أنقرة تقلص الاحتفالات بـ«يوم النصر» وتتعهد بدحر الإرهاب

القبض على 14 مشتبهًا بالانتماء لـ«داعش».. وتوقيف مدير أمن إسطنبول السابق

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتقدم وزراء حكومته وضباط الجيش في استعراض بمناسبة يوم القوات المسلحة في أنقرة أمس (أ.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتقدم وزراء حكومته وضباط الجيش في استعراض بمناسبة يوم القوات المسلحة في أنقرة أمس (أ.ب)
TT

أنقرة تقلص الاحتفالات بـ«يوم النصر» وتتعهد بدحر الإرهاب

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتقدم وزراء حكومته وضباط الجيش في استعراض بمناسبة يوم القوات المسلحة في أنقرة أمس (أ.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتقدم وزراء حكومته وضباط الجيش في استعراض بمناسبة يوم القوات المسلحة في أنقرة أمس (أ.ب)

شهدت تركيا، أمس (الثلاثاء)، مراسم رسمية في الاحتفال بالذكرى الرابعة والتسعين لعيد النصر ويوم القوات المسلحة، أقيمت في ساحة قبر مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك بالعاصمة أنقرة.
وحضر المراسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس البرلمان إسماعيل كهرمان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، ورئيس هيئة أركان الجيش خلوصي أكار، ورئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو، ورئيس حزب الحركة القومية المعارض دولت بهشلي، وعدد من المسؤولين.
وشارك بعض المواطنين في المراسم التي حضرها إردوغان والوفد المرافق له، للمرة الأولى، في حين كانت تتم المراسم الرسمية في الأعوام السابقة أولاً، ثم يُفتح الباب لمشاركة المواطنين بعد انتهائها. كما أقيمت مراسم إحياء ذكرى عيد النصر ويوم القوات المسلحة في إسطنبول أمام نصب الجمهورية في ميدان تقسيم، وحضرها والي إسطنبول واصب شاهين، وقائد الجيش الأول الفريق أول موسى أفسافار، ورئيس بلدية إسطنبول قادر توبباش، وعدد من المسؤولين الحزبيين والحكوميين، كما شارك فيها جمع من المواطنين.
من جهته، قال وزير الدفاع التركي فكري إيشيك إن الحكومة التركية لن تنظم هذا العام احتفالات في عيد النصر. وقال إيشيك في مقابلة تلفزيونية مساء الاثنين إنه لن تكون هناك احتفالات هذا العام، فتركيا تشهد مرحلة طوارئ في الوقت الراهن، وجميعنا عشنا المحاولة الانقلابية الفاشلة، ولا أرى ضرورة لتنظيم مثل هذه الاحتفالات في الوقت الذي يعاني فيه الشعب من صدمة وحالة من القلق بسبب محاولة الانقلاب.
ويعد عيد النصر ويوم القوات المسلحة، عيدًا وطنيًا في الجمهورية التركية، وجمهورية شمال قبرص التركية، وتحيي الدولتان في هذه المناسبة ذكرى الانتصارات التي أحرزها الجيش التركي في حرب الاستقلال، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه على قوات الحلفاء، والجيوش اليونانية، التي غزت أراضي الدولة العثمانية، قبيل وضع الحرب العالمية الأولى أوزارها، والانتصارات التي تحققت على جبهات كثيرة أهمها معركة سكاريا عام 1921 شمال غربي تركيا، و«معركة الصد الكبير 1922» غرب تركيا، اللتين استطاع الجيش التركي بعدهما تحرير مناطق واسعة احتلها الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى.
وجاء احتفال تركيا بالذكرى هذا العام في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي على أثرها شهدت القوات المسلحة التركية أكبر عملية إعادة هيكلة في تاريخها. ولفت إيشيك إلى أن هناك 311 عسكريًا ما زالوا فارين، بينهم 9 جنرالات، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.
وفي حين يخص إغلاق المدارس العسكرية وعدد الطلاب الذين سيؤثر عليهم هذا القرار، أوضح أن عدد الطلاب في هذه المدارس يبلغ 3 آلاف و900 طالب، قائلا إن هذه المدارس تحولت إلى أوكار لجماعة فتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، وإن الحكومة وجدت بعد إجراء دراسة تحليلية فيها أنه تم تسريب أسئلة جميع امتحانات القبول في الثانويات العسكرية في الفترة ما بين 2000 و2014، علما بأنه تم العمل بنظام امتحان القبول في هذا الثانويات اعتبارا من عام 2000.
ووجه الرئيس رجب طيب إردوغان رسالة إلى المواطنين بمناسبة عيد النصر، قال فيها إن تركيا لا تميز بين المنظمات الإرهابية، وهي ملتزمة باتخاذ جميع التدابير في الداخل وفي المناطق التي تؤوي إرهابيين داخل أراضي دول الجوار لضمان سلامة المواطنين وأمنهم. وأضاف: «سنواصل نضالنا متحلين بروح الوحدة والتكاتف والتضامن، غير آبهين للهجمات الغادرة التي تشنها المنظمات الإرهابية الساعية لإحباط المسيرة المباركة لبلدنا»، مؤكّدًا أن تركيا «ستُلحِق الهزيمة بتلك العصابات الخائنة». ولفت الرئيس التركي إلى أن هذه المناسبة ينبغي أن تشكل عبرة «للمنظمات الإرهابية وقوى الشر التي تسعى لاستهداف وحدة بلدنا ووجودها على هذه الأرض». وأشاد إردوغان بالموقف الذي أبداه الشعب التركي في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو (تموز) الماضي.
كما تطرق إلى عملية «درع الفرات» التي أطلقتها تركيا في 24 أغسطس (آب) الحالي بالتعاون مع قوات التحالف الدولي، قائلا إنها عكست التزام وإرادة الدولة التركية، مشيرًا إلى أن العمليات الحالية في سوريا مستمرة حتى إنهاء التهديدات المقبلة من المنظمات الإرهابية، مثل «داعش» وقوات الاتحاد الديمقراطي في سوريا (وحدات حماية الشعب الكردية) التي وصفها بأنها امتداد لمنظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية.
وفي رسالة مماثلة قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن من سماهم بـ«مراكز القوى التي تعمل على إضعاف جمهورية تركيا من خلال محاولة الانقلاب والإرهاب والرعب لن تصل أبدًا إلى تطلعاتها، وحتما ستبوء بالهزيمة أمام تلاحم الدولة والشعب».
وفي رسالته بهذه المناسبة، قال رئيس هيئة الأركان العامة للجيش التركي خلوصي أكار إن «عملية درع الفرات في جرابلس السورية أثبتت أن القوات المسلحة التركية لم تفقد شيئا من قوتها». وتعهد أكار بأن تواصل القوات المسلحة التركية مكافحة جميع المنظمات الإرهابية التي تستهدف وحدة تركيا الوطنية وسلامة أراضيها، جنبًا إلى جنب مع قوات الدرك والشرطة وحراس القرى، حتى القضاء على آخر إرهابي يعيش على أرض تركيا دون أن تمس شعرة من أي من مواطنيها بأي أذى». وتابع أن «القوات المسلحة التركية، تواصل العمل بكل قوتها، من أجل الحفاظ على أعلى مستوى أمن للدولة التركية العلمانية الديمقراطية». وشدد على أن القوات المسلحة التركية ستبقى صمام أمان للسيادة والاستقلال وأمن ووحدة تراب الوطن المقدس، الذي اختلط بـ«دماء الشهداء».
في سياق موازٍ، ألقت قوات الأمن التركية القبض على 14 شخصًا يشتبه بانتمائهم لتنظيم داعش الإرهابي في محافظة كونيا بوسط البلاد.
وقالت مصادر أمنية إن فرق مكافحة الإرهاب في كونيا شنت عمليات مداهمة متزامنة على مواقع في المدينة أوقفت فيها 14 شخصا يُشتبه بانتمائهم للتنظيم الإرهابي. وكانت قوات الأمن التركية، أوقفت 40 شخصًا، في حملة أمنية ضد تنظيم داعش الإرهابي، في محافظتي كونيا وأضنة، عشرون منهم في كونيا الجمعة الماضي.
على صعيد آخر، شهدت تحقيقات محاولة الانقلاب الفاشلة تطورات جديدة وأصدر النائب العام في إسطنبول أمرًا بالقبض على مدير أمن إسطنبول السابق حسين شابكين عقب إفادة محافظ إسطنبول السابق حسين عوني موطلو الذي ألقي القبض عليه عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.
وعلى الفور قامت قوات الشرطة بتفتيش منزل شابين في بلدة تشيشما بمدينة إزمير، شمال غربي تركيا، وقامت باعتقاله واقتياده إلى مدينة إسطنبول لبدء التحقيق معه. كما قامت قوات الأمن باعتقال رئيس حي بنديك بمدينة إسطنبول عثمان تونش ومفتشي الملكية جوركان بولات ويلماز تونش في إطار التحقيقات المتعلقة بالدعم المالي لحركة الخدمة (منظمة فتح الله غولن كما تسميها السلطات). كما صدر قرار باعتقال 35 شخصًا بينهم صحافيون في حملات في أنقرة وإسطنبول وكوجالي شمال غربي البلاد.
ومن بين المطلوبين للاعتقال، أحد الصحافيين في صحيفة «حرييت» التركية التابعة لمجموعة «دوغان» الإعلامية.
وألقت قوات الأمن، صباح أمس (الثلاثاء)، القبض على 9 صحافيين وإعلاميين خلال مداهمات لمنازلهم، لكن تبين أن هناك 18 من المطلوب القبض عليهم موجودون خارج البلاد.
ووجهت إلى المطلوبين تهمة دعم ما تسميه السلطات التركية «منظمة فتح الله غولن»، في إشارة إلى حركة الخدمة التابعة للداعية التركي المقيم في أميركا والمتهم من جانب السلطات التركية بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة.
وبحسب إحصاءات لمنصة الصحافة المستقلة، ومقرها إسطنبول، تم القبض على 53 صحافيا في إطار تحقيقات محاولة الانقلاب منذ 27 أغسطس (آب) الحالي.
وفي حملات مماثلة ألقت قوات الأمن التركية القبض على 89 من العاملين بشركة الاتصالات التركية «تورك تيليكوم» في حملة و30 من رجال الأعمال أول من أمس الاثنين. كما أقال حزب العدالة والتنمية الحاكم 4 من رؤساء الأحياء والعمد التابعين له في كل من أرضروم وجريسون (شمال شرق) وكونيا ونيفشهير (وسط)، بحسب ما أفاد به ياسين أقطاي المتحدث باسم الحزب للصحافيين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟