آيريس ميردوخ: الأدب أهم من الفلسفة

666 صفحة من رسائل تغطي مراحل حياة الروائية والفيلسوفة البريطانية

آيريس ميردوخ وزوجها الناقد والأستاذ الجامعي جون بيلي
آيريس ميردوخ وزوجها الناقد والأستاذ الجامعي جون بيلي
TT

آيريس ميردوخ: الأدب أهم من الفلسفة

آيريس ميردوخ وزوجها الناقد والأستاذ الجامعي جون بيلي
آيريس ميردوخ وزوجها الناقد والأستاذ الجامعي جون بيلي

الروائية وأستاذة الفلسفة آيريس ميردوخ (1919 - 1999) واحدة من أغزر كتاب الأدب الإنجليزي إنتاجا في القرن العشرين، أنتجت قبل إصابتها بمرض الزهايمر في سنواتها الأخيرة ستا وعشرين رواية، وكتابا عن جان بول سارتر، ومحاورتين أفلاطونيتين، وأكثر من ثلاثين مقالة متفرقة، وكتابين في الفلسفة، هما «سيادة الخير» (1970) و«الميتافيزيقيا مرشدا إلى الأخلاق» (1992).
وخلال العام الماضي (2015) صدر عن دار «تشاتو وونداس» للنشر بلندن كتاب من 666 صفحة عنوانه «العيش على الورق: رسائل من آيريس ميردوخ 1934 - 1995» حررته اثنتان من المتخصصات في أدب ميردوخ، هما: أفريل هورنر وآن راو
Living on Paper: Letters from Iris Murdoch 1934 - 1995. edited by Avril Horner and Anne Rowe، London: Chatto and Windns، 2015، 666 pp.
ويستمد الكتاب عنوانه من قول ميردوخ في رسالة إلى ديفيد هيكس بتاريخ 5 يناير (كانون الثاني) 1946: «ومع ذلك؛ فإن الكلمات مهمة اليوم إلى الحد الذي يجعلنا نعيش على الورق مرة أخرى». وبعد اثنين وعشرين عاما تكتب في رسالة إلى فيليبا فوت بتاريخ يونيه 1968: «أستطيع أن أعيش في الرسائل». وقبل ذلك بشهر تقول في رسالة إلى هذه الأخيرة: «إني كاتبة رسائل لا تكل». وفي 1992 قالت: إنها تقتضي مدة قد تصل إلى أربع ساعات من كل يوم في كتابة رسائل إلى أصدقائها ومعارفها ومحبي أعمالها.
وحقا كانت ميردوخ في كل مراحل عمرها لا تكف عن كتابة الرسائل (كانت تكتب رسائلها بخط اليد بقلم حبر). وتقول محررتا الكتاب إنهما قرأتا أكثر من خمسمائة رسالة بقلمها – موزعة بين بريطانيا وبلدان أخرى - من أجل اختيار الرسائل التي يشتمل عليها هذا الكتاب. وبذلتا جهدا في تأريخ الرسائل؛ إذ كان من عادة ميردوخ في رسائلها الأولى أن تذكر اليوم والشهر دون ذكر السنة. أما رسائلها اللاحقة فلم تكن أحيانا تحمل تاريخا على الإطلاق.
والكتاب محلى بمجموعة من الصور الفوتوغرافية تصور ميردوخ في مختلف مراحل حياتها وصديقاتها وأصدقاءها، فضلا عن شخصيات أدبية وفكرية مثل الروائي الفرنسي ريمون كوينو، والروائية البريطانية بريجيد بروفي، والروائي المجري إلياس كانيتي، والفيلسوف البريطاني ا.ج.آير، وصورتها مع زوجها الناقد والأستاذ الجامعي جون بيلي في حديقة بيتهما، وصورتها وهي تمارس رياضة السباحة، أو وهي جالسة إلى مكتبها ومن ورائها أرفف مكتبتها.
ويوضح الكتاب أن ميردوخ، على اشتهارها في الحقل الفلسفي، لم تتزحزح قط عن اعتقادها أن الأدب أهم من الفلسفة. تقول: «من أجل كل من الخلاص الجمعي والخلاص الفردي للنوع الإنساني، فإن الفن من غير شك أهم من الفلسفة، والأدب أهم من الجميع». وحين تتحدث عن الحب تقول إن أعلى أشكاله هو «إدراك وجود الأفراد الآخرين. فالحب هو الإدراك –بالغ الصعوبة - أن شيئا غير الذات حقيقي».
وتشي رسائل ميردوخ بما كانت تتمتع به من حس بالفكاهة و«الشقاوة» المتجلية في عدم توقيرها كثيرا من الأمور المتعارف عليها. كذلك تقدم صورة للتفاصيل الدقيقة في حياتها اليومية، وأسفارها الكثيرة، واهتمامها بالثقافات الأخرى، وحبها لفن التصوير واللغات. والأهم من هذا كله أنها ترسم صورة قوية حية لما كانت عليه: إنسانة وكاتبة، امرأة وفيلسوفة.
وينتهي الكتاب بتعريف بأهم الأعلام والأصدقاء والعشاق الذين كتبت إليهم ميردوخ، والمدارس الفكرية التي اشتبكت معها بالموافقة أو المخالفة، مثل السلوكية والتفكيكية والوجودية والوضعية المنطقية.
وقد قسمت المحررتان الكتاب إلى ثمانية أقسام تغطي مختلف مراحل ميردوخ منذ مولدها في شمال دبلن، والتحاقها بكلية سومرفيل في جامعة أكسفورد، ودراستها اللغتين اليونانية واللاتينية وأدبهما، والفلسفة والتاريخ القديم إلى السنوات الأخيرة من حياتها.
وأول رسالة في الكتاب (29 أغسطس/آب 1934) موجهة من ميردوخ إلى صديقة لها تدعى آن ليتش، وقد كتبتها من آيرلندا، حيث كانت تقضي عطلة مع أبويها، وكانت آنذاك تلميذة في مدرسة باوفتون. وتبدأ الرسالة بقولها: «عزيزتي آن.هالو. إن سماء رمادية لا هوادة فيها قد ظلت تصب المطر علينا طوال الأسبوع الماضي، وقد نسيت الشمس كيف تشرق».
أما آخر رسالة في الكتاب فهي مؤرخة في سبتمبر (أيلول) 1995، وقد كتبتها إلى صديقة لها تدعى ماريان اختارت أن تنخرط في سلك الرهبنة في دير ستانبروك. وتقول فيها: «لقد انتهيت لتوي من تأليف رواية بعنوان (حيرة جاكسون) قد تظهر قريبا. فهل من الملائم [نظرا لكون صديقتها راهبة] أن أرسل إليك نسخة منها؟».
وكانت سنواتها الأخيرة فرصة لإجالة النظر في حياتها السابقة. وصرحت بأن الكتاب الوحيد الذي تخجل منه بين مؤلفاتها هو رواية «الأحمر والأخضر»، وهي رواية تدور أحداثها في آيرلندا عند قيام هبة عيد القيامة 1916 ضد الإنجليز، وفي مقابلة أجريت معها عام 1992 قالت: إن أكبر مصدرين للسعادة في حياتها كانا: زواجها من جون بيلي. وأنه قد أتيحت لها فرصة استخدام ذهنها على نحو خلاق.
ومع مجيء عام 1993 غدت متزايدة العزوف عن المشاركة في الأنشطة العامة، وعازفة عن إجراء المقابلات الصحافية أو الإذاعية أو التلفزيونية؛ وإذ راحت ذاكرتها تغيب في ظلمات النسيان كانت أحيانا تجلس لكتابة رسالة تبدأ بـ«عزيزي» أو «عزيزتي» ثم يتوقف القلم في يدها. ومع ذلك ظلت جذوة من يقظتها الفكرية حية تحت الرماد. تقول في رسالة مؤرخة في مارس (آذار) 1991: «أريد أن أجدد معرفتي بكتابات وليم جيمس. لقد قرأته منذ فترة ولكني الآن قد فقدت كتابه». وجيمس هو بطبيعة الحال فيلسوف البرغماتية الأميركية وشقيق الروائي هنري جيمس. وتكتب إلى الشاعر والمترجم الإنجليزي مايكل هامبرجر (في 1992) قائلة: «إن بجواري الآن كتاب ترجماتك لقصائد هولدرلين» وكانت قد اشترته في سبتمبر 1943. وتقول في رسالة آخرى (أكتوبر/تشرين الأول 1992) عن رحلتها مع زوجها إلى روسيا: «إن موسكو بالغة الجمال بقبابها الذهبية وشوارعها الفسيحة على نحو يثير الدهشة وقد كساها الجليد». وتعبر في رسالة أخرى (مارس 1993) عن إعجابها ببيل كلينتون وزوجته هيلاري كلينتون قائلة: «ها هنا زعامة حقيقية وأداء لما يلزم». وتقول في يونيه 1993 إنها قامت مع زوجها بزيارة لليابان (هي زيارتهما الثالثة) حيث حاضرا في جامعاتها. وتكتب مرة أخرى إلى مايكل هامبرجر في 1994 قائلة: «إني أحب ترجماتك لهولدرلين ومقدمتك لها. وأنا أذكر هولدرلين في رواية أكتبها الآن [تقصد رواية حيرة جاكسون]. لقد كانت لغتي الألمانية في فترة من الفترات جيدة على نحو لا بأس به، ولكنها الآن لم تعد بمثل هذه الجودة».
توفيت ميردوخ في الثامن من فبراير (شباط) 1999، وأثناء مرضها كان زوجها يعنى بها بمساعدة أصدقاء لهما. قضت أيامها الأخيرة في مصحة لرعاية فاقدي الذاكرة في أكسفورد. ورحلت في سلام بين ذراعي زوجها. وتلبية لرغبتها لم يحضر أحد حرق رمادها أو نثر هذا الرماد في أكسفورد. ولم تقم صلاة على روحها.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.