الواغو.. فخر الإنتاج الياباني

الستيك الأغلى في العالم

الواغو.. فخر الإنتاج الياباني
TT

الواغو.. فخر الإنتاج الياباني

الواغو.. فخر الإنتاج الياباني

جلست في مطعم جميل في الطابق العاشر لبرج فندق الريتز وسط مدينة أوساكا برفقة عدد من الأصدقاء، في الجهة المقابلة طريق رئيسي يمر عبر أحد طوابق ناطحة سحاب ليندمج مع باقي شبكة الطرق بكل سلاسة وانتظام، لم يهدموا البناية لبناء الطريق المعلق، بل غرسوه في داخلها باعتباره شريانا حيا تمر من خلاله مئات السيارات في الدقيقة. أخذنا الحديث عن تميز اليابان بالنظام والتزام سكانها بأخلاقيات العمل لدرجة مذهلة. وبينما كنا منهمكين بالحديث عن مخطط أعمالنا لليوم التالي بدأ الطاهي الذي يعد طعام العشاء بالقرب منا على فرن صنع خصيصا ليندمج مع ديكور المطعم. أخرج من الثلاجة قطعة لحم وقال لنا إن سعرها لا يقل عن 300 دولار. في تلك اللحظة، وعلى غير العادة، لم يكن الثمن مهما بالنسبة لي، لأننا كنا في ضيافة الحكومة اليابانية، ولن ندفع من جيوبنا.
وما هي إلا دقائق قليلة حتى انتهى الطاهي من إعداد الستيك بعد أن دهنها بالزبدة حتى انتشرت رائحة جميلة لهذا الطبق المميز أسالت ما تبقى من لعابنا بعد أن فرغنا من مغازلة أطباق أخرى. عندما غرست الشوكة في الطبق وبدأت السكين تقطع اللحم، بدأ كأنها تشق قالبا من الحلوى الطرية. أما المذاق فحدث ولا حرج.
الواغو Wagyu يجمع بين العراقة والانتظام:
كلما ذكر المطبخ الياباني أتى الكلام عن جمال تنسيق الأطباق واحتوائها على المصادر الطبيعية من الأطعمة البحرية التي تقدم لنا السوشي والساشيمي، حيث استطاع المطبخ الياباني غزو أشهر المطاعم في العالم لأناقته وامتيازه بالأكل الصحي الذي يصلح لكل العصور. كما ضرب اليابانيون مثلا بدقتهم في العمل والتزامهم منقطع النظير بأدق التفاصيل، ليترجموا ذلك عبر تطورهم في صناعة التكنولوجيا على مدى العقود الماضية.
وبين هذا وذاك، استطاع اليابانيون الجمع بين الأناقة والأكل الصحي مع الالتزام بدقة التفاصيل لينتجوا للعالم طبقا مميزا ألا وهو لحم الواغو، الذي عادة ما يقدم كستيك مشوي إما على الفحم أو من خلال الطرق التقليدية.
إن لحم بقر الواغو يعد من أشهى وأجود أنواع اللحوم في العالم، حيث تتباهى أشهر المطاعم في العالم بتقديمه ضمن قائمة الطعام لديها. وعلى الرغم من عدم انتشار مثل هذه اللحوم في المنطقة العربية بسبب الكلفة الباهظة، فإن مستقبلها واعد في الأسواق نظرا لتنامي الطلب عليها وإنتاج أنواع حلال تناسب أذواق سكان المنطقة ممن يملكون القدرة على دفع ثمن هذا الطبق.
يتميز لحم الواغو بطراوته المميزة وطعمه اللذيذ على اللسان والشعور الرائع ونكهته الشهية، ويحافظ على طعم اللحم الأصلي بالإضافة لكونه يحتوي على الأحماض الأمينية والأحماض الدهنية غير المشبعة، مما يجعل متعة الأكل تجربة فريدة.
إذن السعر مرتفع والطعم لا يضاهى.. فما السر وراء تميز اليابانيين بهذا الطبق الذي أصبح مرجعية أساسية لمن يبحث عن جودة اللحم؟ وطبقا تفخر بتقديمه أشهر مطاعم العالم من نيويورك إلى لندن وحتى باريس!!!
هناك مجموعة من العوامل ساهمت بتميز لحم الواغو، فالسلالة الجينية مضافا إليها طريقة التربية ونوع الطعام تجتمع سوية مع الانضباط في تطبيق مواصفات تربية فريدة.
تشتمل ماشية أبقار الواغو على أربع سلالات وهي: اليابانية السوداء (كوروغيه واشو)، اليابانية البنية (أكاغيه واشو)، اليابانية عديمة القرون (موكاكو واشو)، واليابانية ذات القرن القصير (نيهون تانكاكو واشو). وهذه السلالات الأربع هي نتيجة لعملية التهجين التي تتم منذ القرن التاسع عشر بين السلالات العريقة في اليابان والسلالات التي أُدخلت حديثا. وتعد السلالة اليابانية السوداء المصدر لنحو ٩٥% من أبقار الواغو في اليابان.
تتم تربية هذا النوع من الماشية في عدة مناطق وتتوزع على عدة أنواع: كوبي، ميشيما، ماتسوساكا، أومي، ساندابية.
يضع اليابانيون معايير دقيقة لعملية الذبح التي لا تتم قبل أن يصل عمر العجل إلى ثلاث سنوات، يتخللها تقنيات خاصة لتربيتها وإطعامها.
توضع البقرة في مكان محدد لا تتحرك منه طوال فترة تربيتها. ويتم تدليك البقرة باستمرار لتجنب التشنجات العضلية ولتعويض نقص الحركة لديها. هناك نوعان أساسيان من البقر، تلك التي تسقى مشروبا كحوليا مثل الساكي وغيرها تربى لتكون لحما حلالا فيكتفي المربي بتربيتها بالطرق التقليدية نفسها دون تقديم مشروبات كحولية.
وتكون تغذية هذه المواشي بالأساس على الحليب، وذلك بسبب قلة حركتها وعدم استخدام العضلات في جسمها، وبدلاً من ذلك تكون الشحوم الصحية في أنسجتها مشبعة وتجعلها طرية الملمس.
وبسبب الإقبال الكبير على هذه اللحوم فقد بدأ مربو المواشي في كل من أستراليا وكندا والولايات المتحدة بتربيتها، وحتى في دول أوروبا، مع أن جودة اللحم لا تضاهي تلك القادمة من اليابان.
وقد حددت «الجمعية اليابانية لتصنيف اللحوم» الدرجات القياسية للحم الذبيحة في أربعة معايير لتقييم لحوم أبقار الواغو على النحو التالي: وفرة العروق المرمرية ودرجة اكتنازها في اللحوم ولون اللحوم ودرجة لمعانها الزاهية، والصلابة وأنسجة اللحم، وألوان الدهون ولمعانها وجودتها وبياضها الصافي.
وهكذا يجري تقييم لحوم أبقار الواغو على درجات من واحد (ضعيف) إلى خمسة (ممتاز) لكل معيار، ويُعد كل ما يتعلق بالعروق المعيار الأهم في تحديد جودة لحوم الواغو.
يعد ستيك السيرلوين من أكثر الأطباق شعبية لأنه مغطى بطبقة شحم يعطي طعما لذيذا، خصوصا إذا تم شواؤه على الفحم.



الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».