الانتخابات الفلسطينية المعلقة

ضغوط إقليمية ومشكلات سياسية وقانونية وسيادية توقف أول تجربة متفق عليها منذ 10 سنوات

الانتخابات الفلسطينية المعلقة
TT

الانتخابات الفلسطينية المعلقة

الانتخابات الفلسطينية المعلقة

لم يخيب قرار المحكمة العليا الفلسطينية، بوقف الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي كانت مقررة يوم 8 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، توقعات كثيرين لم يصدّقوا أصلاً أنها ستجرى. وظلوا على مدار أسابيع طويلة يجاهرون في الشوارع والمجالس ومواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في الوكالات الإخبارية المحلية، بقناعاتهم أن هذه الانتخابات «ستلغى». ولقد كان هؤلاء، على الأقل، يؤمنون أكثر من غيرهم أن قوة الانقسام الكبير متعمقة إلى حد لن يسمح للديمقراطية أن تنتصر، كما في مرات سابقة، وأن إجراء الانتخابات سيعمق هذا الانقسام أكثر وأكثر، مثلما أن إلغاءها سيعمقه كذلك. وهذا ما كان. وبعد أسابيع طويلة وصعبة وقاسية، أظهرت أفضل ما عند البعض وأسوأ ما عند البعض الآخر، في حرب تشكيل القوائم، لطمت محكمة العدل العليا الجميع، بقرار وقف هذه الانتخابات لأسباب بدت أنها «إجرائية»، لكنها كانت في حقيقة الأمر أكثر من ذلك، فهي سياسية وفصائلية وإقليمية وقانونية وسيادية.
ومع أن هذه الانتخابات انتخابات مجالس محلية «بحتة»، أي أنها تخص بلديات خدماتية ومجالس قروية، لكن أهميتها تكمن في أنها كانت ستكون «بروفة» لفحص شعبية الفصيلين الأكبر، فتح وحماس، في أول «مكاسرة» مباشرة لهما منذ عام 2006، كما أنها كانت تمثل لدى كثيرين أول «بارقة أمل» عملية لمغادرة الانقسام، باعتبارها خطوة أولى تمهد لإجراء انتخابات عامة لاحقة، تحدد الحزب الحاكم في كرسي الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطيني، وبالتالي، الحزب الذي سيحكم البلاد والعباد.
اختصر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسألة الانتخابات المحلية برمتها، حين قال قبل أيام قليلة فقط من إعلان إلغاء الانتخابات: «صحيح أن هذه الانتخابات خدمية، لكن لها طابعًا سياسيًا، لذلك يجب علينا أن نذهب لنمارس حقنا وننتخب من يمثلنا لكي نصل إلى قرار وطني يقول نعم لفلسطين التي توحدنا. والانتخابات ستكون إشارة للجميع بأن الشعب الفلسطيني يقرر بإرادته من يمثله من دون تدخلات». وأضاف عباس: «لنتكلم كفلسطينيين بعيدا عن كل التدخلات الخارجية لتحقيق أهدافنا في الحرية والاستقلال، لتكون لنا علاقات طيبة مع كل دول العالم، لكن من دون أي تدخل في شؤوننا الداخلية التي يجب أن تحترم، كما نحن نحترم الشؤون الداخلية لكل الدول».
لكن رياح الواقع لم تجرِ بما تشتهي سفن الرئيس.
أيام قليلة فقط زادت الضغوط الخارجية العربية لإلغاء العملية برمتها. ورفع محامون قضايا لمحكمة العدل العليا ضد الانتخابات لأنها لن تجرى في القدس، ولأن مرجعيتها القضائية في غزة ستكون في محاكم تابعة لحماس، وهي نفس المحاكم التي لا يعترف بها القضاء الفلسطيني، وأسقطت على الأقل 5 قوائم لحركة فتح في 5 بلديات بقطاع غزة. وساعات قليلة فقط قبل اتخاذ قرار العدل العليا، بدت الحرب على الأبواب بين فتح وحماس مع اشتعال المعركة الكلامية حول «الانتهاكات» و«العربدة» و«إفشال الانتخابات».
* مسوغات قرار متوقع
من دون مقدمات كثيرة، أصدرت محكمة العدل العليا، الخميس الماضي، قرارها بوقف إجراء الانتخابات المحلية إلى موعد غير محدد، بسبب «استكمال النظر في قضية» رفعها المحامي نائل الحوح، يطالب فيها بوقف الانتخابات، بسبب عدم إجرائها في مدينة القدس المحتلة. وعقدت المحكمة الخميس الماضي جلسة للنظر في الدعوى المرفوعة، وقررت عقد جلسة ثانية للنظر في القضية بتاريخ 21 سبتمبر (أيلول) الجاري. وجاء في قرار هيئة المحكمة، برئاسة القاضي هشام الحتو: «بالتدقيق والمداولة قانونا، والاستماع إلى أقوال وكيل المستدعين في جلسة علنية تمهيدية علنية، والاطلاع على البيّنات المقدمة في الطلب حول وقف تنفيذ القرارات المطعون فيها، فإن المحكمة تجد من خلال ما يدور حاليا بخصوص العملية الانتخابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحرمان مدينة القدس وضواحيها من حق المواطنين في الانتخابات، وحول قانونية القرارات التي ستصدر في قطاع غزة حول الاعتراضات المقدمة من المرشحين المستدعين، الأمر الذي يؤثر في النتيجة الانتخابية، وبما أن الأصل أن تتم الانتخابات في جميع أرجاء الوطن، بما في ذلك القدس وضواحيها، وأن يكون لكل مواطن الحرية الكاملة في الاختيار والترشح والانتخاب والاعتراض، وبما أن هناك مناطق لا تتمتع بالاعتراف القضائي والقانوني نتيجة الظروف الواقعية التي يعيشون فيها بعد الاعتراف بالقضاء وتشكيل المحاكم، وخوفا من إصدار قرارات قضائية تكون موضع جدل ونقاش، وحفاظا على السلم الأهلي والمصلحة العامة، وقانونية انتخاب المرشحين، الأمر الذي نرى معه في ظل هذه الظروف، وما يحيط بها من آثار على آراء المواطنين، وبما أن القرار الإداري لا يمكن تجزئته، فإننا نقرر، وعملا بأحكام المادتين 286 و287 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001، دعوة المستدعى ضدهم لبيان الأسباب الموجبة لإصدار القرار المطعون فيه، أو المانعة من إلغائه حتى إذا كانوا يعارضون في إصدار قرار قطعي عليهم تقديم لائحة جوابية خلال 15 يوما من تاريخ تبليغهم لائحة الدعوى، ووقف قرار مجلس الوزراء رقم (03-108-17-م. و-ر.ح) لعام 2016 بإجراء الانتخابات، مؤقتا، لحين البت في الدعوى، على أن يتقدم المستدعون بكفالة عدلية قدرها مائة ألف دينار أردني تتضمن للمستدعى ضدهم أي عطل وضرر قد يلحق بهم، وتعيين جلسة ليوم الأربعاء 21-9-2016 لنظر الدعوى».
وفورا قالت لجنة الانتخابات المركزية، إنها تلقت قرار محكمة العدل العليا في رام الله، وأعلنت بناء عليه أنها أوقفت جميع إجراءاتها المتعلقة بالانتخابات المحلية بشكل فوري، بعدما عملت اللجنة على مدى أكثر من شهرين لإيجاد بيئة صالحة للانتخابات. وقالت لجنة الانتخابات: «إنها إذ تحترم قرار محكمة العدل العليا، فإنها تأمل ألا يطول الوقت حتى تتمكن من استئناف العملية وإجراء الانتخابات، وتعود الديمقراطية إلى فلسطين، عودة يفتخر بها الشعب الفلسطيني أينما كان». ومثل لجنة الانتخابات فعلت الحكومة الفلسطينية المسؤولة عن إجراء الانتخابات، وقالت إنها تحترم قرار المحكمة الفلسطينية. وقال وزير الحكم المحلي حسين الأعرج، إن وزارته ستلتزم بشكل تام بقرار المحكمة العليا بوقف إجراء الانتخابات المحلية. وأكد الأعرج أن الهيئات المحلية المستقيلة، ستستمر كهيئات تسيير أعمال. لكن ذلك لم يكن مقبولا عند الفصيل الكبير حماس وآخرين كذلك.
* تبادل اتهامات متصاعد
فورا بعد صدور القرار، هاجمت حركة حماس قرار المحكمة مؤكدة رفضها للقرار. إذ قال سامي أبو زهري، الناطق باسم حماس، إن «قرار المحكمة العليا في رام الله هو قرار مسيس جاء لإنقاذ حركة فتح بعد سقوط قوائمها في عدد من المواقع الانتخابية»، مضيفا أنه «قرار مرفوض». كذلك عدّت الكتلة البرلمانية لحركة حماس قرار المحكمة العليا بوقف إجراء انتخابات البلديات، هروبا لحركة فتح من المشهد السياسي الانتخابي. لكن فتح ردت بالقول إن حماس هي التي أفشلت الانتخابات. وارتكزت فتح إلى قرارات القضاء التابع لحماس في غزة، الذي كان قد أسقط قبل قرار محكمة العدل العليا، عدة قوائم انتخابية تابعة لحركة فتح هناك، وهو ما وصفته الحركة بمجزرة ترتكب بحق قوائمها. وقال فايز أبو عيطة، المتحدث باسم حركة فتح، إن «حماس أفشلت وعطلت الانتخابات لأنها ذهبت إلى محاكم تابعة لها بطعون واهية». وكانت محكمة بداية خان يونس قررت إلغاء 5 قوائم تابعة لفتح، لمخالفتها القانون وعدم استيفاء الشروط اللازمة.
وقال أبو عيطة: «إن قوائم فتح تتعرض لمجزرة في محاكم حماس، ونحن لم نتوجه إلى محاكم حماس في غزة؛ لأننا كنا نعرف النتيجة سلفا»، مضيفا: «الغرض الأساسي من هذه الطعون والأحكام هو إفشال الانتخابات وإعفاء حركة حماس من هذا الاستحقاق الديمقراطي». ووصف أبو عيطة قرار العدل العليا «بالحل الأمثل لمواجهة غطرسة محاكم حماس التي تعمل على إفشال الانتخابات من خلال القبول بطعون غير بريئة، هدفها إسقاط قوائم فتح، وليس إسقاط أشخاص مرشحين من خلال تلك القوائم».
وهذه الحرب الكلامية لا يتوقع أن تتوقف خلال أيام وأسابيع على صعد مختلفة، بيانات وناطقين وناشطين ومواقع إخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي.
* إلى متى؟
لا أحد يملك إجابة حول الوقت الذي يمكن فيه الاتفاق مجددًا على انتخابات جديدة، وخصوصا أن فشل هذه الانتخابات، التي كانت ستجرى للمرة الأولى بمشاركة حماس منذ سيطرت على قطاع غزة في 2007، أظهر تعقيدات الوضع محليًا وإقليميًا.
ومنذ 2007 لم تجر في الأراضي الفلسطيني أي انتخابات رئاسية أو تشريعية بسبب الانقسام، وفشلت 3 محاولات لإجراء انتخابات محلية كذلك قبل أن تنجح بشكل جزئي ومبتور في عام 2012، عندما أجريت في الضفة الغربية فقط من دون مشاركة حماس التي اشترطت آنذاك التوصل إلى اتفاق مصالحة قبل إجراء الانتخابات المحلية، وقالت إن الانتخابات المحلية هي ثمرة للمصالحة وليس العكس.
وكانت آخر انتخابات قد أجريت بشكل مشترك بين الضفة وغزة، في عامي 2004 و2005، على 3 مراحل، ثم أعلنت السلطة أنها تريد إجراء الانتخابات 3 مرات عامي 2010 و2011 من دون أن تجريها فعلا. ويتوقع أن يعلن عباس لاحقا قرارا رئاسيا بشأن الانتخابات الحالية المعلقة.
* الأسباب غير المعلنة
بغض النظر عما أعلنته العدل العليا، وما يرى كثيرون أنه متعلق بعدم رغبة فتح وحماس أصلاً خوض التجربة، ثمة أسباب كثيرة أخرى غير معلنة. ويقول الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري: «قرار إلغاء الانتخابات سيئ لكنه متوقع.. ابتدأنا برفض فتح إجراء الانتخابات ووصلنا إلى أن حماس ندمت على الموافقة عليها، وانتهينا إلى وضع أن فتح وحماس تخشيان منها، وأصبحت كفة التأجيل ترجح أكثر وأكثر، وخصوصا بعد ضغط الرباعية العربية لإلغائها. والسؤال أصبح كيف؟ ومَن سيتحمل المسؤولية عن هذا القرار؟ أخذت محكمة العدل العليا القرار ولكن لو لم تتخذه يمكن أن نشهد ما هو أعظم.. فلن تسمح حماس بفوز فتح وخصوصًا في غزة، ولن تسمح فتح بفوز حماس وخصوصًا في الضفة. الانتخابات من دون وفاق وطني وتحت الاحتلال وفي ظل الانقسام قفزة بالمجهول». ويضيف: «على الرغم من أن فتح وحماس تنفيان أنهما سعتا إلى تجنب الانتخابات، فإن كثيرين يصدقون أنهما في ظل إسقاط قوائم كثيرة للأولى في غزة، وفشل الثانية في تشكيل قوائم منافسة في الضفة، كانتا على الأقل يأملان بنهاية مماثلة».
هذه أسباب قد يتفق عليها البعض أو يعارضها، لكن الضغوط العربية التي أشار إليها المصري لا يعرف عنها الشارع كثيرا. وتقول مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن «أسبابًا متداخلة تقف وراء إلغاء الانتخابات، ولا يمكن إرجاع الأمر لسبب بعينه»، مستطردة: «من بينها الضغوط العربية من أجل مصالحة داخلية في فتح تضمن عودة محمد دحلان، ومن ثم مصالحة مع حماس قبل إجراء أي انتخابات... إضافة إلى ضغوط داخلية من أجل عدم تعميق الانقسام كما يعتد مسؤولون».
* دحلان.. الضغوط
وتركز جهات عربية في ضغطها على عباس إلى ضرورة أن تكون فتح قوية وجاهزة للمواجهة الديمقراطية، وبالتالي تحقيق الفوز في الانتخابات المحلية، والأكثر أهمية لاحقًا التشريعية والرئاسية. أما عباس فلا يرى أبدًا أن فتح ضعيفة بغياب دحلان أو قوية بوجوده. ولا يزال عباس يرفض عودة دحلان، لكنه كذلك لا يريد خسارة «الأشقاء» العرب. ولم يكن تسريب مقطع فيديو لعباس وهو يقول: «فكّونا من العواصم» من دون أن يسميها، عبثيا أو بالصدفة، لكنه مدروس إلى حد كبير في رسالة واضحة: «سنلم الشمل وفق ما نراه وليس ما تراه العواصم».
وبدأت فتح إجراءات يمكن وصفها بإجراءات لم الشمل فعلا، لكنها أيضا لسد الأبواب في الوقت نفسه. وعقدت محكمة الحركة جلسات من أجل بحث عودة المفصولين في خطوة يتوقع أن تنتج عنها إعادة البعض، ورفض إعادة البعض الآخر من دون أن يشمل ذلك دحلان. وتريد فتح بحسب المصادر إغلاق هذا الملف بإجراءات أخرى قانونية. وأعلن أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، اللواء جبريل الرجوب، إنه سيعقد اجتماعًا موسعًا للحركة برئاسة عباس، بعد عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، وسيشارك في هذا الاجتماع أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء المجلسين الثوري والاستشاري وأمناء سر أقاليم حركة فتح. وأضاف الرجوب أن الاجتماع سيبحث سبل مواجهة التحديات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وإقرار آليات عمل تنظيمية لعقد المؤتمر السابع للحركة قبل نهاية العام الجاري، مع تحديد الزمان والمكان، وذلك في إطار تجديد الشرعيات. ويفترض أن يفرز المؤتمر السابع لجنة مركزية جديدة للحركة ومجلسا ثوريا كذلك. فإذا نجحت الضغوط قد يكون من بينهم دحلان، وإذا فشلت فلن يكون لوقت طويل. لكن يبدو من السخف اختزال المسألة بمصالحة فتحاوية فتحاوية أو فتحاوية حمساوية، إذ أعلن قبل ذلك عن سلسلة مصالحات وسلسلة قرارات بالانتخابات وفشلت كلها.
ثمة انقسام كما يحلو للبعض أن يصفه في العقول والقلوب يؤذي الحالة الفلسطينية كلها ويمنعها من التقدم. وهنا يعلق الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم: «الانتخابات المحلية تعرينا أكثر، وتكشف هشاشة مناعتنا الوطنية وانقسامنا العميق. ومع مجزرة الطعون لقوائم فتح وما سبقها من تهديد ووعيد وإرهاب للناس في الضفة، ماذا كنتم تنتظرون؟ وخلال عقد من الزمن والنظام السياسي الفلسطيني وعلى رأسه القيادة قاموا بحسن نية أحيانا وبتنبلة أحيانا كثيرة بتجريف الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية. تراجع على جميع المستويات وغياب الحريات ومنظومة القيم والتكافل بين الناس وكسر روح الشعب والمقاومة الوطنية الجامعة. هناك هجوم عربي قبل أن يكون إسرائيلي، ولا نزال ننتظر وندافع عن أنفسنا بتبرير أقوالنا وأفعالنا. الحكمة تقتضي العودة لروح الشعب وترميم ما قام به النظام السياسي من تجريف لحياتنا، هي فرصة جديدة كي نقول لأنفسنا وللجميع إننا نستطيع مواجهة وصاية العرب قبل العجم ومواجهة فرض سياسة الإذعان والإملاءات، قبل أن تحرق الفوضى ما تبقى منا».
* لكن ماذا لو أجريت الانتخابات؟
هل كانت ستضمن فعلا فوزا واضحا لأحد الفصيلين الأكبر فتح وحماس؟ وهل ساهمت سطوة العائلات في إفقاد هذه الانتخابات الحمى اللازمة؟
مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية «المرصد» يقول إن أكثر من 860 قائمة ترشحت لتلك الانتخابات مقابل 670 قائمة في انتخابات عام 2012. ويشير إلى أن الواقع الميداني فرض على كل الأطراف من اليسار واليمين والمستقلين التنافس على مجالس في بعض الهيئات الانتخابية والتحالف في هيئات أخرى، وكان هذا جلي في قوائم المستقلين، إضافة إلى قوائم الائتلاف (تحالفات حزبية)، كما في قوائم التحالف الديمقراطي، ما يعني صعوبة إعلان طرف من الأطراف اكتساح نتائج الانتخابات المحلية، علما بأن هناك 182 قائمة أغلبها لفتح ستفوز بالتزكية (136 فتح، و23 قائمة مستقلة، و22 ائتلاف بين أكثر من حزب، وقائمة واحدة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين). وحسب المرصد «فإن العائلات طغت بالأهمية والحضور في الانتخابات المحلية بصورة كبيرة، وجرى التقسيم بالغالب على أساس الانتماء العائلي حتى في القوائم الحزبية. وفي كثير من المناطق شكلت العائلات قوائمها الخاصة، وهذا سبب آخر لعدم القدرة على تسويق منتصر واحد من قبل الأطراف السياسية».
* طرائف الانتخابات
على الرغم من وجود أكثر من 860 قائمة انتخابية متنافسة، فإن رئاسة هذه القوائم كانت حكرًا على الرجال بنسبة 99.1 في المائة مقابل 0.9 في المائة للنساء، وهذا قاسم مشترك لكل القوائم المتنافسة (التحالف الديمقراطي وفتح والائتلاف والمستقلون). ولقد تعالت الانتقادات على إخفاء صور وأسماء النساء في بعض المواقع من القوائم الانتخابية، لكن ما يضاف إلى ذلك هو التمثيل المتدني للنساء. ويمكن القول إن ما ضمن وجود النساء في كثير من القوائم الحزبية والعائلية هو نظام «الكوتا» (الحصص) الخاصة بتمثيل النساء، مقابل إخفاق برامج التمكين السياسي للنساء، حيث قبلت أيضًا النساء بالمواقع المخصصة لهن ضمن «الكوتا»، وفي أكثر من 70 في المائة من القوائم لم يزد عدد النساء عن مرشحتين فقط.
* مسلسل طويل.. ومستمر
أجريت أول انتخابات عامة في فلسطين في عام 1996، لانتخاب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني. أما الانتخابات الرئاسية الثانية فعقدت في 25 يناير (كانون الثاني) 2005، في حين أجريت الانتخابات التشريعية الثانية بتاريخ 9 يناير 2006 طبقا لقانون رقم 9 لعام 2005، تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية. وفيما يخص الانتخابات المحلية الأولى، فإنها أجريت على عدة مراحل تحت إشراف اللجنة العليا للانتخابات المحلية التي يرأسها وزير الحكم المحلي، وقامت بتنفيذ 4 مراحل من الانتخابات المحلية بين عامي 2004 و2005. وفيما بعد نقلت صلاحيات تنظيم الانتخابات المحلية إلى لجنة الانتخابات المركزية، ودعي إلى الانتخابات المحلية الثانية خلال 2010 و2011، إلا أنها أجلت لسنتين على التوالي.
وفي 10 يوليو (تموز) 2012، أصدر مجلس الوزراء قرارًا لإجراء الانتخابات المحلية في كل محافظات الضفة الغربية بتاريخ 20 أكتوبر 2012. وشارك في هذه الانتخابات 272 هيئة محلية من أصل 353. ولذلك أصدر مجلس الوزراء قرارًا آخر لاستكمال العملية الانتخابية بانتخابات تكميلية عقدت في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2012، وشارك فيها 81 هيئة محلية، وبطبيعة الحال لم تجر في غزة.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أصدر مجلس الوزراء قرارًا يدعو لإجراء انتخابات لجميع مجالس الهيئات المحلية في يوم واحد، بحيث يكون الاقتراع يوم 8 أكتوبر 2016. ومثل إعلانات أخرى كثيرة لن تجرى هذه الانتخابات في موعدها. وفي مرات كثيرة أخرى أعلن عن الاتفاق عن انتخابات رئاسية وتشريعية خلال فترة محددة، ومثل كل مرة وكل شيء آخر يعلن عنه الطرفان، لم تنفذ.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.