خالد بن يزيد الأموي «حكيم آل مروان» يدشن النقل المكتوب

من الترجمة الشفوية إلى المكتوبة

خالد بن يزيد الأموي «حكيم آل مروان» يدشن النقل المكتوب
TT

خالد بن يزيد الأموي «حكيم آل مروان» يدشن النقل المكتوب

خالد بن يزيد الأموي «حكيم آل مروان» يدشن النقل المكتوب

لا شك أن العرب قبل الإسلام تعلموا من المعارف المتداولة في الحضارات المجاورة، والمتفوقة بحكم الاحتكاك التجاري والرحلات، التي كان يقوم بها البعض. وهنا نستحضر ذلك المثال الذي يقدمه الباحثون، الخاص بالطبيب العربي الحارث بن كلدة، الذي درس في جنديسابور الطب باللغة السريانية في فضاء ثقافي فارسي. ومن المؤكد أنه عندما عاد إلى موطنه المدينة المنورة، كان مزودا بمعرفة اللغتين السريانية والفهلوية أي الفارسية، ومارس الطب في ظل حكم الخلفاء الراشدين. فهو كان متملكًا لخبرة الأقدمين في الطب بلغة تخالف لغته الأصل، لكنه يطبق في وسط عربي. وهذا يدل على أن التلاقح المعرفي والحضاري كان يجري بين الشعوب قبل أن تصبح الترجمة كوعي وفعل مقصود.
لقد كانت الترجمة من اليونانية والسنسكريتية إلى الفارسية ومن اليونانية إلى السريانية، قائمة في زمن ظهور الإسلام. فالتقاليد العلميّة لم تتوقف قط، وإن كان يأتي عليها حين من الوقت تتحرك ببطء، لكنها تظل مستمرة. لقد كان الأطباء الذين اشتغلوا في مارستان جنديسابور مسيحيي الديانة، ونساطرة في المذهب، وسوريي اللسان. لكنهم يشتغلون في جغرافية تسودها الثقافة الفارسية (الفهلوية). وبحكم أن العرب كانوا بجوار هذا التلاقح الفارسي السرياني، فأكيد أن بعضهم كان على دراية بهذه اللغات، وبما يجري من أفكار ونقاشات. بل من المؤكد أن تتسرب الخبرات إلى الثقافة العربية، وإن لم تكن الترجمة واعية، فهي تجري بتلقائية وعفوية وبشكل شفوي نظرا للحاجة.
وإذا كان من المعروف أن كثيرًا من الخبراء والأطباء والفرس والسريان والأقباط والبيزنطيين، اشتغل في قطاعات مهمة من دواليب الدولة الإسلامية، منذ حكم الخليفة عمر بن الخطاب، فإنهم بالطبع، كانوا يفكرون بلغتهم، ولكن لدواعي التواصل، كانوا مضطرين للترجمة ولو شفويا. لكن مع الدولة الأموية، بدأت الترجمة تدخل منعطف المكتوب فكيف جرى ذلك؟

* الترجمة في العصر الأموي

يقول ابن النديم في «الفهرست»، وهو أشمل وثيقة أحصت لنا الأعمال الفكرية إلى آخر القرن الرابع الهجري: «وعندما خطر ببال خالد الصنعة، أمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مدينة مصر، وقد تفصح بالعربية، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي، وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة».
يحدد ابن النديم من خلال نصه أن أول نقل إلى العربية قد جرى في العصر الأموي بإيعاز من شخصية لامعة ومرموقة، هو خالد بن يزيد بن معاوية، الذي كان شديد الاهتمام بالكتب والعلم والعلماء، إلى درجة أنه كان يُنعت بـ«حكيم آل مروان». وإن كان الجزم بأنه أول نقل أمرًا صعب القبول به، لأن النقل الشفوي قد سبق النقل المكتوب. يروى عن خالد أنه قال، وفي تواضع شديد: «ما أنا من العلماء ولا من الجهال، ولم أصنع سوى أن جمعت الكتب».
كما يصفه صاعد الأندلسي بأنه كان «بصيرا بالطب والكيمياء، وله في الكيمياء رسائل وأشعار بارعة، دالة على معرفته وبراعته فيها»، وإن كان ابن خلدون يشكك في مكانة خالد بن يزيد المعرفية ودرايته بالعلوم والصنائع، بذريعة أن جيله كان إلى البداوة أقرب. وهذه حجة ليست قوية، لأن خالد، وإن لم يكن عالما في الكيمياء، فقد كان مهتما وهاويا، وكان هذا كافيا لجعله يطلب نصوص الأقدمين قصد الترجمة.
يؤكد ابن النديم على اهتمام خالد بالكيمياء، وأنه استعان بمجموعة من تراجمة العلوم، ومن هؤلاء اصطفان القديم، الذي نقل له بعضًا من كتب الصنعة (أي الخيمياء)، إذ يقال إن خالد بن يزيد، قد حُرِم من الحكم وخذل عن الخلافة، فعوض هو ذلك بالتجوال في البلدان، والمغامرة بحثًا عن المعرفة والحكمة والغريب من الأمور مثل الصنعة، حيث كان لديه شغف بتلك الفكرة التي سيطرت على العقول، وهي إمكانية تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة. وقد قيل أيضًا إنه درس الكيمياء على راهب إسكندراني اسمه ماريانوس الرومي، استقدمه من الإسكندرية لهذا الغرض.
إذن الترجمة في العصر الأموي بدأت ضيقة المدى، وذات أبعاد فضولية، وبمبادرات فردية. فهناك من كان يريد الاطلاع على خبرات الحضارات السابقة قصد إشباع رغبة في الاطلاع، أو تلبية لحاجة عملية، ولنقل إن الترجمة كانت أشبه بالهواية أكثر مما هي مشروع عام.
لكن بمجرد وصول عبد الملك بن مروان إلى الحكم، سيظهر أمر جديد سيعطي للترجمة دفعة إلى الأمام وبطابع مختلف. ويتجلى الأمر في قراره السيادي بتعريب الديوان، ونقله من الفارسية والسريانية اللتين كانتا لغتين طاغيتين على الإدارة الإسلامية آنذاك. يقول ابن النديم: «فأما الديوان بالشام فكان بالرومية، والذي كان يكتب عليه سرجون بن منصور لمعاوية بن أبي سفيان، ثم منصور بن سرجون. ونقل الديوان في زمن هشام بن عبد المالك، نقله أبو ثابت سليمان بن سعد مولى حسين، وكان على كتابة الرسائل أيام عبد الملك. وقد قيل إن الديوان نقل في أيام عبد الملك، فإنه أمر سرجون ببعض الأمر فتراخى فيه، فأحفظ عبد الملك، فاستشار سليمان فقال له: «أنا أنقل الديوان وأرتجل فيه».
من المعروف أنه في العهد الأموي، بلغ التنظيم الإداري مستوى متخصصًا جدًا. وكان جل موظفي الدولة من الفرس والسريان والبيزنطيين والأقباط، إذ لم يكتسب العرب خبرة في الشؤون المالية والكتابة والضرائب والجند والبريد، إلا في نهاية القرن الهجري الأول وبتدرج بطيء. لقد وُجد في الدولة الإسلامية الناشئة، تنافس شرس حول المناصب، وهو ما حرك الخبرات والكفاءات، وبذل الجهد في مزيد من امتلاك المعرفة والخبرة في التدبير لامتلاك مواقع النفوذ والحظوة.
وبحديثنا عن النقل من تراث الأقدمين، يجب ألا ننسى ذكر الخليفة عمر بن عبد العزيز، المتوفى سنة101ھ - 717م. فهو طلب من الطبيب اليهودي الفارسي الأصل، ماسرجويه، نقل «كناشا في الطب»، كان قد وضعه باليونانية القس أهرون الإسكندري. ناهيك بأن عمر بن عبد العزيز، كان قد وسع المجمع الطبي في أنطاكية، بأن استقدم إليه الأطباء من مدينة الإسكندرية، وأمرهم بنقل بعض المؤلفات الطبية إلى اللغة العربية.
إن الدولة الإسلامية الناشئة، لم تكن قادرة على الذهاب بعيدًا في شؤون المعمار، وبناء الحصون والمخازن، وشق الطرق، وتقنيات الري والزراعة والمحاسبة وغيرها، من دون سند خبرات شعوب الحضارات السابقة. فالتلاقح كان ضرورة سياسية وحضارية آنذاك. فالعلم والحكمة والطب ونظم التسيير والإدارة والعبارة المكتوبة، كانت أغنى عند غير العرب. يقول ابن خلدون في هذا الصدد: «فلذلك عندما تكون الدولة بدوية في أول أمرها، تفتقر في أمر البناء إلى غير قطرها، كما وقع للوليد بن عبد الملك، حين أجمع على بناء مسجد المدينة والقدس ومسجده بالشام، فبعث إلى ملك الروم بالقسطنطينية في الفعلة المهرة في البناء، فبعث إليه منهم من حصل له غرضه من تلك المساجد». بل يمكن القول إن هذا التمازج الحضاري جرى حتى قبل الأمويين، حيث نجد أن بناء مدينتي البصرة والكوفة جرى خلال حكم عمر بن الخطاب (ما بين 13 و23هـ/ 634 و644م)، بعون من خبرة الحضارات السابقة. وهما مدينتان غير بعيدتين عن جنديسابور الساسانية. وإذا كان أصلهما مستقرا للجيش الإسلامي زمن الغزوات، فإنهما سرعان ما تحولتا إلى مركزين حضريين، تتجمع فيهما المعارف، وتنتشر فيهما اللغات والمعتقدات الدينيّة والتيارات المذهبية، وتحل بهما أجناس كثيرة، مما عجل بالانصهار الحضاري. وأكيد أن الأمر سيؤدي إلى الترجمة بقوة الذوبان الثقافي آنذاك ولو شفويا، لأن كل ثقافة ستسعى للتعرف على الأخرى ضرورة.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).