الشعار: أتمنى من «فتح الشام» تصرفًا يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع «القاعدة»

«الشرق الأوسط» في لقاء مع أحد قياديي «أحرار الشام»

إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
TT

الشعار: أتمنى من «فتح الشام» تصرفًا يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع «القاعدة»

إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})

كيف تتعامل المعارضة مع الخسارة في حلب؟ كيف أثّر تغيير «جبهة النصرة» اسمها وتشكيل جماعة جديدة باسم «جبهة فتح الشام»، على تنظيم «أحرار الشام» وعلى الفصائل السورية الأخرى؟ وإلى أي مدى تقترب «الجبهة» الجديدة من الخطاب الراديكالي لـ«أحرار الشام» وكيف ينظر «أحرار الشام» إلى مستقبل سوريا؟
للحصول على إجابات لهذه الأسئلة التقت «الشرق الأوسط» إياد الشعار، عضو قيادة «أحرار الشام».
التقت «الشرق الأوسط» أخيرا خلال رحلة إلى الشمال السوري إياد الشعار، عضو قيادة «جبهة أحرار الشام»، وجاء هذا اللقاء متزامنًا- تقريبًا- مع إعلان «جبهة النصرة» وقف علاقتها مع تنظيم القاعدة، وتشكيل فصيل جديد اختير له اسم «جبهة فتح الشام». وبدأ الحوار مع الشعار، بكلامه عن الواقع العسكري، فقال «إن الدعم الذي حظينا به بعد معركة حلب مع السلاح الذي سيطرنا عليه يمكن أن يعطينا مجالا لمدة ستة أشهر. فالغنائم أمنت لنا كميِّة مهمة من الأسلحة». وشرح أن معركة حلب فجّرت بمبادرة من الثوار من دون دعم خارجي، بحيث دخلت الفصائل معركة حلب مستخدمة ما كان لديها من سلاح، رغم أن الدعم الخارجي لها بقي قليلا جدًا مقارنة مع مستوى المعركة. كذلك، مع أن حلفاء النظام كانوا أقوى دعمًا وأنهم – كما قال – يؤمنون له الدعم يوميا. وتابع أن فصائل المعارضة فوجئت لدى اقتحامها كلية المدفعية في حلب بالكميات الضخمة للسلاح الذي يملكه النظام فيها.
ثم شرح الشعار الوضع حاليًا في حلب في أعقاب فرض فصائل المعارضة حصارًا مؤقتًا، وتحدث عن الاستنتاجات المستخلصة من المواجهات السابقة، فقال إن معركة حلب «أضحت الآن تكتيكية أكثر من كونها مرتبطة بالسلاح؛ إذ سمح الهجوم المباغت والإصرار على التقدّم بسقوط المواقع التابعة للنظام بسرعة هائلة. وقد نتج من هذا الأمر تغيير في تكتيك الثوار مع عمليات انغماسية، حيث عشر من كل فصيل يتسللون في صفوف العدو يسبقهم قصف بالمدفعية. علما بأن كمية المدفعية المصنعة في سوريا التي نملكها أثبتت جدارتها». ثم شرح أن الفصائل المعارضة المقاتلة في حلب تستعين في المعارك التي تخوضها بسيارات مفخخة من دون سائق طورتها بقدراتها وخبراتها الذاتية، وكشف عن أن لديها أيضًا طائرات من دون طيار، و«ستصبح مستقبلاً جهات مصنعة للسلاح من الدرجة الأولى»، حسب تعبيره.
* الفكر السياسي والحلفاء
وفي ظل المتغيرات السياسية المتسارعة، المحيطة بالأزمة السورية، ولا سيما على صعيد التقارب والتنسيق بين تركيا وروسيا، قال الشعار إن الفصائل المقاتلة، وبالذات «أحرار الشام» لا تشعر بتغير في التعامل معها، بل بالعكس «الأتراك بالنسبة إلينا حليف وشريك، وتركيا أكثر دولة أبدت اهتماما بنا». وأردف القول: إن تحسن العلاقات التركية الروسية يؤمّن لفصائل المعارضة السورية تواصلاً مباشرا مع موسكو، مشيرًا إلى أن هذا التحسن سيمكّن الثوار من إيصال رسائل للروس من خلال الحكومة التركية، وحسب رأيه، هذا أمر «يصب بالطبع لمصلحتنا. ففي النهاية إن مصلحة روسيا ليست مع بشار الأسد».
وحول مستقبل توحيد الفصائل المقاتلة في جبهات الشمال السوري، وهل هناك من مبادرات لتوحيد صفوف الثوار لتحسين الفاعلية العسكرية على أرض المعركة، أوضح الشعار أن كل «الفصائل القوية اتفقت على تأسيس هيئة عسكرية موحدة، وعلى رأس هذه الفصائل «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«الفيلق» و«الزنكي» و«الجيش السوري الحر»، مضيفًا أنه يتصور أنه سيكون إطلاق مبادرات في هذا الصدد خلال هذه السنة.
على صعيد آخر، بما يخص «تعايش» هذه الفصائل المقاتلة مع «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» المظلة السياسية الرئيسية لقوى المعارضة، قال الشعار «في النهاية ميدانيًا عوض أن يكون لديك 400 فصيل، ولكل منها رأي سياسي مختلف عن الآخر، تصبح الآراء موحدة ما بين الفصائل الكبيرة». وأردف، أنه على الصعيد السياسي يتوقع ائتلافًا يُعترف به دوليًا، وكذلك هيئة تنسيق للمفاوضات. وتابع أنه بالنسبة لـ«الهيئة»، فإن وجود هيئة عسكرية موَّحدة «سيكون مصدر قوة؛ ما يضعنا في مصدر القرار ويعطي الفصائل العسكرية على الأرض صوتا موحّدا. أما إذا بقينا منقسمين فسيتم التعامل معنا كمجرّد عصابات مسلّحة».
* العسكر والسياسة
ولكن في ظل المعطيات الحالية، ثمة علامات استفهام كبيرة توضع على «جبهة فتح الشام» التي يظهر أنها مرفوضة روسيًا وأميركيًا. وهنا يقول إياد الشعار معلقًا «لا تتقبل أميركا ولا روسيا، إلى حد الآن (جبهة فتح الشام)، وأنا أتمنى هنا أن يكون لـ(فتح الشام) تصرف يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع تنظيم القاعدة الأم، ولو أني شخصيًا مقتنع بأن الانفصال عن (القاعدة) حقيقي».
في هذا السياق، وردًا على سؤالنا عن التضحيات التي يقدّر أن «فتح الشام» ستكون مستعدة لتقديمها توصلاً إلى حل سياسي؟ أجاب «سبق أن تسلمت المكتب العسكري في (أحرار الشام) وثقافتي العسكرية تؤمن بأن للعسكر قرارا سياسيا. وأنا أرى أن الحل في سوريا في النهاية سيكون حلاً سياسيا. فالعمل السياسي هو الذي يضع الرؤية للدولة والحكم. غير أننا مع ذلك لن نتنازل عن مبادئ وثوابت الدولة، أي الإسلام، وعن عدم بقاء بشار الأسد أو أركان نظامه، حتى ولو لمرحلة انتقالية. وكل ما يختلف عن ذلك يعتمد على المصالح. لكن ما أستطيع أن أؤكده أن المعركة لن تنتهي سريعًا».
ولكن بعيدًا عن النظريات، كان لا بد من التطرق إلى الواقع، وبالأخص، في سياق ما يتردد عن وجود خطط لتقسيم سوريا. وهنا قال القيادي في «أحرار الشام» شارحًا «حاليا باتت غرف العمليات موحّدة، ويبقى الأقوى بينها غرفة عمليات (فتح الشام) التي ينضوي تحتها (أحرار الشام) و(فتح الشام) و(الفيلق) وكل (الجيش الحر) باستثناء تنظيم (جند الأقصى) الذي أخرجناه. ذلك يعني أنه أصبح لنا هيئة عمليات موحدة، وهذا يقصِّر من طول المعركة، كما أن الغرب متخبط بالنسبة إلى سوريا. وبالنسبة إلى موضوع التقسيم، الذي يثار في شمال سوريا بالذات أساس كيان كردي، أقول إن الأكراد هم جزء من النسيج السياسي السوري، ولدينا أكراد في فصائل الجيش السوري الحر».
* «النصرة» و«القاعدة»
من جانب آخر، ما زالت قضية ما حصل مع «جبهة النصرة» وولادة تنظيم «جبهة فتح الشام» تأكيدًا للانفصال عن «القاعدة»، قال إياد الشعار إن «هناك شخصيات في الثورة السورية عملت على التواصل مع (جبهة النصرة) لإقناعها بأن الارتباط بـ(القاعدة) سبب لنا أزمات كثيرة». وأردف أنه يوجد تيار كبير في «النصرة» يتفهم أهمية فك الارتباط مع «أبو محمد الجولاني»، وإن جاء القرار متأخرا فإنه يبقى لمصلحة الثورة، والآن في الثورة السورية لا يرتبط أي فصيل بالخارج. ثم أضاف تعليقًا على تشكيك متابعين كثيرين بحقيقة فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة»، قائلا: «يعتبر كثيرون أن آيديولوجية (النصرة) تصطدم مع مبادئ الثورة ولا تسمح بانفصال حقيقي عن (القاعدة). لكن تجربة (النصرة) هذه لم تنسحب على تنظيمات أخرى تضم من يعتبرون خطوة كهذه بمثابة الكفر. لكنني متأكد من أن التيار الشامي (داخل «النصرة») لا يتبنى فكر (القاعدة) بقتال العدو البعيد، والدليل على ذلك أن اثورة السورية لم تضرب في الخارج. ولذلك؛ علينا أن ندعم فك الارتباط؛ لأنه في حال أفشله الغرب سيؤدي ذلك إلى تعاطف ثوار (الجيش الحر) مع (فتح الشام). وأكرر أنه يجب إفشال التيار المتطرف، علما بأن أكثر من 11 قائدا في (جبهة النصرة) تركوا التنظيم بعد فك الارتباط».
وسألنا الشعار، مشيرين إلى اتهام بعض الباحثين «جبهة النصرة» بقتل أكثر من 13 شخصية من «أحرار الشام»، كيف يمكن أن يؤثر ذلك في علاقة «أحرار الشام» بـ«فتح الشام»؟ فكانت الإجابة قاطعة؛ إذ قال «ليس لدينا إثباتات عن هذا الموضوع. جرت بيننا اشتباكات فردية، ولكن لا توجد خلافات آيديولوجية حقيقية. وإذا حصلت خلافات فسببها التيار المتشدد».
واستطرادًا، وحول ما إذا كان فك الارتباط بـ«القاعدة» يعني – وفق منظور «أحرار الشام» – اقتراب «فتح الشام» من طبيعة الفكر القتالي المحلي التي تختلف عن القتال عالميًا كحال «القاعدة»، قال إياد الشعار «إن 90 في المائة من (فتح الشام) هم من السوريين. وطبيعة الشعب غير مؤدلجة، ولا تؤمن بالقتال العالمي أو بالقتال بهدف القتال. نحن شعب مدني. لذلك؛ أعتقد أن على (فتح الشام) الإثبات أنها تنتمي إلى الشعب السوري».
* مقاتلو الخارج
هنا، فرض نفسه التساؤل عن موقع المقاتلين «المهاجرين»، أي الذين جاؤوا إلى الأراضي السوري من الخارج. وأجاب قيادي «أحرار الشام» موضحًا «يقسم المهاجرون قسمين: القسم الأكبر منهم يحمل فكر الدواعش، ولقد التحق فعلاً بتنظيم داعش، وأما الباقون، وعددهم قليل فتزوّج غالبيتهم من سوريات وبدأ يتشرب الفكر السوري ويتأقلم مع البيئة السورية».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».