تركيا: استهداف مركز شرطة بسيارة مفخخة قرب مقر للحزب الحاكم

اعتقال 4 داعشيين عراقيين.. وقلق أميركي بعد عزل 28 رئيس بلدية

وجود أمني مكثف عقب تفجير سيارة مفخخة قرب مقر الحزب الحاكم في مدينة فان بجنوب شرق تركيا أمس (أ.ب)
وجود أمني مكثف عقب تفجير سيارة مفخخة قرب مقر الحزب الحاكم في مدينة فان بجنوب شرق تركيا أمس (أ.ب)
TT

تركيا: استهداف مركز شرطة بسيارة مفخخة قرب مقر للحزب الحاكم

وجود أمني مكثف عقب تفجير سيارة مفخخة قرب مقر الحزب الحاكم في مدينة فان بجنوب شرق تركيا أمس (أ.ب)
وجود أمني مكثف عقب تفجير سيارة مفخخة قرب مقر الحزب الحاكم في مدينة فان بجنوب شرق تركيا أمس (أ.ب)

فتح عزل 28 رئيس بلدية منتخبين غالبيتهم من الأكراد في شرق وجنوب شرقي تركيا وتعيين أوصياء في أماكنهم وما تبعه من احتجاجات صفحة جديدة للتوتر بين أنقرة وواشنطن.
وقالت السفارة الأميركية في أنقرة في بيان إنها قلقة بشأن تقارير تحدثت عن اشتباكات في جنوب شرقي تركيا بعد قرار حكومي بعزل رؤساء أكثر من 20 بلدية للاشتباه في صلتهم بالمسلحين الأكراد.
وأضافت في البيان الذي نشرته على حسابها بموقع «تويتر»: «نشعر بقلق بشأن تقارير عن اشتباكات في جنوب شرقي تركيا بعد قرار الحكومة عزل بعض المسؤولين المنتخبين من مناصبهم لاتهامهم بدعم الإرهاب وتعيين محليين ممن تثق بهم بدلا عنهم». واتهمت الحكومة 24 رئيس بلدية تابعين لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي بدعم منظمة حزب العمال الكردستاني و4 آخرين بدعم ما تسميه منظمة «فتح الله غولن» في إشارة إلى حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن المقيم في أميركا والذي تتهمه بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي. وتضع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة حزب العمال الكردستاني على قائمة المنظمات الإرهابية، كما هي في تركيا. وقالت السفارة الأميركية إنها تدعم حق تركيا في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، لكنها أشارت إلى أهمية احترام الإجراءات القانونية وحق الاحتجاج السلمي.
واستخدمت قوات الأمن التركية مساء الأحد القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين الذين احتشدوا عند مقر مجلس مدينة سروج في شانلي أورفا جنوب شرقي تركيا.
وأعربت السفارة الأميركية عن قلقها إزاء وقوع مواجهات بين الشرطة التركية والأكراد.
وفي رد مباشر على السفارة الأميركية قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في تصريحات عقب صلاة عيد الأضحى أمس الاثنين إنهم «لن يعلمونا القانون ولن يعطونا دروسا في الديمقراطية»، لافتا إلى أن تركيا تواجه الإرهاب على أكثر من صعيد وأنها تعمل على حماية أمنها وشعبها وليس من حق أحد أن يملي عليها ما تفعل.
من جانبه، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تصريحات عقب صلاة العيد بأحد مساجد إسطنبول أمس الاثنين إن لدى تركيا دليلا على أن رؤساء البلديات المعزولين من 24 بلدية يديرها الأكراد أرسلوا دعما لمسلحين أكراد وكان يجب تجريدهم من مناصبهم بشكل أسرع من ذلك.
وأضاف إردوغان «في رأيي إنها خطوة اتخذت متأخرة للغاية. كان يجب أن تتخذ قبل ذلك وكانت نصيحتي القيام بذلك في وقت سابق.. أرسلوا الدعم الذي يتلقونه إلى الجبال لكن كل ذلك تم اكتشافه» في إشارة إلى قواعد منظمة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل شمال العراق وفي المناطق الجبلية جنوب شرقي تركيا. وقال: «اتخذت حكومتنا هذا القرار بناء على كل هذه الأدلة».
واستقال وزير الداخلية السابق أفكان آلا من منصبه قبل أسبوع، فيما أعلن إردوغان والحكومة أن استقالته ترجع إلى أسباب تتعلق بالصعوبات التي واجهها مؤخرا والتي أدت إلى عدم اتخاذه إجراءات بالسرعة المطلوبة، وعين بدلا عنه سليمان صويلو وزير العمل والضمان الاجتماعي السابق، والذي اتخذ قرار عزل رؤساء البلديات بعد أيام قليلة من توليه المنصب.
ومنذ أيام قال إردوغان إن الحملة ضد حزب العمال الكردستاني، الذي يطالب منذ ثلاثة عقود بحكم ذاتي للأكراد، هي الأكبر وإن الإطاحة بالمسؤولين المرتبطين بالمسلحين جزء مهم من تلك الحملة.
وأقالت الحكومة 11 ألفا و285 معلما في جنوب شرقي تركيا بدعوى ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني.
بموازاة ذلك، وقع انفجار بسيارة مفخخة أمس الاثنين في محافظة فان شرق تركيا، استهدف بحسب بيان لمحافظها مركزا للشرطة بالقرب من مبنى المحافظة وفرع حزب العدالة والتنمية الحاكم
وخلف الانفجار الضخم 48 مصابا على الأقل بينهم شرطيان ومصابان في حالة خطيرة، وتسبب في تحطم نوافذ الشركات والمنازل المحيطة بالموقع بسبب شدته. وحمل مسؤولون أمنيون منظمة حزب العمال الكردستاني المسؤولية عن التفجير.
في الوقت نفسه، أعلن الجيش التركي أن قاذفاته قتلت 13 من عناصر المنظمة في غارات استهدفت 4 مواقع للمنظمة في أفاشين وبآسيان شمال العراق مساء الأحد.
وأضاف البيان أن معسكرات تدريب لمسلحي المنظمة ومخابئ للأسلحة والذخيرة دمرت جراء الضربات التركية.
كما قامت الطائرات الحربية التركية بقصف عدد من مواقع المنظمة في محافظة أرزينجان شرق البلاد، في أعقاب مقتل مدني وإصابة اثنين آخرين في تفجير عبوة ناسفة زرعت على جانب الطريق في بلدة هوزات التابعة لأرزينجان.
على صعيد آخر، ألقت قوات الأمن التركية القبض على 4 عراقيين في محافظة سامسون في منطقة البحر الأسود شمال البلاد، بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش الإرهابي.
وقال مصدر أمني إن فرقا من شعبة مكافحة الإرهاب بمديرية الأمن في سامسون نفذت عملية أمنية بمنطقة «إلك أدم» بناء على معلومات استخباراتية، تفيد بوجود أعضاء من «داعش» بأحد المنازل، وأسفرت العملية عن توقيف 4 عراقيين تمت إحالتهم إلى القضاء عقب الانتهاء من الإجراءات الأمنية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟