حتى عهد قريب، كانت الصورة السائدة لدى الأغلبية أن علاقة الفن بالمجوهرات حميمة لا تشوبها شائبة، لكن مع افتتاح الدورة الـ28 من معرض «بينالي دي أنتيكير» Biennale des Antiquaires الذي يحتضنه «لوغران بإليه» بباريس كل عامين، انكشف المستور وتجلت صورة مغايرة تماما. فما بدا في السابق تناغما يتضمن في الواقع، بين ثناياه الكثير من المنافسة، وربما الغيرة أيضا. فالمعرض الذي كان يضم أسماء عالمية كثيرة، مثل «كارتييه»، «بولغاري»، «فان كليف آند آربلز»، «هاري وينستون»، وهلم جرا من الأسماء البراقة في عالم المجوهرات، تقلص ليضم أربعة أسماء فقط هذه السنة مقارنة بأكثر من عشرة أسماء في السنوات الماضية. وهكذا كانت الغلبة هذه المرة للفن والتحف والأنتيكات، حيث بلغ عدد العارضين 120 متخصصا فنيا، مقارنة بـ63 فقط في عام 2014.
أما سبب هجرة دور المجوهرات فيعود على ما يبدو إلى تغييرات إدارية عقب شكاوى العاملين في التحف القديمة، الذين رأوا أن شخصية المعرض تغيرت في السنوات الأخيرة في غير صالحهم. وكانت النتيجة أن إدارة المعرض وقفت في صفهم ورفضت منح بيوت المجوهرات، وعلى رأسها «كارتييه» مساحة كبيرة لعرض منتجاتها. والنتيجة كانت انسحاب «كارتييه» وتضامن ما لا يقل عن 13 اسما آخر معها. بعضهم فضل العرض خلال أسبوع الـ«هوت كوتير» للأزياء مثل «شانيل» و«ديور»، وبعضهم الآخر اختار أماكن أخرى، خلال أسبوع الـ«بينالي» لتقديم مجموعاتهم. المصمم جيامبييرو بودينو، مثلا اختار متحف «بورديل» لهذا الغرض، وهو ما كان مناسبا بالنظر إلى أن تصاميمه تعبق بالفنية، و«فان كليف آند أربلز» اختارت «بلاس فاندوم».
انسحاب الأسماء الكبيرة كان في صالح المشاركين الأربعة، سيندي تشاو، «نيراف مودي»، بوغوسيان، وأخيرا وليس آخرا «دي غريزيغونو»، الذين انصبت كل الأنظار عليهم، وإن لم يكن في صالح المعرض، الذي لا بد أنه خسر نسبة من مدخولاته. فتكلفة تأجير مساحة صغيرة، فضلا عن القدرات الكبيرة التي تتمتع بها بيوت مجوهرات مثل «بولغاري» و«كارتييه» و«بوشرون»، وغيرها، لا بد أنها أثرت عليه سلبا. ما يزيد الأمر سوءا، وبات يتطلب منهم تدخلا سريعا لاسترجاعهم في السنوات المقبلة، أن هناك معارض أخرى منافسة مثل «ماستربيس لندن»: «ويوروبيان آرت فير»، المعروف باسم «تيفاف» وغيرها، الأمر الذي يعني توفر خيارات أخرى للوصول إلى الزبائن والمتابعين، عوض انصياعهم لإملاءات «البينالي» الباريسي. ثم لا ننسى شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي أكدت أهميتها وجدواها، على الأقل بالنسبة للأسماء المعروفة على المستوى العالمي. في المقابل، فإن الأسماء الجديدة والشابة، وأغلبها لا يزال شركات مستقلة تملكها عائلات، فإن المشاركة في الـ«بينالي» يفتح لها أبوابا جديدة. بالنسبة للمصممة التايوانية سيندي تشاو، فهي تحلم بدخول «البينالي» والمشاركة فيه منذ ست سنوات، حسب قولها. كذلك الأمر بالنسبة لشركة «ميراف مودي» الهندية، التي اعترفت بأن المشاركة في منبر عالمي بحجم «البينالي» يمثل فرصة مهمة لتسليط الضوء عليها، خصوصا أن زوار المعرض مُقتنون من العيار الثقيل.
من جهته، عبر رالف بوغسيان، أن مشاركته هذا العام مهمة وتسجل لمرحلة جديدة في تاريخ دار «بوغوسيان» والمعرض على حد سواء. «البينالي يستعرض أرقى مستويات البراعة والحرفية في العالم، وما كانت تضفيه عليه العلامات التجارية الكبيرة كان رائعا، لكنه أفقد المعرض معناه الحقيقي».
معلومات جانبية:
يعتبر «بينالي لي زونتيكير» أهم معرض للتحف الفنية في العالم، حيث تأسس في عام 1962 على يد أندريه مالرو، الذي كان حينئذ، وزير الثقافة بفرنسا.
- في البداية اقتصر على التحف والأنتيكات والقطع الفنية، قبل أن يتم قبول بيوت مجوهرات لتوسيعه. فما بدأ في عام 1962 بـ78 مشاركا فقط وصل فيما بعد إلى نحو 122 مشارك.
- سعر المتر المربع الواحد فيه يتراوح ما بين 1.300 إلى 1.630 يورو. هذه المبالغ قد تكون كبيرة بالنسبة للبعض لكنها بالنسبة لدور المجوهرات مثل «كارتييه» فهي لا شيء، لهذا كانت تأخذ مساحات ضخمة أثارت حفيظة البعض وجعلتهم يشتكون.
الدورة الـ28 لـ«بينالي دي أنتيكير» باريس.. منافسة متوترة بين المشاركين
«كارتييه» تنسحب منه وآخرون ينضمون إليه
الدورة الـ28 لـ«بينالي دي أنتيكير» باريس.. منافسة متوترة بين المشاركين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة