الطفلة صافية الألمانية أمام القضاء بعد إدانتها في قضية إرهابية

شرطة هانوفر: واجهنا صعوبات في التحقيق بسبب سنها الصغيرة.. وتواصلت مع «داعشيين»

صورة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لصافية بعمر 9 سنوات مع المتطرف بيير فوغل (مواقع التواصل)
صورة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لصافية بعمر 9 سنوات مع المتطرف بيير فوغل (مواقع التواصل)
TT

الطفلة صافية الألمانية أمام القضاء بعد إدانتها في قضية إرهابية

صورة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لصافية بعمر 9 سنوات مع المتطرف بيير فوغل (مواقع التواصل)
صورة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لصافية بعمر 9 سنوات مع المتطرف بيير فوغل (مواقع التواصل)

بعد 6 أشهر من التحقيق مع الشابة المغربية الأصل صافية س. (16 سنة) بتهمة طعن شرطي ألماني في عنقه بسكين، أقامت النيابة العامة في ولاية سكسونيا السفلى دعوى قضائية ضدها بتهمة محاولة القتل، وعلاقتها بمنظمة إرهابية أجنبية وإلحاق ضرر جسدي بالغ بشرطي عمره 34 سنة. وأوكلت القضية إلى محكمة جزاء الولاية العليا في مدينة سيلله.
وشملت الدعوى أيضًا شابًا ألمانيًا من أصل سوري (19 سنة) يفترض أن صافية س. باحت له بخططها لـ«مفاجأة الكفار»، ولم يبلغ عنها. وثبت من التحقيق أن الشابة المتطرفة سبق أن كتبت عن نياتها على الإنترنت لصديقة في بريطانيا عن رغبتها بتنفيذ عملية انتحارية في ألمانيا.
وكانت صافية س. وجهت طعنة إلى عنق الشرطي بسكين مطبخ كانت تحمله في محطة قطارات مدينة هانوفر عاصمة ولاية سكسونيا السفلى يوم 26 فبراير (شباط) الماضي. وذكرت تقارير لجنة التحقيق أنها استفزت الشرطة أكثر من مرة، ووجهت الطعنة إلى الشرطي، بينما كان يدقق في هويتها الشخصية. وكانت الطاعنة تحمل سكينًا آخر، مما دفع للاعتقاد أنها كانت تنوي طعن أكثر من شخص واحد.
وقال اكسل بروكمان، المتحدث الصحافي باسم شرطة هانوفر لـ«الشرق الأوسط»، إن التحقيق مع صافية س. مر بمرحلة بالغة الصعوبة بسبب سنها الصغيرة، لكن النيابة العامة لم تنتظر بلوغها السادسة عشرة لترفع القضية ضدها، مؤكدًا أن التحقيق وفر كثيرًا من الأدلة والشهود على علاقتها بتنظيم داعش الإرهابي. وأشار بروكمان إلى شريط فيديو، صورته المتهمة بنفسها وتتحدث فيه عن عملية انتحارية، وأرسلته إلى منتسبين لـ«داعش»، وسألتهم حول كيفية تنفيذ العمل. ويعتقد أنها أقامت هذه الصلات خلال زيارتها إلى تركيا في محاولة للتسلل إلى سوريا والالتحاق بمقاتلي التنظيم الإرهابي.
وأضاف المتحدث أن الكشف عن فيلم فيديو، عرض آلاف المرات على الإنترنت، يظهر صافية س. بعمر 9 سنوات مع الداعية المتطرف بيير فوغل، عزز الشبهات حول علاقتها بالمتطرفين. وأكد بروكمان الأخبار الصحافية التي تحدثت عن ادعاء صافية س. بأنها لم ترد قتل الشرطي، وأنها بالغت في رد فعلها، كما أكد أنها كتبت رسالة اعتذار إلى الشرطي.
ومعروف أن صافية س. سافرت إلى تركيا في محاولة للالتحاق بتنظيم داعش في مطلع هذا العام، وسجلتها أمها لفترة لدى السلطات كمفقودة. سافرت الأم بعدها إلى تركيا وأعادت الطفلة إلى ألمانيا، ولم تنجح الفتاة في الوصول إلى سوريا، لكنها نجحت في إقامة اتصالات مع ناشطين «داعشيين» في تركيا. وكانت الشرطة تميل إلى اعتبار المتهمة مثالاً على القاصرين الذين «تطرفوا بشكل فردي» دون أن يقيموا علاقة مع تنظيمات متطرفة، إلى أن كشفت التحقيقات عن محاولتها الالتحاق بتنظيم داعش.
وتحدث البرنامج التلفزيوني لمجلة «دير شبيغل» عن انتماء صافية س. إلى «حلقة المتطرفين الناطقين بالألمانية»، وثيقة الصلة بالمتطرف بيير فوغل، التي تخضع لمراقبة دائرة حماية الدستور الاتحادية (مديرية الأمن العام) بتهمة الحض على الكراهية وجمع التبرعات للمنظمات الإرهابية، وتجنيد الشباب للالتحاق بتنظيم داعش في العراق وسوريا.
واتّضح لرجال الأمن في مجرى التحقيق، أن صافية س. ليست المتطرفة الوحيدة في العائلة، لأنه سبق القبض على أخيها صالح س. (18 سنة) بتهمة إلقاء قنبلة مولوتوف على مركز تجاري في هانوفر. وعثر رجال التحقيق في الكومبيوتر الخاص به بعد اعتقاله، على صلات له مع متشددين. ثبت أيضًا أنه حاول، قبل تنفيذ العملية، أكثر من مرة الالتحاق بتنظيم داعش في سوريا بعد سفرات مكوكية إلى إسطنبول. وألقي القبض عليه في تركيا، وقضى فترة سجن في «غازي عنتاب»، قبل أن يسمح له بالسفر مجددًا إلى ألمانيا.
وقادته أمه إلى مستشفى للأمراض العقلية بعد تنفيذ عملية قنبلة الكوكتيل (مطلع هذا العام) على «غاليري ايرنست أوغوست» التجاري في هانوفر. ونقل في المستشفى إلى غرفة انعزالية بعد اعتدائه بالضرب على نزيل آخر.
وتحقق النيابة العامة مع صالح س. منذ أشهر بتهمة محاولة القتل ودعم منظمة إرهابية، إلا أن توماس كلنغه، من النيابة العامة، يرجح نظرية «الاضطراب العقلي». وقد سحبت السلطات الألمانية جواز سفر صالح س. كما عممت اسمه على شرطة الحدود كمتطرف ممنوع من السفر.
على صفحته في الشبكة العنكبوتية، أكد بيير فوغل وقوفه إلى جانب صافية س. وتأييده لها، وأشار إلى أنه سيفعل كل شيء من أجل الدفاع عنها، بما في ذلك تحمل تكاليف محامي الدفاع.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟