حركة «الشباب».. حلم السيطرة على شرق أفريقيا

لديها معسكرات تدريب في إريتريا وتمويلها من «القرصنة»

مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
TT

حركة «الشباب».. حلم السيطرة على شرق أفريقيا

مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)

وسط سيل من أسماء التنظيمات والحركات الإرهابية، تسعى حركة «شباب المجاهدين الصومالية»، للسيطرة على شرق أفريقيا عبر تمددها في الصومال وكينيا وتنزانيا، ولاستقطاب المزيد من المقاتلين لتوسيع دائرة عناصرها الإرهابية. وقال خبراء ومراقبون معنيون بشأن الحركات الإسلامية إنه «برغم بزوغ نجم الحركة قبل 9 أعوام؛ إلا أنها تنتهج نفس نهج «داعش» الإرهابي في السعي لتجنيد الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، مؤكدين أن الحركة تسعى بين الحين والآخر إلى إيجاد موقع لها على خريطة الإرهاب في أفريقيا، ولا سيما في شرق القارة، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدا من الجهود لمكافحتها والقضاء على طموحاتها ومساعيها.
تقرير مصري في السياق ذاته، أكد أن «للحركة معسكرات تدريب في إريتريا يخضع مقاتلوها فيها لدورات تدريبية، يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير، وتعتمد في جزء من تمويلها على عمليات القرصنة، وخطف بواخر مع طواقمها من المياه الإقليمية الصومالية». التقرير نفسه حذر من امتلاك الحركة أسلحة ثقيلة تصل لحد قذائف الهاون والصواريخ، وتظهر إعلاميا من خلال جناحها مؤسسة «الكتائب»، وتقوم بنشر حصاد عمليات الحركة شهريا. الخبراء من جانبهم، أكدوا أيضا أن «الحركة تحرم وتحظر لعب كرة القدم أو مشاهدتها وتمنع النغمات الموسيقية ومشاهدة الأفلام السينمائية، وتتشكل من مجلس الشورى، والجناح الدعوي، وجناح الحسبة، والجهاز العسكري».
يعود تأسيس حركة «الشباب الصومالية» إلى عام 2004، غير أن كثافة نشاطها وتداول اسمها في الإعلام يعود إلى عام 2007، وقد ظلت الحركة توصف في البداية بأنها الجناح العسكري للمحاكم الإسلامية، خصوصا في فترة استيلاء المحاكم على أكثرية أراضي جنوب الصومال في النصف الثاني من عام 2006.
غير أن هزيمة المحاكم أمام مسلحي الحكومة الصومالية المؤقتة المدعومة من طرف الجيش الإثيوبي وانسحاب قيادتها خارج الصومال، وتحالفها مع المعارضة الصومالية في مؤتمر «أسمرا» سبتمبر (أيلول) عام 2007، كانت سببا وراء انشقاق حركة الشباب الصومالية عن المحاكم، متهمة إياها بالتحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله.
وعن آيديولوجيا الحركة قال التقرير المصري، توصف حركة «الشباب الصومالية» بأنها حركة جهادية متمردة، وتزعم أنها تسعى إلى إقامة «الدولة الإسلامية – المزعزمة»، وقد أعلنت مرارا ولاءها لتنظيم القاعدة الإرهابي.
والمراقبون أكدوا أن الحركة عضو في التنظيمات الجهادية العالمية التي يوجد فيها مسلحون ليس في الصومال فقط؛ بل من دول عربية وإسلامية أخرى شتى. وعلى غرار ما يفعله تنظيم داعش الإرهابي تستغل حركة «الشباب الصومالية» شبكة الإنترنت لنشر رسائلها وبياناتها وتسجيلاتها على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك وتويتر»؛ بهدف الترويج لأفكار الحركة واستقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب للانضمام إلى صفوفها، وهو ما نجحت فيه الحركة جزئيا، ولولا ضعف الإمكانات الإلكترونية في أغلب دول القارة الأفريقية، لكان نتائج هذا الترويج أفضل من «داعش» – بحسب المراقبون.
من جانبهم، قال الخبراء إن الزعيم الحالي للحركة هو أحمد ديري أبو عبيدة، الذي خلف أحمد عبدي غودني الذي تزعم الحركة من 2008 إلى 2014، الشهير بالشيخ مختار عبد الرحمن أبو الزبير، قبل أن يلقى مصرعه في غارة أميركية سبتمبر 2014 جنوب الصومال.
وأكد الخبراء، أنه في عهد غودني وصلت الحركة إلى ذروة قوتها، حيث سيطرت على ثلاثة أرباع العاصمة مقديشو، وكادت تقضي على الحكومة الصومالية برئاسة شيخ شريف أحمد والمدعومة غربيا وأفريقيا، لولا انسحابها المفاجئ من العاصمة إثر ظهور خلافات بينه وبين المتحدث السابق باسم الحركة الشيخ مختار علي روبو أبو منصور، الذي انسحب بمعظم قواته من العاصمة، وانعزل عن الحركة إلى الآن ويعمل بشكل مستقل، وهو أكثر اعتدالا من القادة الآخرين.
وسبق أن نشرت الحركة صورا لمقاتليها أثناء تجمعهم في ساحة كبيرة يحملون السلاح، متوعدين من وصفوهم بـ«الطواغيت» بالتنكيل والذبح، كما نشروا صورا أثناء إقامة «الحد بالقتل» على ضابطين وصفوهما بـ«المرتدين».
الحركة التي تنتشر في مدينة «جنالي» جنوب الصومال، خططت للهجوم على شرق كينيا والسيطرة عليها، حيث نفذت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي هجوما موسعا في منطقة «ماجينقو»، بعدما نصب مقاتلوها كمينا لقافلة من الجيش الكيني في المنطقة الواقعة في مقاطعة لامو الساحلية في كينيا، حيث قتل أكثر من عشرة جنود كينيين وإصابة عدد آخر، وتدمير سيارتين عسكريتين.
وشنت الحركة هجمات كبيرة، أبرزها الهجوم على مركز «ويست جيت» التجاري في العاصمة نيروبي عام 2013؛ مما أسفر عن مقتل 67 شخصا، ويعتبر الهجوم الأكثر دموية على جامعة «جاريسا»، حيث قتل فيها قرابة 200 شخص، وقد نفذت هذه الجماعة عمليات إرهابية عدة وتفجيرات انتحارية بعد أن تم إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية عام 2008، أهمها مقتل وزير الداخلية الصومالي السابق عمر حاشي أدن في يونيو (حزيران) 2009.
ويرى مراقبون، أنه بعد القضاء على «المحاكم الإسلامية»، أصبحت حركة الشباب أقوى الفصائل الإسلامية المسلحة في الصومال، ويقدر عدد عناصرها بين 3 آلاف و7 آلاف عنصر.
وقال التقرير المصري: يعتقد أن لها معسكرات تدريب في إريتريا يخضع مقاتلوها فيها لدورات تدريبية، يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير، واستخدام الأسلحة الفردية والمدفعية. كما يتبع عناصر حركة «الشباب المجاهدين الصومالية» أساليب مشابهة لأساليب تنظيم القاعدة، من حيث العبوات الناسفة على الطرق، أو السيارات المفخخة، والعمليات الانتحارية، والقصف المدفعي.
وأضاف التقرير، أنه رغم تضييق الخناق على حركة الشباب المجاهدين الصومالية من قبل جهات عدة، مثل القوات التابعة للاتحاد الأفريقي «أميصوم» والقوات الكينية والصومالية والأوغندية؛ فإن الحركة تسعى بين الحين والآخر إلى إيجاد موقع لها على خريطة الإرهاب في أفريقيا، ولا سيما في شرق القارة، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الجهود لمكافحتها والقضاء على طموحاتها ومساعيها.
وعن علاقة الحركة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى، قال التقرير المصري، عُرفت حركة الشباب بولائها لتنظيم القاعدة منذ ظهورها على ساحة الجماعات الإرهابية، وهو ما أعلنته الحركة في أكثر من مناسبة؛ لكن مع ظهور «داعش» وجدت الحركة نفسها أمام تحد كبير بين الثبات على ولائها لـ«القاعدة» وبين إعلانها البيعة لـ«داعش» على غرار ما فعلته جماعات وتنظيمات أخرى مثل «بوكو حرام» النيجيرية التي بايعت «داعش»، ويقول الخبراء «هنا نشب الخلاف داخل الحركة بين مؤيد لمبايعة (داعش) ومعارض لذلك؛ الأمر الذي انتهي بظهور بعض الخلايا التي انشقت عن الحركة وبايعت (داعش)، كان أبرزها جماعة «جاهبا إيست أفريكا» التي بايعت أبو بكر البغدادي - زعيم التنظيم المزعوم».
وعن تطور العمليات التفجيرية للتنظيم بما يشبه «داعش»، قال الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، «قد بدا شكل التنظيم من الداخل موافقا لشكل تنظيم داعش، وبدا التنافس الجهادي؛ حيث تشهد الساحة الأفريقية مؤخرا حالة من التنافس الجهادي بين التنظيمات القاعدية، وعلى رأسها (شباب المجاهدين)، وبين التنظيمات الداعشية وعلى رأسها (بوكو حرام)، والعلاقة بين التنظيمات الجهادية علاقة تنافسية صراعية وليست علاقة تعاونية تكاملية، وقد بدأت (المظلة القاعدية) تتراجع لصالح (داعش)»، لافتا إلى أنه في الوقت الذي تتراجع فيه قوة حركة «شباب المجاهدين»، تزداد يوما بعد يوم قوة «بوكو حرام»؛ وهذا تقريبا ما دفع الحركة إلى القيام بعمليات كبيرة، في محاولة لإثبات أن لديها القدرة على تحقيق إنجازات خارج حدود بلادها، تجعلها تنظيما (عابرا للحدود)، قادرا على خلق حالة من التوازن الجهادي في المنطقة.
في غضون ذلك، وعن الدعم المادي للحركة، أكد التقرير المصري أنها تعتمد في جزء من تمويلها على عمليات القرصنة، وخطف بواخر مع طواقمها من المياه الإقليمية الصومالية، أو المياه الدولية المقابلة للسواحل الصومالية وتستبدلها بمبالغ مالية ضخمة، ومما يظهر حجم التمويل الذي تعتمد عليه الحركة امتلاكها أسلحة ثقيلة تصل لحد قذائف الهاون والصواريخ أحيانا، وأيضا ظهورها على ساحة الإعلام الإلكتروني من خلال مؤسسة «الكتائب» الجناح الإعلامي للحركة التي تقوم بنشر البيانات الصادرة عن الحركة، وكذا حصاد عمليات الحركة شهريا عبر مواقع متعددة، مما يشير إلى قوة الحركة رغم جهود المكافحة المبذولة من قبل قوات الجيش الصومالي وقوات الاتحاد الأفريقي؛ إلا أنها لا تزال قادرة على المقاومة والظهور بين الحين والآخر من خلال عمليات تتنوع بين أهداف عسكرية صومالية.
وكان أول ظهور علني لاسم حركة «الشباب المجاهدين» إبان سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو ومعظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وكان للشباب المجاهدين نفوذ قوي في المحاكم الإسلامية، حيث كان معظم الميليشيات المسلحة التابعة للمحاكم الإسلامية تحت قيادات عسكرية من الشباب المجاهدين، وقال الدكتور محمد، إنه عقب هزيمة المحاكم الإسلامية أمام جيش الحكومة الصومالية المؤقتة والتي تدعم من طرف الجيش الإثيوبي، انسحبت قيادتها خارج الصومال، وانشقت جماعة أخرى أطلقت على نفسها حركة «الشباب الصومالية»، وكان قائدها عبد الله سودي ووجهت له تهم عدة، من أبرزها التحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله، وكان بين أهدافها المعلنة محاربة ما أسمته «الاحتلال الإثيوبي».
وأكد التقرير المصري، أن جماعات التطرف والإرهاب في العالم باتت تمثل خطرا داهما على اختلاف مواقعها وتفاوت موازين القوى فيما بينها، وليس من المقبول أن ينصب التركيز حول تنظيم بعينه مهما بلغت خطورته مثل «داعش»؛ بل ينبغي أن تكون المواجهة شاملة لكل التنظيمات، وهي في الأساس مواجهة فكر قبل أن تكون مواجهة عسكرية؛ إذ الأمر ليس قاصرا على عدد من الجماعات والتنظيمات التي إذا تم القضاء عليها فسيكون العالم قد تخلص من هذا الوباء اللعين؛ بل إن الأزمة في حقيقتها هي أزمة فكر وليست مجرد أعمال إجرامية يقوم بها مجموعة ممن فقدوا صوابهم؛ الأمر الذي يحتم أن تتم المواجهة في الأساس على معالجة الفكر وليس ما ينتج منه.
وطالب التقرير المصري بمعالجة هذا الفكر، ليس فقط لدى المنضمين إلى تلك الجماعات؛ بل يعمل أيضا على تحصين الشباب من أن تصيبهم لعنة هذه الأفكار؛ فما هؤلاء الشباب المنضم لهذه الجماعات إلا فريسة أفكار خبيثة زينت لهم قتل الأبرياء، وصورته على أنه جهاد في سبيل الله، وأن الموت من أجله شهادة ينالون بها جنة الله ونعيمه المقيم.
وعن شكل التنظيم، قال الدكتور محمد «يتكون من مجلس الشورى وهو يقوم بالدور نفسه الذي كان يقوم بها اتحاد المحاكم الإسلامية إلى حد كبير، ورئيسه أمير الحركة، والجناح الدعوي ومهمته نشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة؛ لكنه في الأساس يستخدم لاستقطاب عناصر وتجنيد شباب ومقاتلين جدد، وجناح الحسبة وهي نوع من الشرطة الدينية المسؤولة على ضمان احترام التعاليم والأحكام والأعراف الإسلامية، والجهاز العسكري، وهو المسؤول عن التدريب ومعسكرات التدريب والتسليح والتخطيط والتنفيذ ضد الأهداف النوعية المحددة للحركة داخل وخارج الصومال».
وعن طرق تجنيد الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قال محمد «عن طريق الإغراءات المالية؛ نظرا لضيق الأحوال المادية للشباب، فنجد أن هؤلاء يغرون الشباب بالمقابل المادي ويكون بالعملة الصعبة الدولار أو اليورو، فيضطر الشباب الذي انغمس في البطالة للقبول، خصوصا الدول الفقيرة، والإغراءات الجنسية فيما يتعلق بسبي النساء لاعتبارهم أن جميع من ينكر عليهم أفعالهم كفار يجب عليهم قتلهم وسبي نسائهم، وأيضا نكاح الجهاد عندهم، فضلا عن وهم الشهادة فينعقون بهذا في آذان الشباب من سيموت منكم سيكون شهيدا، ومن المعلوم أن الشهادة هي غاية الجميع، فينزح الشباب إليهم».
مضيفا: أن «الحركة تحرم وتحظر لعب كرة القدم أو مشاهدتها، وتمنع النغمات الموسيقية ومشاهدة الأفلام السينمائية، كما قامت بإعدام أو جلد أو بتر أطراف الكثيرين عبر جيش الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي استحدثته لهذا الغرض».



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».