«غيظ» فرنسي من تكتم واشنطن على تفاصيل اتفاقها مع موسكو بشأن سوريا

باريس تتساءل عن غياب الجانب السياسي.. وعن نجاعة «الثنائية» الروسية ـ الأميركية

سورية تحمل طفلها أثناء دخولها الأراضي التركية هربا من الصراع الدائر في سوريا (رويترز)
سورية تحمل طفلها أثناء دخولها الأراضي التركية هربا من الصراع الدائر في سوريا (رويترز)
TT

«غيظ» فرنسي من تكتم واشنطن على تفاصيل اتفاقها مع موسكو بشأن سوريا

سورية تحمل طفلها أثناء دخولها الأراضي التركية هربا من الصراع الدائر في سوريا (رويترز)
سورية تحمل طفلها أثناء دخولها الأراضي التركية هربا من الصراع الدائر في سوريا (رويترز)

بعد أسبوع على توصل وزيري خارجية الولايات المتحدة الأميركية وروسيا إلى اتفاق لإعادة العمل بالهدنة بين قوات النظام السوري وحلفائه من جهة، والمعارضة المسلحة من جهة أخرى، ما زال الغموض يحيط بتفاصيل الاتفاق الذي لم يعرف منه سوى خطوطه الكبرى بينما الملاحق الخمسة «السرية» التي تتضمن كل التفاصيل ومنها أمور «حساسة»، وفق تعبير الناطق باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، بقيت طي الكتمان بفعل رغبة واشنطن. ولم يتردد سيرغي لافروف في استغلال الفرق بين أداء الدبلوماسية الروسية التي لا تمانع في نشر الاتفاق، لا بل في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يتبناه كما هو وبين رغبة واشنطن في الإصرار على إبعاده عن الأعين ليسجل هدفا في المرمى الأميركي وليذكر واشنطن بـ«التزاماتها»، وأولها الدفع باتجاه إبعاد الفصائل المعتدلة عن مواقع «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقا).
هذا الوضع دفع فرنسا التي لم تتردد في تأييد الاتفاق مباشرة عقب إبرامه في جنيف إلى الإعراب عن «اندهاشها»، لا بل عن «غيظها» من هذه الحالة وفق ما أفادت به مصادر رسمية فرنسية لـ«الشرق الأوسط». واللافت أن التعبير علنا عن التبرم جاء على لسان مسؤول الدبلوماسية الفرنسية مباشرة، الوزير جان مارك إيرولت، الذي وجه انتقادات مبطنة لواشنطن التي كان من المفترض بها أن تسارع إلى إطلاع الدول الرئيسية الفاعلة في التحالف الدولي ضد «داعش»، خصوصا تلك التي تساهم في عمليات قصف جوي وبمجموعات كوماندوز في سوريا، وعلى رأسها فرنسا.
وقد استغل الوزير إيرولت زيارة مشتركة مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى شرق أوكرانيا للكشف عن عدم ارتياح بلاده إزاء اكتفاء واشنطن بإطلاعها فقط على الخطوط العامة للاتفاق وليس على تفاصيله. وهي بذلك تجد نفسها في الحالة ذاتها التي تعاني منها المعارضة السورية ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات التي طالبت هي الأخرى بأن تتسلم نسخة عن صيغته الرسمية.
وقال إيرولت، أمس، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية «أ.ف.ب» و«رويترز»، إن الاتفاق المذكور الذي «لا نعرف تفاصيله - وهنا تكمن المشكلة - ينص على أن يتحقق الروس والأميركيون بدقة من أماكن تمركز الإرهابيين الذين يتعين علينا الاستمرار في محاربتهم وذلك على الخرائط وموقعا بعد موقع». وأردف الوزير الفرنسي، معللا أسباب رغبة بلاده بالحصول على نص الاتفاق، أنه «إذا حدث لبس.. فسيكون هناك أيضا خطر يتمثل في احتمال ضرب المعارضة المعتدلة». وخلاصة الوزير الفرنسي أن بلاده «ستكون مطالبة في مرحلة ما بتأييد التفاصيل الشاملة لهذه الخطة وكي نفعل ذلك فنحن بحاجة للاطلاع على كامل المعلومات».
تتخوف باريس من أنه إذا بقيت تفاصيل الاتفاق سرية فإن تطبيقه قد يكون كذلك على حساب المعارضة، إذ إن الطيران الروسي يستطيع دوما الادعاء أنه يضرب مواقع «النصرة» بينما هو يستهدف أماكن تمركز المعارضة المعتدلة. وقالت المصادر الفرنسية، لـ«الشرق الأوسط»، إن روسيا «دأبت منذ البداية على التحجج بـ(داعش) و(النصرة)، ولكن غرضها الأول والرئيسي كان مواقع المعارضة المعتدلة لحماية النظام ولمساعدته على الوقوف على قدميه وهي مستمرة في ذلك». أما إذا حصلت باريس، وهي العاصمة الوحيدة التي طالبت جهارًا بالاطلاع، على تفاصيل الاتفاق والخرائط المصاحبة، فإنها ستكون في موقع يتيح لها التأكد من طبيعة الأهداف التي ستضرب.
بيد أن الاعتراض الفرنسي له أسبابه العميقة. وتعتبر المصادر الفرنسية أن واشنطن وموسكو تريدان «الاستئثار» بالملف السوري وهذا واضح بقوة من الجانب الروسي الذي «سعى دوما لجعل نقاشاته محصورة في الوزير جون كيري وإبعاد الأطراف الأخرى عنها». ومردّ ذلك، بحسب الفهم الفرنسي، لثلاثة أمور: الأول: «الليونة الفائضة» التي أبداها كيري منذ البداية إزاء الأداء الروسي، وسببها رغبة أميركية في الامتناع عن مزيد من الانغماس في سوريا والتركيز على ملف «داعش» (والآن النصرة) وترك مصير الرئيس السوري ونظامه إلى مرحلة لاحقة. والثاني، رغبة مشتركة أميركية - روسية في إبعاد الأطراف التي يمكن أن تلعب دورا «تعطيليا» بمعنى رفع سقف الشروط وتعقيد المفاوضات الشاقة أصلا. أما السبب الثالث، فإن الطرفين يريان أن الدول الأخرى لا تلعب دورا مؤثرا في مسار الأزمة السورية، وبالتالي إذا اتفقت موسكو وواشنطن، فيتعين على الآخرين عندها أن يسيروا وراءهما وهو ما لا تقبله باريس. وفي أي حال، ترى باريس أن للأطراف الإقليمية والدولية دورا كبيرا إن لجهة الحل أو التصعيد، وأن تجاهلها «يشكل مقاربة غير مكتملة لا بل خاطئة».
حقيقة الأمر أن باريس عبرت دائما عن شكوكها من «الثنائية» الأميركية - الروسية في إدارة النزاع في سوريا. ولذا دأبت فرنسا، قبل أي استحقاق رئيسي، على دعوة ما يسمى «النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة السورية إلى اجتماعات وزارية تمهيدية في عاصمتها من أجل «بلورة مواقف مشتركة». والمقصود بذلك «تكبيل» يدي المفاوض الأميركي حتى «لا يفرط في التنازلات». وسبق لباريس أن لعبت هذا الدور فيما يخص مفاوضات الملف النووي الإيراني، حيث برز وقتها وزير الخارجية السابق، لوران فابيوس. وكان كيري قد اعتاد التفاوض على انفراد مع وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف قبل أن ينضم إليهما المسؤولون الآخرون.
تقول المصادر الفرنسية إنه بانتظار أن تتكون لباريس صورة متكاملة عما توصل إليه كيري ولافروف، فإن ما يقلق الجانب الفرنسي هو غياب «البعد السياسي» عن الاتفاق. وهذا الواقع يعني أن الطرفين الرئيسيين مستمران في تأجيل النظر بهذا الاستحقاق إلى المراحل اللاحقة أي إلى مرحلة ما بعد القضاء على «داعش» و«النصرة» عن طريق العمل العسكري المشترك. والحال أن باريس ترى أنه «لا يمكن تصور المحافظة على الهدنة لفترة طويلة ما لم يحصل تقدم سياسي على طاولة المفاوضات بشأن المسائل العويصة وعلى رأسها مصير الرئيس السوري». والحال أن «تغييب» هذه المسألة سيعني العودة بـ«المحادثات»، وفق توصيف المعارضة السورية التي ترفض كلمة «مفاوضات»، إلى المربع الأول، خصوصا أن «لا مؤشرات تدل على تغير في الموقف الروسي من النظام ومن رغبته في الإبقاء عليه والاستمرار في استخدام الملف السوري في لعبة شد الحبال مع واشنطن والمقايضة به في محافل أخرى». وما زالت باريس تعتبر أن موسكو (ومعها النظام) لم تتخل عن الرغبة في حسم النزاع في سوريا عسكريا طالما أنها لا تعمل على الضغط على النظام ودفعه باتجاه حل سياسي لا يمكن أن يخرج بصورة انتصار فريق وهزيمة فريق آخر.
في أي حال، تولي باريس مدينة حلب أهمية قصوى وهي ترى أن وضعها يمكن أن يكون «حاسما» في تقرير مصير الحرب. وقال إيرولت بهذا الخصوص إن موضوع إيصال المساعدات الإنسانية سيكون بمثابة اختبار لمصداقية الاتفاق الذي ما زال في مرحلة «التجربة»، وهو يمدد كل 48 ساعة ولا شيء يمكن أن يكفل استمرار العمل به، نظرا للتجارب السابقة وآخرها اتفاق فيينا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الذي رسم خريطة طريق للخروج من نفق الأزمة السورية وتم تثبيتها في القرار الدولي رقم 2254.
يبقى تساؤل أخير: لماذا تريد واشنطن المحافظة على سرية الاتفاق بينما موسكو لا تمانع في نشره؟
السؤال يحير الدوائر الفرنسية التي ليست لديها رؤية دقيقة للأسباب التي تجعل الجانب الأميركي متكتما حتى على حلفائه بصدد ما توصل إليه مع الطرف الروسي. وجل ما يصدر عن باريس تقديرات وتحليلات عنصرها الأول ربما حرص واشنطن على عدم كشف أوراقها كافة، خصوصا ما يمكن أن يعد تنازلات إضافية وتراجعا عن مواقفها السابقة المعلنة أكان ذلك بخصوص تصنيف المجموعات المسلحة أم بشأن العملية السياسية ومحتوى مراحلها.



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.