بيونغ يانغ تتحدى العالم

أوباما: لم ولن نقبل كوريا الشمالية نووية.. وسننشر منظومات دفاعية عسكرية في المنطقة

قوات برمائية كورية جنوبية تطلق قذائف دخانية خلال عمليات عسكرية في الذكرى الـ66 للحرب الكورية أمس (أ.ف.ب)
قوات برمائية كورية جنوبية تطلق قذائف دخانية خلال عمليات عسكرية في الذكرى الـ66 للحرب الكورية أمس (أ.ف.ب)
TT

بيونغ يانغ تتحدى العالم

قوات برمائية كورية جنوبية تطلق قذائف دخانية خلال عمليات عسكرية في الذكرى الـ66 للحرب الكورية أمس (أ.ف.ب)
قوات برمائية كورية جنوبية تطلق قذائف دخانية خلال عمليات عسكرية في الذكرى الـ66 للحرب الكورية أمس (أ.ف.ب)

تحدت بيونغ يانغ المجتمع الدولي مرة أخرى بتجاربها النووية المتكررة، وأغضبت حتى حليفها الصيني. أحدث نشاطاتها العسكرية و«أخطرها» أجري أمس، وذلك بعد ثلاثة أيام من انتهاء قمة رابطة بلدان جنوب شرقي آسيا (آسيان)، التي أدانت كوريا الشمالية على إطلاقها قبل أسبوع صواريخ باليستية باتجاه المياه اليابانية. رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قال: «لا يمكننا أن نتساهل مع (حقيقة) أن كوريا الشمالية تمكنت من إجراء تجربة نووية». وأضاف أن «برامج التطوير التي تجريها بيونغ يانغ في مجال الطاقة النووية والصواريخ تمثل تهديدا خطيرا لأمن اليابان وتقوض الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم بشدة».
بيونغ يانغ أغضبت بتجربتها حليفتها الصين، التي قالت إنها «تعترض بشدة» على التجربة النووية الخامسة، التي أجرتها كوريا الشمالية، وقالت سيول إنها الأقوى حتى الآن. وقالت وزارة الخارجية الصينية إن كوريا الشمالية «أجرت اليوم مجددا تجربة نووية على الرغم من المعارضة العامة للأسرة الدولية»، مؤكدة أنها «تجربة تعترض عليها الحكومة الصينية بشدة». وأضافت الوزارة: «ندعو بقوة بيونغ يانغ إلى احترام التزاماتها في الحد من انتشار السلاح النووي وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي في هذا المجال والامتناع عن أي عمل يمكن أن يؤدي إلى تدهور الوضع». كما دعت الخارجية الصينية إلى تسوية الخلافات عبر المفاوضات السداسية المتوقفة منذ فترة طويلة.
وفي الأمس، أعلنت كوريا الشمالية أن تجربتها النووية الخامسة أكدت قدرتها على وضع رأس نووية على صاروخ. وقالت وكالة الأنباء الكورية الشمالية إن «هذه التجربة النووية أكدت في نهاية المطاف (...) البنية والمميزات الخاصة لرأس نووي أعد بطريقة تمكن من وضعه على صواريخ باليستية استراتيجية».
وأضافت أن التجربة «رفعت بلا شك إلى مستوى أعلى تقنية كوريا الشمالية التي تهدف إلى وضع رؤوس نووية على صواريخ باليستية».
وقال التلفزيون الكوري الشمالي إن «علماءنا النوويين أجروا اختبارا لانفجار ذري لرأس نووي حديث في موقع الاختبارات النووية في شمال البلاد». وأضاف أن «حزبنا يوجه رسالة تهنئة إلى علمائنا النوويين (...) لإجرائهم تجربة ناجحة لتفجير رأس نووي».
وكان الرئيس كيم غونغ - أون أعلن في مارس (آذار) أن بلاده نجحت في تصغير رأس نووي حراري يمكن تحميله على صاروخ باليستي، لكن خبراء شككوا في ذلك.
وذكرت وكالة أنباء «جيجي برس» اليابانية أن وزارة الدفاع أرسلت ثلاث طائرات من طراز «تي - 4» التدريبية من قاعدة هياكوري الجوية بجزيرة كيوشو بجنوب البلاد لجمع عينات من الهواء لتحليلها والكشف عما إذا كانت توجد هناك مواد مشعة.
وأدانت الولايات المتحدة بأشد العبارات التجربة النووية الأخيرة لكوريا الشمالية واعتبرتها تهديدا خطيرا للأمن الإقليمي والسلام والاستقرار الدوليين. وشدد الرئيس الأميركي على أن بلاده لم ولن تقبل كوريا الشمالية كدولة نووية. فيما أعلن مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع طارئ لمناقشة كيفية الرد على الاستفزازات من قبل كوريا الشمالية. وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما: «إن الولايات المتحدة لم ولن تقبل كوريا الشمالية كدولة نووية وتبعد بعيدا عن تحقيق الأهداف المعلنة للأمن الوطني والتنمية الاقتصادية وبدلا من ذلك تقوم بأعمال استفزازية ومزعزعة للاستقرار بما يؤدي لمزيد من العزلة الدولية لكوريا الشمالية وإفقار الشعب من خلال السعي الحثيث لامتلاك أسلحة نووية وقدرات صاروخية بالستية».
وشدد الرئيس الأميركي على أن ما قامت به كوريا الشمالية من تجربة نووية يعد انتهاكا صارخا لعدة قرارات لمجلس الأمن الدولي وتجاهلا من قبل كوريا الشمالية للقواعد والمعايير الدولية. وقال أوباما: «كقائد أعلى لدي مسؤولية لحماية الشعب الأميركي والتأكد من أن الولايات المتحدة تقود المجتمع الدولي في التصدي لهذا التهديد وغيره من الاستفزازات من قبل كوريا الشمالية بكل عزم وإدانة».
وأوضح أوباما أن كوريا الشمالية تقف باعتبارها الدولة الوحيدة التي تجري اختبارا للأسلحة النووية في هذا القرن. وقال: «اختبار اليوم الذي يعد الثاني هذا العام لكوريا لشمالية يأتي في أعقاب حملة غير مسبوقة من إطلاق الصواريخ البالستية التي تدعي كوريا الشمالية أنها تستطيع حمل الأسلحة النووية التي تستهدف الولايات المتحدة وحلفاءنا وجمهورية كوريا واليابان».
وأكد أوباما التزام بلاده – الذي لا يتزعزع - باتخاذ الخطوات اللازمة للدفاع عن الحلفاء بالمنطقة بما في ذلك نشر محطة دفاع ثاد وبطاريات في كوريا الجنوبية والالتزام بتوفير نظم الردع الممتدة التي تضمنها مجموعة كاملة من القدرات الدفاعية الأميركية.
كما أدانت سول التجربة ووصفتها بأنها «استفزاز خطير». وقالت رئيسة كوريا الجنوبية بارك جيون هي إن هذه التجربة تمثل استفزازا سيؤدي إلى مزيد من العقوبات الدولية، وأكدت أن بلادها سوف تتخذ «كافة الإجراءات الممكنة» لإرغام بيونغ يانغ على التخلي عن برنامجها النووي. ونقلت وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية عن مستشار الأمن الوطني تشو تاي يونج قوله إن «بيونغ يانغ تقوم باستفزازات خطيرة وتركز على تطوير أسلحتها النووية وصواريخها. لا بد أن يدركوا أنهم لن يحصلوا على شيء من وراء هذه الجهود». وأضاف تشو: «نحذر كوريا الشمالية بصرامة كي تتخلى تماما عن برامجها النووية وتطوير الصواريخ بشكل لا رجعة فيه وبصورة شفافة».
وأصدرت رئاسة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية بيانا تقول فيه: «تشير تقديراتنا إلى أن كوريا الشمالية قامت بإجراء أكبر تجربة على الإطلاق». مضيفة أنه من المعتقد أن قوة الانفجار تصل إلى 10 كيلو طن.
وتسببت التجربة النووية الكورية الشمالية في وقوع زلزال بقوة 5 درجات على مقياس ريختر بالقرب من موقع «بونجي ري» للاختبارات النووية تحت الأرض، الذي أجريت فيه كل التجارب النووية الكورية الشمالية منذ أن بدأت بيونغ يانغ في إجرائها عام 2006، حيث كشفت صور الأقمار الصناعية مؤخرا حدوث نشاط في الموقع.
وأفاد المعهد الأميركي للجيولوجيا أن الزلزال هو في الواقع «انفجار محتمل» قرب سطح الأرض وليس في باطنها. لكنه لم يتمكن من تحديد مصدره. أما وكالة الأرصاد الجوية اليابانية فقد قالت إن الموجة التي سجلت مع الهزة الأرضية «مختلفة عن تلك التي ترصد عند وقوع زلزال طبيعي».
وصرح رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن خامس تجربة نووية تجريها كوريا الشمالية تثير «قلقا عميقا» وتنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي.
وقال يوكيا أمانو إن التجربة النووية الكورية الشمالية «تمثل انتهاكا صارخا لكثير من قرارات مجلس الأمن الدولي وتتجاهل بشكل كامل المطالب المتكررة من المجتمع الدولي». وأضاف أمانو، في بيان تناقلته وكالات الأنباء: «إنه عمل مقلق بشكل عميق ومؤسف».
ومن ناحية أخرى تثير التجارب النووية بحد ذاتها القلق من التلوث النووي في المنطقة بغض النظر عن البعد العسكري. التجربة النووية السابقة في يناير (كانون الثاني) تعادل تقريبا نصف الحصيلة الانفجارية لقنبلة هيروشيما. ويترافق مع ذلك انبعاث كمية من الإشعاعات الذرية تؤثر على منطقة شمال شرق آسيا برمتها.
وفي اليابان، رفعت وزارة البيئة اليابانية وضعية قياس الإشعاعات النووية إلى حالة الطوارئ مما يعني أن قياس الإشعاعات الذي يجري عادةً مرة كل ساعة سيجري كل دقيقتين. وفي مقاطعة نيغاتا الشمالية المقابلة لشبه الجزيرة الكورية تم تشكيل حلقة اتصال لسبر الأشعة في المنطقة والتواصل مع المقاطعات المجاورة. كما أعلنت يوريكو كوئيكي عمدة طوكيو أن البلدية سوف تقوم بقياس الإشعاعات النووية في مياه العاصمة لتحديد ما إذا كانت قد ارتفعت بعد الانفجار.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.