تعثر الاتفاق الأميركي ـ الروسي حول سوريا.. والفصائل تدرس شروط وقف النار والمساعدات

واشنطن تتهم موسكو بالتراجع.. والمعارضة ترى في نجاحه عودة للمفاوضات

رجل يملأ البراميل بالأنقاض لحماية المحلات التجارية في بلدة دوما من القصف الذي يطال المنطقة المتاخمة لدمشق التي تسيطر عليها المعارضة (رويترز)
رجل يملأ البراميل بالأنقاض لحماية المحلات التجارية في بلدة دوما من القصف الذي يطال المنطقة المتاخمة لدمشق التي تسيطر عليها المعارضة (رويترز)
TT

تعثر الاتفاق الأميركي ـ الروسي حول سوريا.. والفصائل تدرس شروط وقف النار والمساعدات

رجل يملأ البراميل بالأنقاض لحماية المحلات التجارية في بلدة دوما من القصف الذي يطال المنطقة المتاخمة لدمشق التي تسيطر عليها المعارضة (رويترز)
رجل يملأ البراميل بالأنقاض لحماية المحلات التجارية في بلدة دوما من القصف الذي يطال المنطقة المتاخمة لدمشق التي تسيطر عليها المعارضة (رويترز)

تترقب المعارضة السورية نتائج المباحثات الروسية الأميركية حول الهدنة في حلب، في وقت حملت الساعات الأخيرة تراجعا لمنسوب التفاؤل الذي ساد في الأيام الماضية، وذلك بإعلان واشنطن فشل التوصل إلى اتفاق نهائي ملقية اللوم على موسكو التي قالت: إنها «تراجعت» بشأن بعض القضايا.
من جهته، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تحدث في اجتماع لزعماء البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا في شرق الصين، إن الصراع السوري يمكن أن يحل فقط بالسبل السياسية.
وكشفت مصادر في المعارضة السياسية لـ«الشرق الأوسط» أن فصائل المعارضة العسكرية تلقت رسالة من المبعوث الأميركي إلى سوريا مايكل راتني تتضمن بعض تفاصيل الاتفاق حول استعادة الهدنة في سوريا ولا سيما في حلب، مشيرة إلى أن أهم ما ارتكزت عليه هو إنشاء طريق إمداد شبه منزوع السلاح من المرجح أن يكون «طريق الكاستيلو»، والتوقف عن استهداف مناطق المعارضة والمدنيين، والالتزام بالهدنة، وعدم إعاقة دخول المساعدات الإنسانية.
وبحسب ما أفادت «وكالة رويترز» فإن رسالة راتني إلى المعارضة السورية المسلحة في تاريخ الثالث من سبتمبر (أيلول) أشارت إلى أن الاتفاق سيلزم روسيا بمنع طائرات النظام من قصف المناطق الواقعة تحت سيطرة التيار الرئيسي للمعارضة، وسيطالب بانسحاب قوات دمشق من طريق إمداد رئيسي شمالي حلب.
وأضافت الرسالة دون ذكر تفاصيل أنه في المقابل «ستنسق الولايات المتحدة مع روسيا ضد تنظيم القاعدة».
وقالت: إن المعارضين يجب أن يتعاونوا حتى يبدأ العمل بالاتفاق لكن يجري السعي للحصول على ضمانات بأن تحترم موسكو الاتفاق.
وأفادت رسالة راتني أن الاتفاق الجديد سيشمل «انسحاب القوات الحكومية من طريق إمداد رئيسي يقود إلى شرق المدينة الذي تسيطر عليه المعارضة والذي قطع في يوليو (تموز). ويمكن أن يتحول طريق الكاستيلو إلى منطقة منزوعة السلاح.
وفي وقت بدأت الفصائل بدرس بنود الاتفاق، تنتظر الهيئة العليا التفاوضية الإعلان الرسمي عنه والحصول على تفاصيله ليبنى على الشيء مقتضاه، وفق ما أكد كل من منذر ماخوس ورياض نعسان آغا، الناطقين باسم الهيئة لـ«الشرق الأوسط». وفيما قال آغا «ليست لدينا أي تفاصيل حول نقاط الخلاف بين موسكو وواشنطن التي أدت بالأخيرة إلى الإعلان عن التراجع الروسي في المباحثات الثنائية، أكّد ماخوس أن الهيئة «لن تعبّر عن أي موقف قبل الحصول على التفاصيل والتشاور بشأنها مع كل مكونات الهيئة، السياسية والعسكرية».
بدوره، قال هشام مروة، نائب رئيس الائتلاف السابق، والذي كان مشاركا في الجلسات التحضيرية لاجتماع الهيئة الأخير، أمس وأول من أمس: «إن هناك ضغطا أميركيا في اتجاه التوصل إلى اتفاق قريب، لكن المشكلة تبقى دائما في عدم الالتزام الروسي بالخطوات العملية، كالعادة»، مرجحا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يكون تراجع موسكو الذي أعلنت عنه واشنطن، له علاقة بمحاولات روسية ربط التنفيذ بأمور لا يمكن تحقيقها. وفيما رأى مروة أن إمكانية الإعلان عن الاتفاق النهائي هي 50 في المائة، أشار إلى أن الهدنة في حلب، إذا كتب لها النجاح، قد تؤدي إلى توسيع الدائرة نحو هدن مماثلة في مناطق سورية أخرى، مضيفا: «عندها من الممكن استئناف المفاوضات إذا زالت الأسباب التي أدت إلى تعليقها».
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما صرح في وقت سابق، يوم أمس، أن واشنطن تتفاوض مع روسيا حول وقف العنف في الحرب المدمرة في سوريا، مؤكدا أن الجانبين «يعملان على مدار الساعة» وأن هذه المسألة معقدة للغاية.
كما ذكرت وزارة الخارجية سابقا أن التوصل إلى اتفاق أصبح قريبا ويمكن أن يعلنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، الأحد، إلا أنها أقرت بعد ساعات بأنه لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وصرح مسؤول بارز في وزارة الخارجية «تراجع الروس عن بعض القضايا التي اعتقدنا أننا اتفقنا عليها، ولذلك سنعود إلى عواصمنا للتشاور».
وأضاف أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف سيلتقيان مجددا الاثنين (اليوم)، على هامش قمة مجموعة العشرين في مدينة هانغتشو الصينية.
وصرح كيري للصحافيين، أمس «سنراجع بعض الأفكار الليلة، ومن بينها مسألتان صعبتان، وسنعود ونرى أين وصلنا».
وأضاف: «لن نتسرع»، مؤكدا على أهمية التوصل إلى اتفاق «لإنهاء هذه المهمة». وأكد أنه لا تزال هناك «مشكلتان صعبتان» يجب معالجتهما، رافضا الكشف عن تفاصيل.
وفشلت جولات متتالية من المفاوضات الدولية في إنهاء النزاع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات وخلف أكثر من 290 ألف قتيل وشرد الملايين داخل البلاد وخارجها ما أدى إلى تدفق مئات عشرات الآلاف منهم إلى أوروبا.
وقال أوباما عقب لقائه رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي قبل قمة مجموعة العشرين «إن محاولة جمع كل هذه القوى المختلفة في هيكل متماسك للتفاوض، هو أمر صعب (..) ولكن محادثاتنا مع الروس مهمة».
وظهرت مسألة مدينة حلب التي تنقسم السيطرة عليها بين القوات الحكومية والفصائل المسلحة، كمسألة تثير القلق خاصة مع صدور دعوات ملحة بوقف إطلاق النار لتخفيف الكارثة الإنسانية. وتعتبر المحادثات في هانغتشو جولة جديدة من الجهود الدبلوماسية حول سوريا بعد أن أخفقت المفاوضات الماراثونية بين كيري ولافروف في جنيف في التوصل إلى نتيجة.
وحدد كيري بعد ذلك أولويتين لضمان استمرار وقف إطلاق النار إحداهما الرد على انتهاكات النظام السوري وضبط جبهة فتح الشام، (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة).
وقال كيري بهذا الصدد إن «النصرة هي القاعدة، ولا يمكن أن يخفي تغيير اسمها حقيقتها وما تحاول أن تفعله».
وفشلت اتفاقات وقف إطلاق نار سابقة، وقال أوباما، أمس، إن واشنطن تتعامل مع المحادثات «ببعض التشكيك (..) ولكن الأمر يستحق المحاولة». وأضاف: «حتى لو اقتصر الأمر على حصول الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء على الطعام والإمدادات الطبية التي تعينهم في رعب التفجيرات المستمرة، فإن الأمر يستحق العناء».
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها صدر، أمس، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بحث مع نظيره الأميركي جون كيري الخطوات التالية للحل في سوريا، وذلك خلال لقاء جمعهما في مدينة هانغتشو الصينية التي تستضيف قمة «مجموعة العشرين».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».