تعديل دستور تركمانستان من أجل البقاء في السلطة أم لبناء دولة ديمقراطية؟

يفتح الأبواب أمام بردي محمدوف ليصبح رئيسًا للبلاد «إلى الأبد»

الرئيس التركماني غربانغلي بردي محمدوف  يخاطب مجلس الشيوخ في العاصمة أشغبات (أ.ف.ب)
الرئيس التركماني غربانغلي بردي محمدوف يخاطب مجلس الشيوخ في العاصمة أشغبات (أ.ف.ب)
TT

تعديل دستور تركمانستان من أجل البقاء في السلطة أم لبناء دولة ديمقراطية؟

الرئيس التركماني غربانغلي بردي محمدوف  يخاطب مجلس الشيوخ في العاصمة أشغبات (أ.ف.ب)
الرئيس التركماني غربانغلي بردي محمدوف يخاطب مجلس الشيوخ في العاصمة أشغبات (أ.ف.ب)

الفقرة الأهم في نص دستور تركمانستان الجديد، التي أثارت اهتمام المراقبين والمنظمات الحقوقية ومنظمات دولية، مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كانت الفقرة التي تحدد عمر من يحق لهم الترشح لمنصب رئاسة البلاد وشغل ذلك المنصب، على الرغم من إدخال تعديلات عدة تبدو حسب النص الدستوري أنها تسعى إلى تشجيع التعددية الحزبية وتنشيط دور الشباب في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، وتفتح الأبواب أمام تحديد الصلاحيات بين السلطات التنفيذية والتشريعية.
ووقع الرئيس غربانغلي بردي محمدوف النص الجديد لدستور البلاد يوم الرابع عشر من سبتمبر (أيلول)، وذلك بعد أن وافق مجلس الشيوخ (البرلمان التركماني) بالإجماع على النسخة المعدلة من الدستور. وبينما كان الدستور السابق يشترط أن يكون الرئيس قد أكمل الأربعين عاما من عمره ولم يتجاوز السبعين، فإن النسخة الجديدة تبقي على الحد الأدنى، بينما ألغت السبعين عاما وتركت السقف الأعلى لعمر الرئيس مفتوحا، ومددت فترة الولاية الرئاسية الواحدة من خمس إلى سبع سنوات، مع الحفاظ على الفقرة التي تمنح الرئيس شغل كرسي الرئاسة في البلاد عددا غير محدود من الولايات الرئاسية؛ ما يعني أن التعديلات الجديدة تفتح الأبواب أمام بردي محمدوف ليصبح رئيسا للبلاد «إلى الأبد».
وتجدر الإشارة إلى أن بردي محمدوف يشغل منصب رئيس تركمانستان منذ عشر سنوات، وتحديدا بعد وفاة سلفه صابر مراد نيازوف عام 2006، حينها كان بردي محمودوف يشغل منصب وزير الصحة، ونائبا لرئيس الحكومة، أي نائبا لصابر نيازوف ذاته الذي جمع في آن واحد بين منصب الرئاسة ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان. وكان دستور البلاد ينص على تعيين رئيس البرلمان قائما بأعمال الرئيس، إلا أن الأمن التركماني وجه اتهامات لرئيس البرلمان وكان حينها أويزغيلدي أتايف، وتم تعيين بردي محمودوف قائما بأعمال الرئيس، وبعد عام فاز محمدوف بالانتخابات الرئاسية لأول مرة، ومن ثم فاز بانتخابات عام 2012، وما زال يشغل الرئاسة حتى اليوم، ويرجح أن يشارك في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2017.
وفي تعديلات أخرى، ينص الدستور التركماني الجديد على أن بنية الدولة (جمهورية) غير قابل للتغير، وبحال عدم تمكن الرئيس من تنفيذ مهامه لجملة أسباب يحددها الدستور في نصه، يتم نقل صلاحياته إلى رئيس البرلمان، إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد. وكانت لافتة جملة تعديلات أخرى في الدستور الجديد تلغي أمرا هو من المقدسات في عهد نيازروف، أي تدريس كتاب «الروح نامه» أو «حكاية الروح» الذي ألفه نيازوف، وكان تدريسه إلزاميا في كل المراحل الدراسية. كما يتضمن الدستور الجديد فصلا خاصا بالرئيس والبرلمان والحكومة والمحكمة الدستورية العليا، ويتحدث ذلك الفصل عن تقاسم السلطات بين ثلاث مؤسسات مستقلة، هي التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ الأمر الذي يرى فيه كثيرون خطوة تمهد للانتقال إلى مجتمع أكثر ديمقراطية، وقابل للانفتاح على الحريات السياسية.
إلا أن كل تلك التعديلات لم تعف الرئيس التركماني بردي محمدوف من التشكيك بالنوايا الحقيقية التي دفعته إلى تعديل دستور البلاد؛ إذ يرى أندريه كازانتسيوف، مدير مركز الأبحاث في معهد الدراسات الدولية التابع لجامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية، أنه «لا يوجد أي تغيرات فعلية في النسخة الجديدة من الدستور التركماني». وإلغاء الفقرة التي تحدد عمر الرئيس تعني أن الرئيس الحالي ينوي البقاء في السلطة فترة طويلة جدا، حسب رأي الخبير الروسي الذي لم يستبعد أن بردي محمدوف ربما يهيئ حفيده ابن الثالثة عشرة ليخلفه في الرئاسة. وبشكل عام، يرى كازانتسيوف أن السلطات التركمانية تسعى عبر التعديلات الدستورية إلى تحسين صورتها للحصول على استثمارات أجنبية، مؤكدًا أن تركمانستان في حاجة حاليا إلى المال في الوقت الذي تذهب فيه عائدات الغاز التركماني لتغطية قروض حصلت عليها سابقا لمد شبكة أنابيب الغاز.
ويتفق شهرات قاديروف، كبير الخبراء في مركز دراسات مشكلات الشرق المعاصر التابع لمعهد الاستشراق، مع الفكرة القائلة بأن الجانب الاقتصادي يكمن في خلفية التعديلات الدستورية في تركمانستان. ويقول شهرات بهذا الصدد إن عصر «الاقتصاد الطفيلي» قد انتهى، وتراجعت أسعار النفط إلى مستويات لم تعد كافية لضمان المستوى السابق من الرفاه للمواطنين التركمان، موضحا أن تركمانستان التي توصف بأنها دولة كبرى في مجال تصدير الغاز الطبيعي، تعتمد حقيقة على العائدات النفطية؛ ونظرا لتراجع أسعار النفط وعدم توفر أموال لمد شبكات غاز تساهم في زيادة عائدات صادرات الغاز الطبيعي، برزت مخاوف بإلغاء الدعم الحكومي للخدمات، مثل تزويد المواطنين بالماء والغاز والكهرباء، وهي خدمات مجانية حتى الآن في تركمانستان، ويدعو مجلس الشيوخ إلى إلغائها، الخطوة التي قد تؤدي إلى توتر داخل البلاد، ولعل بردي محمدوف يريد عبر التعديلات الدستورية أن يبدو أمام الغرب بمظهر الرئيس الديمقراطي لتركمانستان، في حال شهدت بلاده احتجاجات واضطر إلى قمعها بالقوة.
على مستوى المواقف الرسمية، قالت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن الكثير من التعديلات الجديدة على الدستور التركماني «محط ترحيب»، بينما أشارت إلى ضرورة المزيد من التوضيح لبعض النصوص في النسخة الجديدة. وعلى وجه الخصوص، رحبت المنظمة بالفقرات في الدستور التي تتحدث عن التعددية الحزبية وضرورة خلق ظروف مواتية لتطوير المجتمع المدني في البلاد، فضلا عن الفقرة حول دور وحقوق الشباب. أما التعديل الأهم في المجال الحقوقي، فهو الذي ينص على تعيين مفوض لحقوق الإنسان في تركمانستان. ويشمل الدستور التركماني 143 فقرة، بقيت 35 منها دون أي تعديل، بينما جرى تعديل وإدخال إضافات على 80 فقرة، وإضافة 28 فقرة جديدة على نص الدستور. وكان الرئيس التركماني غربانغلي بردي محمدوف قد أشار في حديثه عن الدستور الجديد إلى ضرورة تعديل القانون الأساسي للبلاد «بما يتناسب مع واقع التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد».



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.