الشعار: أتمنى من «فتح الشام» تصرفًا يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع «القاعدة»

«الشرق الأوسط» في لقاء مع أحد قياديي «أحرار الشام»

إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
TT

الشعار: أتمنى من «فتح الشام» تصرفًا يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع «القاعدة»

إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})

كيف تتعامل المعارضة مع الخسارة في حلب؟ كيف أثّر تغيير «جبهة النصرة» اسمها وتشكيل جماعة جديدة باسم «جبهة فتح الشام»، على تنظيم «أحرار الشام» وعلى الفصائل السورية الأخرى؟ وإلى أي مدى تقترب «الجبهة» الجديدة من الخطاب الراديكالي لـ«أحرار الشام» وكيف ينظر «أحرار الشام» إلى مستقبل سوريا؟
للحصول على إجابات لهذه الأسئلة التقت «الشرق الأوسط» إياد الشعار، عضو قيادة «أحرار الشام».
التقت «الشرق الأوسط» أخيرا خلال رحلة إلى الشمال السوري إياد الشعار، عضو قيادة «جبهة أحرار الشام»، وجاء هذا اللقاء متزامنًا- تقريبًا- مع إعلان «جبهة النصرة» وقف علاقتها مع تنظيم القاعدة، وتشكيل فصيل جديد اختير له اسم «جبهة فتح الشام». وبدأ الحوار مع الشعار، بكلامه عن الواقع العسكري، فقال «إن الدعم الذي حظينا به بعد معركة حلب مع السلاح الذي سيطرنا عليه يمكن أن يعطينا مجالا لمدة ستة أشهر. فالغنائم أمنت لنا كميِّة مهمة من الأسلحة». وشرح أن معركة حلب فجّرت بمبادرة من الثوار من دون دعم خارجي، بحيث دخلت الفصائل معركة حلب مستخدمة ما كان لديها من سلاح، رغم أن الدعم الخارجي لها بقي قليلا جدًا مقارنة مع مستوى المعركة. كذلك، مع أن حلفاء النظام كانوا أقوى دعمًا وأنهم – كما قال – يؤمنون له الدعم يوميا. وتابع أن فصائل المعارضة فوجئت لدى اقتحامها كلية المدفعية في حلب بالكميات الضخمة للسلاح الذي يملكه النظام فيها.
ثم شرح الشعار الوضع حاليًا في حلب في أعقاب فرض فصائل المعارضة حصارًا مؤقتًا، وتحدث عن الاستنتاجات المستخلصة من المواجهات السابقة، فقال إن معركة حلب «أضحت الآن تكتيكية أكثر من كونها مرتبطة بالسلاح؛ إذ سمح الهجوم المباغت والإصرار على التقدّم بسقوط المواقع التابعة للنظام بسرعة هائلة. وقد نتج من هذا الأمر تغيير في تكتيك الثوار مع عمليات انغماسية، حيث عشر من كل فصيل يتسللون في صفوف العدو يسبقهم قصف بالمدفعية. علما بأن كمية المدفعية المصنعة في سوريا التي نملكها أثبتت جدارتها». ثم شرح أن الفصائل المعارضة المقاتلة في حلب تستعين في المعارك التي تخوضها بسيارات مفخخة من دون سائق طورتها بقدراتها وخبراتها الذاتية، وكشف عن أن لديها أيضًا طائرات من دون طيار، و«ستصبح مستقبلاً جهات مصنعة للسلاح من الدرجة الأولى»، حسب تعبيره.
* الفكر السياسي والحلفاء
وفي ظل المتغيرات السياسية المتسارعة، المحيطة بالأزمة السورية، ولا سيما على صعيد التقارب والتنسيق بين تركيا وروسيا، قال الشعار إن الفصائل المقاتلة، وبالذات «أحرار الشام» لا تشعر بتغير في التعامل معها، بل بالعكس «الأتراك بالنسبة إلينا حليف وشريك، وتركيا أكثر دولة أبدت اهتماما بنا». وأردف القول: إن تحسن العلاقات التركية الروسية يؤمّن لفصائل المعارضة السورية تواصلاً مباشرا مع موسكو، مشيرًا إلى أن هذا التحسن سيمكّن الثوار من إيصال رسائل للروس من خلال الحكومة التركية، وحسب رأيه، هذا أمر «يصب بالطبع لمصلحتنا. ففي النهاية إن مصلحة روسيا ليست مع بشار الأسد».
وحول مستقبل توحيد الفصائل المقاتلة في جبهات الشمال السوري، وهل هناك من مبادرات لتوحيد صفوف الثوار لتحسين الفاعلية العسكرية على أرض المعركة، أوضح الشعار أن كل «الفصائل القوية اتفقت على تأسيس هيئة عسكرية موحدة، وعلى رأس هذه الفصائل «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«الفيلق» و«الزنكي» و«الجيش السوري الحر»، مضيفًا أنه يتصور أنه سيكون إطلاق مبادرات في هذا الصدد خلال هذه السنة.
على صعيد آخر، بما يخص «تعايش» هذه الفصائل المقاتلة مع «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» المظلة السياسية الرئيسية لقوى المعارضة، قال الشعار «في النهاية ميدانيًا عوض أن يكون لديك 400 فصيل، ولكل منها رأي سياسي مختلف عن الآخر، تصبح الآراء موحدة ما بين الفصائل الكبيرة». وأردف، أنه على الصعيد السياسي يتوقع ائتلافًا يُعترف به دوليًا، وكذلك هيئة تنسيق للمفاوضات. وتابع أنه بالنسبة لـ«الهيئة»، فإن وجود هيئة عسكرية موَّحدة «سيكون مصدر قوة؛ ما يضعنا في مصدر القرار ويعطي الفصائل العسكرية على الأرض صوتا موحّدا. أما إذا بقينا منقسمين فسيتم التعامل معنا كمجرّد عصابات مسلّحة».
* العسكر والسياسة
ولكن في ظل المعطيات الحالية، ثمة علامات استفهام كبيرة توضع على «جبهة فتح الشام» التي يظهر أنها مرفوضة روسيًا وأميركيًا. وهنا يقول إياد الشعار معلقًا «لا تتقبل أميركا ولا روسيا، إلى حد الآن (جبهة فتح الشام)، وأنا أتمنى هنا أن يكون لـ(فتح الشام) تصرف يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع تنظيم القاعدة الأم، ولو أني شخصيًا مقتنع بأن الانفصال عن (القاعدة) حقيقي».
في هذا السياق، وردًا على سؤالنا عن التضحيات التي يقدّر أن «فتح الشام» ستكون مستعدة لتقديمها توصلاً إلى حل سياسي؟ أجاب «سبق أن تسلمت المكتب العسكري في (أحرار الشام) وثقافتي العسكرية تؤمن بأن للعسكر قرارا سياسيا. وأنا أرى أن الحل في سوريا في النهاية سيكون حلاً سياسيا. فالعمل السياسي هو الذي يضع الرؤية للدولة والحكم. غير أننا مع ذلك لن نتنازل عن مبادئ وثوابت الدولة، أي الإسلام، وعن عدم بقاء بشار الأسد أو أركان نظامه، حتى ولو لمرحلة انتقالية. وكل ما يختلف عن ذلك يعتمد على المصالح. لكن ما أستطيع أن أؤكده أن المعركة لن تنتهي سريعًا».
ولكن بعيدًا عن النظريات، كان لا بد من التطرق إلى الواقع، وبالأخص، في سياق ما يتردد عن وجود خطط لتقسيم سوريا. وهنا قال القيادي في «أحرار الشام» شارحًا «حاليا باتت غرف العمليات موحّدة، ويبقى الأقوى بينها غرفة عمليات (فتح الشام) التي ينضوي تحتها (أحرار الشام) و(فتح الشام) و(الفيلق) وكل (الجيش الحر) باستثناء تنظيم (جند الأقصى) الذي أخرجناه. ذلك يعني أنه أصبح لنا هيئة عمليات موحدة، وهذا يقصِّر من طول المعركة، كما أن الغرب متخبط بالنسبة إلى سوريا. وبالنسبة إلى موضوع التقسيم، الذي يثار في شمال سوريا بالذات أساس كيان كردي، أقول إن الأكراد هم جزء من النسيج السياسي السوري، ولدينا أكراد في فصائل الجيش السوري الحر».
* «النصرة» و«القاعدة»
من جانب آخر، ما زالت قضية ما حصل مع «جبهة النصرة» وولادة تنظيم «جبهة فتح الشام» تأكيدًا للانفصال عن «القاعدة»، قال إياد الشعار إن «هناك شخصيات في الثورة السورية عملت على التواصل مع (جبهة النصرة) لإقناعها بأن الارتباط بـ(القاعدة) سبب لنا أزمات كثيرة». وأردف أنه يوجد تيار كبير في «النصرة» يتفهم أهمية فك الارتباط مع «أبو محمد الجولاني»، وإن جاء القرار متأخرا فإنه يبقى لمصلحة الثورة، والآن في الثورة السورية لا يرتبط أي فصيل بالخارج. ثم أضاف تعليقًا على تشكيك متابعين كثيرين بحقيقة فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة»، قائلا: «يعتبر كثيرون أن آيديولوجية (النصرة) تصطدم مع مبادئ الثورة ولا تسمح بانفصال حقيقي عن (القاعدة). لكن تجربة (النصرة) هذه لم تنسحب على تنظيمات أخرى تضم من يعتبرون خطوة كهذه بمثابة الكفر. لكنني متأكد من أن التيار الشامي (داخل «النصرة») لا يتبنى فكر (القاعدة) بقتال العدو البعيد، والدليل على ذلك أن اثورة السورية لم تضرب في الخارج. ولذلك؛ علينا أن ندعم فك الارتباط؛ لأنه في حال أفشله الغرب سيؤدي ذلك إلى تعاطف ثوار (الجيش الحر) مع (فتح الشام). وأكرر أنه يجب إفشال التيار المتطرف، علما بأن أكثر من 11 قائدا في (جبهة النصرة) تركوا التنظيم بعد فك الارتباط».
وسألنا الشعار، مشيرين إلى اتهام بعض الباحثين «جبهة النصرة» بقتل أكثر من 13 شخصية من «أحرار الشام»، كيف يمكن أن يؤثر ذلك في علاقة «أحرار الشام» بـ«فتح الشام»؟ فكانت الإجابة قاطعة؛ إذ قال «ليس لدينا إثباتات عن هذا الموضوع. جرت بيننا اشتباكات فردية، ولكن لا توجد خلافات آيديولوجية حقيقية. وإذا حصلت خلافات فسببها التيار المتشدد».
واستطرادًا، وحول ما إذا كان فك الارتباط بـ«القاعدة» يعني – وفق منظور «أحرار الشام» – اقتراب «فتح الشام» من طبيعة الفكر القتالي المحلي التي تختلف عن القتال عالميًا كحال «القاعدة»، قال إياد الشعار «إن 90 في المائة من (فتح الشام) هم من السوريين. وطبيعة الشعب غير مؤدلجة، ولا تؤمن بالقتال العالمي أو بالقتال بهدف القتال. نحن شعب مدني. لذلك؛ أعتقد أن على (فتح الشام) الإثبات أنها تنتمي إلى الشعب السوري».
* مقاتلو الخارج
هنا، فرض نفسه التساؤل عن موقع المقاتلين «المهاجرين»، أي الذين جاؤوا إلى الأراضي السوري من الخارج. وأجاب قيادي «أحرار الشام» موضحًا «يقسم المهاجرون قسمين: القسم الأكبر منهم يحمل فكر الدواعش، ولقد التحق فعلاً بتنظيم داعش، وأما الباقون، وعددهم قليل فتزوّج غالبيتهم من سوريات وبدأ يتشرب الفكر السوري ويتأقلم مع البيئة السورية».



فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.