ميركل.. بين «ألمانيا ستبقى ألمانيا» و«ألمانيا ستتغير»

تصدع الوحدة التاريخية للاتحاد المسيحي الألماني لأول مرة

أنجيلا ميركل لم تعلن في خطابها الأخير ترشيح نفسها للمستشارية مجددا
أنجيلا ميركل لم تعلن في خطابها الأخير ترشيح نفسها للمستشارية مجددا
TT

ميركل.. بين «ألمانيا ستبقى ألمانيا» و«ألمانيا ستتغير»

أنجيلا ميركل لم تعلن في خطابها الأخير ترشيح نفسها للمستشارية مجددا
أنجيلا ميركل لم تعلن في خطابها الأخير ترشيح نفسها للمستشارية مجددا

في خطابها الهجومي طوال 25 دقيقة أمام البرلمان الألماني لم تجدد المستشارة الألمانية ولو مرة واحدة عبارة «سنحقق ذلك!» التي كانت تكررها كل مرة في الدفاع عن سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين. بدلاً منها استخدمت المستشارة للمرة الثانية عبارة «ألمانيا ستبقى ألمانيا». والمعتقد أن هذه العبارة ستكون اللازمة الجديدة لميركل طوال فترة الدعاية الانتخابية وصولاً إلى الانتخابات العامة في سبتمبر (أيلول) 2017.
والفرق بين التعبيرين واضح، لأن المستشارة تحدثت في خطابها عن قطع شوط طويل في سياسة احتواء اللاجئين، وتتحدث الآن عن دمجهم في المجتمع وسوق العمل. وتأتي عبارة «ألمانيا ستبقى ألمانيا» معاكسة لتعبيرها قبل سنة، وهي ترفع يافطة الترحيب باللاجئين، بأن «ألمانيا ستتغير». وهو ما اعتبرته كاترين غورنغ - ايكارت، رئيس الكتلة البرلمانية للخضر، تراجعًا أمام ضغوط حزب ميركل الداخلية، وضغط الخسارة الانتخابية في ولاية ميكلنبورغ فوربومرن. ورغم إصرار ميركل على سياستها تجاه اللاجئين، تجد غورنغ ايكارت أن الحقيقة هي أن ميركل أجرت تغييرًا حاسما في سياستها.
ورغم التصحيح الظاهر في سياسة استقبال اللاجئين التي اختطتها زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي، يطرح الحزب البافاري الشقيق، أي الاتحاد الاجتماعي المسيحي، ورقة عمل جديدة في محاولة لوضع حد لتدفق اللاجئين على ألمانيا. وسيطرح الحزب في اجتماعه المصغر في نهاية الأسبوع المقبل تصوراته حول وضع حد أعلى للاجئين سنويًا (200 ألف سنويًا)، وإلغاء الجنسية المزدوجة، والترحيل القسري للمرفوضين (إلى النمسا أيضًا)، وغيرها من المقترحات. وهي مقترحات وقفت ميركل ضدها أكثر من مرة، وهو ما يعبر عن إصرار الحزب الشقيق على المواجهة بدلاً من التهدئة.
رافقت الخلافات المسيرة التاريخية للاتحاد المسيحي طوال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، لكنها لم تكن يومًا عائقًا أمام استمرار هذه الوحدة، ولا أمام اختيار أحد قادة الحزب الديمقراطي المسيحي دائمًا لمنصب المستشارية، ولا أمام الفوز في معظم الدورات الانتخابية العامة. إلا أن الخلافات التي تعمقت منذ سنة، بسبب سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين، صارت تهدد لأول مرة بتصدع هذا التحالف. وتذهب مجلة كبيرة مثل «دير شبيغل» إلى أن وجود زعيمين عنيدين في زعامتي الحزبين، أي أنجيلا ميركل وهورست زيهوفر، هو ما يهدد التحالف المسيحي بالانهيار الآن.
لم تعلن ميركل في خطابها الأخير ترشيح نفسها للمستشارية مجددًا، وهو ما سبق أن رفضت التعليق عليه مشيرة إلى أنها ستفعل ذلك في الوقت المناسب. وتتكهن معظم الصحف الألمانية بأن ميركل تنتظر موافقة زيهوفر كي تعلن ترشيحها لكرسي المستشارية. لأن زيهوفر، الذي استخدم أقسى التعابير في انتقاد سياسة ميركل، هدد بدخول الانتخابات بقائمة خاصة بالاتحاد الاجتماعي المسيحي، ولم يستبعد ترشيح نفسه لمنصب المستشارية.
وتقول صحيفة «بيلد» الواسعة الانتشار إن المستشارة لم تتلق حتى الآن دعوة لحضور مؤتمر الاتحاد الاجتماعي المسيحي المزمع عقده في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وذهبت الصحيفة إلى القول: إن زيهوفر متردد في دعوة ميركل بسبب اللغط الذي أحدثه حضورها في مؤتمر الحزب السابق في نوفمبر 2015. ونقلت الجريدة عن زيهوفر قوله «إنه لا يريد تكرار مسرحية العام الماضي». ومعروف أن الاتحاد الاجتماعي يدعو زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي دائمًا إلى مؤتمراته، كما يترك له الكلمة الأولى بعد الافتتاح.
ولا أحد ينسى «البرود القاتل» الذي استقبل به زيهوفر المستشارة قبل عام في مؤتمر حزبه. وهو البرود الذي وصفه العالم السياسي ينز اوبرويتر بـ«إلغاء» المستشارة. وعبر اوبرويتر عن قناعته آنذاك بأن تاريخ ألمانيا لم يشهد «إذلالاً» لمستشار كما حصل مع ميركل أثناء حضورها ذلك المؤتمر إذ لم يكلف زيهوفر نفسه عناء استقبال المستشارة عند نزولها من سيارتها أمام القاعة، واكتفى بالوقوف تحت سقف الفندق خشية على بدلته من المطر. ووقفت المستشارة على المسرح طوال 17 دقيقة بانتظار أن ينهي زيهوفر ملاحظاته، ولم يدعها للجلوس. وكان أحد أعضاء المؤتمر استقبلها في القاعة بيافطة كتب عليها «ميركل، برّه!».
أكدت ميركل في خطابها الأخير على سياسة استقبال اللاجئين «إذا بدأنا بتوجيه أعمالنا واختيار كلماتنا استنادًا إلى ما يقوله غير المهتمين أصلاً بإيجاد الحلول، فهذا يعني بأننا نحن من سيفقد البوصلة». ودعت المستشارة الأحزاب السياسية الألمانية التقليدية إلى عدم الدخول في مزايدات في ملف المهاجرين. وأضافت «على المسؤولين السياسيين أن يكونوا حذرين في تصريحاتهم لأننا إذا دخلنا في مهاترات، فإن الفوز سيكون إلى جانب الذين يستخدمون التعابير الرنانة والحلول المبسطة». واعتبرت ميركل أنه إذا كان من غير المطلوب من الأحزاب التقليدية «توبيخ الناخبين» بعد أن خذلوا مرشحي هذه الأحزاب، فإنهم لن «يستعيدوا ثقة المواطنين» إلا برفض الدخول في مزايدات من هذا النوع.
واعتبرت صحيفة كبيرة مثل «فرانكفورتر الجيماينة» هذه الجمل موجهة أساسًا إلى هورست زيهوفر، وليس إلى حزب البديل لألمانيا، أو إلى الحليف الحكومي ممثلاً في الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وخلافًا لتوقعات وسائط الإعلام التي انتظرت مجابهة حاسمة بين الحزب الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي على خلفية «أزمة اللاجئين»، جرت المواجهة بين نواب التحالف المسيحي. واختار النواب الاشتراكيون الصمت في محاولة فسرت على أنها محاولة لعدم إثقال ميركل بأعباء إضافية. اعتبر لودفيغ شبينله، وزير التعليم في بافاريا (الاتحاد الاجتماعي المسيحي) أن المستشارة اختارت الوسط على حساب المحافظين. وقال ماركوس زودر، وزير مالية الولاية «كلما انحرف المرء نحو اليسار، ترك مكانًا يحتله اليمين».



إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.