حركة «الشباب».. حلم السيطرة على شرق أفريقيا

لديها معسكرات تدريب في إريتريا وتمويلها من «القرصنة»

مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
TT

حركة «الشباب».. حلم السيطرة على شرق أفريقيا

مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)

وسط سيل من أسماء التنظيمات والحركات الإرهابية، تسعى حركة «شباب المجاهدين الصومالية»، للسيطرة على شرق أفريقيا عبر تمددها في الصومال وكينيا وتنزانيا، ولاستقطاب المزيد من المقاتلين لتوسيع دائرة عناصرها الإرهابية. وقال خبراء ومراقبون معنيون بشأن الحركات الإسلامية إنه «برغم بزوغ نجم الحركة قبل 9 أعوام؛ إلا أنها تنتهج نفس نهج «داعش» الإرهابي في السعي لتجنيد الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، مؤكدين أن الحركة تسعى بين الحين والآخر إلى إيجاد موقع لها على خريطة الإرهاب في أفريقيا، ولا سيما في شرق القارة، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدا من الجهود لمكافحتها والقضاء على طموحاتها ومساعيها.
تقرير مصري في السياق ذاته، أكد أن «للحركة معسكرات تدريب في إريتريا يخضع مقاتلوها فيها لدورات تدريبية، يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير، وتعتمد في جزء من تمويلها على عمليات القرصنة، وخطف بواخر مع طواقمها من المياه الإقليمية الصومالية». التقرير نفسه حذر من امتلاك الحركة أسلحة ثقيلة تصل لحد قذائف الهاون والصواريخ، وتظهر إعلاميا من خلال جناحها مؤسسة «الكتائب»، وتقوم بنشر حصاد عمليات الحركة شهريا. الخبراء من جانبهم، أكدوا أيضا أن «الحركة تحرم وتحظر لعب كرة القدم أو مشاهدتها وتمنع النغمات الموسيقية ومشاهدة الأفلام السينمائية، وتتشكل من مجلس الشورى، والجناح الدعوي، وجناح الحسبة، والجهاز العسكري».
يعود تأسيس حركة «الشباب الصومالية» إلى عام 2004، غير أن كثافة نشاطها وتداول اسمها في الإعلام يعود إلى عام 2007، وقد ظلت الحركة توصف في البداية بأنها الجناح العسكري للمحاكم الإسلامية، خصوصا في فترة استيلاء المحاكم على أكثرية أراضي جنوب الصومال في النصف الثاني من عام 2006.
غير أن هزيمة المحاكم أمام مسلحي الحكومة الصومالية المؤقتة المدعومة من طرف الجيش الإثيوبي وانسحاب قيادتها خارج الصومال، وتحالفها مع المعارضة الصومالية في مؤتمر «أسمرا» سبتمبر (أيلول) عام 2007، كانت سببا وراء انشقاق حركة الشباب الصومالية عن المحاكم، متهمة إياها بالتحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله.
وعن آيديولوجيا الحركة قال التقرير المصري، توصف حركة «الشباب الصومالية» بأنها حركة جهادية متمردة، وتزعم أنها تسعى إلى إقامة «الدولة الإسلامية – المزعزمة»، وقد أعلنت مرارا ولاءها لتنظيم القاعدة الإرهابي.
والمراقبون أكدوا أن الحركة عضو في التنظيمات الجهادية العالمية التي يوجد فيها مسلحون ليس في الصومال فقط؛ بل من دول عربية وإسلامية أخرى شتى. وعلى غرار ما يفعله تنظيم داعش الإرهابي تستغل حركة «الشباب الصومالية» شبكة الإنترنت لنشر رسائلها وبياناتها وتسجيلاتها على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك وتويتر»؛ بهدف الترويج لأفكار الحركة واستقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب للانضمام إلى صفوفها، وهو ما نجحت فيه الحركة جزئيا، ولولا ضعف الإمكانات الإلكترونية في أغلب دول القارة الأفريقية، لكان نتائج هذا الترويج أفضل من «داعش» – بحسب المراقبون.
من جانبهم، قال الخبراء إن الزعيم الحالي للحركة هو أحمد ديري أبو عبيدة، الذي خلف أحمد عبدي غودني الذي تزعم الحركة من 2008 إلى 2014، الشهير بالشيخ مختار عبد الرحمن أبو الزبير، قبل أن يلقى مصرعه في غارة أميركية سبتمبر 2014 جنوب الصومال.
وأكد الخبراء، أنه في عهد غودني وصلت الحركة إلى ذروة قوتها، حيث سيطرت على ثلاثة أرباع العاصمة مقديشو، وكادت تقضي على الحكومة الصومالية برئاسة شيخ شريف أحمد والمدعومة غربيا وأفريقيا، لولا انسحابها المفاجئ من العاصمة إثر ظهور خلافات بينه وبين المتحدث السابق باسم الحركة الشيخ مختار علي روبو أبو منصور، الذي انسحب بمعظم قواته من العاصمة، وانعزل عن الحركة إلى الآن ويعمل بشكل مستقل، وهو أكثر اعتدالا من القادة الآخرين.
وسبق أن نشرت الحركة صورا لمقاتليها أثناء تجمعهم في ساحة كبيرة يحملون السلاح، متوعدين من وصفوهم بـ«الطواغيت» بالتنكيل والذبح، كما نشروا صورا أثناء إقامة «الحد بالقتل» على ضابطين وصفوهما بـ«المرتدين».
الحركة التي تنتشر في مدينة «جنالي» جنوب الصومال، خططت للهجوم على شرق كينيا والسيطرة عليها، حيث نفذت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي هجوما موسعا في منطقة «ماجينقو»، بعدما نصب مقاتلوها كمينا لقافلة من الجيش الكيني في المنطقة الواقعة في مقاطعة لامو الساحلية في كينيا، حيث قتل أكثر من عشرة جنود كينيين وإصابة عدد آخر، وتدمير سيارتين عسكريتين.
وشنت الحركة هجمات كبيرة، أبرزها الهجوم على مركز «ويست جيت» التجاري في العاصمة نيروبي عام 2013؛ مما أسفر عن مقتل 67 شخصا، ويعتبر الهجوم الأكثر دموية على جامعة «جاريسا»، حيث قتل فيها قرابة 200 شخص، وقد نفذت هذه الجماعة عمليات إرهابية عدة وتفجيرات انتحارية بعد أن تم إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية عام 2008، أهمها مقتل وزير الداخلية الصومالي السابق عمر حاشي أدن في يونيو (حزيران) 2009.
ويرى مراقبون، أنه بعد القضاء على «المحاكم الإسلامية»، أصبحت حركة الشباب أقوى الفصائل الإسلامية المسلحة في الصومال، ويقدر عدد عناصرها بين 3 آلاف و7 آلاف عنصر.
وقال التقرير المصري: يعتقد أن لها معسكرات تدريب في إريتريا يخضع مقاتلوها فيها لدورات تدريبية، يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير، واستخدام الأسلحة الفردية والمدفعية. كما يتبع عناصر حركة «الشباب المجاهدين الصومالية» أساليب مشابهة لأساليب تنظيم القاعدة، من حيث العبوات الناسفة على الطرق، أو السيارات المفخخة، والعمليات الانتحارية، والقصف المدفعي.
وأضاف التقرير، أنه رغم تضييق الخناق على حركة الشباب المجاهدين الصومالية من قبل جهات عدة، مثل القوات التابعة للاتحاد الأفريقي «أميصوم» والقوات الكينية والصومالية والأوغندية؛ فإن الحركة تسعى بين الحين والآخر إلى إيجاد موقع لها على خريطة الإرهاب في أفريقيا، ولا سيما في شرق القارة، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الجهود لمكافحتها والقضاء على طموحاتها ومساعيها.
وعن علاقة الحركة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى، قال التقرير المصري، عُرفت حركة الشباب بولائها لتنظيم القاعدة منذ ظهورها على ساحة الجماعات الإرهابية، وهو ما أعلنته الحركة في أكثر من مناسبة؛ لكن مع ظهور «داعش» وجدت الحركة نفسها أمام تحد كبير بين الثبات على ولائها لـ«القاعدة» وبين إعلانها البيعة لـ«داعش» على غرار ما فعلته جماعات وتنظيمات أخرى مثل «بوكو حرام» النيجيرية التي بايعت «داعش»، ويقول الخبراء «هنا نشب الخلاف داخل الحركة بين مؤيد لمبايعة (داعش) ومعارض لذلك؛ الأمر الذي انتهي بظهور بعض الخلايا التي انشقت عن الحركة وبايعت (داعش)، كان أبرزها جماعة «جاهبا إيست أفريكا» التي بايعت أبو بكر البغدادي - زعيم التنظيم المزعوم».
وعن تطور العمليات التفجيرية للتنظيم بما يشبه «داعش»، قال الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، «قد بدا شكل التنظيم من الداخل موافقا لشكل تنظيم داعش، وبدا التنافس الجهادي؛ حيث تشهد الساحة الأفريقية مؤخرا حالة من التنافس الجهادي بين التنظيمات القاعدية، وعلى رأسها (شباب المجاهدين)، وبين التنظيمات الداعشية وعلى رأسها (بوكو حرام)، والعلاقة بين التنظيمات الجهادية علاقة تنافسية صراعية وليست علاقة تعاونية تكاملية، وقد بدأت (المظلة القاعدية) تتراجع لصالح (داعش)»، لافتا إلى أنه في الوقت الذي تتراجع فيه قوة حركة «شباب المجاهدين»، تزداد يوما بعد يوم قوة «بوكو حرام»؛ وهذا تقريبا ما دفع الحركة إلى القيام بعمليات كبيرة، في محاولة لإثبات أن لديها القدرة على تحقيق إنجازات خارج حدود بلادها، تجعلها تنظيما (عابرا للحدود)، قادرا على خلق حالة من التوازن الجهادي في المنطقة.
في غضون ذلك، وعن الدعم المادي للحركة، أكد التقرير المصري أنها تعتمد في جزء من تمويلها على عمليات القرصنة، وخطف بواخر مع طواقمها من المياه الإقليمية الصومالية، أو المياه الدولية المقابلة للسواحل الصومالية وتستبدلها بمبالغ مالية ضخمة، ومما يظهر حجم التمويل الذي تعتمد عليه الحركة امتلاكها أسلحة ثقيلة تصل لحد قذائف الهاون والصواريخ أحيانا، وأيضا ظهورها على ساحة الإعلام الإلكتروني من خلال مؤسسة «الكتائب» الجناح الإعلامي للحركة التي تقوم بنشر البيانات الصادرة عن الحركة، وكذا حصاد عمليات الحركة شهريا عبر مواقع متعددة، مما يشير إلى قوة الحركة رغم جهود المكافحة المبذولة من قبل قوات الجيش الصومالي وقوات الاتحاد الأفريقي؛ إلا أنها لا تزال قادرة على المقاومة والظهور بين الحين والآخر من خلال عمليات تتنوع بين أهداف عسكرية صومالية.
وكان أول ظهور علني لاسم حركة «الشباب المجاهدين» إبان سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو ومعظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وكان للشباب المجاهدين نفوذ قوي في المحاكم الإسلامية، حيث كان معظم الميليشيات المسلحة التابعة للمحاكم الإسلامية تحت قيادات عسكرية من الشباب المجاهدين، وقال الدكتور محمد، إنه عقب هزيمة المحاكم الإسلامية أمام جيش الحكومة الصومالية المؤقتة والتي تدعم من طرف الجيش الإثيوبي، انسحبت قيادتها خارج الصومال، وانشقت جماعة أخرى أطلقت على نفسها حركة «الشباب الصومالية»، وكان قائدها عبد الله سودي ووجهت له تهم عدة، من أبرزها التحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله، وكان بين أهدافها المعلنة محاربة ما أسمته «الاحتلال الإثيوبي».
وأكد التقرير المصري، أن جماعات التطرف والإرهاب في العالم باتت تمثل خطرا داهما على اختلاف مواقعها وتفاوت موازين القوى فيما بينها، وليس من المقبول أن ينصب التركيز حول تنظيم بعينه مهما بلغت خطورته مثل «داعش»؛ بل ينبغي أن تكون المواجهة شاملة لكل التنظيمات، وهي في الأساس مواجهة فكر قبل أن تكون مواجهة عسكرية؛ إذ الأمر ليس قاصرا على عدد من الجماعات والتنظيمات التي إذا تم القضاء عليها فسيكون العالم قد تخلص من هذا الوباء اللعين؛ بل إن الأزمة في حقيقتها هي أزمة فكر وليست مجرد أعمال إجرامية يقوم بها مجموعة ممن فقدوا صوابهم؛ الأمر الذي يحتم أن تتم المواجهة في الأساس على معالجة الفكر وليس ما ينتج منه.
وطالب التقرير المصري بمعالجة هذا الفكر، ليس فقط لدى المنضمين إلى تلك الجماعات؛ بل يعمل أيضا على تحصين الشباب من أن تصيبهم لعنة هذه الأفكار؛ فما هؤلاء الشباب المنضم لهذه الجماعات إلا فريسة أفكار خبيثة زينت لهم قتل الأبرياء، وصورته على أنه جهاد في سبيل الله، وأن الموت من أجله شهادة ينالون بها جنة الله ونعيمه المقيم.
وعن شكل التنظيم، قال الدكتور محمد «يتكون من مجلس الشورى وهو يقوم بالدور نفسه الذي كان يقوم بها اتحاد المحاكم الإسلامية إلى حد كبير، ورئيسه أمير الحركة، والجناح الدعوي ومهمته نشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة؛ لكنه في الأساس يستخدم لاستقطاب عناصر وتجنيد شباب ومقاتلين جدد، وجناح الحسبة وهي نوع من الشرطة الدينية المسؤولة على ضمان احترام التعاليم والأحكام والأعراف الإسلامية، والجهاز العسكري، وهو المسؤول عن التدريب ومعسكرات التدريب والتسليح والتخطيط والتنفيذ ضد الأهداف النوعية المحددة للحركة داخل وخارج الصومال».
وعن طرق تجنيد الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قال محمد «عن طريق الإغراءات المالية؛ نظرا لضيق الأحوال المادية للشباب، فنجد أن هؤلاء يغرون الشباب بالمقابل المادي ويكون بالعملة الصعبة الدولار أو اليورو، فيضطر الشباب الذي انغمس في البطالة للقبول، خصوصا الدول الفقيرة، والإغراءات الجنسية فيما يتعلق بسبي النساء لاعتبارهم أن جميع من ينكر عليهم أفعالهم كفار يجب عليهم قتلهم وسبي نسائهم، وأيضا نكاح الجهاد عندهم، فضلا عن وهم الشهادة فينعقون بهذا في آذان الشباب من سيموت منكم سيكون شهيدا، ومن المعلوم أن الشهادة هي غاية الجميع، فينزح الشباب إليهم».
مضيفا: أن «الحركة تحرم وتحظر لعب كرة القدم أو مشاهدتها، وتمنع النغمات الموسيقية ومشاهدة الأفلام السينمائية، كما قامت بإعدام أو جلد أو بتر أطراف الكثيرين عبر جيش الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي استحدثته لهذا الغرض».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».