دورة جديدة من «مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية»

دورة جديدة من «مهرجان  طنجة الدولي للفنون المشهدية»
TT

دورة جديدة من «مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية»

دورة جديدة من «مهرجان  طنجة الدولي للفنون المشهدية»

ينظم «المركز الدولي لدراسات الفرجة»، خلال الفترة الممتدة ما بين 15 و18 سبتمبر(أيلول) فعاليات الدورة الثانية عشرة من «مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية» التي تخصص موضوعها لمقاربة «المنعطف السردي في المسرح: عودة فنون الحكي»، وذلك في سياق محاولة مواصلة النقاش المرتبط بفنون الفرجة الذي أطلقه المركز منذ أكثر من عقد من الزمن. ويأتي اقتراح هذا الموضوع للنقاش، نظرا لازدهار العروض السردية والمسرحيات المونولوجية في الآونة الأخيرة.
ويسعى المهرجان، كما جاء في حيثيات ورقته، إلى استكشاف خطابات جديدة تتناول العلاقة المتبادلة بين الحكي والمسرح، في سياق ما يصطلح عليه بالمنعطف السردي في المسرح، من خلال المحاور التالية: المنعطف السردي في المسرح المعاصر: أي علاقة؟ - جماليات الفرجة السردية المعاصرة - مظاهر تسريد الأحداث الواقعية في المسرح - الرقص كآلية سردية: جدلية «الجسد الناطق» و«النص المتحرك» - الحكي الجريح: شهادات سنوات الجمر والرصاص في المسرح المغربي - المحكي الذاتي والمحكي الجماعي في المسرح - عودة فنون الحكي العربي في الممارسة المسرحية المعاصرة- السرد العربي القديم: من التراث إلى النص إلى العرض، بالإضافة إلى محاضرات افتتاحية ولقاءات مفتوحة مع خبراء دوليين من مختلف أنحاء العالم: إيريكا فيشر ليشته (مديرة المعهد الدولي لتناسج ثقافات الفرجة بألمانيا)، وأنور مجيد (رئيس جامعة نيو إنجلند بطنجة)، وستيفن باربر (جامعة كينغستون بالمملكة المتحدة)، زهرة مكاش (أستاذة باحثة، جامعة ابن زهر، أغادير)، نيكولاس مولير شول (رئيس الدراسات المسرحية بجامعة كوت بفرانكفورت)، غابرييل برانستيتر (المديرة الثانية لمعهد تناسج ثقافات الفرجة بالجامعة الحرة، برلين). وكذلك مداخلات مجموعة من الباحثين والخبراء المغاربة، العرب، والأجانب في مجال النقد والبحث المسرحيين.
وتتوزع هذه المداخلات على 12 جلسة علمية، اثنتان منها مخصصتان للباحثين الشباب (13 باحثا شبابا من مختلف أنحاء العالم).
وستنظم ثلاث ورشات تكوينية لفائدة المحترفين والهواة: ورشة الارتجال والحكي يديرها الباحث المسرحي رشيد أمحجور، وورشة المسرح البصري يديرها الفنان والباحث فاضل سوداني من العراق، وورشة مختبر لاليش يديرها الفنانان نكار حسيب وشمال أمين من النمسا.
وإضافة إلى الجانب العلمي، فإن المهرجان، وعلى غرار الدورات السابقة، سيقدم ما يزيد عن عشرة عروض فنية مفتوحة؛ من المغرب، مصر، الجزائر، ألمانيا، النمسا، إسبانيا، إيران، فرنسا، العراق، بالإضافة أيضا إلى تقديم ثلاثة أفلام وثائقية: «لسنا أرقاما.. شهادات اللاجئات السوريات بألمانيا»، والآخر عن الكاتب محمد شكري، والثالث من إنجاز طلبة ماستر السينما بكلية الآداب بتطوان. وستكرم الدورة الباحث الأميركي مارفن كارلسن (صاحب كتاب «مسارح المغرب والجزائر وتونس»).
وكما في دورات المهرجان السابقة، سوف تقام فعاليات الدورة في فضاءات مختلفة، منها ما هو مغلق كقاعات متحف القصبة بطنجة، وفضاء مسرح تبادل، ومسرح جامعة نيو إنجلند بطنجة، وقاعة الندوات بفندق شالة بطنجة، وما هو مفتوح كساحة المشوار بمتحف القصبة، ومواقع أخرى بمدينة طنجة.شعار المهرجان



قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟