الشعار: أتمنى من «فتح الشام» تصرفًا يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع «القاعدة»

«الشرق الأوسط» في لقاء مع أحد قياديي «أحرار الشام»

إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
TT

الشعار: أتمنى من «فتح الشام» تصرفًا يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع «القاعدة»

إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})

كيف تتعامل المعارضة مع الخسارة في حلب؟ كيف أثّر تغيير «جبهة النصرة» اسمها وتشكيل جماعة جديدة باسم «جبهة فتح الشام»، على تنظيم «أحرار الشام» وعلى الفصائل السورية الأخرى؟ وإلى أي مدى تقترب «الجبهة» الجديدة من الخطاب الراديكالي لـ«أحرار الشام» وكيف ينظر «أحرار الشام» إلى مستقبل سوريا؟
للحصول على إجابات لهذه الأسئلة التقت «الشرق الأوسط» إياد الشعار، عضو قيادة «أحرار الشام».
التقت «الشرق الأوسط» أخيرا خلال رحلة إلى الشمال السوري إياد الشعار، عضو قيادة «جبهة أحرار الشام»، وجاء هذا اللقاء متزامنًا- تقريبًا- مع إعلان «جبهة النصرة» وقف علاقتها مع تنظيم القاعدة، وتشكيل فصيل جديد اختير له اسم «جبهة فتح الشام». وبدأ الحوار مع الشعار، بكلامه عن الواقع العسكري، فقال «إن الدعم الذي حظينا به بعد معركة حلب مع السلاح الذي سيطرنا عليه يمكن أن يعطينا مجالا لمدة ستة أشهر. فالغنائم أمنت لنا كميِّة مهمة من الأسلحة». وشرح أن معركة حلب فجّرت بمبادرة من الثوار من دون دعم خارجي، بحيث دخلت الفصائل معركة حلب مستخدمة ما كان لديها من سلاح، رغم أن الدعم الخارجي لها بقي قليلا جدًا مقارنة مع مستوى المعركة. كذلك، مع أن حلفاء النظام كانوا أقوى دعمًا وأنهم – كما قال – يؤمنون له الدعم يوميا. وتابع أن فصائل المعارضة فوجئت لدى اقتحامها كلية المدفعية في حلب بالكميات الضخمة للسلاح الذي يملكه النظام فيها.
ثم شرح الشعار الوضع حاليًا في حلب في أعقاب فرض فصائل المعارضة حصارًا مؤقتًا، وتحدث عن الاستنتاجات المستخلصة من المواجهات السابقة، فقال إن معركة حلب «أضحت الآن تكتيكية أكثر من كونها مرتبطة بالسلاح؛ إذ سمح الهجوم المباغت والإصرار على التقدّم بسقوط المواقع التابعة للنظام بسرعة هائلة. وقد نتج من هذا الأمر تغيير في تكتيك الثوار مع عمليات انغماسية، حيث عشر من كل فصيل يتسللون في صفوف العدو يسبقهم قصف بالمدفعية. علما بأن كمية المدفعية المصنعة في سوريا التي نملكها أثبتت جدارتها». ثم شرح أن الفصائل المعارضة المقاتلة في حلب تستعين في المعارك التي تخوضها بسيارات مفخخة من دون سائق طورتها بقدراتها وخبراتها الذاتية، وكشف عن أن لديها أيضًا طائرات من دون طيار، و«ستصبح مستقبلاً جهات مصنعة للسلاح من الدرجة الأولى»، حسب تعبيره.
* الفكر السياسي والحلفاء
وفي ظل المتغيرات السياسية المتسارعة، المحيطة بالأزمة السورية، ولا سيما على صعيد التقارب والتنسيق بين تركيا وروسيا، قال الشعار إن الفصائل المقاتلة، وبالذات «أحرار الشام» لا تشعر بتغير في التعامل معها، بل بالعكس «الأتراك بالنسبة إلينا حليف وشريك، وتركيا أكثر دولة أبدت اهتماما بنا». وأردف القول: إن تحسن العلاقات التركية الروسية يؤمّن لفصائل المعارضة السورية تواصلاً مباشرا مع موسكو، مشيرًا إلى أن هذا التحسن سيمكّن الثوار من إيصال رسائل للروس من خلال الحكومة التركية، وحسب رأيه، هذا أمر «يصب بالطبع لمصلحتنا. ففي النهاية إن مصلحة روسيا ليست مع بشار الأسد».
وحول مستقبل توحيد الفصائل المقاتلة في جبهات الشمال السوري، وهل هناك من مبادرات لتوحيد صفوف الثوار لتحسين الفاعلية العسكرية على أرض المعركة، أوضح الشعار أن كل «الفصائل القوية اتفقت على تأسيس هيئة عسكرية موحدة، وعلى رأس هذه الفصائل «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«الفيلق» و«الزنكي» و«الجيش السوري الحر»، مضيفًا أنه يتصور أنه سيكون إطلاق مبادرات في هذا الصدد خلال هذه السنة.
على صعيد آخر، بما يخص «تعايش» هذه الفصائل المقاتلة مع «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» المظلة السياسية الرئيسية لقوى المعارضة، قال الشعار «في النهاية ميدانيًا عوض أن يكون لديك 400 فصيل، ولكل منها رأي سياسي مختلف عن الآخر، تصبح الآراء موحدة ما بين الفصائل الكبيرة». وأردف، أنه على الصعيد السياسي يتوقع ائتلافًا يُعترف به دوليًا، وكذلك هيئة تنسيق للمفاوضات. وتابع أنه بالنسبة لـ«الهيئة»، فإن وجود هيئة عسكرية موَّحدة «سيكون مصدر قوة؛ ما يضعنا في مصدر القرار ويعطي الفصائل العسكرية على الأرض صوتا موحّدا. أما إذا بقينا منقسمين فسيتم التعامل معنا كمجرّد عصابات مسلّحة».
* العسكر والسياسة
ولكن في ظل المعطيات الحالية، ثمة علامات استفهام كبيرة توضع على «جبهة فتح الشام» التي يظهر أنها مرفوضة روسيًا وأميركيًا. وهنا يقول إياد الشعار معلقًا «لا تتقبل أميركا ولا روسيا، إلى حد الآن (جبهة فتح الشام)، وأنا أتمنى هنا أن يكون لـ(فتح الشام) تصرف يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع تنظيم القاعدة الأم، ولو أني شخصيًا مقتنع بأن الانفصال عن (القاعدة) حقيقي».
في هذا السياق، وردًا على سؤالنا عن التضحيات التي يقدّر أن «فتح الشام» ستكون مستعدة لتقديمها توصلاً إلى حل سياسي؟ أجاب «سبق أن تسلمت المكتب العسكري في (أحرار الشام) وثقافتي العسكرية تؤمن بأن للعسكر قرارا سياسيا. وأنا أرى أن الحل في سوريا في النهاية سيكون حلاً سياسيا. فالعمل السياسي هو الذي يضع الرؤية للدولة والحكم. غير أننا مع ذلك لن نتنازل عن مبادئ وثوابت الدولة، أي الإسلام، وعن عدم بقاء بشار الأسد أو أركان نظامه، حتى ولو لمرحلة انتقالية. وكل ما يختلف عن ذلك يعتمد على المصالح. لكن ما أستطيع أن أؤكده أن المعركة لن تنتهي سريعًا».
ولكن بعيدًا عن النظريات، كان لا بد من التطرق إلى الواقع، وبالأخص، في سياق ما يتردد عن وجود خطط لتقسيم سوريا. وهنا قال القيادي في «أحرار الشام» شارحًا «حاليا باتت غرف العمليات موحّدة، ويبقى الأقوى بينها غرفة عمليات (فتح الشام) التي ينضوي تحتها (أحرار الشام) و(فتح الشام) و(الفيلق) وكل (الجيش الحر) باستثناء تنظيم (جند الأقصى) الذي أخرجناه. ذلك يعني أنه أصبح لنا هيئة عمليات موحدة، وهذا يقصِّر من طول المعركة، كما أن الغرب متخبط بالنسبة إلى سوريا. وبالنسبة إلى موضوع التقسيم، الذي يثار في شمال سوريا بالذات أساس كيان كردي، أقول إن الأكراد هم جزء من النسيج السياسي السوري، ولدينا أكراد في فصائل الجيش السوري الحر».
* «النصرة» و«القاعدة»
من جانب آخر، ما زالت قضية ما حصل مع «جبهة النصرة» وولادة تنظيم «جبهة فتح الشام» تأكيدًا للانفصال عن «القاعدة»، قال إياد الشعار إن «هناك شخصيات في الثورة السورية عملت على التواصل مع (جبهة النصرة) لإقناعها بأن الارتباط بـ(القاعدة) سبب لنا أزمات كثيرة». وأردف أنه يوجد تيار كبير في «النصرة» يتفهم أهمية فك الارتباط مع «أبو محمد الجولاني»، وإن جاء القرار متأخرا فإنه يبقى لمصلحة الثورة، والآن في الثورة السورية لا يرتبط أي فصيل بالخارج. ثم أضاف تعليقًا على تشكيك متابعين كثيرين بحقيقة فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة»، قائلا: «يعتبر كثيرون أن آيديولوجية (النصرة) تصطدم مع مبادئ الثورة ولا تسمح بانفصال حقيقي عن (القاعدة). لكن تجربة (النصرة) هذه لم تنسحب على تنظيمات أخرى تضم من يعتبرون خطوة كهذه بمثابة الكفر. لكنني متأكد من أن التيار الشامي (داخل «النصرة») لا يتبنى فكر (القاعدة) بقتال العدو البعيد، والدليل على ذلك أن اثورة السورية لم تضرب في الخارج. ولذلك؛ علينا أن ندعم فك الارتباط؛ لأنه في حال أفشله الغرب سيؤدي ذلك إلى تعاطف ثوار (الجيش الحر) مع (فتح الشام). وأكرر أنه يجب إفشال التيار المتطرف، علما بأن أكثر من 11 قائدا في (جبهة النصرة) تركوا التنظيم بعد فك الارتباط».
وسألنا الشعار، مشيرين إلى اتهام بعض الباحثين «جبهة النصرة» بقتل أكثر من 13 شخصية من «أحرار الشام»، كيف يمكن أن يؤثر ذلك في علاقة «أحرار الشام» بـ«فتح الشام»؟ فكانت الإجابة قاطعة؛ إذ قال «ليس لدينا إثباتات عن هذا الموضوع. جرت بيننا اشتباكات فردية، ولكن لا توجد خلافات آيديولوجية حقيقية. وإذا حصلت خلافات فسببها التيار المتشدد».
واستطرادًا، وحول ما إذا كان فك الارتباط بـ«القاعدة» يعني – وفق منظور «أحرار الشام» – اقتراب «فتح الشام» من طبيعة الفكر القتالي المحلي التي تختلف عن القتال عالميًا كحال «القاعدة»، قال إياد الشعار «إن 90 في المائة من (فتح الشام) هم من السوريين. وطبيعة الشعب غير مؤدلجة، ولا تؤمن بالقتال العالمي أو بالقتال بهدف القتال. نحن شعب مدني. لذلك؛ أعتقد أن على (فتح الشام) الإثبات أنها تنتمي إلى الشعب السوري».
* مقاتلو الخارج
هنا، فرض نفسه التساؤل عن موقع المقاتلين «المهاجرين»، أي الذين جاؤوا إلى الأراضي السوري من الخارج. وأجاب قيادي «أحرار الشام» موضحًا «يقسم المهاجرون قسمين: القسم الأكبر منهم يحمل فكر الدواعش، ولقد التحق فعلاً بتنظيم داعش، وأما الباقون، وعددهم قليل فتزوّج غالبيتهم من سوريات وبدأ يتشرب الفكر السوري ويتأقلم مع البيئة السورية».



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».