مطعم الاسبوع: «برون».. دردشات لبنانية في أجواء باريسية

بيسترو فرنسي يقدّم المطبخ العالمي على طبق من «الخوخ»

مطعم «برون» حيث تدور دردشات لبنانية في أجواء فرنسية - «الكيناوا» مع المانغو التي تفتح الشهيّة - طبق سمك السلمون المشوي مع الزنجبيل من أطباق «برون» المعروفة
مطعم «برون» حيث تدور دردشات لبنانية في أجواء فرنسية - «الكيناوا» مع المانغو التي تفتح الشهيّة - طبق سمك السلمون المشوي مع الزنجبيل من أطباق «برون» المعروفة
TT

مطعم الاسبوع: «برون».. دردشات لبنانية في أجواء باريسية

مطعم «برون» حيث تدور دردشات لبنانية في أجواء فرنسية - «الكيناوا» مع المانغو التي تفتح الشهيّة - طبق سمك السلمون المشوي مع الزنجبيل من أطباق «برون» المعروفة
مطعم «برون» حيث تدور دردشات لبنانية في أجواء فرنسية - «الكيناوا» مع المانغو التي تفتح الشهيّة - طبق سمك السلمون المشوي مع الزنجبيل من أطباق «برون» المعروفة

تطول لائحة المطاعم التي تنتشر في منطقة مار مخايل الواقعة وسط بيروت. وعندما تزور هذا الشارع العريق لا بدّ أن يلفتك من بعيد مطعم «برون» لجلسته الدافئة والأجواء الشبابية السائدة فيه. فهنا ستلتقي بالعراقة والحداثة معا، وتشعر بهما يغمرانك بكلّ تفصيل من تفاصيل ديكوراته المتمازجة، والتي ستستغرق وقتا لتستطيع إحصاءها جميعا.
ميزة هذا المطعم والذي يعني اسمه (Prune) فاكهة البرقوق أو «الخوخ» كما يسمى في لبنان، هي في قدرته على الجمع ما بين المهمّ والممتع معا تحت سقف واحد. ففيه تعيش أجواء باريسية وتتناول أطباقا عالمية ذات جودة عالية، كما تمضي وقتًا مسليًا تتمنى في أثنائه ألا ينتهي بسرعة.
* «برون» قصّة مطعم لا تشبه غيرها
يجذبك هذا المطعم منذ اللحظة الأولى لزيارته، فهو رغم الحداثة التي يتحلّى بها يلتزم بعناصر الأصالة اللبنانية إن بالخدمة التي يقدّمها أو بالهوية التي يحملها. فأرضيته من بلاط الموزاييك تخبرك عن تاريخه الذي حوّله من جراج لميكانيكي، إلى مطعم فاخر يقع في كنف ديكورات قبو دافئ. أبقى صاحب المطعم على طابعه هذا بعد أن لوّنه بديكورات حديثة تمثّلت بمصابيح إنارة ضخمة تتدلّى من حيطانه، وتحمل بأقمشتها وأحجامها الكبيرة نفحة باريسية بامتياز. فأضواؤها الخافتة تنعكس على مشهدية متنوّعة، بحيث تغمر جدرانه المطليّة بالأصفر الفاهي مرات، وتضعك مرات أخرى وجها لوجه أمام ثلاث لوحات فوتوغرافية بالأبيض والأسود من حقبة الثلاثينات. وهذه الصور هي عبارة عن ملصقات ضخمة لمجموعات من الناس تراهم يحدّقون بك تارة، ويشاركونك متعة تذوّق الطعام على طريقتهم تارة أخرى. ولعلّ تطعيم ديكورات المطعم بأشكال الحديد المطوّع (fer forge) المنتشرة على طول درجات سلّم يوصلك إلى الطابق الأعلى منه، حيث توجد صالات الحمام تزوّد المطعم بهندسة داخلية أنيقة لا تشبه غيرها.
* «برون» مطعم صغير ذو قلب كبير
لا يتّسع مطعم «برون» لأكثر من ستين شخصا، ولعلّ ذلك هو ما ساهم في الحفاظ على شريحة معيّنة من الزبائن، اعتادت أن تقصده في كلّ مرة رغبت في أن تستمتع بتذوّق أطباق فرنسية شهيرة وغيرها من مطابخ عالمية في جوّ حميم.
كما أن العلاقة الوطيدة التي تربط ما بين الزبون وهذا المكان تحكمها مشاعر عدّة، لا ترتكز على الأطباق اللذيذة فحسب، بل أيضًا على دماثة خلق فريق العاملين فيه. فهم يغمرونك باللطف البالغ وبالخدمة ذات المستوى العالي، فيخيّل إليك أنك ضيف في منزلك. أما الموسيقى الهادئة التي تخيّم على الأجواء عامة والأغاني الفرنسية الصادحة بين وقت وآخر، والدردشات الخافتة الدائرة بين روّاده، تشعرك دون شكّ بأنك على مرمى حجر من باريس، التي تتميّز مقاهيها ومطاعمها بأجواء مماثلة.
*في «برون» لائحة طعام غنيّة تقدّم إليك عل طبق من البرقوق
لائحة الطعام الخاصة بمطعم «برون» تتغيّر كلّ ستة أشهر. فهي دسمة ملائمة لأجواء الشتاء حينا، وخفيفة على المعدة في موسم الصيف. وتتألف هذه اللائحة من أربعة أقسام لتشمل المقبلات والسلطات والأطباق الأساسية والحلويات.
في قسم المقبلات تجد جبنة الـ«مانشيغو» الإسبانية المتبّلة بزيت الكمأة، وكذلك الـ«بوراتينا» (نوع من الجبن الإيطالي) مع البندورة الكرزية والحبق. كما في استطاعتك في هذا الجزء من لائحة الطعام أن تتذوّق «تارتار» لحم البقر على قطعة خبز مقرمشة (توست)، وشرائح اللحم الطازجة على طريقة الـ«كارباتشيو» مع الإخطبوط، وأيضًا قطع الشمندر مع الأفوكادو المهروس على الخبز المقرمش.
وفي قسم السلطات ستحبّ خليط الروكا مع الخرشوف الطازج وقطع التفاح، وكذلك الفريكة مع الدجاج والسبانخ. ومن السلطات الأخرى التي ستستمتع بتذوقها الكيناوا الحمراء مع الربيان وفاكهة الغريبفروت.
في مطعم «برون» سيكون لديك الفرصة لتذوّق أطباق يقترحها عليك الشيف، بعد أن يتم تدوينها على لوح يتوسط المطعم أسبوعيا. فأحيانا تتسّم هذه الأطباق بالخروج عن المألوف، فتكون إيطالية أو فرنسية، وذلك في محاولة للتجديد وابتكار الفرق بين أطباق الأسبوع المقدمة عادة في المطعم. فعليك حينها أن تطلب مثلا طبق المعكرونة (لانغويني) المحضّر مع ثلاثة أنواع من الفطر دون صلصات دسمة، أو فيليه سمك (انغوس) الأسود مع البهارات والبطاطس. ومن لائحة الطعام سيكون لديك خيارات أكبر مع قطع اللحم (اسكالوب) المطبوخة على الطريقة الفرنسية و«إنتركوت» المشوية مع صلصة (شيميشوري) والهمبرغر بخلطة «برون» الخاصة بالمطعم، وطبق الدجاج اللذيذ والمطهي مع فاكهة «الخوخ».
أطباق كثيرة وكثيرة تستطيع أن تختارها في جلستك في «برون»، والأهم أنك لن تشعر بالتخمة أو بعسر الهضم عند تناولك لها، لأنها حضّرت بمكونات طازجة وبصلصلات خفيفة تتلاءم وكلّ موسم.
أما وقت تناول الحلوى فلا يجب أن تفوّت تذوّق (بان روتروفيه)، وهي نوع حلوى مشهورة في فرنسا ويتألّف من قطعة خبز أفرنجي مغطّسة بالكراميلا يرافقها قطعة من مثلجات الفانيليا أو اللوز. ومن أطباق الحلوى اللذيذة التي تقدّم في «برون» (التيراميسو) المحضّر على طريقة ربّة المنزل، وكعكة «تشيز كيك» و«البوبكورن» مع الكاراميل وآيس كريم الكراميل المملّح وصلصة الشوكولا.
جلسة تناول الطعام في «برون» ستقترحها على أصدقائك، في كلّ مرة تزور فيها شارع مار مخايل في منطقة الأشرفية. صحيح أن الحيرة ستجتاحك للخيارات الكثيرة التي تطالعك في مجال اسم المطعم الذي يمكنك أن تقصده في ذلك الشارع، إلا أن «برون» سيكون خير عنوان لجلسات رومانسية وعملية وعائلية في آن، نظرا لأجوائه الحميمية والحلوة تماما كطعم «الخوخ» اللذيذ الذي يشير إليه اسمه.



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».