أنقرة تعطي أول إشارة رسمية إلى المنطقة الآمنة شمال سوريا

مصدر دبلوماسي يؤكد لـ «الشرق الأوسط» أنها أصبحت أقرب من أي وقت مضى

رجل من القامشلي شمال شرقي سوريا يقود دراجته مع بناته الثلاث صبيحة هدنة عيد الأضحى أمس (أ.ف.ب)
رجل من القامشلي شمال شرقي سوريا يقود دراجته مع بناته الثلاث صبيحة هدنة عيد الأضحى أمس (أ.ف.ب)
TT

أنقرة تعطي أول إشارة رسمية إلى المنطقة الآمنة شمال سوريا

رجل من القامشلي شمال شرقي سوريا يقود دراجته مع بناته الثلاث صبيحة هدنة عيد الأضحى أمس (أ.ف.ب)
رجل من القامشلي شمال شرقي سوريا يقود دراجته مع بناته الثلاث صبيحة هدنة عيد الأضحى أمس (أ.ف.ب)

في أول إشارة رسمية من أنقرة إلى البدء في تنفيذ خطة إقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا، أعلن نائب رئيس الوزراء التركي نور الدين جانيكلي أن بلاده ستتولى إقامة مدن سكنية جديدة في المناطق السورية التي يتم تحريرها بواسطة قوات الجيش السوري الحر التي تدعمها تركيا والتحالف الدولي ضد «داعش» في إطار عملية «درع الفرات» في شمال سوريا.
ولم تحصل تركيا بعد على موافقات دولية من أجل البدء في تنفيذ مقترحها بشأن إقامة منطقة آمنة يحظر فيها الطيران في شمال سوريا، فيما أعلن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو في أنقرة خلال مؤتمر صحافي مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) الجمعة الماضي، أن إقامة المنطقة الآمنة تحتاج لموافقة الأمم المتحدة ولا دخل لـ«الناتو» بالأمر.
وسبق أن اعترض «الناتو» ومعه واشنطن على فكرة إقامة المنطقة الآمنة عند طرحها للمرة الأولى العام الماضي، لكن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن أنه أعاد طرح الفكرة على الرئيسين الروسي والأميركي والزعماء المشاركين في قمة مجموعة العشرين في الصين الأسبوع الماضي.
وجاء طرح الفكرة هذه المرة بعد النجاح الذي حققته عملية «درع الفرات» في تطهير المنطقة الممتدة من جرابلس إلى الراعي في شمال سوريا من عناصر تنظيم داعش، وبدء عودة السوريين إليها.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن فرصة الموافقة على المقترح التركي باتت أكبر بعد القضاء على وجود «داعش» في المناطق القريبة من حدودها في شمال سوريا، فضلا عن إبداء استعدادها لمشاركة التحالف الدولي في تحرير الرقة في شمال سوريا والموصل في شمال العراق، من وجود «داعش».
وقال جانيكلي في تصريحات أدلى بها بمقر حزب العدالة والتنمية بولاية جريسون شمال تركيا، إن بلاده ستعمل على توفير جميع مقومات الحياة في المناطق السورية المحررة، وإنه ستتم عودة السوريين إلى تلك المناطق والعيش فيها.
ولفت جانيكلي إلى عودة عشرات الآلاف من السوريين إلى بلادهم عقب تحرير مدينة جرابلس ومحيطها قبل أسبوعين من يد تنظيم داعش الإرهابي، لافتا إلى أن بلاده تخطط لاستمرار دعم الجيش الحر حتى يتمكن من تطهير مساحة بطول 95 كيلومترا وبعمق 45 كيلومترا من الأراضي السورية المتاخمة للحدود التركية.
وهذه هي المنطقة التي تسعى تركيا لإقامة المنطقة الآمنة عليها، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 28 يوليو (تموز) العام الماضي أن بلاده «تسعى لاتخاذ الخطوة الأولى لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا»، مضيفا: «هدفنا يكمن في تهيئة القاعدة لإقامة منطقة آمنة. وفي المرحلة الأولى يتعين علينا تطهير المنطقة من عناصر (داعش). وبذلك، ستتم إقامة البنية التحتية الضرورية للمنطقة الآمنة، بما يتيح لنحو مليوني سوري العودة إلى ديارهم».
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن الخطة التركية تقوم على استيعاب اللاجئين السوريين لديها، الذين وصل عددهم إلى 2.7 مليون لاجئ خلال عامين، في مناطق سكنية متكاملة الخدمات ستتولى تركيا إنشاءها لنقلهم إليها».
وأعلنت رئاسة هيئة أركان الجيش التركي أنه تم تطهير مساحة 845 كيلومترا مربعا في شمال سوريا في إطار عملية «درع الفرات». وأضافت في بيان، أن قوات التحالف الدولي ضد «داعش» شنت، الاثنين، غارات على موقعين للتنظيم في منطقة براغيدة بريف حلب، أسفرت عن تدمير منصة إطلاق قذائف ومستودع للذخائر.
وحول حصيلة عملية «درع الفرات» منذ انطلاقها في أغسطس (آب) الماضي، أفاد البيان بأن القوات التركية استهدفت 516 هدفا إرهابيا بـ2223 قذيفة.
وأشار البيان إلى استمرار القوات التركية في تقديم الدعم اللوجيستي للمدنيين وعناصر الجيش السوري الحر، والمنظمات الإغاثية من قبيل الهلال الأحمر التركي وإدارة الكوارث والطوارئ التركية في المنطقة.
وأعلن الجيش التركي أمس، إطلاقه 6 قذائف مدفعية، باتجاه مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري، ردًا على سقوط قذيفة في منطقة «يايلاداغي - بلنكوز» الحدودية بمحافظة هطاي جنوب البلاد. وأشار إلى أن القذيفة لم تسفر عن أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات بالمنطقة.
على صعيد الهدنة في سوريا، عبر أكثر من 20 شاحنة تحمل مساعدات غذائية وطبية من معبر جيلفاجوزو الحدودي إلى شمال سوريا أمس. وكانت تركيا أعلنت أنها تسعى بالتعاون مع الأمم المتحدة إلى إرسال 33 شاحنة تحمل أغذية وملابس ودمى للأطفال إلى مدينة حلب بشمال سوريا بعد الهدنة التي تم التوصل إليها بالاتفاق بين أميركا وروسيا وبدأ سريانها مساء أول من أمس.
في الوقت نفسه، وصل عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا من تركيا إلى مدينة جرابلس والمناطق المحيطة بها شمال محافظة حلب السورية، إلى نحو ألف و700 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، منذ انطلاق عملية «درع الفرات»، في 24 من أغسطس الماضي.
وقال أوكتاي باهشجي، مدير دائرة الهجرة في محافظة غازي عنتاب جنوب تركيا، إن ألفا و700 مواطن سوري، معظمهم من النساء والأطفال عادوا إلى جرابلس والقرى المحيطة بها منذ بدء عملية «درع الفرات».
ولفت إلى أن عودة السوريين إلى جرابلس متواصلة وأنها تشهد زيادة خلال فترة عيد الأضحى، وأن جزءا كبيرا من السوريين المقيمين في تركيا بسبب الحرب المتواصلة في بلادهم منذ نحو 6 سنوات، تقدموا بطلبات من أجل الذهاب إلى مدينة جرابلس والمناطق المحيطة بها خلال فترة عيد الأضحى المبارك.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.