«الهيئة العليا»: غموض أميركي ـ روسي تجاه «خطتنا للحل» في سوريا

مصادر من المعارضة قالت إن الوضع على الأرض يدفعها إلى قبول الهدنة

«الهيئة العليا»: غموض أميركي ـ روسي تجاه «خطتنا للحل» في سوريا
TT

«الهيئة العليا»: غموض أميركي ـ روسي تجاه «خطتنا للحل» في سوريا

«الهيئة العليا»: غموض أميركي ـ روسي تجاه «خطتنا للحل» في سوريا

تترقب المعارضة ردة الفعل على «رؤيتها للحل السياسي» التي قدمتها في لندن أول من أمس، لا سيما من قبل واشنطن وموسكو، في ظل توقعات حول إمكانية الإعلان عن هدنة في سوريا قبل عيد الأضحى الأسبوع المقبل، وهو ما تعمل عليه تركيا بشكل حثيث، بحسب ما أشار مصدر في الائتلاف الوطني لـ«الشرق الأوسط».
تواجه المعارضة وضعا ميدانيا صعبا، لا سيما في حلب بشمال سوريا، حيث تمكنت قوات النظام مجددا من محاصرة الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة في المدينة.
وفي حين قال آغا، لـ«الشرق الأوسط»، إنّ المشكلة الأساسية في خطة الهدنة التي يتم العمل عليها بين موسكو وواشنطن والتي كان المبعوث الأميركي إلى سوريا مايكل راتني قد عرضها على الفصائل المعارضة، هي في عدم شمولها لتوقف القصف الروسي، إضافة إلى قضية انفصال المعارضة عن «فتح الشام» (جبهة النصرة) سابقا، وهو الأمر الذي رفضته مجموعة من الفصائل لصعوبة تنفيذه. في المقابل، أشار مصدر في الائتلاف إلى أن الواقع الميداني على الأرض للفصائل، سيجعلها مجبرة على القبول بالهدنة، لا سيما في ظل ما يحصل في حلب، إضافة إلى الغوطة والمعضمية أيضا، مضيفا: «مع العلم، أن ما عرضه راتني لم يكن للمناقشة بقدر ما كل للاطلاع وهو ما قاله بشكل واضح».
وقال أنس العبدة، رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، لوكالة الصحافة الفرنسية: «النافذة ستكون مفتوحة لاستئناف المفاوضات السياسية مع وقف فعلي للأعمال القتالية».
وأضاف: «لقد عرضنا رؤيتنا، إذا كان لدى (الولايات المتحدة أو روسيا) أفكار أفضل، سنناقش هذه الأفكار، لكن هناك مبادئ يقاتل من أجلها الشعب السوري منذ بداية الثورة ولا يمكن أن نتجاهلها»، في إشارة خصوصا إلى المطالبة برحيل الأسد.
وأعلنت المعارضة خطتها قبل مشاورات مع عدد من الدول الأعضاء في مجموعة أصدقاء سوريا. وفي مقدمة المشاركين في الاجتماع وزراء خارجية بريطانيا وتركيا والسعودية وقطر وإيطاليا والاتحاد الأوروبي وفرنسا، إضافة إلى وزير الخارجية الأميركي عبر الدائرة المغلقة.
وعلق وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، لدى خروجه من الاجتماع، أن «هذا اللقاء بالغ الأهمية، لأن نقاط التقاء انبثقت منه للخروج من المستنقع السوري». وأضاف أن «الشرط الأول» لتحقيق السلام هو «إرساء وقف فعلي لإطلاق النار»، مبديا «دعمه للمباحثات الجارية بين الولايات المتحدة وروسيا» في هذا الصدد.
من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، إن خطة لانتقال سياسي في سوريا تشترط تنحي الرئيس بشار الأسد قد تساعد في استئناف محادثات السلام المتوقفة، وهو ما ردّ عليه مصدر في وزارة الخارجية السورية في بيان، قائلا إن «تصريحات وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون تظهر انفصاله التام عن الواقع».
وأضاف جونسون أنه إذا كان لمحادثات السلام أن تعود إلى مسارها فمن الواضح أن من الضروري أن يتمكن العالم وجميع المتحاورين في جنيف من رؤية أن هناك مستقبلا لسوريا يتجاوز نظام الأسد.
وكان جونسون يتحدث في اجتماع في لندن عقب محادثات مع رياض حجاب، المنسق العام لجماعة المعارضة السورية التي تدعمها السعودية، الذي قدم خطة لتسوية سياسية جديدة في سوريا.
وقال جونسون، بعد الاستماع إلى الجميع، هنا ليس لدي شك على الإطلاق أنه بالحس السليم والمرونة والنشاط يمكن وضع هذه الرؤية، وهذه الخطة التي طرحها الدكتور حجاب وزملاؤه موضع التنفيذ.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.