلفة سلسلة روايات هاري بوتر - أكثر الروايات مبيعًا في تاريخ العالم - وأربعة كتّاب آخرين معروفين في مجال روايات الجريمة اختيرت أعمالهم في القائمة النهائية للأعمال التي تم ترشيحها للجائزة الأرفع عالميا في مجال الكتابة الأدبية عن الجريمة، وهي نوع أدبي يحظى بمتابعة جمهور واسع في الغرب. القائمة المبدئية للجائزة التي أعلنت في بداية الصيف الحالي ضمت 18 عملاً لكتّاب بريطانيين وآيرلنديين.
وكانت السيدة ماكنتوش، التي قضت في جهاز البوليس البريطاني نحو 12 عامًا، قد تركت وظيفتها عام 2011 لتتفرغ نهائيًا للكتابة. وعلّقت على قرار هيئة الجائزة بقولها: «إن ذلك أشبه بالحلم. لقد كنت أحضر هذا المهرجان في بلدة هاروجيت قبل أن أنشر شيئا، والآن أنا أفوز بالجائزة الأهم» كما شكرت ناشريها على ثقتهم فيها، ومنحها الفرصة لتقديم كتابتها في روايات الجريمة للقراء على نطاق واسع.
الجائزة السنويّة التي منحت 12 مرّة حتى الآن، فازت بها أسماء مرموقة في كتابة روايات الجريمة، ومنهم فال ماكديرمد، ولي تشايلد، ومارك بيلينغهام، وسارا هيلاري، ودينيس مينا، وجميعهم باعت رواياتهم ملايين النسخ. قيمة الجائزة الماديّة ثلاثة آلاف جنيه إسترليني، وهي رمزيّة مقارنة بجوائز أدبيّة أخرى، لكنها عادة تفتح الأبواب للفائزين بها إلى الشهرة والانتشار الواسعين. ويشترط في الأعمال المتقدمة أن تكون ظهرت في المملكة المتحدة وآيرلندا في طبعة عادية بين مايو (أيار) العام السابق وأبريل (نيسان) العام الحالي.
الرواية الفائزة - وهي الأولى للسيدة ماكنتوش - كانت قد حصلت حتى قبل فوزها بجائزة «الأولد بيكيولير» على اهتمام ملحوظ من قبل جمهور روايات الجريمة، وتربعت على قائمة صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية للكتب الأكثر مبيعًا، كما حصلت أيضًا على جائزة نادٍ معروف للكتب في بريطانيا (ريتشارد وجودي) للعام 2015. ويعتقد أن مبيعاتها التي تجاوزت نصف مليون نسخة حتى الآن، مرشحة للارتفاع بعد منح حقوق التوزيع في نحو 30 دولة حول العالم.
إلى جانب ماكنتوش، منح المهرجان السنوي جائزة خاصة عن مجمل الأعمال المنشورة في مجال الكتابة للجريمة للروائية فال ماكديرمد، وهي فائزة سابقة بجائزة ثيكستون أولد بيكيولير. واحتفلت ماكديرمد في الوقت نفسه بصدور روايتها المطبوعة الجديدة «خارج الحدود Out of Bounds» التي تحمل الرقم 30 في مجال مساهمتها في أدب الجريمة. عبّرت الكاتبة عن سعادتها البالغة للدفء واللطف اللذين حظيت بهما من قبل جمهور المهرجان من قرّاء وروائيين.
هذا، وأشادت رولينغ، الروائية البريطانية الأولى من حيث حجم المبيعات، بماكديرمد واعتبرتها مصدر إلهام منذ وقت طويل لكل المهتمين بروايات الجريمة، وشكرتها على مراجعتها الإيجابية عن أول رواية جريمة كتبتها رولينغ، وكانت باسم مستعار هو (روبرت جالبريث) قبل أن يُكتشف الأمر ويعلم الجميع أن روبرت المزعوم هو في الحقيقة السيدة رولينغ نفسها.
وكانت رواية «مهنة شيطانية Career of Evil» التي نشرتها رولينغ بالاسم الأدبي المستعار هي إحدى الرّوايات التي اختيرت للقائمة النهائية للمرشحين لجائزة ثيكستون أولد بيكيولير لروايات الجريمة للعام 2016. لكن الشرطيّة السابقة تفوقت عليها فيما يبدو وقدّمت سردًا شديد التشويق في أجواء جرائم خطيرة وفساد داخل البوليس وتزوير للأدلة. ويقول النقاد إن سرد ماكنتوش يتسم بواقعيّة شديدة، ويعكس خبراتها الحياتيّة أثناء عملها في سلك البوليس، وإحساسها العالي بما وراء الأحداث.
ولا شك أن في ذلك تذكيرا لجمهور الرواية عمومًا بأن هذا النوع الأدبي خاصة لا يكتمل ولا ينضج من دون أن يكون خلاصة تجربة الروائي الحياتية، وإدراكه لجزئيات المناخ الذي يضع سرديته فيه، وهكذا بدا أن القراء أحبوا روحية كتابة ماكنتوش التي تنشر رواية لأول مرّة، وفضّلوها حتى على نص كتبته رولينغ - مبتكرة شخصيّة هاري بوتر - علمًا أن الجائزة تمنح وفق تصويت عام مفتوح للقراء رغم أن لجنة تحكيم هي التي تصدر الحكم النهائي باسمهم.
الجدير بالذّكر أن مهرجان كتّاب رواية الجريمة يقام سنويًّا لأربعة أيام في بلدة هاروجيت الجميلة في منطقة يورك شمال المملكة المتحدة، ويستقطب جمهورًا واسعًا فيه كل الأعمار من الجنسين المهتمين بروايات الجريمة، ويستمر ببناء سمعة دوليّة وشهرة متزايدة عامًا بعد عام بوصفه سوقًا للقاء أهم الأسماء في فضاء روايات الجريمة باللغة الإنجليزيّة، وأيضا ناشريها المعروفين والطامحين.
إلى جانب الجمهور البريطاني، يكاد الأميركيون يمثلون غالبية الحضور من الأجانب في المهرجان الذي يحظى باهتمام ومتابعة بين جمهور روايات الجريمة الأميركي الكبير. وتنظم شركات سياحية أميركية رحلات خاصة للمهتمين لقضاء عدة أيام في هاروجيت وقت فعاليات المهرجان في صيف كل عام.
وترعى المهرجان والجائزة شركة مشهورة بإنتاج المشروبات الروحية، يزيد عمرها على 186 عاما وقد تعاونت هذا العام مع (دبيلو إتش سميث) شركة متاجر القرطاسية المعروفة وأيضًا مجلة (راديو تايمز).
ورغم بقاء روايات الجرائم الشعبية في الأدب الغربي حكرًا على المؤلفين الرجال لعقود طويلة، تحكي قصص أبطال - أغلبيتهم الساحقة ذكور - يصارعون الأشرار يبحثون عن الحقيقة والعدالة، فإن عالم النشر اليوم يلحظ اتجاها جديدًا، سمته الشعبيّة المتزايدة لروايات جرائم بوليسية خطتها نساء، تغلب عليها أجواء أنثوية، الأبطال الرئيسيون فيها غالبا شخصيات نسوية قلقة مشوشة، تعيش في سرد ذي حبكات شديدة التشابك.
وفي القائمة النهائية للمرشحين لجائزة ثيكستون أولد بيكيولير لرواية الجريمة هذا العام كانت هناك أربعة أعمال كتبتها أقلام نسائية مقابل عملين فقط بأقلام رجال، إذ يبدو أن صناعة النشر أدركت اليوم أكثر من أي وقت مضى أن الجريمة التي تكتبها المرأة مقنعة وربما مغرية أكثر وبالتالي تحقق مبيعات أكثر، لا سيما إذا ما علمنا أن معظم جمهور روايات الجريمة في الغرب هن النساء، إذ تشير آخر الإحصائيات إلى أن 80% من كتب الجريمة التي تباع سنويًا في العالم تشتريها وتقرؤها النساء.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.