كيف تستفيد روسيا من كشف جوليان أسانغ لأسرار الغرب؟

من الواضح أن الرجل لا يزال لديه كثير من الأسرار

اسانغ كشف عن كم هائل من الاتصالات الحكومية الأميركية السرية ({الشرق الأوسط})
اسانغ كشف عن كم هائل من الاتصالات الحكومية الأميركية السرية ({الشرق الأوسط})
TT

كيف تستفيد روسيا من كشف جوليان أسانغ لأسرار الغرب؟

اسانغ كشف عن كم هائل من الاتصالات الحكومية الأميركية السرية ({الشرق الأوسط})
اسانغ كشف عن كم هائل من الاتصالات الحكومية الأميركية السرية ({الشرق الأوسط})

كان جوليان أسانغ في هيئة تعليمية كلاسيكية، متحدثا بحزم واهتمام حول الموضوع الذي يستحوذ على عقله وتفكيره - غدر الحكومات الكبيرة وخصوصا حكومة الولايات المتحدة الأميركية.
ظهر السيد أسانغ، محرر موقع ويكيليكس، على مسرح الأحداث العالمية في عام 2010 إثر الإفصاح عن كم هائل من الاتصالات الحكومية الأميركية السرية والتي كشفت عن مكنونات الحرب الأميركية في أفغانستان والعراق، ومناوراتها الدبلوماسية - الساخرة في بعض الأحيان - في جميع أنحاء العالم. ولكن في مقابلة تلفزيونية أجريت في سبتمبر (أيلول) الماضي، كان من الواضح أن الرجل لا يزال لديه كثير ليفصح عنه حول «العالم وفقا للإمبراطورية الأميركية»، وهو العنوان الفرعي لكتابه الأخير: «ملفات ويكيليكس».
ومن خلف الأسوار الضيقة لسفارة الإكوادور في لندن، حيث تم منحه حق اللجوء السياسي قبل أربع سنوات في خضم المأزق القانوني الذي يعاني منه، قدم السيد أسانغ رؤيته عن الولايات المتحدة بأنها فتوة كبير: الأمة التي حققت القوة الإمبريالية عن طريق إعلان الولاء لمبادئ حقوق الإنسان في حين أنها تنشر أذرع أجهزة استخباراتها العسكرية في شكل «الكماشة» لإجبار الدول على الخضوع والإذعان لمطالبها، ومعاقبة الناس من أمثاله الذين يجرؤون على الإفصاح عن الحقيقة.
ومن الأمور الغائبة عن تحليل السيد أسانغ، برغم ذلك، كان انتقاد القوة العالمية الأخرى المسماة روسيا، أو رئيسها فلاديمير بوتين، الذي لا يكاد يرقى إلى مثل الشفافية العليا التي تتمتع بها وثائق ويكيليكس. كانت الحكومة الروسية تشن حملات شديدة القسوة والصرامة على المعارضين - من حيث التجسس عليهم، وسجنهم، وتلفيق التهم الجنائية، وفي بعض الأحيان اغتيال المعارضين في الوقت الذي تعزز من قبضتها المحكمة على وسائل الإعلام المحلية وشبكة الإنترنت. وإذا كان السيد أسانغ يقدر أو لعله يفضل اللمحة الساخرة للحظة الراهنة، حيث تعمد شجب الرقابة على وسائل الإعلام في مقابلة مع قناة روسيا اليوم، القناة الروسية الناطقة باللغة الإنجليزية والخاضعة تماما لسلطان الكرملين الروسي - فإن شجبه ذلك لا يحمل القدر المطلوب من الوضوح أو التأييد.
والآن، يعود أسانغ وموقعه ويكيليكس إلى دائرة الضوء مرة أخرى، مسببين القلق والتوتر الكبير للمشهد الجيو - سياسي العالمي من خلال المزيد من الإفصاحات الجديدة مع وعود بمزيد في المستقبل.
وفي شهر يوليو (تموز)، أصدرت المنظمة ما يقرب من 20 ألف رسالة بريد إلكتروني للجنة الوطنية الديمقراطية مما يشير إلى أن الحزب كان قد تآمر مع حملة السيدة هيلاري كلينتون الانتخابية للإطاحة بمنافسها الرئيسي السيناتور بيرني ساندرز. ولقد تعهد السيد أسانغ - الذي كان ينتقد السيدة كلينتون علانية - بمزيد من الإفصاحات التي من شأنها أن تغير تماما من حملتها الحالية ضد المرشح الجمهوري دونالد ترامب. وعلى صعيد منفصل، أعلن موقع ويكيليكس أنه سوف يصدر في وقت قريب بعضا من جواهر تاج الاستخبارات الأميركية: وهي مجموعة «لم تنشر من قبل» لرموز التجسس الإلكتروني.
يقول المسؤولون الأميركيون إنهم يعتقدون بدرجة عالية من الثقة أن مواد الحزب الديمقراطي تعرضت للاختراق من قبل الحكومة الروسية، ويشتبهون في أن الرموز المشار إليها قد تعرضت للسرقة بواسطة الروس أيضا. ويثير هذا الأمر تساؤلا مهما: هل تحول موقع ويكيليكس إلى آلة غسيل للمواد التي يعكف على جمعها الجواسيس الروس؟ وبصورة أكثر توسعا، ما هي على وجه التحديد العلاقة الرابطة بين السيد أسانغ وحكومة الرئيس الروسي؟
ولقد أصبحت هذه التساؤلات أكثر بروزا وتحديدا في معرض المكانة البارزة التي تحتلها روسيا في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية. فالسيد بوتين الذي اصطدم مرارا وتكرارا مع السيدة كلينتون عندما كانت تشغل منصب وزيرة خارجية الولايات المتحدة، كان قد أشاد علانية بالسيد ترامب، والذي رد الجميل داعيا بمزيد من العلاقات الوثيقة مع روسيا ومتحدثا بصورة إيجابية حول ضم السيد بوتين لشبه جزيرة القرم. ومن بداية ظهور موقع ويكيليكس، قال السيد أسانغ إنه يعمل بدافع الرغبة في استخدام «التشفير من أجل حماية حقوق الإنسان»، وسوف يركز عمله وجهوده على الحكومات السلطوية مثالا بروسيا.
ولكن بحثا أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» حول أنشطة موقع ويكيليكس خلال سنوات السيد أسانغ في المنفى خلص إلى العثور على نمط مختلف: سواء عن طريق الاقتناع أو الملائمة أو المصادفة فإن الكشف عن وثائق ويكيليكس، إلى جانب اثير من بيانات السيد أسانغ نفسه، كان يصب في مصلحة روسيا على حساب الغرب.
وهناك إجماع يتشكل بين مسؤولي الولايات المتحدة بأنه ليست هناك علاقة مباشرة تربط السيد أسانغ وموقع ويكيليكس بأجهزة الاستخبارات الروسية. ولكنهم يقولون في الوقت نفسه إن، وعلى الأقل في حالة رسائل البريد الإلكترونية الخاصة بالديمقراطيين، موسكو متعاطفة بدرجة ما مع ما ينشره موقع ويكيليكس، حيث يمكن لحفنة من الوسطاء المجهولين إسقاط كم معقول من الوثائق المسروقة في البريد الرقمي الوارد إلى عنوان المجموعة.
وفي مقابلة أجرتها صحيفة «التايمز» الأربعاء الماضي مع السيد أسانغ قال فيها إن السيدة كلينتون والديمقراطيين كانوا «ينشرون موجة جديدة من المكارثية الفوضوية حول روسيا». وليس هناك من دليل دامغ على أن ما ينشره موقع ويكيليكس يعود بمصادره إلى أجهزة الاستخبارات، كما يقول، حتى مع الإشارة إلى أنه سوف يقبل مثل تلك المواد بمنتهى السرور.
ولا يستهدف موقع ويكيليكس ولا يستثني أي دولة بعينها، كما أضاف السيد أسانغ، ولكنه يعمل بدلا من ذلك على التحقق من المواد كافة التي يطرحها في المجال العام من أجل خدمة الجماهير والصالح العام، والذين يحبون كثيرا معرفة لمحات عن ماكينة الفساد الجبارة التي تحاول جهدها بسط سيطرتها عليهم. ولكن بالنظر إلى المصادر المحدودة لدى موقع ويكيليكس وعقبات الترجمة الكبيرة التي يواجهها الموقع، كما يقول السيد أسانغ، فلماذا ينصب التركيز على روسيا بمفردها، والتي وصفها بقوله: «اللاعب الهامشي على المسرح العالمي»، عند مقارنتها بدول مثل الصين والولايات المتحدة؟ وعلى أي حال، كما استطرد يقول، فإن فساد الكرملين من القصص القديمة، وإن كل رجل وكلبه ينتقدون روسيا الآن، وإنه لأمر يبعث على الضجر، أليس كذلك؟
ولقد نجح موقع ويكيليكس على بعض الجبهات وبشكل مذهل منذ نشأته وحتى الآن، حيث عمل على الكشف عن عمليات القتل العشوائية، والنفاق السياسي، والفساد الاقتصادي، وساعد في إذكاء شرارة ثورات الربيع العربي.
*خدمة: «نيويورك تايمز»



تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».