أكثر من 60 ألف تلميذ خارج المدارس في الرقة.. وجيل كامل لا يتقن الكتابة والقراءة

مصدر: مائة مدرسة أقفلت في الرقة منذ أربع سنوات لغاية اليوم

أكثر من 60 ألف تلميذ خارج المدارس في الرقة.. وجيل كامل لا يتقن الكتابة والقراءة
TT

أكثر من 60 ألف تلميذ خارج المدارس في الرقة.. وجيل كامل لا يتقن الكتابة والقراءة

أكثر من 60 ألف تلميذ خارج المدارس في الرقة.. وجيل كامل لا يتقن الكتابة والقراءة

للعام الرابع على التوالي تغلق أبواب مدارس الرقة أمام أبنائها. أكثر من 60 ألف تلميذ وتلميذة أصبحوا وأهلهم يفضلون البقاء في المنازل عن الذهاب إلى ما تبقى من مدارس يديرها تنظيم داعش بعدما حوّلها إلى مراكز لتدريس تعاليمه وتجنيد الفتيان والفتيات لأهداف عدّة منها القتال أو الزواج.
ويشير أبو محمد الرقاوي، الناشط في تجمع «الرقة تذبح بصمت» إلى أن نحو مائة مدرسة أقفلت في الرقة منذ أربع سنوات لغاية اليوم، بدءا من سيطرة بعض الفصائل المعارضة على المنطقة ومن ثم تفاقم الوضع بوصول «داعش» إليها. ويوضح لـ«الشرق الأوسط» «وفق الإحصاءات والأرقام التي استطعنا الوصول إليها بسبب صعوبة التحرك في المنطقة، هناك نحو 36 ألف تلميذ في المرحلة الابتدائية و15 ألفا في المرحلة الإعدادية و12 ألفا في المتوسطة، خارج المدارس، كما أن هناك آلاف الأطفال، وهم جيل الحرب، الذي بلغوا التسع سنوات من عمرهم، لم يكن أمامهم الفرصة حتى الدخول إلى المدرسة، ومن كان قد دخلها في سنواته الأولى لم يتمكن من الاستمرار». ويلفت أبو محمد إلى محاولات فردية من قبل معلمين سابقين أو ناشطين تهدف إلى تعليم مجموعات من الأطفال في المنازل بين العائلات والأحياء، لتعليمه على الأقل القراءة والكتابة، وتساعد قدر الإمكان على إتقانهم اللغة العربية والأجنبية».
ووفق ما ذكرت الصفحة التابعة لـ«تجمع الرقة تذبح بصمت» فإنّه وبعيد سيطرة التنظيم عام 2014 لم يكن قصف الطيران الحربي ليشكّل عائقًا في استمرار سير العمليّة التعليميّة في المنطقة بقدر ما كانت قوانين التنظيم الصّادرة بشكل يومي سببا في توقف عجلة التعليم في الرقة. وذلك عبر إصداره قرارا بإغلاق المدارس، وتعديل المواد الدراسية وإلغاء بعضها بحجة الكفر والردة، وفرض دورات «الاستتابة الشرعية» على جميع العاملين في المجال التعليمي.
وفي حين كان تنظيم داعش، قد عمد في المرحلة الأولى من سيطرته على المنطقة إجبار التلاميذ على الالتحاق بمراكزه، عبر تسيير دوريات في الطرقات ومداهمة المنازل، بات اليوم الوضع مختلفا قليلا، بحسب أبو محمد، وذلك، بعدما أغلق معظمها ودمّر نحو 15 منها نتيجة القصف وبقي الأمر مقتصرا على عدد محدود منها، إضافة إلى تحويل بعض المدارس إلى سجون على غرار ما حصل في مدينة «الطبقة». مع العلم، أن التنظيم كان قد عمل على إعداد منهج دراسي خاص به، وقد بدأ بتدريب المعلمين عليه في خطوة كان يهدف من خلالها إلى إخضاع كل المدارس لسيطرته، لكنه لم يصل إلى مرحلة التنفيذ بسبب القصف الذي تتعرض له المنطقة، وفق ما يشير أبو محمد.
وعمد التنظيم بعد سيطرته على المدارس، على تحويلها إلى مراكز دعويّة استخدمها لتجنيد الشباب والأطفال، وذلك من خلال قيام مسؤولين في «ديوان التعليم» بجولات على المدارس وتشجيع الطلبة على الالتحاق بصفوف التنظيم للقتال على جبهاته.
وهو ما تشير إليه خديجة وهي طالبة في المرحلة الإعدادية لـ«الرقة تذبح بصمت» «يعمل التنظيم على إرسال مقاتلات إلى مدارس الفتيات وذلك إمّا لإقناعهنّ بالالتحاق في صفوف المقاتلات الداعشيّات، أو إقناعهنّ بالزواج من مقاتليه من خلال إتّباعهنّ عملية الإغراء بالذهب والمال، مستغلين ضعفهنّ وحاجة أُسرهنّ الماديّة».
من جهته، يقول أبو عبد الله والد إحدى الطالبات في الرقة لـصفحة «الرقة تذبح بصمت»، إنّ تنظيم داعش عمل على إغلاق المدارس، وإلغاء بعض المواد، وقام بفرض منهاج تتماشى مع طغيانه وفرض أحكامه الجائرة من أجل إحكام سيطرته على عقول الأجيال القادمة وتأسيس جيل يحمل أفكار التنظيم، كما عمل على اعتقال بعض الفتيات من المدارس بحجّة عدم الالتزام بارتداء اللّباس الشرعيّ، واعتقال المعلمين لعدم التزامهم بتدريس المنهاج المفروض من قبلهم، كل تلك الأسباب والمخاوف من محاولات التنظيم تجنيد أبنائنا من خلال مناهجه منعنا من إرسالهن إلى المدارس ليكملن التعليم».
ومشكلة التعليم كانت قد بدأت، بحسب تجمع «الرقة تذبح بصمت» منذ أربع سنوات، مشيرا إلى أن اتفاقا كان قد توصل إليه أبناء المدينة في ذلك الحين مع النظام السوري لإدارة العملية التعليمية لكنه عاد الأخير ونكث بها، لافتا كذلك إلى أنّه وخلال العام الأول من «تحرير الرقة» على أيدي فصائل معارضة، سجّلت تجاوزات كثيرة من قبل بعضها، كالتي قام بها «لواء المنتصر بالله» عبر سرقة محتويات كلية العلوم قبل أن تعود «هيئة الطلبة الأحرار في المدينة» - وهو تشكيل أنشأه عدد من طلاب الجامعات والمدرسين لتسيير العملية التعليمية في المدينة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.