القيّارة بعد «داعش».. سماء ملبدة بالسحب السوداء وشوارع غارقة في النفط

«الشرق الأوسط» واكبت عملية تحرير هذه البلدة الاستراتيجية جنوب الموصل

النفط الخام يغطي شارعًا في القيارة وسحب سوداء في سمائها («الشرق الأوسط»)
النفط الخام يغطي شارعًا في القيارة وسحب سوداء في سمائها («الشرق الأوسط»)
TT

القيّارة بعد «داعش».. سماء ملبدة بالسحب السوداء وشوارع غارقة في النفط

النفط الخام يغطي شارعًا في القيارة وسحب سوداء في سمائها («الشرق الأوسط»)
النفط الخام يغطي شارعًا في القيارة وسحب سوداء في سمائها («الشرق الأوسط»)

منذ الوهلة الأولى لدخول «الشرق الأوسط» إلى ناحية القيارة الواقعة على بعد 60 كلم جنوب مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى شمال العراق، وحتى الخروج منها، لم تتوقف أصوات دوي الانفجارات والمدافع وصوت الرصاص، حيث كانت تدور الاشتباكات بين القوات الأمنية العراقية المتمثلة بقوات الفرقة التاسعة التابعة للجيش العراقي وقوات النخبة التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب والآلاف من مقاتلي عشائر محافظة نينوى ومسلحي تنظيم داعش.
سماءُ المدينة ملبدة بسحبٍ سوداء من الدخان نتيجة حرق 6 آبار نفطية تقع داخل المدينة، أضرم فيها النار التنظيم المتطرف قبل انسحابه من المدينة التي خسرها أمام تقدم القوات العراقية. وقال قائد عمليات نينوى، اللواء الركن نجم عبد الله الجبوري، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «قطعاتنا العسكرية تمكنت من الدخول إلى ناحية القيارة بعد إحكام السيطرة بالكامل على جميع القرى والمناطق المحيطة بالناحية، وهي مناطق وقرى جوانة، والكبة الغربية، والقاهرة، ودور التجاوز، والحويج، وتم خلال معارك تحرير تلك المناطق والقرى قتل عدد كبير من العناصر الإجرامية، ثم استطاعت قواتنا الدخول إلى مركز المدينة من 3 محاور فارضة طوقًا على المدينة من جميع الجهات، كون مسلحي تنظيم داعش الإرهابي كانوا يحتجزون قرابة 10 آلاف مدني في داخل المدينة بعد أن منعوهم من الخروج من أجل استخدامهم دروعًا بشرية، وتقدمت قطعاتنا المسلحة بشكل حذر من أجل الحفاظ على أرواح المدنيين المحتجزين في قبضة التنظيم الإرهابي، إلى حين وصلنا إلى المجمع الحكومي، معلنين تحرير المدينة بالكامل، بعد أن تم تحرير أكثر من ثلثي المدينة في اليوم الأول للمعركة.
وأضاف الجبوري أن «ناحية القيارة تعد الأكبر في محافظة نينوى، ولها أهمية استراتيجية، تتمثل بوجود موارد نفطية، فضلاً عن كونها بوابة مرور نحو مدينة الموصل، المعقل الأكبر والأهم المتبقي لتنظيم داعش الإرهابي في العراق، لذلك وحسب الخطط المرسومة مسبقًا من قيادة العمليات المشتركة، كان من الضروري تحرير هذه الناحية قبل الشروع بمعركة تحرير الموصل». وأشار الجبوري إلى أن «القوات المشتركة تمكنت خلال عمليات تحرير ناحية القيارة من قتل القائد العسكري لـ(داعش) أبو الفتوح الشيشاني خلال اقتحام المدينة»، لافتًا إلى أن «الشيشاني يعتبر من قادة الصف الأول والمقربين من زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي».
وحسب القائد العسكري: «تمكنت القوات المشاركة في العملية من استعادة 63 بئر نفط، كانت تحت سيطرة (داعش) وتعد من أهم منابع التمويل للتنظيم، فيما قام مسلحو التنظيم بحرق 6 آبار تسببت في تشكيل سحب سوداء غطت سماء المدينة بالكامل، في مسعى على ما يبدو لتجنب الضربات الجوية التي تشنها طائرات التحالف الدولي، وتحاول القوات العراقية عبثًا إطفاء النيران. كما قطعت القوات العراقية طريقًا استراتيجيًا رئيسيًا، بين حمام العليل والقيارة، كان عناصر التنظيم يستخدمونه في الوصول إلى مدينة الموصل، مما جعل عناصر التنظيم في حصار خانق داخل الأجزاء المتبقية من الناحية ولا مجال لديهم للهرب خارجها».
وفي أثناء تقدم القوات العراقية في تحرير المناطق داخل مدينة القيارة، أبدى سكان المدينة المحاصرون هناك، سعادتهم إثر هزيمة «داعش» في المدينة وسيطرة القوات العراقية عليها. وقال أحد الضباط في الجيش العراقي لـ«الشرق الأوسط» إن «السكان قاموا بتبليغ القوات الأمنية عن مواقع ومقرات التنظيم الإرهابي داخل المدينة، وكذلك الاستدلال على مخازن ذخيرة ومواقع المسلحين».
من جانب آخر، أعلن مدير ناحية القيارة، صالح حسن الجبوري، عن قيام تنظيم داعش بتهجير الآلاف من سكان المناطق الواقعة شمال الناحية وإجبارهم على ترك منازلهم والذهاب إلى الموصل. وقال الجبوري إن «أهالي قرى الحود فوقاني والحود تحتاني وقرية سرت والحميدية، غادروا قراهم بتهديد وإجبار من مسلحي تنظيم داعش، ويبلغ عدد سكان تلك القرى نحو 10 آلاف مواطن، وهم الآن مهجرون في الصحارى يقتادهم التنظيم الإرهابي سيرًا على الأقدام وسط الظروف الجوية القاسية ومعرضون للموت، ويطالبون القوات الأمنية بالتدخل الفوري لإنقاذهم من قبضة التنظيم الإرهابي، قبل حدوث كارثة إنسانية في الساعات المقبلة، بعد أن باشر التنظيم بإفراغ هذه القرى من سكانها، التي تضم قرابة 3 آلاف وحدة سكنية».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).