محمد رمضان: أعمل على انتعاشة المسرح.. والراحل عمر الشريف اقتنع بفني قبل الجميع

الفنان المصري اعتبر تقديم جزء ثان لأي عمل «إفلاسًا»

محمد رمضان  -  تجربته المسرحية على مسرح الهرم
محمد رمضان - تجربته المسرحية على مسرح الهرم
TT

محمد رمضان: أعمل على انتعاشة المسرح.. والراحل عمر الشريف اقتنع بفني قبل الجميع

محمد رمضان  -  تجربته المسرحية على مسرح الهرم
محمد رمضان - تجربته المسرحية على مسرح الهرم

البعض يشبهه بالنجم العالمي الكبير عمر الشريف، والبعض الآخر يرى فيه امتدادا للراحل أحمد زكي، فيما يحلو لفريق ثالث أن يقارن بداياته بالمطرب عبد الحليم حافظ، الذي وجهت له اتهامات بإفساد الذوق العام في بداياته الفنية، حيث يراه البعض «بلطجيًا»، لكن ما يتفق عليه الجميع أنه خلال سنوات قليلة صعد للقمة، وبات أحد نجوم «شباك السينما»، كما برز في أعمال الدراما التلفزيونية، وباتت أعماله تنافس نجوما تصل خبرتهم في هذه المجال لضعف عمره. الفنان المصري محمد رمضان، صار ظاهرة حقيقية في الحقل الفني المصري والعربي، بعد أن لمع نجمه في وقت قياسي، بعد أن ظهر في أعمال صغيرة في بداية مشواره، لكن سرعان ما أظهر قدراته ممثلا واعدا وموهبة حقيقية في فيلم «احكي يا شهرزاد» عام 2009، ثم صار بطلا مطلقا لكثير من الأفلام والمسلسلات الناجحة. رمضان صاحب الـ28 عامًا، وابن محافظة قنا بصعيد مصر، قدم كثيرا من الأفلام السينمائية المثيرة للجدل في السنوات الأربع الأخيرة؛ بدأها بـ«عبده موته» و«الألماني» عام 2012، ثم قدم «قلب الأسد» و«واحد صعيدي» و«شد أجزاء» في الفترة من 2013 حتى 2015. أما على مستوى الدراما؛ فقدم مسلسل «ابن حلال» قبل عامين، ثم مسلسل «الأسطورة» الذي حقق نجاحا كبيرا في شهر رمضان الماضي. وعلى خشبة المسرح يقدم النجم الأسمر حاليا عرض «أهلاً رمضان»، الذي لاقى نجاحا منقطع النظير وضرب الرقم القياسي في تاريخ إيرادات مسرح القطاع الخاص.
«الشرق الأوسط»، حاورت رمضان، فتحدث بصدق لا يخلو من الثقة المفرطة بالنفس، وأبدى رأيه في كل القضايا التي تشغل جماهيره، وجاء الحوار على النحو التالي:
* لماذا أقدمت على تقديم تجربة مسرحيه بعنوان: «أهلاً رمضان» في ظل الركود المسرحي؟
- أعتبر المسرح شيئا أساسيا لا غنى عنه، وأعشقه منذ الصغر، وكونت شخصيتي كممثل منه، ويعتبر صناعة لا تقل قيمة عن الدراما والسينما، ويرجع عدم اهتمام كثير من الممثلين بالأعمال المسرحية، إلى قلة مميزاته من حيث المادة والشهرة، ولكني أراه الأهم، وفوائده للممثل أكبر بكثير من السينما والتلفزيون، فهو يعطي القيمة للممثل أكثر من الأعمال الفنية بشقيها، والدليل وجود نجوم كبار لا نتذكر لهم إلا تاريخهم المسرحي المشرف كالنجم الكبير محمد صبحي، لذلك أعمل بكل قوة لأصنع انتعاشه للمسرح، حتى لا يقال إن المسرح في زمن محمد رمضان كان ميتًا أو ضعيفًا، وسعيد لاتخاذ هذا السبق لجيلي، وهدفي الأول هو إمتاع جمهوري.
* معنى ذلك أنك تعمل بالمسرح لإيمانك بدوره ولإمتاع جمهورك؟
- بالتأكيد، أعمل مسرح للمسرح فقط، وليس لملء حيز معين على شاشة بعض الفضائيات، المسرح غرضه الأساسي هو إمتاع الجمهور، وليس تحقيق أغراض أخرى، حتى يكون هناك إخلاص للعمل المسرحي، وأعمل عشقا له، ويجب أن أخلص له، ولذلك كان من شروطي في عقدي ألا يتم تصوير العرض وإذاعته على شاشات الفضائيات قبل ألف ليلة عرض، وهي فترة مناسبة لكي يراه الناس ويستمتعوا بها.
* ألا ترى أن دخولك المسرح كان خطوة متسرعة وغير مدروسة؟
- أنا مع مقولة: «من طلب شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه»، وبالفعل أجلت هذه الخطوة، ولذلك قمت بتقديم رواية بعنوان: «رئيس جمهورية نفسه» على مسرح القطاع العام «لجس نبض» الجمهور، وكنت أعلم أن روايات القطاع العام ليس بها الإمكانات الكبيرة؛ سواء المادية أو الدعائية اللازمة للنجاح، ولكن الحمد لله كان عملا متميزا وحقق نجاحا كبيرا أرضاني بشكل شخصي، وعرض على مدار عامي 2014 و2015، وترك بصمة جيدة في المسرح القومي بتحقيقه أعلى إقبال من رواد المسرح في تاريخ مسرح القطاع العام، ونجاح هذه التجربة كان له فوائد كثيرة.
* إذن أنت تعتبر خطوة «أهلا رمضان» جاءت في الوقت المناسب؟
- بالتأكيد في التوقيت السليم، وخضت التجربة بقلب «ميت» وبرغبة شديدة في تقديم شيء مختلف. البعض يقول إن المسرح أصيب بحالة من الفتور، بل وصل لمرحلة الموت السريري، والواقع غير ذلك، لأننا نحن من يحاول قتل هذا الفن الرفيع، ومن خلال تجاربي السابقة، اكتشفت أن المسرح لم يمت، وأن الجمهور متشوق لعمل مسرحي جيد يستمتع به، وأعدت فتح مسرح الهرم الذي كان مغلقا لسنوات.
* ما أسباب الهجوم عليك لاختيارك العرض على مسرح الهرم الذي كان يعرض عليه الفنان عادل إمام؟
- المسألة ليست هجوم، ولكن البعض ظن أن اختيار هذا المسرح بالتحديد لعرض العمل، كان رسالة غير مباشرة مني بأني صرت الزعيم على خلفية عرض مسرحية «الزعيم» عليه من قبل ولسنوات طويلة، رغم أني عرضت في السنة الماضية مسرحية «رئيس جمهورية نفسه» على مسرح الدولة ومسرح يسمى «مترو بول» في العتبة، شخصيا لا يشغلني مكان العرض، ولكن ما يشغلني هو المسرح ذاته بوصفه قيمة فنية كبيرة.
* هل نجحت مسرحية «أهلا رمضان» في إعادة الجمهور لمسرح القطاع الخاص؟
- الحمد لله؛ راض تمامًا عن تجربة «أهلا رمضان»، وأرى أنها «ناجحة مائة في المائة»، والدليل إيرادات أول يوم عرض؛ حيث إن الجانب المادي مهم جدًا لتقيم أي عمل، وبصفة عامة المسرحية بها دلائل مادية تتمثل في أعلى الإيرادات اليومية في تاريخ المسرح الخاص؛ حيث وصلنا إلى 210 آلاف جنيه، وتجاوزنا الرقم القياسي السابق البالغ 140 ألف جنيه على المسرح نفسه، وهذا دليل مادي على نجاح المسرحية، ودليل معنوي أيضًا تمثل في إشادة الجمهور بالمسرحية وإعجابه بها بشكل كبير.
* هل نجاح أعمالك الفنية الأخيرة ساعد في الإقبال على العرض؟
- يوجد كثير من العوامل؛ منها شعبيتي، وهذه الثقة بالتأكيد جاءت من خلال الأعمال السابقة الناجحة التي قدمتني للجمهور وصنعت علاقتي به، سواء في التلفزيون أو في السينما، وهو ما جعله يأخذ القرار بأن ينزل ويدفع أموالاً لكي يراني على المسرح، بجانب المنظومة الجيدة والناجحة للمسرح نفسه والإنتاج القوي والجيد الذي يعتبر من أهم مقومات نجاح أي عمل سواء في الدراما التلفزيونية أو السينما، وحظيت بالتعاون مع فريق عمل مميز بداية من المخرج الكبير خالد جلال، ومؤلف الرواية وليد يوسف، وعمرو مصطفي في المزيكا، والمنتج عماد زيادة، وباقي فريق العمل من الممثلين؛ روجينا وشيماء سيف وأحمد فؤاد سليم، فهم إثراء وثقل للرواية، وأنا أؤمن بأن أكون فردًا في جماعة الأسود، أفضل من كوني قائدًا للنعام.
* لماذا تم اختيار موضوع الرواية لرجل أعمال؟
- أنا صاحب اختيار فكرة الرواية، وكان الهدف منها تقديم فكرة التصادم الطبقي، حيث أقوم بعرض للطبقات الثلاث التي يتكون منها المجتمع المصري، وهي الطبقة المتوسطة، وطبقة الصفوة، والطبقة تحت المتوسطة، التي هي قاعدة الهرم السكاني أو العدد الأكبر من المصريين.
* هل أنت راضٍ عن تقديمك أعمالا مليئة بـ«البلطجة» في بدايتك، أم فرضت عليك لإتاحتها في وقت معين؟
- بالتأكيد «مبسوط منها جدًا»، فقد عملت لي أساسًا كبيرًا وشريحة كبيرة عرفتني من خلال هذه الأعمال، وجعلتني هذه الأعمال أصل إلى هذه الشريحة الصعبة، ثم قمت بجذبهم إلى منطقة أخرى بها قيم، وقدمت فيلم «شد أجزء»، وهي شريحة «عبده موتة» و«الألماني» نفسها، حيث شاهدوا نوعا آخر من السينما، دخلوا فيلم ليس به أي مهرجانات، وكانت نقلة بالنسبة لي مع الجمهور، مع أنني كنت من أوائل من قدم المهرجانات في السينما، ثم انتشرت بعد ذلك في كثير من الأفلام، فهذه الأفكار أعجبت هذه الشريحة ووصلت إليها وأحبوني من خلالها، ومن ضمن أسباب رضاي عن هذه الأفلام أنها تؤرخ مرحلة مهمة؛ ففي 2012 و2013 القضية الأبرز كانت البلطجة، وكانت متصدرة العناوين في الجرائد، وأغلب الأحداث التي كانت تحدث كلها تحت نطاق البلطجة، والحوادث التي سمعنا عنها في هذه الفترة بعد الثورة والانفلات الأمني وسرقة السيارات والأشخاص في الشوارع.. لذلك عملنا تأريخا لهذه المرحلة من خلال فيلمي «الألماني» و«عبده موتة».
* لماذا لم تقدم جزءا ثانيا من مسلسل «ابن حلال» الذي عرض العام الماضي وقد لاقي نجاحا مدويا بين الجمهور؟
- أنا ضد كلمة «جزء ثاني» في أي عمل في حياتي، وقد عرض علي عمل جزء ثان لـ«ابن حلال» ورفضت، وأرى أن ذلك «إفلاس»، مع احترامي لكل الأعمال التي بها أجزاء مكملة.. بالتأكيد لديهم وجهة نظر. عندما أقوم بإعادة عمل، فهذا يؤكد أنك لا تستطيع تقديم جديد، وأنك مفلس فنيًا، فمثلاً «رفاعي الدسوقي» قالوا لي إنني لو قمت بعمله فيلمًا، فسوف أكسر به الدنيا، وهذا مستحيل بالنسبة لي.. «اللي فات مات» بالنسبة لي.
* لكن البعض يرى أن مسلسل «ابن حلال» حقق نجاحا أكبر من الأسطورة؟
- بالعكس، «الأسطورة» حقق نجاحا أكبر وأصعب بكثير من «ابن حلال»، فالأخير كان يعرض على عدد كبير من الفضائيات بتوقيت مميز، عكس الأول «الأسطورة» الذي كان يعرض حصريًا على قناة واحدة، وكان توقيت عرضه غير مناسب، حيث كان يعرض بعد الفجر، وفي الوقت نفسه كانت تعرض مباريات كأس الأمم الأوروبية، لذلك فنجاح «الأسطورة» يساوي 10 أضعاف «ابن حلال»، فظروفه كانت أسهل من خلال المشاهدة، وأعتبر أن «الأسطورة» كان منافسا قويا لكأس الأمم الأوروبية.
* هل تعتقد أن الهجوم أو النقد من زملاء في الوسط يستوجب منك الرد؟
- أرى أن عدم الرد على من يتحدث عنك بسوء يسمى «الاغتيال المعنوي»، فالسكوت قتل ناسا كثيرين في عصرنا، ولذلك أعتقد أن كل مرحلة لها متطلباتها، وهناك مرحلة يصل إليها الفنان تجعل عنده مناعة ضد أي نقد، ويستطيع أن يسكت ولا يرد على من يتحدث عنه، ولكني حتى الآن ليست عندي هذه المناعة، ولذلك أفضل الرد على النقد من أي شخص، والدليل على ذلك أنني عندما أرد تحدث مراجعة واعتذارات من الذين تحدثوا عني بسوء في فكرة أو موضوع ما تم فهمه بشكل خاطئ، لذلك عندما أتحدث عنه تتضح الرؤية، والأمور توضع في مكانها الصحيح.
* هناك من قال: من يقدم فكرة مسلسل «الأسطورة» لا يجوز أن يشارك بحمله ضد المخدرات؟
- كنت حريصا أن تكون شخصية «رفاعي الدسوقي» التي قدمتها في الأسطورة، لا تشرب المخدرات نهائيًا، مع أنه كان مكتوبًا في الورق أنه يتناول الحشيش، وقد منعت أي مشاهد لتعاطي أي مخدرات، سواء لـ«ناصر»، أو «رفاعي الدسوقي»، احترامًا لهذه الحملة التي تدعو للبعد عن المخدرات.
* هل تعتبر نفسك الوريث الشرعي لعمر الشريف بعد تصريحه بمداخلة تليفونية عام 2008 لأحد البرامج بأنك من سيأخذ مكانه بعد رحيله؟
- بصراحة، أخاف أن أقول ذلك، رغم تصريحه بذلك، ولا أحب أن أقول عن نفسي إنني وريث شرعي للنجم العالمي الكبير، فهو قيمة كبيرة وهرم أخاف أن أقترب منه، ولكن الله يرحمه هو بصمة لن تتكرر وصاحب فضل كبير عليّ وصورته فوق رأسي بمكتبي، وأعتبر أن إشادته بي مسؤولية كبيرة جدًا، وحريص على أن أحقق النجاح وأصل إلى النقطة التي تخيلها وتنبأ بها العالمي الكبير عمر الشريف، حتى يقولوا إن نظرته كانت صائبة، فهو فنان كبير وله حس ورؤية فنية عالية، وفي ظل هذه الفترة لم يكن أحد مؤمنا بي في الوسط.
* هل خرجت من عباءة الراحل أحمد زكي؟
- في الماضي كان يقال لي إنني أشبه أحمد زكي، ولكن الآن انتهى ذلك، وكان يشرفني هذا الكلام أن أتشابه مع فنان كبير بحجمه، ولكن الممثل بصمات، والبصمات لا تتكرر، والتمثيل يعتبر بصمة أيضًا لا تتشابه، والممثل كذلك له روحه وأسلوبه الذي لا يتشابه مع أحد.
* ماذا عن أزمة فيلمك «جواب اعتقال» مع الرقابة المصرية؟
- كل الاحترام للرقابة، وعلى رأسها الأستاذ خالد عبد الجليل، ويمكن أن يكون معه بعض الحق، لأن الفيلم يبرز القضية الأشهر في الوقت الحالي وهي قضية الإرهاب، وهي قضية يجب أن نلتفت إليها بشكل كبير، وتم حل المشكلة بعد عمل بعض التعديلات التي طلبتها الرقابة من خلال وجهة نظرهم، وتم الوصول إلى حل وسط حتى لا يحدث خلل في الخط الدرامي للفيلم، وقد استفدنا من هذه التعديلات، وأغلبها كان للصالح العام.
* وماذا عن فيلمك المقبل مع المخرج شريف عرفة؟
- نحن في مرحلة التحضيرات الأولية، وهو بعنوان: «الكنز» من تأليف عبد الرحيم كمال، ويجري اختيار باقي فريق العمل، فهو يحكي تاريخ الشخصية التراثية «علي الزيبق»، ولا أريد التحدث عن تفاصيله، لكنه سيكون مفاجأة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».