من التاريخ: ظهور الاتحاد الأوروبي

فيم دفيسنبرغ
فيم دفيسنبرغ
TT

من التاريخ: ظهور الاتحاد الأوروبي

فيم دفيسنبرغ
فيم دفيسنبرغ

تطور مشروع التكامل الأوروبي، كما تابعنا خلال الأسابيع الماضية، من مجرد فكرة لتنسيق السياسات في إطار جماعة الفحم والصلب بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى سوق مشتركة بمقتضى «اتفاقية روما» عام 1957، وهو ما فتح المجال أمام توسيع التكامل تدريجيًا دون الانتظار لنقل النجاح من قطاع إلى آخر. إذ رأت الدول الست أن الفرصة مواتية لخلق السوق المشتركة، لضمان الحرية الكاملة للتنقل بين الأفراد ورأس المال، وهو ما بدأ يأتي تدريجيًا.
بعدها رأت بعض الدول الأوروبية غير المنضمة الفرص التي يوفرها مشروع التكامل الأوروبي الجديد، فسعت للانضمام وعلى رأسها بريطانيا، بينما شهدت السوق الأوروبية المشتركة نجاحًا نسبيًا لمؤسساتها ممثلة في المجلس واللجنة والبرلمان والمحكمة الأوروبية. وهذا ما فتح المجال أمام توسيع رقعة التكامل بين الدول ودفع بطموحات الأعضاء إلى خطوات تكاملية إضافية، ليس فقط للإدارة المشتركة لاقتصاداتها، مما دفع السوق الأوروبية لوضع أطر أكبر في هذا الاتجاه.
لعل أهم هذه الخطوات كان التجهيز لاتفاقية إطارية جديدة توسع السلطات المركزية للسوق وتفتح المجال أمام مزيد من التكامل. ولقد قادت ألمانيا وفرنسا هذه الخطوة منذ عام 1984 بدفع فكرة توسيع سلطات المؤسسات الأوروبية، ومطالبة الدول الأعضاء بمراجعة القوانين الداخلية لبناء السوق الداخلية الموحّدة لأوروبا، تمهيدًا لإنشاء الاتحاد الأوروبي بدلاً من الجماعة الأوروبية. وهو ما تمخض عن التوقيع على اتفاقية القانون الأوروبي الموحّد (Single European Act) عام 1987. هذه الخطوة وضعت هدف إنشاء الاتحاد الأوروبي الكامل على أساس كفالة الحريات الأربع كفالة كاملة؛ وهي حرية انتقال الأفراد والأموال والخدمات والسلع بحلول عام 1992. كما طالب بإقامة سياسة خارجية وأمنية مشتركة وأدخل التعديلات اللازمة على «اتفاقية روما»، لتوسيع سلطات المؤسسات الأوروبية وتحريرها، خصوصًا المجلس الذي أصبحت قراراته بالأغلبية المؤهلة بدلاً من الإجماع، وإنشاء نظام قضائي داخلي لتسوية المنازعات. وأضاف إلى سلطات بعض المؤسسات الأخرى على رأسها البرلمان الأوروبي. كما أنشئت مؤسسة لضمان الانصهار الاقتصادي والاجتماعي بين الدول الأعضاء، من خلال تقديم الدعم للدول الأقل نموًا في التجمع، لضمان التزامها بالخطوات المقبلة دون الإخلال بأوضاعها الاقتصادية أو الاجتماعية.
بهذه الخطوة بدأ الاندماج الأوروبي للأعضاء يخرج من مجرد فكرة التكامل إلى مرحلة الاتحاد، ونحا منحنى جديدًا باتجاه الفيدرالية من خلال كثير من الخطوات التالية؛ لعل أهمها التوقيع على «اتفاقية ماستريخت» الشهيرة عام 1992 التي أنشأت كيان «الاتحاد الأوروبي» بدلاً من «الجماعة الأوروبية». فلقد وضعت الاتفاقية كل المؤسسات الأوروبية؛ وهي «اليوروأتوم» و«جماعة الفحم والصلب» و«الجماعة الأوروبية» و«محكمة العدل الأوروبية»، تحت مظلة «الاتحاد الأوروبي». وقضت بمزيد من التطوير لهذه المؤسسات، لتضطلع بالمهام الجديدة التي صارت موكلة إليها. كذلك أنشأت قطاع السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، بهدف توحيد السياسة الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد خلال السنوات التالية. ولكن أهم ما أقرته هذه الاتفاقية كان «الاتحاد النقدي الأوروبي» الذي يهدف في النهاية إلى اعتماد عملة أوروبية موحّدة في الدول الأعضاء، عبر ثلاث مراحل أساسية تتضمن: تنسيق السياسات النقدية بين الدول الأعضاء ومراقبة هذا التنسيق، ثم إقامة بنك مركزي أوروبي تمهيدًا لإدخال عملة «اليورو» لتحل محل العملة الحسابية للاتحاد، وهي «وحدة النقد الأوروبية»، ولتكون بديلاً عن العملات المختلفة لكل دولة. وكان الهدف من هذه الخطوة في الأساس، هو دعم الاندماج بين الدول الأعضاء وخفض تكلفة المعاملات الاقتصادية والتجارية وتحفيز الأسواق لمزيد من الاستفادة. كذلك، أقرت هذه الاتفاقية ما عُرف بالجنسية الأوروبية، وهي الجنسية التي يحصل عليها المواطن في أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، التي يترتب عليها حقوق للأفراد في الخدمات والامتيازات.
ربما كان أهم ما ميز هذه المرحلة الجديدة في الاتحاد الأوروبي إدخال عملة «اليورو» الموحدة بين الدول، من خلال ما عرف بآلية الصرف الأوروبية التي كانت الدول منضمة إليها منذ عام 1979، عندما كان حلم العملة الموحدة يداعب الدول الأعضاء. وكانت هذه الآلية تهدف إلى تنظيم التعامل بالعملات المحلية للدول، من خلال نظام ثابت للصرف بينها يضمن قدرًا من الاستقرار، فلا يحق للدول خفض عملتها بما يزيد على نسبة معينة منعًا للتذبذبات، لتأثير ذلك على عملية التكامل. وبمجرد الاتفاق على إنشاء بنك (مصرف) مركزي أوروبي وبرئاسة شخصية هولندية مرموقة، فيم دفيسنبرغ، بدأ الاستعداد لنشر العملة الأوروبية الموحّدة، فأسست «منطقة اليورو» أولاً في عام 1999 بمشاركة 11 دولة، تمهيدًا لإدخال العملة الموحدة في عام 2002، وهو ما تم بالفعل.
ثم جاءت «اتفاقية شينغن» بين عدد محدود من الأعضاء، لتضيف خطوة إضافية نحو الاندماج من خلال توحيد معايير الحدود بينها للأجانب. وبمقتضى هذه الاتفاقية يتيسر للزائر التنقل بحرّية كاملة بين الدول الأعضاء أيًا كانت الدولة مصدر التأشيرة، وهو ما فتح المجال أمام توسيع حركة السياحة بين هذه الدول والخارج، إضافة إلى توحيد القواعد المصاحبة لذلك ومتابعة الجرائم العابرة للحدود. أيضًا أقر الاتحاد ميثاق الحقوق الأساسية، الذي أصبح قانونًا ملزمًا لكل الدول الأعضاء يتضمن قطاعًا عريضًا من حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وكذلك شمل عمل الاتحاد التعاون في كل القطاعات على مصراعيها، بما في ذلك عمل الشرطة والشؤون الاجتماعية والتعاون يبن النيابات والقضاء وغيرها من القطاعات.
لقد شهدت الوحدة الأوروبية نجاحًا كبيرًا في كل المجالات، غير أن السياسة الخارجية والأمنية المشتركة لا تزال متأخرة نسبيًا، مقارنة بالقطاعات الأخرى في الاتحاد. إذ لم تستطع دول الاتحاد الاستقرار على توحيد كل جوانب السياسة الخارجية حتى الآن، لأسباب متعلقة بالسيادة والتوجهات الخارجية المختلفة للدول الأعضاء، ولكن المحاولات مستمرة لتوحيد المعايير الخاصة بالعلاقات الخارجية على الأقل في بعض المجالات.
وهكذا تحوّل مشروع التكامل الأوروبي، من مجرد حلم يداعب الساسة على مرّ العصور إلى حقيقة مطلقة اليوم، إذ غدا الاتحاد الأوروبي (قبل انسحاب بريطانيا) يضم 28 دولة أوروبية، ويمثل ثاني أكبر قوة اقتصادية على المستوى العالمي بناتج قومي إجمالي وصل إلى 19.2 مليار دولار. وهو يأتي في المرتبة الثانية عالميًا، بعد المارد الصيني ومن بعده الولايات المتحدة، محققًا متوسط دخل للفرد يصل إلى 34 ألف دولار سنويًا. وهذا تحقق بفضل تضامن دوله وتكاملها اقتصاديًا ضمن أمور أخرى، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت، هو لماذا نجح هذا الاتحاد بينما فشلت محاولات لتكتلات أخرى لديها قواسم مشتركة أكثر من دول الاتحاد؟



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».