«الاستثناء التونسي» والفرصة الأخيرة

حرب ليبيا والتهريب والإضرابات أولويات حكومة «الوحدة الوطنية» الجديدة

رئيس الوزراء التونسي الجديد يوسف الشاهد يصل لأول اجتماع للحكومة في قصر قرطاج في العاصمة (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التونسي الجديد يوسف الشاهد يصل لأول اجتماع للحكومة في قصر قرطاج في العاصمة (أ.ف.ب)
TT

«الاستثناء التونسي» والفرصة الأخيرة

رئيس الوزراء التونسي الجديد يوسف الشاهد يصل لأول اجتماع للحكومة في قصر قرطاج في العاصمة (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التونسي الجديد يوسف الشاهد يصل لأول اجتماع للحكومة في قصر قرطاج في العاصمة (أ.ف.ب)

خلافا لما ورد في أغلب التقارير الإعلامية، نجح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وشركاؤه في الأحزاب والنقابات الكبرى في إنجاح مبادرته السياسية التي أعلن عنها قبل 3 أشهر التي دعا فيها إلى تشكيل حكومة «وحدة وطنية» تذكر بالحكومات الأولى التي شكلها الحبيب بورقيبة زعيم تونس الراحل بعد الاستقلال عن فرنسا. وخلافا لتوقعات المتشائمين والمعارضين اليساريين والنقابيين صوت لصالح هذه الحكومة ثلاثة أعضاء البرلمان بينهم نواب يمثلون أحزابا رفضت المشاركة في تشكيلتها.
وخلافا لتشكيلة الحكومات السابقة عُين على رأس هذه الحكومة وزير شاب في الأربعين من عمره ينتمي إلى حزب الرئيس، كما اختارت الأحزاب لتمثيلها فيها سياسيين من بين «المعتدلين» الذين لم يكونوا طرفا في الصراعات الآيديولوجية والسياسية وأعمال العنف التي شهدتها البلاد في العقود الماضية. فهل تنجح هذه الحكومة في تحقيق الأهداف التي تشكلت من أجلها وعلى رأسها معالجة ملفات الإرهاب ومضاعفات الحرب مع ليبيا واستفحال العجز التجاري وعجز كبرى المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التابعة للدولة؟ وهل تنجح تونس - من خلال حكومة يوسف الشاهد في إثبات صواب «النموذج التونسي للانتقال الديمقراطي السلمي وللتوافق بين الليبراليين واليساريين المعتدلين والإسلاميين الديمقراطيين» أم يحصل العكس؟

تتباين المواقف والتقديرات في صفوف المراقبين والباحثين التونسيين هذه الأيام بين متفائل ومتشائم ومتعامل بحذر مع «الطبخة التونسية الجديدة».
ولعل من أبرز مفارقات هذه الحكومة، التي هي التاسعة منذ انفجار «الربيع العربي»، أن بعض منتقديها والمتخوفين من إخفاقها ينتمون إلى قيادات النقابات والأحزاب المشاركة في تشكيلتها.
لكن حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحزب «نداء تونس»، ونور الدين البحيري، نائب رئيس حزب «حركة النهضة» الإسلامي ورئيس كتلته في البرلمان، يؤكدان مع عدد آخر من الساسة والنقابيين وزعماء الأحزاب الصبغة التاريخية للتحالف الحكومي الجديد الذي ضم لأول مرة ليبراليين وشخصيات من نظام زين العابدين بن علي ورموزا من التيارات اليسارية والنقابية «المتشددة» وقيادات من تيار «المسلمين الديمقراطيين» من خريجي الجامعات الأوروبية والأميركية.
* ورقة رابحة؟
ويفتخر يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الجديدة، بكونه نجح في الحصول على ثقة البرلمان في فريق يضم لأول مرة زعماء نقابيين بارزين بينهم الوزراء الجدد للشؤون الاجتماعية والوظيفة العمومية والتربية والتعليم والزراعة، وهم على التوالي محمد الطرابلسي وعبيد البريكي وناجي جلول وسمير الطيب. كما يفتخر رئيس كتلة حزب «نداء تونس» في البرلمان سفيان طوبال بكون رئيس الحكومة الجديد ينتمي بوضوح للقيادة العليا لحزبه، الذي كان الفائز بالمرتبة الأولى في انتخابات 2014. خلافا لسلفه الحبيب الصيد الذي كان يصنف «مستقلا» رغم أنه كان وزيرا للداخلية في حكومة الباجي قائد السبسي الأولى عام 2011. وينوه قياديون في الحزب نفسه بكون نوابه الـ67 والمنشقين عنه الـ22 دعموا سياسيا رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد، بما حسن موقعه التفاوضي مع منافسيهم الرئيسيين نواب «حركة النهضة»، وفي المقابل حسنت «الحركة» حجم تمثيلها في التشكيلة الجديدة «لكنها بقيت في الصف الثاني بعد حزب قائد السبسي رغم كونها أصبحت صاحبة الكتلة الأكبر في البرلمان بـ69 مقعدا»، على حد تعبير الأكاديمي والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي.
* الدولة أولاً
تصريحات راشد الغنوشي زعيم حزب «حركة النهضة»، الذي خرج بـ6 حقائب وزارية بينها الصناعة والتجارة والاتصالات والاقتصاد الرقمي، شددت على أن مفاوضاته مع الرئيس التونسي قائد السبسي ومع رئيس الحكومة المعين يوسف الشاهد حول توزيع الحقائب «أعطت الأولوية لمصالح الدولة على المصالح الحزبية». ولذلك دعم الحزبان الكبيران - النداء والنهضة - بقوة مبدأ عدم تغيير وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والتربية، كما وافقا على إشراك قيادات من نقابات العمال ورجال الأعمال والفلاحين «بهدف توجيه رسالة طمأنة للشعب التونسي والمستثمرين والمراقبين العرب والأجانب حول بروز مؤشرات جديدة للإصلاح واستقرار الأوضاع في البلاد». والموقف نفسه الذي يؤكد «انتصار المصالح العليا للدولة على الاعتبارات الحزبية» برز على لسان برلمانيين من عدة أحزاب وثلة من مستشاري قائد السبسي ومقربين منه، بينهم فيصل الحفيان ورؤوف الخماسي ونور الدين بن نتيشة. ودعم هذا التوجه بشكل غير مسبوق أمين عام اتحاد نقابات العمال حسين العباسي، ورئيس نقابات الفلاحين عبد المجيد الزار، ورئيس نقابة الصناعيين والتجار وداد بوشماوي، فضلا عن قادة الأحزاب الصغرى المشاركة في الائتلاف الحكومي الجديد.
* استبعاد «الصقور» و«المناضلين»
لعل من أهم مميزات الحكومة الجديدة أن الشخصيات التي تمثل الأحزاب فيها لا تصنف ضمن «الصقور» و «المناضلين» و «الزعماء التاريخيين» «خلافا للحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير (كانون الثاني) 2014، فقد وقع تمثيل حزب قائد السبسي بـ«تكنوقراط» من بين المقربين منه ليس بينهم أحد المؤسسين للحزب قبل 4 سنوات، بعد سلسلة الاستقالات والإقالات التي شملتهم. كما اختار زعيم «النهضة» راشد الغنوشي أن يكون ممثلوه في هذه الحكومة سياسيين من «الجيل الجديد» ليس بينهم أي عضو من «القيادة التاريخية» لمرحلة «سنوات الجمر» ومرحلة الصراع الطويلة بين التيار الإسلامي ونظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي في العقود الماضية.
ولقد أسندت الحقيبة الأهم من حصة «النهضة» أي الصناعة والتجارة للأمين العام الجديد للحزب زياد العذاري، وهو محام في العقد الخامس من عمره من بين خريجي جامعة باريس - السوربون الفرنسية - ممن لم يسبق لهم أن عرفوا السجون والمنافي والمعارك مع النظام، كما أسندت حقيبة التشغيل إلى الناطق الرسمي السابق للحركة وهو برلماني سابق عرف باعتداله ودفاعه عن خيار «المصالحة الوطنية الشاملة» ويرفض تصنيف حركته ضمن تيار «الإسلام السياسي» العربي ويعتبرها تيارا من «المسلمين الديمقراطيين» على غرار الأحزاب «المسيحية الديمقراطية» في أوروبا.
وقد عوّض العذاري في هذا المنصب رئيس الحكومة الأسبق علي العريّض الذي حوكم بالإعدام والمؤبد أكثر من مرة في عهد بورقيبة وبن علي وقضى 16 سنة في السجن قبل أن يشغل رئاسة الوزراء بعد تولي «النهضة» السلطة ضمن ترتيب الشراكة الوطنية.
في المقابل، استبعد يوسف الشاهد من حكومته زعماء أحزاب حرصوا على المشاركة فيها، مثل ياسين إبراهيم زعيم حزب «آفاق» وسليم الرياحي زعيم «الحزب الوطني الحر» واكتفى بتعيين شباب وسياسيين من الصف الثاني يمثلونهما.
هذا، ونسبت مصادر مسؤولة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى الرئيس قائد السبسي حرصه على أن تكون «حكومة الوحدة الوطنية» ممثلة لأغلب التيارات والقوى السياسية دون أن تتطور إلى «ناد لكبار الزعماء الحزبيين» بما قد يهدد تماسكها بعد مدة على غرار ما حصل مرارا في بعض حكومات لبنان وإيطاليا.
* قطيعة مع المناضلين
هذا التوجه يتناسق مع ترفيع نسبة الشباب والنساء في الفريق الحكومي لتبلغ نحو نصف أعضائها. إذ ينتمي الوزراء ووزراء الدولة الشبان إلى كل التيارات بما في ذلك الحزبين الكبيرين - النداء والنهضة - اللذين يتحكمان في ثلثي مقاعد البرلمان، لكن بعض السياسيين مثل مصطفى بن أحمد، البرلماني القيادي في حزب مشروع تونس الذي لديه 22 نائبا، يحذر من مخاطر الرهان على الشباب الذين قد لا تتوفر فيهم شروط الخبرة والكفاءة والنزاهة والإخلاص للوطن. وسار في التوجه نفسه سامي الطاهري الناطق الرسمي باسم اتحاد نقابات العمال. وفي هذا السياق حذر مراقبون ومختصون في علم الاجتماع السياسي، مثل المنصف وناس من سيناريوهات قد تواجه الوزراء والجيل الجديد من السياسيين في صورة اندلاع اضطرابات شبابية واجتماعية وأمنية جديدة. وعلى رأس تلك السيناريوهات وصول البلاد إلى مرحلة يعجز فيها «التكنوقراط» و «السياسيون الشبان والنساء» عن إقناع الشباب المهمش والثائر والعاطلين عن العمل والمضربين بسبب غياب «الكاريزماتية» والقدرة على الإقناع لديهم. ويعتقد عالم الاجتماع المهدي مبروك أن «استبعاد جيل المناضلين من القيادات السياسية والشخصيات الكاريزماتية سلاح ذو حدين، لأن الأوساط الشبابية والشعبية والنقابية تحتاج إلى زعماء قادرين على قيادتهم وليس إلى مجرد تكنوقراط وفنيين وشباب متخرج من الجامعات الأوروبية والأميركية.
* ملفات الأمن والإرهاب
إلا أن من أبرز التحديات التي سوف تحكم لصالح هذه الحكومة أو ضدها ملفات التنمية المستعجلة والأمن والإرهاب وانعكاسات حرب ليبيا على تونس. وفي هذا الإطار أكد خميس الجهيناوي، وزير خارجية تونس، «ألا نجاح ولا استقرار في تونس إذا لم تحسم الحرب في ليبيا وإذا تجددت التهديدات الإرهابية خصوصا في المناطق الحدودية». ورغم نجاح الحكومة السابقة في توجيه ضربات موجعة للمجموعات الإرهابية التي تسللت من حدود البلاد الجنوبية والغربية، بالشراكة مع الجزائر وعواصم غربية، فإنه يبقى خطر تجدد أعمال العنف السياسي واردا.
وللعلم، تزامن تشكيل حكومة يوسف الشاهد والأيام الأولى من تنصيبها بسلسلة من الهجمات والعمليات الإرهابية التي قتل فيها عسكريون ومدنيون في غابات جبال المحافظات المتاخمة للحدود الجزائرية التونسية. ويكشف تجدد مثل هذه الهجمات بعد نحو عام من التهدئة عن تشابك الأوضاع في تونس بالمستجدات الأمنية في جارتها ليبيا وفي عمقهما الاستراتيجي العربي والأفريقي، حيث تؤكد التقارير العسكرية والأمنية تضاعف عدد «المسلحين المتطرفين» الفارين من نيران الحروب مع مقاتلي «داعش» وحلفائه في سوريا ومالي ونيجيريا وتشاد.
* الوضع المالي
من جهة أخرى تعتبر التحديات الاقتصادية الاجتماعية بدورها من أخطر ما يواجه «الاستثناء التونسي»، حسب محافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»؛ إذ حذر النابلي مع اقتصاديين وخبراء مستقلين آخرين من مخاطر «عدم مصارحة الشعب والنقابات ورجال الأعمال بحقيقة المصاعب الاقتصادية التي تواجه البلاد، ومن بينها عجز ميزان المدفوعات والعجز التجاري وتراكم الديون الخارجية وعجز كثير من المؤسسات الوطنية، مثل الصناديق الاجتماعية وشركات الطيران والنقل البري ومؤسسات الفوسفات والأسمدة الكيمياوية والمصانع المصدرة.
بل إن الخبيرة الاقتصادية، جنات بن عبد الله، تحذر من وصول البلاد في عهد الحكومة الجديدة لأول مرة إلى مرحلة «العجز عن احترام تعهداتها المالية، بما في ذلك العجز عن تسديد الرواتب والأجور بعدما تضاعف حجم الأجور في ميزانية الدولة 3 مرات منذ ثورة 2011 في مرحلة تراجع فيها الإنتاج والإنتاجية والاستثمار».
ولقد كان الخطاب الافتتاحي لرئيس الحكومة الجديد أمام البرلمان مناسبة أطلق فيها صيحات فزع بسبب «الخطوط الحمراء الاقتصادية والاجتماعية» ومن بينها تراجع موارد الدولة من صادرات الفوسفات بسبب الإضرابات إلى نحو 30 في المائة فقط من قيمتها قبل 5 سنوات. لكن الشاهد بدا رغم ذلك متفائلا بـ«نجاح تونس الجديدة» و «النموذج التونسي للتغيير السلمي» رغم إقراره بتأثيرات الحرب في ليبيا والمحيط الإقليمي المتقلب «الذي تزايدت فيه مخاطر العنف السياسي والإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة».
* أوضاع هشة
وهكذا، بسبب تراكم التحديات الاقتصادية والمالية تبدو الأوضاع في تونس في عهد الحكومة الجديدة هشة رغم رسائل التطمين التي وجهتها الأحزاب الكبرى وثلاثة أرباع أعضاء البرلمان الذين صوتوا لفائدتها، بل إن وزير المالية السابق والأكاديمي حسين الديماسي ذهب إلى حد توقع «انهيار قريب» لهذه الحكومة بسبب «الإفراط في الانفتاح على الأحزاب». واعتبر الديماسي مع عدد من السياسيين التونسيين، بينهم وزير التجارة السابق محسن حسن، أن «مشاركة 7 أحزاب و3 نقابات في تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية سيؤدي إلى شلل رئيس الحكومة الشاب بسبب صعوبة التوفيق بينها في القضايا المستعجلة والقرارات الوطنية الموجعة التي ستضطر إلى اتخاذها إذا تواصلت الأزمة الاقتصادية، وبينها قرارات بطرد عشرات الآلاف من العمال تشكو مؤسساتهم صعوبات مالية».
أما زعماء اليسار «الراديكالي» وقيادات «الجبهة الشعبية» الممثلة في البرلمان بـ15 نائبا فقد بدأوا مبكرا إصدار تصريحات وبلاغات وتقارير تنذر بـ«انهيار» هذه الحكومة التي يصفونها بأنها «حكومة ترضيات ومحاصصة بين الحزبين الكبيرين النداء والنهضة»، ويتهمونها بـ«التحالف مع صندوق النقد الدولي ومافيات المال الفاسد في الداخل والخارج ضد مصالح العمال والفقراء والمهمشين والشباب».
* الورقة الدولية
في هذا المناخ العام يتابع قادة الأحزاب الكبرى الليبرالية والإسلامية والقومية إعلان تفاؤلهم بانتصار «النموذج التونسي للانتقال السلمي والتغيير الهادئ» بالاعتماد على المجتمع المدني «على غرار ما جرى في صائفة 2013 عندما احتكم الفرقاء السياسيون إلى حوار وطني ساهم فيه قادة المنظمات الحقوقية والنقابية واستبعدوا فيه «الحل العسكري». وهنا يشير وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام إلى أهمية «الورقة الدولية» وتشجيع صناع القرار في عدة عواصم غربية للمسار السياسي التونسي الذي يقوم على «التوافق بين العلمانيين والإسلاميين وبين الليبراليين واليساريين، مع احترام نتائج صناديق الاقتراع والمؤسسات المنتخبة.
فهل تبادر واشنطن والعواصم الأوروبية بتقديم دعم مادي أكبر لتونس حتى تكسب رهانات رفع التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها؟
البداية ستكون من مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن الذي تعهد بإسناد حكومة تونس بنحو 3 مليارات دولار من القروض الجديدة لتضمن احترام تعهداتها المالية الداخلية والدولية.. وحتى لا تضطر لإعلان «سياسة تقشف» قد تتسبب في اضطرابات اجتماعية وأمنية واسعة ينهار بسببها «نموذج الانتقال الديمقراطي» و «الاستثناء التونسي للتغيير السلمي».

* أكاديمي وإعلامي تونسي



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»