القوات العراقية تحاصر «داعش» وسط بلدة القيارة الاستراتيجية جنوب الموصل

الأمم المتحدة تستعد لاستقبال مئات الآلاف من النازحين

قوات عراقية تتقدم نحو مركز القيارة جنوب الموصل أمس («الشرق الأوسط»)
قوات عراقية تتقدم نحو مركز القيارة جنوب الموصل أمس («الشرق الأوسط»)
TT

القوات العراقية تحاصر «داعش» وسط بلدة القيارة الاستراتيجية جنوب الموصل

قوات عراقية تتقدم نحو مركز القيارة جنوب الموصل أمس («الشرق الأوسط»)
قوات عراقية تتقدم نحو مركز القيارة جنوب الموصل أمس («الشرق الأوسط»)

تمكنت القوات الأمنية العراقية، أمس، من اقتحام مركز ناحية القيارة، أكبر نواحي محافظة نينوى شمال العراق، الواقعة على بعد 60 كيلومترا جنوب مدينة الموصل، مركز المحافظة. وأعلنت قيادة العمليات المشتركة عن دخول القطعات العسكرية إلى مناطق قريبة جدًا من مركز المدينة مؤكدة سير العمليات العسكرية حسب الخطط الموضوعة مسبقًا بعد تحرير قاعدة القيارة العسكرية التي كانت منطلقًا لتحرير كبرى نواحي محافظة نينوى.
وقال المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات المشتركة، العميد يحيى رسول الزبيدي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات الأمنية العراقية المتمثلة في قوات الفرقة التاسعة للجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات من أبناء عشائر محافظة نينوى بمساندة فاعلة من قبل طائرات التحالف الدولي وسلاح الجو العراقي، انطلقت فجر أمس في معركة تحرير ناحية القيارة وتمكنت من الوصول إلى مناطق مهمة داخل الناحية وسيطرت بشكل كامل على جميع أطرافها.
وأضاف الزبيدي أن «مسلحي تنظيم داعش الإرهابي حاولوا إيقاف تقدم قطعاتنا العسكرية من خلال زرع المئات من العبوات الناسفة والهجوم بعدد من العجلات المفخخة التي يقودها انتحاريون، وتمكنت طائرات التحالف الدولي من تدميرها، كما تمكنت فرق الجهد الهندسي التابع لقوات الفرقة التاسعة من إبطال مفعول العبوات الناسفة ومن ثم فتح الطريق أمام قواتنا في عمليات التقدم». وأشار الزبيدي إلى أن «أهمية تحرير ناحية القيارة تكمن في أنها ساهمت بشكل فاعل في قطع مصادر تمويل التنظيم الإرهابي وتجفيف منابعه لكون الناحية تضم نحو 63 بئرًا نفطية ومصفاة كبيرة كان التنظيم الإرهابي يستغلها في بيع النفط وتمويل عناصره، وبتحرير الناحية يكون التنظيم الإرهابي قد خسر واحدًا من أهم مصادر تمويله في العراق. وفي المقابل فتح تحرير الناحية الباب أمام قواتنا العسكرية على مصراعيه في التقدم لتحرير مدينة الموصل وبقية مدن محافظة نينوى».
وأكد الزبيدي أن «عملية تحرير ناحية القيارة سبقتها موجة نزوح جماعي لأهالي الناحية عبر ممرات آمنة هيأتها قواتنا الأمنية مسبقًا وتم إبلاغ السكان المدنيين على مواقع تلك الممرات عبر إلقاء مروحيتنا مئات الآلاف من المنشورات التوضيحية لمواقع تلك الممرات من أجل الحفاظ على أرواح السكان قبل الدخول في عمليات تحرير المدينة».
إلى ذلك، أكد قائد قوات النخبة الثانية التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب، اللواء الركن سامي العارضي، تحرير عدد كبير من آبار النفط أثناء عمليات اقتحام ناحية القيارة، وقال العارضي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «قوات النخبة الثانية في جهاز مكافحة الإرهاب وبالاشتراك مع قوات تابعة إلى اللواء 91 في الجيش العراقي تمكنت من استعادة السيطرة على 60 بئرًا للنفط كانت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، كما تمكنت من قطع طريق لوجستي واستراتيجي رئيسي كان عناصر التنظيم الإرهابي يستخدمونه في الوصول إلى مدينة الموصل، في حين يقوم عدد كبير من دبابات البرامز التابعة لقوات الفرقة التاسعة للجيش العراق بعمليات اقتحام مركز الناحية والوصول إلى وسط المدينة». وأضاف العارضي أن «مسلحي التنظيم الإرهابي محاصرون الآن في وسط الناحية، في حين تمكن عدد منهم من الهرب باتجاه نهر دجلة الذي يمر في مدينة الموصل».
إلى ذلك، حذرت الأمم المتحدة أمس من موجة نزوح لم يشهدها العالم منذ سنوات خلال عملية استعادة مدينة الموصل. وذكر تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تلقت وكالة الصحافة الفرنسية نسخة منه، أن أكثر من مائتي ألف عراقي فروا من منازلهم منذ مارس (آذار) الماضي، بسبب العمليات العسكرية ضد المتطرفين. وأشار التقرير إلى أن «الهجوم المرتقب على الموصل (...) قد يؤدي، إذا ما طال أمده، إلى نزوح أكثر من مليون عراقي إضافي». وحذر برونو جيدو، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق، من أن «الأسوأ لم يأت بعد ونتوقع أنه قد يؤدي إلى نزوح جماعي على نطاق لم يشهده العالم منذ سنوات كثيرة».
ونزح نحو 3. 4 ملايين عراقي جراء أعمال العنف والعمليات التي أعقبت سيطرة تنظيم داعش في يونيو (حزيران) 2014 على مساحات شاسعة بينها الموصل التي كان يقدر عدد سكانها بمليوني نسمة.
ومن الصعب تحديد أعداد الذين ما زالوا يعيشون في الموصل حاليا، لكن الأمم المتحدة ومصادر أخرى ذكرت أن ما يصل إلى مليون مدني ما يزالون في المناطق الخاضعة لسيطرة الجهاديين في الموصل.
وقال الناطق باسم المفوضية العليا للاجئين، أدريان إدواردز، للصحافيين في جنيف، إن الأمم المتحدة لا تعرف عدد السكان حاليا في الموصل، ثاني مدن العراق، لكن «ما يصل إلى 1. 2 مليون شخص قد يتأثرون بعملية تحرير الموصل». وأضاف الناطق أن «المفوضية العليا تفعل ما بوسعها لإقامة مخيمات جديدة لاستقبال النازحين وتقديم المساعدة السريعة لهم لكننا بحاجة للمال وأراض جديدة لنصب الخيم».
ونداء المفوضية للحصول على 584 مليون دولار من أجل مساعدة النازحين العراقيين، لم يلب سوى بنسبة 38 في المائة في مطلع أغسطس (آب).
وقال جيدو: «نحن ننشئ مخيمات جديدة ونقوم بالتجهيز المسبق للوازم الإغاثة العاجلة لضمان حصول الأشخاص الهاربين على المساعدة العاجلة». وتابع: «لكن حتى مع أفضل الخطط الموضوعة، ستكون الخيام غير كافية لجميع الأسر التي هي في حاجة للمأوى وسنكون في حاجة إلى تهيئة خيارات أخرى».
وتعمل الأمم المتحدة حاليا على خطط لتأمين مأوى طارئ لنحو 120 ألف شخص. وتقوم المفوضية أيضا بسلسلة عمليات لتوسيع بعض المخيمات القائمة ومن أجل إقامة مخيمات أخرى في ستة مواقع بشمال العراق. وبحسب تقديرات وكالة الأمم المتحدة، فإن نحو 400 ألف شخص يمكن أن يفروا في اتجاه جنوب الموصل، ونحو 250 ألفا نحو الشرق ومائة ألف نحو الشمال الشرقي في اتجاه الحدود السورية.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».