النائبة الأفغانية باركزاي لـ {الشرق الأوسط}: لن نستسلم لطالبان

إشادة بمشاركة 58 في المائة من الناخبين بالانتخابات الرئاسية.. وبدء عملية فرز الأصوات

شكرية باركزاي
شكرية باركزاي
TT

النائبة الأفغانية باركزاي لـ {الشرق الأوسط}: لن نستسلم لطالبان

شكرية باركزاي
شكرية باركزاي

هذه المرة التقيت النائبة البرلمانية الأفغانية البشتونية العرق شكرية باركزاي رئيسة لجنة الدفاع تحت قبة البرلمان بالصدفة البحتة، في مقر وكالة «أسوشييتد برس» بشارع 15 بمنطقة وزير أكبر خان أو «سركا بنزه وزير أكبر خان». ذهبت هناك للقاء صديق قديم، وهو أحد الصحافيين الأفغان من خريجي جامعة الإمام محمد بن سعود في السعودية، وهو يتحدث العربية بطلاقة، لترتيب لقاء لي مع المرشح الرئاسي الشيخ عبد الرب رسول سياف زعيم المجاهدين الأفغان إبان فترة الحرب ضد الروس, وكانت النائبة شكرية باركزاي في حالة حزن واضح، فقد جاءت إلى المحطة التلفزيونية لتعزية زملاء الصحافية الألمانية أنجا نيدرجوس التي لقيت حتفها في خوست شرق أفغانستان، وكانت تعمل لصالح «أسوشييتد برس».
وأصيبت أيضا المراسلة الإقليمية للوكالة الأميركية كاثي جانون في حادث لإطلاق النار، ارتكبه مسلح يرتدي زيا للشرطة بشرق أفغانستان, عشية الانتخابات الرئاسية, وقالت باركزاي لـ«الشرق الأوسط» إنها كانت تعرف الصحافية الألمانية التي غطت الشؤون الأفغانية من العاصمة لأكثر من 15 عاما عن قرب».
وباركزاي تعد أشهر نائبة تحت قبة البرلمان الأفغاني، على الرغم من وجود 68 عضوة أخرى, بسبب صوتها الذي يجلجل في الدفاع عن حقوق المرأة وتصديها لسطوة المجاهدين وعناصر طالبان في الجلسات البرلمانية.
وكانت «الشرق الأوسط» التقت باركزاي في انتخابات 2009 في أحد أجنحة البرلمان بعد لقاء خاص مع الشيخ يونس قانوني رئيس البرلمان السابق، الذي يشغل حاليا منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، كانت وقتها تقول لـ«الشرق الأوسط» إذا عادت طالبان إلى الحكم، فإنها ستغادر أفغانستان مع أطفالها بتذكرة ذهاب دون عودة، لأن هؤلاء يريدون من النساء العودة إلى الصفوف الخلفية. ولكن هذه المرة كانت أكثر تحديا وتصميما وهي تقسم: «حتى لو عادت طالبان إلى الحكم فلن نغادر بلادنا، العمر واحد والرب واحد، وسيأتي الأجل عندما يأمر الله عز وجل». وكانت تنحدر الدموع من مقلتيها وهي تتحدث عن هؤلاء الذين خاصموا الحياة، يقتلون الأخضر واليابس في نفوس الشعب الأفغاني. وتحدثت عن مقتل الصحافي الأفغاني سردار أحمد مدير وكالة الصحافة الفرنسية في العاصمة كابل وزوجته وطفليه نهاية الشهر الماضي, وكذلك استهداف الصحافيين الأجانب عن عمد وترصد، مثل الصحافية الألمانية أنجا التي قتلت في خوست، لمجرد أنها ذهبت لأداء الواجب المهني لتغطية الانتخابات هناك.
وقالت باركزاي إنها نجحت من قبل في الوصول إلى قبة البرلمان في الدورة السابقة في مواجهة عتاة منافسين، بفضل أصوات أبناء دائرتها من الطلبة الجامعيين والسيدات وأصحاب الفكر الليبرالي، الذين يتخوفون مثلها على مستقبل أفغانستان من عودة طالبان إلى الحكم وسطوة الجهاديين الذين «يريدون عودة عقارب الساعة إلى الوراء».
وأشارت إلى أن طالبان ليسوا وحدهم الذين يهددونها، بل أيضا مافيا الفساد من رجال الأعمال الفاسدين الذين فضحتهم تحت قبة البرلمان من قبل، وكذلك قادة الجهاد الأفغاني أعضاء البرلمان الذين يريدون عودة المرأة مرة أخرى إلى كواليس المطبخ. وأوضحت: «هم يكرهونني، وأنا أعرف ذلك مقدما، ولكني لا ألتفت كثيرا إلى انتقاداتهم».
وسألتها «الشرق الأوسط» كيف جاءت إلى مقر «أسوشييتد برس»، فقالت إنها رفضت الحراسة الخاصة الممنوحة لأعضاء البرلمان، وتتنقل مع سائقها الخاص من منزلها إلى مقر البرلمان الأفغاني في منطقة كارتيه سي بغرب العاصمة كابل دون حراسة، وكذلك تذهب إلى الأسواق لشراء حاجيات منزلها لأطفالها الخمسة, وأكبرهم فاطمة في الـ18 من العمر، وهي على الدرب ستدرس العلوم السياسية، وكذلك هي لم تغير من نمط حياتها بعد تلقيها تحذيرا بخطاب رسمي من الداخلية الأفغانية، تقول إنها هدف للانتحاريين. وأعربت عن اعتقادها أن من يهدد حياتها قد يكون تجار المخدرات أو طالبان.
جاء الحوار مع النائبة البرلمانية باركزاي عشية التصويت على الانتخابات الرئاسية على النحو التالي:
* لمن ستعطين صوتك في الانتخابات الرئاسية.. وما الفرق بينها وانتخابات عامي 2004 و2009؟
- على الأرجح سأصوت للدكتور أشرف غني، فهو شخصية معروفة دوليا، وخدم من قبل في المنظمات الدولية. وكان عميدا لجامعة كابل ووزيرا للمالية ومستشارا لكرزاي, وهو رجل صلب يستطيع الدفاع عن الشأن الأفغاني في مواجهة سطوة المجاهدين، ويجعله هما يوميا من أجل إنقاذ البلاد بعودة الأمن والاستقرار إليها. وهو يستطيع التصدي لأمراء الحرب والمجاهدين، وكذلك يستطيع أن يجمع الشعب كله على كلمة سواء, وأيضا أشرف غني يعرف الحدي ثمن مستقبل البلاد التي تحارب منذ أكثر من 30 عاما، وكيفية تحقيق الأمن والاستقرار بعد رحيل القوات الأجنبية نهاية العام الحالي.
وهو رجل عندما تستمع إليه قادر على إقناع الطرف الآخر, وقد شاهدنا منذ أيام نائبه على قائمته الانتخابية أمير الحرب الأوزبكي عبد الرشيد دوستم يعتذر للشعب الأفغاني عن تجاوزاته السابقة، وهي خطوة إيجابية تحسب لأشرف غني الذي أقنعه بذلك.
أما الفرق هو أنه في انتخابات عامي 2004 و2009. كنا نعرف الفائز بسدة الرئاسة مقدما، بسبب توقع عمليات التزوير، أما انتخابات 2014، فالمنافسة قوية كانت بين 11 مرشحا، ثم ثمانية بعد انسحاب ثلاثة، وهناك تفاؤل عام بين المرشدين الرئيسين في عدم حدوث تجاوزات. والمنافسة الآن بين ثلاثة مرشحين هم زلماي رسول وأشرف غني وعبد الله عبد الله، بالإضافة إلى وجود خمسة مرشحين في الصفوف الخفية، وقد يكون هناك إعادة، ما لم يتحقق النصاب.
* هل اعتاد الأفغان على نمط العنف الذي يضرب بإرجاء الحياة من ضربات طالبان هنا وهناك في العاصمة، وفي مختلف الولايات الأفغانية الأخرى التي لم تسلم من تلك الهجمات؟
- الناس في حالة ضيق وقرف مما يحدث من قتل للأبرياء والصحافيين الأجانب، وحتى الأطفال لم يسلموا من تلك الهجمات، إحدى تلك الهجمات أبادت عائلة الصحافي الأفغاني سردار أحمد في كابل، عن بكرة أبيها، الزوج والزوجة وطفليه, ماذا ارتكب من ذنب؟ لقد ذهب إلى فندق سرينا للاحتفال بعيد النيروز مثل الجميع, ويمكن أن ترى شوارع العاصمة التي خلت من المارة عشية الانتخابات. وأنا أقول للأفغان لا تخافوا منهم، و«لكل أجل كتاب» و«يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة». والأفغان لا يعانون من طالبان فقط، ولكنهم يعانون من الفساد الذي يضرب أرجاء الحياة اليومية. ولهذا نحن في حاجة إلى رئيس جديد قادر على إحلال الأمن والسلام الأمن والسلام في بلادنا، وفي الوقت ذاته يستطيع أن يمد يد العون للفقراء والمهمشين يستطيع التصدي لطالبان الذي عاثوا في الأرض فسادا.
* كيف ترين مستقبل أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية نهاية العام الحالي؟
- سيغادرون بلادنا نهاية العام، وليس أمامنا سوى الاعتماد على قواتنا من الجيش والشرطة، والوضع الأمني في مجمله ليس بهذا السوء ويمكن ملاحظة عدد مراكز الاقتراع في الانتخابات، وقدرة قوات الأمن في 34 ولاية على تأمينها ضد هجمات طالبان الذين يسعون لضجة إعلامية تقول إنهم عرقلوا الانتخابات، بفرض كلمتهم على الشعب الذي خرج لاختيار رئيس جديد في تجربة ديمقراطية تمرّ بها البلاد. ولكن لن يحدث ذلك، وهم فشلوا في تعطيل الانتخابات. وسنعتمد على قواتنا الوطنية ليس في تأمين الانتخابات فقط، ولكن في الحياة اليومية أيضا، ونأخذ في الاعتبار أننا يجب أن نطهر قوات الأمن من الأشرار والمرتشين، ولكنني أعتقد أن قوات طالبان لن تعود كقوة حاكمة مرة أخرى، الزمن لن يعود إلى الوراء، يكفي أنهم حكموا أفغانستان من عام 1996 حتى عام 2001، وأنا واثقة من ذلك. وحتى بعد انسحاب القوات الأجنبية، فإننا نأمل في تقديم العون والخبرة للقوات الأفغانية، حتى تستطيع أن تأخذ بزمام الأمور كليا.
* أنت ناشطة حقوقية ونائبة برلمانية تتصدين بالقول لطالبان ومشايخ الجهاد الأفغاني جهارا.. ألا تخافين منهم؟
- كنت في أفغانستان عندما تولى طالبان الحكم وفرضوا سيطرتهم على كابل، رأيت معاناة الشعب الأفغاني فقد حرموا تعليم البنات ومنعوا الإذاعة والتلفاز، وكنا قبلها نعيش أتون الحرب الأهلية بين المجاهدين. كان خمسة من قادة الجهاد يتبادلون القصف بقذائف المدفعية للسيطرة على العاصمة كابل. ولذا رحب الأفغان بمجيء «الطلبة» أو طالبان، لإنهاء الحرب العرقية بين المجاهدين التي تركت جروحا لا تندمل. ولكن اليوم الأفغان يتمتعون بالديمقراطية وحرية الصحافة والإعلام والقنوات التلفزيونية الملوّنة التي حرمها طالبان، ومدارس تعليم البنات في كل مكان، والعيادات الصحية والمستشفيات الحكومية تقدم الرعاية الطبية؟ كل ذلك يحرم طالبان من فرصة التفكير في العودة إلى سدة الحكم مرة أرى، هم الآن خارج الزمن، ويريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
أنا في العادة أرفع صوتي بالاحتجاج عند عرض مسودة مشاريع القوانين تحت قبة البرلمان، وإن لم يعجبني شيء يتعلق ببنات جنسي أصرخ ولا أتوقف، حتى لو صرخوا وطالبوني بالصمت. ويجب أن أعترف أن جزءا من التقاليد الأفغانية أن لا ترفع المرأة صوتها في حضرة الرجال، فهذا الأمر لا يعجب قدامى المجاهدين، ولأننا اليوم في عالم متغير، وتحت قبة برلمان واحد، وهناك مشكلات عاتية في الشارع الأفغاني منها تدهور الأمن، واستفحال زراعات المخدرات والعنف المنزلي الموجه ضد النساء، فلا بد أن يقف أحد ما ويضع النقاط على الحروف، ويقول بصوت عالٍ لرئيس البرلمان أو السادة النواب هذا خط أحمر.. أعطونا فرصة لنعبر عن الضرر الذي ستلحقونه بنساء أفغانستان. وخلال البرلمانات السابقة لم ترَ أمي أو جدتي من قبل في اعتراض النائبات بالاحتجاج أو تقديم الاستجواب ضد ما يحدث لبنات جنسهن من تهميش أو عنف أحيانا.
والنائبات الأفغانيات وعددهن 68 نائبة ضمن 249 من نواب البرلمان الأفغاني كسرن التقاليد أو «الممنوعات»، الذي كان مفروضا عليهن منذ سنوات «الجهاد»، أي قبل وصول طالبان إلى الحكم عام 1996، وبات صوت النساء اليوم عاليا تحت قبة البرلمان، وبالتالي فإن المجاهدين الذين يسيطرون على نحو 90 في المائة من مقاعد البرلمان يريدون إسكات أصواتنا إلى الأبد، لأنهم يعتقدون أن مكان المرأة الحقيقي هو في المنزل أو في المطبخ.
ولكن أتوقف مع نفسي أحيانا كثيرة، وأقول إننا مع عودة طالبان من خلال المشاركة السياسية في البرلمان أو الحكومة، أي بعيدا عن العنف، أي بعد أن يلقوا السلاح، ويتخلصوا من أوهام الانقلاب على الحكومة، والسيطرة عليها، وفرض قوانينهم من جديد التي جعلت النساء مواطنين من الدرجة الثانية.
* كيف وصلت اليوم من منزلك إلى مقر الوكالة.. وهل تلقيت تهديدات من طالبان من قبل؟
- جئت مع سائقي الخاص، واذهب معه إلى الأسواق لشراء حاجيات أطفالي الخمسة، وكذلك أغراض المنزل، ويذهب معي إلى جلسات البرلمان في منطقة كارتيه سي بغرب العاصمة كابل دون حراسة. وحتى وأنا في الطريق إلى هنا أوقفت الشرطة السيارة لتفتيشها، أما التهديدات فلا تتوقف، وربما تكون طالبان أو مافيا المخدرات. وعن فحوى التهديدات التي تلقيتها من قبل، وبداية تهديدي بالقتل، فقد جاءت بعد تقدمي بأكثر من استجواب عن سبب استفحال زراعة الخشخاش في أراضي أفغانستان، وضعف الحكومة على الأرض في مواجهة فلول عناصر طالبان. وتُعدّ المخدرات التي تعانيها أفغانستان في وادي نهر هلمند بإقليم هلمند في جنوب البلاد أزمة حقيقة للبلاد.
* هل هناك دور للمرأة في برامج انتخابات 2014؟
- التجمعات الانتخابية لسيدات الأفغان تزايدت من خمسة آلاف إلى عشرات الآلاف في جميع الولايات الأفغانية بحثا عن حقوق المرأة وتحسين ظروفها المعيشية، خاصة أن جرائم العنف ضد المرأة بأفغانستان سجلت مستويات قياسية وازدادت وحشية في عام 2013. حتى هؤلاء المرشحون الرئاسيون الذين لا يتحدثون كثيرا عن المرأة أعطوا وعودا بتحسين ظروف المرأة المعيشية. نريد أن نتقدم إلى الأمام من أجل حل مشكلات أفغانستان، وهناك كثير من نخب المجاهدين لا يقبلون أن تناقشهم المرأة بالحجة من أجل مصالح ملايين النسوة الذين حرموا سنوات طويلة من حقوقهن. والمجاهدون السابقون لا يريدون للمرأة أن يكون لها صوت في المعارضة والاستجواب، ويستكثرون عليها ذلك، وقيادات الجهاد الأفغاني لم يتعودوا المعارضة من النساء في الحياة العامة.. ولكن الزمن قد تغير، ولا بد من إيصال صوت النساء اللاتي عانين التهميش في عهد طالبان إلى مسؤولي الحكومة، ولذا فهم يكرهونني، ويسعون لإسقاطي، وقد فشلوا من قبل.
هناك الكثير من القضايا الملحة، مثل الأمن المتدهور في الشارع الأفغاني، والسؤال الملحّ الذي لا يتوقف أين تذهب المساعدات الأجنبية على أرض الواقع، فالشوارع كما هي منذ سقوط طالبان قبل 13 عاما، ومشكلات الاقتصاد والبطالة تتفاقم، وحالات الناس المادية تتدهور من سيئ إلى أسوأ. نحن نريد أن نرى الإنجازات على أرض الواقع في مجالات الأمن والصحة والتعليم والطرق وغيرها.



أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
TT

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»

لم تكن قضية الدفن في اليابان مطروحة على نحو واسع في السنوات الماضية، فالمجتمع الذي اعتاد منذ عقود طويلة على الحرق (الكريماتوريوم) بوصفه الطقس الجنائزي شبه الوحيد، لم يعرف تقليد الأرض، ولا القبور المفتوحة، ولا الأبنية الحجرية التي تتعانق فوقها شواهد الموتى. في بلد تشكّل الجبال ثلاثة أرباع مساحته، وتنافس المدن بضيق شوارعها على كل شبر من اليابسة، بدا الموت نفسه خاضعاً لحسابات المكان، مسيّجاً بقواعد عمرانية وثقافية صارمة، جعلت من الحرق خياراً إجبارياً لا يخطر ببال أحد تجاوزه.

هنا، تتغلب العقيدة على الجغرافيا، وتنتصر الضرورة على الطقوس؛ فالحرق هو الخاتمة الطبيعية لأغلب اليابانيين، بنسبة تتجاوز 99 في المائة. نهاية تتماهى مع الفلسفة البوذية والشينتو، لكنها أيضاً استجابة عملية لجغرافيا لا تسمح بترف المدافن، ولا بشواهد ممتدة على مدى البصر كما يعتاد الناس في بلدان أخرى، في حين يُعامل الدفن باعتباره استثناءً نادراً، لا سند له سوى حالات خاصة أو ظروف قاهرة. لكن هذا النظام، الذي ظلّ عقوداً بلا منازع، بدأ يواجه اختباراً جديداً مع اتساع الجالية المسلمة في البلاد، والتي تتراوح أعدادها وفق تقديرات متقاطعة بين 200 و350 ألف مسلم. هذه الجالية، التي تنمو في الجامعات والمصانع والبحث العلمي والتجارة، تحمل معها تقليداً جنائزياً لا يعرف المساومة: دفن الميت في الأرض، وفق شروط شرعية ثابتة، لا حرق فيها ولا تبديل.

كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟

بدأت أسئلة جديدة تُطرح حول كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟ فجاءت الإجابة مُربكة: مساحات قليلة ومتباعدة، بعضها في أطراف كوبي، وأخرى في ريف هوكايدو البعيد، في حين تُحرم مناطق واسعة من توهوكو شمالاً إلى كيوشو جنوباً من أي موطئ قدم لمدفن إسلامي، تاركة آلاف الأسر أمام خيارات قاسية لا تعرف سوى السفر أو الترحيل أو مواجهة فراغ تشريعي لا يعترف بالحاجة.

ومع أن مطالب الجالية المسلمة لم تكن كاسحة أو مُربكة للدولة؛ إذ اقتصر طلبهم على مساحات محدودة في ضواحي المدن تُدار وفق شروط صارمة تتوافق مع القوانين الصحية، فإن التجاوب الرسمي ظل باهتاً. برزت اعتراضات محلية تتحدث عن مخاوف بيئية من تلوث المياه الجوفية، رغم أن خبراء الصحة والبيئة لم يجدوا ما يدل على خطورة الدفن الإسلامي إذا نُظّم بطريقة مناسبة.

لحظة الانفجار البرلماني

وفي خضم هذا الجدل الصامت، انفجر الملف فجأة داخل البرلمان الياباني، حين وقفت النائبة أوميمورا ميزوهو العضوة البارزة في حزب سانسيتو المحافظ، لتعلن أن اليابان «لا تحتاج إلى أي مقابر جديدة»، وأن الحرق «هو النظام الطبيعي والمتوافق مع تركيبة هذا البلد».

ومضت خطوة أبعد من ذلك، بدعوة المسلمين إلى التفكير في «بدائل منطقية»، من بينها القبول بالحرق أو ترحيل الجثامين إلى الخارج، مستشهدة بتجارب أوروبية وأميركية، كما قالت، من دون أن تذكر أن هذه التجارب نفسها تواجه انتقادات واسعة عندما تتعارض مع حقوق الأقليات الدينية.

غضب في صفوف الجالية المسلمة

وقد جاء تصريحها كصاعقة في أوساط الجالية المسلمة، التي رأت فيه إشارة واضحة إلى توجّه رسمي نحو إغلاق الباب أمام أي توسع في المقابر الإسلامية، خصوصاً بعد أن حظي كلامها بتأييد عدد من النواب الذين تحدثوا عن «عجز اليابان عن تحمل أعباء ثقافية جديدة بسبب ضيق الأرض».

فجأة، تحولت القضية من نقاش بلدي إلى مشهد سياسي وطني واسع، وبات المسلمون يشعرون بأن حقهم في الدفن وفقاً لشريعتهم يُناقَش الآن في البرلمان باعتباره عبئاً، لا احتياجاً دينيّاً وإنسانياً مشروعاً.

وبين ضغط الجغرافيا اليابانية، وتمسّك المسلمين بواجباتهم الشرعية، ومواقف سياسية تزداد تصلباً، تبدو أزمة المقابر الإسلامية مرشحة لتتحول إلى اختبار حقيقي لقدرة اليابان على مواكبة مجتمع أصبح أكثر تنوعاً مما كان عليه قبل عقد واحد فقط. وبينما تبقى القبور قليلة، يظل السؤال الأكبر معلّقاً فوق المشهد الياباني: هل ستتسع أرض اليابان للموتى المسلمين بعد أن ضاقت بحاجات الأحياء، أو أن رحلتهم الأخيرة ستظل تبدأ في اليابان... لكنها لا تنتهي فيها؟


رئيس كوريا الجنوبية يشعر بأن عليه الاعتذار لبيونغ يانغ عن تصرفات سلفه

الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)
الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)
TT

رئيس كوريا الجنوبية يشعر بأن عليه الاعتذار لبيونغ يانغ عن تصرفات سلفه

الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)
الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)

قال الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ، اليوم (الأربعاء)، إنه يشعر بأن عليه تقديم اعتذار لكوريا الشمالية بسبب أوامر سلفه بإرسال مسيّرات ومنشورات دعائية عبر الحدود.

وقال في مؤتمر صحافي عقده في مناسبة مرور عام على إعلان الرئيس السابق يون سوك يول الأحكام العرفية وإدخال البلاد في حالة من الفوضى لفترة وجيزة: «أشعر بأن علي أن أعتذر لكنني أتردد في قول ذلك بصوت عال».

وأضاف: «أخشى أنه إذا فعلت ذلك، قد يتم استخدامه في المعارك الأيديولوجية أو لاتهامي بأنني مؤيد للشمال».

من جهة أخرى، أكد ميونغ أن سيول يجب ألا تأخذ طرفاً بين اليابان والصين في ظل توتر العلاقات بين البلدين بسبب قضية تايوان.

وقال: «هناك خلاف بين اليابان والصين، والانحياز إلى أي طرف منهما لا يؤدي إلا إلى تفاقم التوترات».

وأشار إلى أن «المقاربة المثالية هي التعايش واحترام واحدنا الآخر والتعاون قدر الإمكان»، واصفا شمال شرق آسيا بأنها "منطقة شديدة الخطورة من حيث الأمن العسكرير.وتصاعد الخلاف بين طوكيو وبكين بعدما صرحت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بأن طوكيو قد تتدخل عسكرياً إذا غزت الصين تايوان ما أثار ردود فعل دبلوماسية حادة من بكين التي دعت مواطنيها إلى تجنب السفر إلى اليابان.وتعتبر الصين تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي جزءاً من أراضيها ولم تستبعد ضمها بالقوة إذا لزم الأمر.


الفلبين: الحوثيون سيفرجون عن مواطنين ناجين من غرق سفينة في البحر الأحمر

أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)
TT

الفلبين: الحوثيون سيفرجون عن مواطنين ناجين من غرق سفينة في البحر الأحمر

أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)

أعلنت السلطات الفلبينية، اليوم الثلاثاء، أن الحوثيين سيطلقون سراح تسعة من مواطنيها هم أفراد طاقم سفينة شحن أغرقها المتمردون اليمنيون، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ونجا التسعة بعد غرق سفينة «إيترنيتي سي» التي ترفع العلم الليبيري، وكانت من بين سفينتين تجاريتين غرقتا في البحر الأحمر في يوليو (تموز).

ونشر الحوثيون تسجيلاً مصوراً للهجوم على السفينة حينذاك قائلين إنهم أنقذوا عدداً غير محدد من أفراد الطاقم ونقلوهم إلى موقع آمن.

وأفادت الخارجية الفلبينية بأنها تلقت وعداً من سلطنة عمان بأنه «سيتم الإفراج عن تسعة بحارة فلبينيين من (إم/في إيترنيتي سي) المشؤومة، احتجزهم الحوثيون كرهائن في البحر الأحمر».

وذكر البيان الذي أشار إلى جهود الحكومة العمانية أنهم سينقلون أولاً من صنعاء إلى عُمان قبل العودة إلى بلادهم.

ورفض متحدث باسم وزارة الخارجية تحديد موعد لعملية إطلاق سراحهم، أو الإفصاح عما إذا كانت مرتبطة بأي شروط.

ووضع غرق سفينتي «إتيرنيتي سي» و«ماجيك سيز» في يوليو حداً لتوقف دام عدة شهور للهجمات التي شنّها الحوثيون على حركة الملاحة في البحر الأحمر، والتي بدأت بعد اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ودفعت الهجمات التي يقول الحوثيون إنها استهدفت سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين، العديد من الشركات لتجنّب هذا المسار، حيث يمر عادة نحو 12 في المائة من الشحنات التجارية في العالم.

ويشكّل البحارة الفلبين نحو 30 في المائة من قوة الشحن التجاري العالمية. وشكّل مبلغ قدره نحو سبعة مليارات دولار أرسلوه إلى بلدهم عام 2023، نحو خُمس التحويلات التي تُرسل إلى الأرخبيل.