أفغانستان على وشك توقيع اتفاق سلام مع أحد زعماء الحرب

مصادرة أكثر من 12 ألف كيلوغرام من المواد المتفجرة هربت من باكستان

حطام مستشفى ميرويس في إقليم قندهار بعد الهجوم الدامي عليه من قبل المتمردين أمس (إ.ب.أ)
حطام مستشفى ميرويس في إقليم قندهار بعد الهجوم الدامي عليه من قبل المتمردين أمس (إ.ب.أ)
TT

أفغانستان على وشك توقيع اتفاق سلام مع أحد زعماء الحرب

حطام مستشفى ميرويس في إقليم قندهار بعد الهجوم الدامي عليه من قبل المتمردين أمس (إ.ب.أ)
حطام مستشفى ميرويس في إقليم قندهار بعد الهجوم الدامي عليه من قبل المتمردين أمس (إ.ب.أ)

أكد الرئيس الأفغاني أشرف غني أمس أن بلاده على وشك توقيع اتفاق سلام مع قلب الدين حكمتيار ما قد يمهد أمام زعيم الحرب للعودة إلى الساحة السياسية بعد سنوات من الاختباء. وحكمتيار، الذي يتزعم حاليا «الحزب الإسلامي» الذي أوقف عملياته بشكل كبير، هو آخر زعماء الحرب الذين سعوا للاندماج مجددا في السياسة الأفغانية في مرحلة ما بعد طالبان. وفي حال توقيعه، فإن الاتفاق مع ثاني أكبر المجموعات المسلحة في أفغانستان، سيكون بمثابة نصر رمزي لغني، الذي سعى لإحياء محادثات السلام مع حركة طالبان الأكثر قوة.
وقال غني في خطاب بمناسبة عيد الأضحى: «اتفاق السلام سيتم إنجازه في وقت قريب جدا». وأضاف: «نأمل في أن يحل السلام في أفغانستان وتنتهي الحرب في البلاد». وتأتي تصريحات غني بعد أشهر من المفاوضات مع حكمتيار، التي توقفت مرارا بسبب خلافات داخل الحكومة بشأن النص النهائي للاتفاق.
وأول من أمس، كتب نجل حكمتيار على «فيسبوك» أنه تم التوصل للاتفاق، لكن مجلس السلام الأعلى، وهو الجهة الحكومية المسؤولة عن المفاوضات، أوضح أن المحادثات لا تزال مستمرة. وكان حكمتيار قياديا بارزا في الحرب ضد السوفيات في ثمانينات القرن الماضي، ويواجه اتهامات بقتل آلاف الأشخاص في كابل خلال الحرب الأهلية بين 1992 – 1996، ويعتقد أنه يختبئ في باكستان غير أن مجموعته تقول إنه داخل أفغانستان. والاتفاق المحتمل، الذي لا يرجح أن يكون له تأثير على الوضع الأمني في أفغانستان، أثار سخط منظمات حقوق الإنسان. وحكمتيار تصنفه الولايات المتحدة «إرهابيا دوليا» وتدرجه الأمم المتحدة على قائمتها السوداء. وبحسب مسودة الاتفاق ستسعى الحكومة الأفغانية لرفع تلك القيود. ومن جهه ثانية صادرت الشرطة الأفغانية 12 ألفا و345 كيلوغراما من المواد المتفجرة التي تم استيرادها من باكستان في الوقت الذي كانت تسعى فيه الجماعات المتشددة لاستخدامها في شن سلسلة من الهجمات في العاصمة كابل. وقالت وزارة الداخلية الأفغانية أمس، إن المواد المتفجرة، وهي نترات الأمونيوم، ضبطتها قوات الشرطة، بعدما دخلت إلى البلاد قادمة من معبر تورخام الحدودي بين أفغانستان وباكستان، بحسب وكالة «خاما» الأفغانية للأنباء. ووفقا للبيان الذي أصدرته وزارة الداخلية، كان المسلحون يعتزمون نقل المواد المتفجرة إلى كابل في محاولة لاستخدامها في صنع عبوات متفجرة بدائية.
وأضاف البيان أنه تم القبض على شخص مشتبه به على خلفية نقل المواد المتفجرة، وأنه محتجز لدى قوات الشرطة لإخضاعه لمزيد من التحقيقات. ولم تعلق الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة، بما في ذلك متمردو طالبان على التقرير حتى الآن. ويستخدم متمردو طالبان ومسلحون ينتمون إلى جماعات متمردة أخرى على نحو متواصل العبوات المتفجرة البدائية الصنع بوصفها سلاحا لاستهداف قوات الأمن، ولكن المدنيين يسقطون ضحايا لهذه العبوات. إلى ذلك، قال مسؤولون إن مسلحين دخلا مستشفى في مدينة قندهار بجنوب أفغانستان أمس، ما تسبب في نشوب تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن قُتل فيه المسلحان. وقال صميم خبالواك، المتحدث باسم حاكم إقليم قندهار، إن هدف الهجوم على ما يبدو كان نائب الحاكم الذي كان يعتزم زيارة المستشفى، وهو منشأة إقليمية كبرى تقدم الخدمات الطبية لمصابي الحرب وبينهم أفراد من الجيش والشرطة. وأضاف أن أحد المسلحين قتل لكن قوات الأمن تتحرك بحذر لتجنب سقوط قتلى أو مصابين أو إلحاق أضرار مادية بالمستشفى.
وأضاف، حتى الآن لم يصب مرضى أو زوار أو موظفون أو قوات أمن، نتقدم بحذر شديد. وقال حاجي أغا لالي، عضو مجلس إقليم قندهار، إن مسلحين مجهولين هاجما مستشفى ميرويس. ووفقا لحساب على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن حاكم إقليم قندهار - الذي تقع ضمن نطاقه المدينة - ربما كان يزور المستشفى في وقت وقوع الهجوم، ولم تعلن أي جماعة المسؤولية عن الهجوم حتى ظهر أمس. ويعد مستشفى ميرويس الممول من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، واحدا من أكبر المرافق الطبية في جنوب أفغانستان، حيث توفر الخدمات الصحية لأكثر من 5 ملايين شخص. كما أن به قسما لإسعاف إصابات الحروب.
من جهة أخرى، شنت القوات الأفغانية معززة بإسناد جوي هجوما لفك حصار تفرضه حركة طالبان منذ أشهر عدة على مدينة تارين كوت، مركز ولاية أوروزغان في جنوب البلاد، كما أعلن مسؤولون أول من أمس. وكان مقاتلو الحركة المتمردة شنوا الخميس الماضي هجوما كبيرا في محاولة لاقتحام المدينة، حيث دارت معارك عنيفة حول كثير من المباني الرسمية، ما أدى إلى حالة ذعر في صفوف المواطنين الذين فروا على عجل، بينما تمكنت القوات الحكومية إثر وصول تعزيزات من صد المهاجمين. ومساء السبت الماضي شنت القوات الحكومية هجوما جديدا لطرد عناصر طالبان من محيط المدينة، كما أعلن لوكالة الصحافة الفرنسية محمد نياب، المتحدث باسم حاكم الولاية، وقال نياب إن «العشرات من عناصر طالبان قتلوا منذ بدأت وحدات الجيش الهجوم بمؤازرة من عناصر من الشرطة والوحدات الخاصة وبإسناد جوي». وأضاف أن معارك الأيام الأخيرة أسفرت عن مقتل 13 شرطيا وإصابة نحو 20 آخرين. وإضافة إلى تارين كورت يهدد عناصر طالبان بالسيطرة على لشكر قاه عاصمة ولاية هلمند المجاورة، وقندوز عاصمة الولاية التي تحمل الاسم نفسه، وسبق لحركة طالبان أن سيطرت لفترة وجيزة على قندوز في عام 2015. وتارين كوت هي عاصمة ولاية أوروزغان التي تنتج كميات كبيرة من الخشخاش المخصص لصناعة الأفيون. وحركة طالبان، التي كانت تعرف في الماضي أنها حركة ريفية صغيرة قادرة في الوقت نفسه على شن هجمات فعلية في المدن، أظهرت فعالية كبيرة في تلك الهجمات خلال الأشهر الأخيرة. وتكافح القوات الأفغانية، المنتشرة على جبهات عدة، لضمان أمن الولايات النائية مثل أوروزغان، حيث خاضت القوات الأسترالية والهولندية والأميركية معارك لسنوات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟