تركيا: لا هدنة مع الأكراد في سوريا.. ولا انسحاب قبل تأمين الحدود

استمرار التعزيزات العسكرية.. و«درع الفرات» لم تتوقف

الدبابات التركية تتجه إلى بلدة كركميش قرب الحدود السورية في جرابلس أمس
الدبابات التركية تتجه إلى بلدة كركميش قرب الحدود السورية في جرابلس أمس
TT

تركيا: لا هدنة مع الأكراد في سوريا.. ولا انسحاب قبل تأمين الحدود

الدبابات التركية تتجه إلى بلدة كركميش قرب الحدود السورية في جرابلس أمس
الدبابات التركية تتجه إلى بلدة كركميش قرب الحدود السورية في جرابلس أمس

رفعت أنقرة لاءات قوية في وجه المطالبات بإنهاء عملية «درع الفرات» في شمال سوريا، وفي وجه ما تردد عن وجود هدنة مع الأكراد هناك أو توحيد جهودها معهم، وكذلك ضد مساواتها كدولة مع مجموعة عرقية تقاتل في شمال سوريا.
وشدد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم على أن عملية درع الفرات «ستستمر إلى أن يتم دحر جميع العناصر الإرهابية» وإزالة التهديدات التي تشكل خطرًا على حدود تركيا وأراضيها ومواطنيها.
وقال يلدريم، في تصريحات عقب قيادته رحلة تجريبية لخط مترو جديد في العاصمة أنقرة أمس، إن الهدف الأساسي لعملية «درع الفرات»، هو تأمين حدود تركيا الجنوبية، مشيرا إلى مقتل 21 مواطنا تركيا، بسبب القذائف التي سقطت على المناطق الحدودية التركية، والتي أطلقتها «عناصر تنظيم داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية» التي وصفها جميعا بالإرهابية. وأشار يلدريم إلى أن أميركا وعدت المسؤولين الأتراك مرارا بأن عناصر هذين التنظيمين (الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية) سيعودون إلى شرقي الفرات، مؤكدا أن تركيا تنتظر الوفاء بهذه الوعود دون تغيير.
وبالتزامن مع تصريحات يلدريم، نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين صحة الأنباء التي ترددت عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين تركيا ووحدات. وقال كالين في مؤتمر صحافي في أنقرة أمس: «لا يوجد أي اتفاق بين تركيا و(منظمة) حزب الاتحاد الديمقراطي، فالأخيرة ذراع لمنظمة حزب العمال الكردستاني (الإرهابية) في سوريا». على حد تعبيره. وانتقد كالين ما قال إنه «تصريحات لمسؤولين أميركيين يضعون فيها تركيا مع منظمتي حزب الاتحاد الديمقراطي وحدات حماية الشعب، في الكفة نفسها»، قائلا: «هذا أمر لا يمكن قبوله».
وأضاف: «ليست لتركيا مشكلة مع أكراد سوريا أو أكراد المنطقة، مشكلتنا مع حزب العمال الكردستاني ومع المنظمات الإرهابية». وشدد المتحدث باسم الرئاسة التركية على أن تركيا تنتقد بشدة محاولات إظهار «عملية درع الفرات» على أنها تستهدف أكراد سوريا وتسعى لعرقلة مكتسباتهم.
وأشار كالين إلى أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيشارك في قمة مجموعة العشرين في الصين الأسبوع المقبل وسيعقد لقاءات مهمة مع عدد من زعماء الدول أبرزهم نظيره الأميركي باراك أوباما، والروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
وتابع أن إردوغان ستكون لديه أجندة واسعة في لقائه مع أوباما، كما أن خطوات تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا ستبحث في لقاء إردوغان مع بوتين. وعبر كالين عن قلقه حيال المعارك المستمرة في مدينة حلب شمالي سوريا، مضيفًا أن الرئيس التركي سيثير قضية وقف إطلاق النار في حلب خلال قمة العشرين. وأكد أن تركيا ستواصل عملية درع الفرات في سوريا، حتى إزالة الأخطار الموجهة نحوها.
المعنى نفسه أكده وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي عمر جيليك في تصريحات خلال لقاء مع محرري وكالة «الأناضول» للأنباء أمس، قائلا إن بعض المقاتلين السوريين الأكراد ما زالوا موجودين غرب نهر الفرات رغم تعهدات أميركية بالتحرك شرقا وهو أمر غير مقبول.
ولفت الوزير التركي إلى عدم الاستجابة لمطالبات بلاده في إنشاء منطقة عازلة أو آمنة في سوريا لحماية المدنيين، موضحًا أنه لو أنشئت هذه المنطقة لما كانت وقعت المجازر وأزمات الهجرة أو غرق لاجئون في بحر إيجة.
وفيما جرى الحديث عن هدنة بين تركيا وأكراد سوريا، عززت القوات المسلحة التركية، من انتشارها في المناطق المحاذية للحدود مع سوريا، وأرسلت مزيدا من الدبابات والعربات المدرعة، في إطار عملية «درع الفرات».
وذكرت مصادر عسكرية أن دبابات وعربات مدرعة وأخرى حاملة للجنود وصلت أمس، إلى الوحدات العسكرية التركية المتمركزة على الحدود السورية، للرد على أي تهديدات متوقعة من «المنظمات الإرهابية» في مدينة جرابلس شمالي سوريا والمناطق المتاخمة لها.
كما أفادت مصادر في الجيش السوري الحر لوكالة الأناضول، أمس، بأن مقاتلات التحالف الدولي لمحاربة «داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، تأخرت في تقديم المؤازرة الجوية لقوات المعارضة السورية ووحدات المدرعات التركية المرافقة لها، أثناء تعرضهما أمس لهجوم مباغت من قِبل عناصر تنظيم داعش، في قرية «الكلية» التابعة لمدينة جرابلس، شمالي محافظة حلب السورية.
في سوريا، أفاد ناشطون عن استعادة تنظيم داعش المتطرف السيطرة على ثلاث قرى جنوب غربي مدينة جرابلس، وذلك بعد يوم واحد من سيطرة فصائل المعارضة عليها.
وقال إبراهيم الحمد، المقاتل بصفوف المعارضة، لـ«مكتب أخبار سوريا»، إن «داعش» سيطر على قرى عرب حسن والمحسنلي والحلونجي، بعد عملية تسلل مجموعة من عناصره لداخلها، لتندلع على أثرها اشتباكات عنيفة بين الجانبين، لافتا إلى أن التنظيم استهدف بعربة مفخخة يقودها عنصر منه قرية الكلية، وذلك بعد ساعات من سيطرة المعارضة عليها غرب جرابلس، وسط معارك عنيفة استمرت حتى ساعة متأخرة بعد منتصف ليل الثلاثاء، وتزامنا مع قصف جوي ومدفعي تركي على مواقع التنظيم بالمنطقة. وأشارت المعلومات إلى أن المواجهات الأخيرة أسفرت عن مقتل ستة عناصر من المعارضة وإصابة 12 آخرين، في حين لقي أكثر من عشرة مقاتلين من التنظيم مصرعهم.
وفي سياق متصل، قالت وكالة «أعماق» الإعلامية التابعة لـ«داعش»، إن مقاتليه تمكنوا من تدمير دبابتين تركيتين وإصابة ثلاثة جنود أتراك ليل الثلاثاء، جراء استهدافهما بأسلحة مضادة للدروع في قرية الكلية، وهو ما أقرت به هيئة الأركان التركية، لافتة إلى أن 3 من جنودها المشاركين في عملية «درع الفرات» أصيبوا بـ«جروح طفيفة» بعد استهداف دبابتهم من قبل مسلحين. وأوضحت الهيئة في بيان بثته وكالة أنباء «الأناضول» التركية أن الدبابة تعرضت لأضرار خفيفة نتيجة استهدافها بصاروخ أطلقه مسلحون، وأشارت إلى أن الجنود الثلاثة تم نقلهم إلى أحد المستشفيات، مؤكدة في الوقت ذاته تواصل عملياتها ضد من وصفتهم بـ«الإرهابيين» في منطقة «جرابلس».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.