خارطة الإعلام المصري الخاص بين آمال استعادة المصداقية.. ومخاوف تأميم القنوات

بعدما لعبت دورًا محوريًا في استقطاب وتسييس «حزب الكنبة»

مذيعات جدد على «النهار» و«أون تي في» ضمن خطة التطوير - التعديلات شملت دمج كيانات صحافية ومواقع إخبارية في كيان واحد  إلى جانب دمج قناتي «النهار» و«سي بي سي»
مذيعات جدد على «النهار» و«أون تي في» ضمن خطة التطوير - التعديلات شملت دمج كيانات صحافية ومواقع إخبارية في كيان واحد إلى جانب دمج قناتي «النهار» و«سي بي سي»
TT

خارطة الإعلام المصري الخاص بين آمال استعادة المصداقية.. ومخاوف تأميم القنوات

مذيعات جدد على «النهار» و«أون تي في» ضمن خطة التطوير - التعديلات شملت دمج كيانات صحافية ومواقع إخبارية في كيان واحد  إلى جانب دمج قناتي «النهار» و«سي بي سي»
مذيعات جدد على «النهار» و«أون تي في» ضمن خطة التطوير - التعديلات شملت دمج كيانات صحافية ومواقع إخبارية في كيان واحد إلى جانب دمج قناتي «النهار» و«سي بي سي»

ما طرأ في السوق الإعلامية بمصر الآن وخلال الفترة الماضية يدل على أن البلاد تدخل حقبة إعلامية جديدة.. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل سترسم الاندماجات الجديدة في القنوات الفضائية المصرية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب بروز قوى جديدة وانهيار أخرى، خريطة جديدة للإعلام المصري؟ وهل ستكون ملامحها أكثر تحضرًا ومصداقية وقربًا من المشاهد بعدما عصفت بعض القنوات بمبدأ المصداقية وتفرغت أخرى لتصفية حسابات لصالح ملاكها؟
وبينما قال باحثون إعلاميون لـ«الشرق الأوسط» إن «الاندماج بين المؤسسات الإعلامية أمر ضروري أملا في تقديم إعلام شامل بأدوات تلفزيونية شديدة الجاذبية والاحترافية تتناسب مع طموح الدولة المصرية»، أبدى آخرون تخوفهم من أن تكون هذه الاندماجات «بداية لاحتكار الإعلام ومؤشر لتأميم القنوات».
* ملاك جدد وتوجهات للفضاء الإلكتروني
وحدثت تغيرات جذرية في خريطة الإعلام المصري خلال الفترة الماضية؛ بدخول ملاك جدد لقنوات فضائية، وتحول بعض الإصدارات الصحافية والإلكترونية لمؤسسات إعلامية.
وسبق أن أعلنت شبكتا تلفزيون «النهار» و«سى بي سى»، ويمتلكهما رجل الأعمال محمد الأمين اندماجهما، في الوقت ذاته تواصل قناة «أون تي في» تغيير شكل برامجها وسياستها التحريرية بسبب مالكها الجديد رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.
وتنطلق مجموعة قنوات «دي إم سي» وتضم 6 قنوات متنوعة، رياضة وأطفال وأخبار ودراما، مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، والتي انضم إليها نخبة من الإعلاميين ونجوم السينما والغناء لتقديم برامج بها.
فيما قارب الصحافي مجدي الجلاد من الإعلان عن مشروع إعلامي جديد يضم مواقع إلكترونية وصحيفة يومية مطبوعة ومركز تدريب ووكالة أنباء، وشملت التجربة ضم بوابات «مصراوي» و«فيتو» و«ياللا كورة» و«وكالة أونا الإخبارية» و«مركز تدريب أونا أكاديمي»، تحت مظلة واحدة هي مجموعة «أونا»، ويمتلكها رجل الأعمال نجيب ساويرس، المالك السابق لقناة «أون تي في».
من جانبهم، أكد إعلاميون لـ«الشرق الأوسط» وجود مفاوضات بين مستثمرين إماراتيين ورجل الأعمال السيد البدوي للاستحواذ على شبكة قنوات تلفزيون «الحياة» المملوكة له، في الوقت الذي تشهد فيه «الحياة» اضطرابات وتوقفًا عن العمل، وإغلاقًا للاستوديوهات؛ بسبب عدم صرف رواتب العاملين بها.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد قال من قبل: «نحتاج وقتًا طويلاً حتى نمتلك حصة مناسبة في التأثير إعلاميًا».. جمل السيسي لخصت المشهد الإعلامي، ودعت بعض رجال الأعمال للإقدام على عمل اندماج جديد.
* قانون الإعلام الموحد يطرق أبواب الفضائيات
من جانبه، قال الخبير الإعلامي الدكتور إسماعيل إبراهيم، إنه في «الوقت الذي ينتظر فيه الوسط الإعلامي إصدار قانون الإعلام الموحد من مجلس النواب (البرلمان)، شهدت الآونة الأخيرة حالة من إعادة هيكلة الأجهزة الإعلامية الخاصة سواء المرئية أو المقروءة، فبعد شراء رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة لقنوات (أون تي في) واندماج كياني (النهار) و(سي بي سي) ومشروع (ساويرس الجديد)، نتساءل هل هذه التغيرات جاءت في صالح الإعلام والمجتمع أم جاءت لتحقق مصالح خاصة؟، وهل ستؤدي إلى تغيرات حقيقية في خارطة الإعلام؟.
وتابع إسماعيل بقوله: «مع أن الاندماج بين المؤسسات الإعلامية أمر ضروري في الوقت الراهن لأن تأسيس شركة قابضة يساعد على صمود صناعة الإعلام في ظل التحديات التي تواجهها مهنيا واقتصاديا، ويساعد على توسع صناعة الإعلام إلى خارج مصر وفق خطوات مدروسة وجداول اقتصادية أعدها متخصصون ومحترفون في المجال الإعلامي. كما أنه يهدف إلى التطوير والتوسع، وضخ استثمارات كبيرة في قطاع الإعلام المصري لاستعادة الريادة المصرية في القطاع الإعلامي، أملا في تقديم إعلام شامل بأدوات تلفزيونية شديدة الجاذبية والاحترافية والتميز، تتناسب مع طموح الدولة المصرية والشعب المصري في النمو والتقدم والاستقرار؛ إلا أنني أخشى أن يكون وراء هذا الاندماج خطورة تتمثل في التخوف من احتكار الإعلام وتراجع المنافسة في السوق الإعلامية، بالإضافة إلى أن هناك خطورة سياسة في عمليات اندماج الكيانات الإعلامية».
لافتًا إلى أن هذه الاندماجات قد تمنع التنوع الإعلامي في طرح الآراء، خاصة وأن هذه التكتلات التي اندمجت حديثا تعبر عن اتجاه فكري معين، حيث لا توجد شفافية في إتاحة المعلومات عندنا بالشكل الكافي التي تمكننا من أن نحكم على هوية هذه التكتلات التي حدثت في مصر، مما يوحي أن هناك «أيد خفية» قد تكون وراء هذا الدمج، بهدف جمع شتات الفوضى الإعلامية في كيانات مدموجة ليسهل السيطرة عليها في تأميم واضح وناعم تحت مسمى (الدمج) وإعادة هيكلة وترتيب الإعلام، بما يخدم مصالح جهات أو فئات معينة، خاصة وأن الجميع لا يعرف حجم الصفقة التي تم بها بيع قناة «أون تي في»، وما أسباب اندماج «النهار» مع «سي بي سي»؟، في الوقت الذي نتوقع فيه مزيدًا من الصفقات خلال الفترة المقبلة والتي قد تطال صحفًا وقنوات أخرى.
وتمنى إبراهيم أن تكون هذه الاندماجات خطوة على الطريق الصحيح، وتكون كما أعلن أصحابها في صالح الإعلام وإثراء له، وأن تفرز منافسة شريفة بين محتوى هذه الكيانات، مضيفا: «أرى أنه من أجل إعلام ديمقراطي حر، يحقق مصالح المجتمع وأفراده وأطيافه المختلفة ويدافع عنها ولا ينحاز إلى فئة أو مجموعة معينة، لا بد من إصدار قانون الإعلام الموحد الذي ننتظره، بحيث يضمن تحرير وسائل الاتصال الجماهيرية من سيطرة الاحتكارات والتكتلات الاقتصادية العملاقة، ويضمن في نفس الوقت تحرير وسائل الاتصال الجماهيرية من سيطرة السلطة السياسية».
* الملكية والمحتوى
في دراسة حديثة أعدتها نفيسة صلاح الدين بعنوان «ملكية وسائل الإعلام وتأثيرها على الأداء الإعلامي» أظهرت أن التغطية الإعلامية الآن يمكن أن نصفها بأنها «انفلات إعلامي»، بعدما أصبح الدور السياسي والدعائي لوسائل الإعلام أكبر من دورها الإعلامي.. وأشارت الدراسة إلى أنه لم تكتف وسائل الإعلام بالتعبير عن حالة الاستقطاب السياسي، بل شاركت في صنعها وغابت المهنية، بداية من تشويه الحقائق والاختلاق الكامل للأخبار والخلط بين الرأي والخبر، إلى السقوط الأخلاقي باستخدام السباب والإهانات وتبادل الاتهامات. وبرز ذلك بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عندما أصبحت الفضائيات منابر لتسييس «حزب الكنبة».
الإعلان المفاجئ عن بيع قنوات فضائية وبروز قوى جديدة، واتجاه مؤسسات أخرى لطرح أصولها للبيع في الفترة المقبلة، طرح تساؤلاً حول تأثير التغير في الملكية على توجهات تلك المؤسسات الإعلامية، وقال الدكتور حسام شاكر عضو هيئة التدريس بكلية الإعلام جامعة الأزهر، إن «ظهور الكيانات الإعلامية واندماج قنوات مع أخرى طريقة متبعة في الغرب»، واستحواذ رجال الأعمال المصريين على القنوات واندماج مؤسسات مع أخرى يرسخ الحفاظ على أعمالهم».
وأضاف: أن «اتجاهًا من بعض رجال الأعمال للخروج من السوق الإعلامية يتعلق بالجانب الاقتصادي وعدم تحقيق مؤسساتهم لأرباح تدفعهم للاستمرار؛ بل إن البعض منهم يحاول الهرب من خسائر في قنواته بسبب الأزمة الاقتصادية، فضلا عن تصادم الأداء الإعلامي لقنواتهم مع مصالحهم الشخصية كرجال اقتصاد.
ويؤكد المراقبون أن «السبب فيما تشهده الساحة الإعلامية المصرية من فوضى هو فقدان المهنية وخروج بعض القنوات الفضائية عن الإطار العام».
من جانبه، قال الإعلامي المصري أحمد سامي، المعد في شبكة تلفزيون النهار، إن التوجه الجديد لبعض القنوات الفضائية المصرية الخاصة راجع لحتمية التطوير في عصر المعلومات لمنافسة الإعلام البديل المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» والهواتف الجوالة، لافتًا إلى أنه لم تعد الفضائيات المصدر الوحيد للخبر الآن، لذلك لجأت إلى البيع أو الاندماج مع كيانات أخرى لجذب المشاهدين من جديد للشاشة عن طريق تغيير شكل البرامج، فضلا عن تحقيق الربح.



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».