ولادة شعب من المشوهين من أب مشوّه

التشكيلي العراقي يحيى الشيخ يرسم روايته «بهجة الأفاعي»

غلاف «بهجة الأفاعي»
غلاف «بهجة الأفاعي»
TT

ولادة شعب من المشوهين من أب مشوّه

غلاف «بهجة الأفاعي»
غلاف «بهجة الأفاعي»

في زمن التشوّه والمشوهين تنطلي اللعبة، مهما كانت غير معقولة، على أكثر العقول. بينما نستزيد من واقع مشوه على خلفية من التاريخ الموغل في الخداع تكبر الأكذوبة وتصبح حقيقة، ليست نظريًا، إنما على أرض بلدة عقيم يتزعمها «طليعي» يبرر للنجل من هو أبوه وللأب من هو ابنه، على مساحة تلك البلدة- الفانتازيا، ويتبنى فيها خطاب الإنجاب الشرعي من أب غير شرعي، يتولاه السحرة ويسوّقه الإعلام ويضع ديباجته فقهاء محترفون، وهم في حالة من السعادة والتهليل لأطفال الحياة الجديدة التي غمرت البلاد السعيدة بمواليد من صنف مختلف، التقوا جميعًا في احتفال مهيب نقلته أكبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية، بينما جندت أكثر دور الأزياء العالمية شهرة كل طاقتها الفنية والتسويقية لتصميم أزياء مبتكرة تليق بالمواليد الجدد وأمهاتهم.
في سرديته المرسومة صورة لغوية، يضعنا العراقي يحيى الشيخ في روايته القصيرة «بهجة الأفاعي» - منشورات «المعقدين»، البصرة، 2016 - أمام مرآة من صناعته، تتكفل بعرض صورتنا كما في المرايا المحدبة، أو المقعرة، لنرى أنفسنا ضحايا تلك المرايا التي صنعناها بأنفسنا لكي نخدع أنفسنا، لكنها هي التي خدعتنا بنجاح ساحق.
تبدأ الرواية بشخصية «العانس» التي تحلم بزوج وذرية، مثل بقية الخلق، حتى «رُزقت» بمبني للمجهول. زواج «العانس» المباغت من عابر سبيل حطّ في ضيافة أبيها ليلة واحدة؛ ما جعل أهالي البلدة يشعرون بأن ثمة اختراقًا ما وضعهم أمام إهانة لا تغتفر وجرح لكرامة شخصية، وأقاويل وتأويلات جراء عابر السبيل الذي سيغير حياتهم في العمق.
الفنان التشكيلي المعروف (من الأسماء المعروفة في حركة التشكيل العراقية منذ الستينات) يكتب روايته بعينين: عين على السرد وأخرى على الرسم، خصوصًا في تجسيد شخصية «الفحل-المسخ» الذي تسبب بكل ما حدث لأبناء وأحفاد وزيجات، بل لشعب برمته، بعد ما تقمص دور الساحر الذي سيكون في مقدوره معالجة «العقم الشامل» بسحره وألاعيبه ومقتنيات فكره الاحتيالي، بل إن الشيخ وظف موهبته في الفن التشكيلي بأن زين بعض الصفحات برسوم تخطيطية تمثل تلك الأدعية التي يكتبها الشيوخ للأشخاص الذين يطلبونها بغية إنجاب أو نجاح، أو رد غريب إلى أهله، وغيرها من حاجات البسطاء الذين يؤمنون بسحر تلك الأدعية.
«البورتريه» يرسمه سارد، هو فنان تشكيلي، اختار السرد ليملأ ثغرات لوحته بما ينقصها من كلام أو العكس أيضًا، حين يختار سرده ليملأه بما ينقصه من بورتريهات، فرسم شخصيته الأولى صبيًا بوجهين، أحدهما وسيم، والآخر الذي يلتصق به من الخلف بشع، بل إن هذا الصبي ذا الوجهين هو الذي غير التركيبة الديموغرافية للبلدة، وقلبها رأسًا على عقب بفعل سحره الفاعل وأدعيته المستجابة، لتتوالى الولادات ويتكاثر الأبناء، ذكورًا وإناثًا، يشبهونه ليجد الناس أنفسهم أمام ظاهرة اجتماعية وأخلاقية، بل ثقافية حتى، تتعلق بتكاثر هؤلاء الأبناء؛ مما استدعى تشكيل هيئات نفسية وتربوية لإدارة المجتمع الجديد المتكون من أطفال بوجهين، كل وجه يفكر بشكل مختلف عن الوجه الثاني.
«أوضح مظاهر المشكلة التربوية، أن الأطفال تتنازعهم رغبتان متناقضتان: الرأس الأمامي يرغب في اللعب مع من يحب، والرأس الخلفي يحب اللعب مع الطفل الآخر، يعاني أيضًا، من المشكلة ذاتها. الاستبيان الذي أجرته هيئة مشرفة على سآمة العقل الاجتماعي، انبثقت عن هذا المجلس، خلت إحصائياتها من وجود طفل يتفق مع نفسه، ويتفق طفل آخر».
«.. والحال هذه، عطلت المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية أعمالها وتفرغت لهذا الشأن، لكنها لم تتوصل اإلى وسيلة تصلح الخلل وتقنع الجميع. فالمعضلة لا تتفتت بحلول جزئية، بل بحل شامل كما كان «الطليعي» يرى، فأخذ الدور بلا منازع. تقدم ببرنامج غني يستهله بجدول ينظم علاقات الأطفال وبأسمائهم العائلية، وساعات مولدهم ومواصفاتهم، وتوزيعهم على مجموعات بحسب أهوائهم، بحيث يلعب الرأس الأمامي مع من يحب نصف نهار، على أن يلتزم الرأس الخلفي بالصمت طيلة فترة اللعب. ثم يذهب الرأس الخلفي للعب بقية النهار مع من يحب، ويلتزم الأمامي بالصمت، وهكذا حتى يشبع الأطفال رغباتهم المتناقضة والمتصارعة. انتهت الدراسة التي أجريت بعد تلك التجربة الرائدة، إلى أن المجتمع أخذ يميل إلى الهدوء النسبي والسلام النفسي، فنصف صامت ونصف يلعب، ثم ذاك يلعب وهذا صامت. على الرأسين أن يتفقا على طريقة مشتركة للعيش، وتحمل مصيرا واحدا، ما داما قد خلقا في جسد واحد».
الحق، أن الثيمة التي بنى عليها السارد سرده، جديدة، وإن ذكرتنا بمسخ التشيكي فرانتز كافكا، رغم أن مساري العملين وتوصلاتهما الفكرية مختلفان جدًا، ولسنا هنا في وارد النقد المقارن، إنما لتقريب الصورة من ذهن القارئ العربي، فيمكن القول إن هذه القصة الطويلة أو الرواية القصيرة (Novella) عبر هذه الثيمة الغريبة تشد قارئها بتشويق ضروري، أحسبه أحد أهم عناصر السرد، أي سرد.
فانتازيا تولد المتعة مثلما تتيح التأويل وطرح الأسئلة، مكثفة ومقصودة، ترسم شيزوفرينيا الإنسان الذي بلا جذور، الموجود من العدم والذاهب إلى العدم.
والحال: «هي حالة اللامعنى، وفقدان الوزن، وتعاطي السخافات..غير أن تلك السخافات واللامعنى كان لها عمق غير مرئي، ينطوي على سر خطير، ونية فعل ملموس شديد الجدية، هو ما كانوا يبيتون له: ينتظرون خروجه للتخلص منه. البلدة كلها كانت تتناوب على ذلك، بلا كلل، وبشوق وبهجة تدفع للبكاء. قال أحدهما لآخر:
* الكل مبتهج.
* بهجة لا تختلف عن بهجة الأفاعي وهي تخلع جلدها، وتنسى أن جلدًا آخر ينمو تحته.



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».