التحولات القادمة في صناعة النشر والصحافة الرقمية

إعلام «الهواتف النقالة» سيكون التحدي المقبل

موقع «بزفيد» أنشئ عام 2006 في مدينة نيويورك وأصبح الآن أحد أشهر مواقع الأخبار المنوعة في العالم («الشرق الأوسط»)
موقع «بزفيد» أنشئ عام 2006 في مدينة نيويورك وأصبح الآن أحد أشهر مواقع الأخبار المنوعة في العالم («الشرق الأوسط»)
TT

التحولات القادمة في صناعة النشر والصحافة الرقمية

موقع «بزفيد» أنشئ عام 2006 في مدينة نيويورك وأصبح الآن أحد أشهر مواقع الأخبار المنوعة في العالم («الشرق الأوسط»)
موقع «بزفيد» أنشئ عام 2006 في مدينة نيويورك وأصبح الآن أحد أشهر مواقع الأخبار المنوعة في العالم («الشرق الأوسط»)

يمازح جوناثان بيرلمان، المدير العام للوسائط المرئية نائب الرئيس في «بزفيد» جاره على مسرح النقاش في مؤتمر الإعلام الرقمي الذي أقيم في العاصمة البريطانية لندن نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، كيفن جنتزل مسؤول الأرباح في «واشنطن بوست» بقوله: «الصحافة الورقية إلى المتحف» ليرد جنتزل: «ليس قبل عشرين عاما». هذه العبارة التي أثارت النقاش بحضور خبراء ومستثمرين ومخضرمين في الإعلام الغربي، ورؤساء تنفيذيين لشركات مثل ياهو وفيسبوك وصحف مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، يؤسس لرؤية مستقبلية عن اتجاهات الصحافة تحديدا، والإعلام بشكل عام. فليست الصحف وحدها التي تواجه مصيرا ضبابيا، بل التلفزيون كذلك، وهو ما دفع أنا سويني وهي الرئيس المشارك في شبكة «ديزني» و«أي بي سي» الأميركية أن تعلن عن أن التوجه القادم هو تلفزيون الألواح الكفية. تقول سويني: «في كل تفكير بمستقبل التلفزيون وكيف يمكن تطوير هذه الصنعة نعود إلى نقطة الصفر ونستذكر البدايات ومراحل التطور التي مرت بها الصنعة، وخصوصا حين اكتشفنا من خلال الإحصاءات والدراسات المتتالية أن المستقبل للألواح الكفية والأجهزة ذات الشاشات الصغيرة ولكم أن تتخيلوا مليار جهاز لوحي في 2016». تقول سويني بأن المسألة ليست خوفا من المنافسة، بل هي محاولة للحضور بشكل لائق على جميع التطبيقات ووسائل المشاهدة وتضيف: «اليوتيوب مثلا، الإحصاءات تقول: إن 40 في المائة من مشاهدي اليوتيوب يشاهدون المحتوى عبر الأجهزة الكفية إضافة إلى أن دراسة في عام 2004 تنبأت أن حجم الشاشة لن يصبح مهما في المستقبل، وفي عام 2005 قام رئيس شركة أبل الراحل ستيف جوبز بعرض إحدى حلقات مسلسلاتنا على جهاز (آيبود) قبل إطلاقه، وقتها عرفنا أن كل شيء سيتغير وبدأنا بالتفكير بالمستقبل وكيف يمكن أن نواكب مسألة إمكانية عرض المسلسلات والبرامج على الأجهزة الكفية».
تقول أنا سويني بأن الإعلانات مهمة وكذلك العملاء والمشاهدون، لكن في نفس الوقت التسليم بإيجاد تطبيق إلكتروني على الأجهزة الكفية بشكل موحد وبنفس الخصائص لجميع المستهلكين والمعلنين أمر مجحف بحقهم ولهذا هرعت شبكة «إيه بي سي» التلفزيونية إلى تصميم أكثر من تطبيق، بعضها مخصص للمعلنين وتمكينهم من الإعلان بالكيفية التي يريدون، وتطبيقات أخرى مدفوعة للمشاهدين الذين يفضلون إعلانات أقل.
وبما أن الحديث عن التطبيقات الإلكترونية وعن الرؤية المستقبلية للنشر بأنواعه، يقول أندرو فيشر الرئيس التنفيذي لـ«شازام»، و«شازام» تطبيق إلكتروني يميز أصوات الموسيقى ويبحث عنها ويستحضر بياناتها للمستخدم، وتعود ملكيته لمجموعة من المخترعين في بريطانيا حيث بدأوا في شركتهم بالعمل منذ 1999م إلا أن التطبيق لم يتح للجماهير إلا بعد عام 2009. ثم أطلقت الشركة نسخا متعددة من البرنامج في الأعوام 2011. 2012. و2013. وبعد نجاح التطبيق استثمر رجل الأعمال الشهير كارلوس سليم 40 مليون دولار أميركي في العام الماضي، يقول فيشر: «الحقيقة أننا في حيرة من أمرنا، هناك تسارع جنوني في سوق التطبيقات يجعل المستثمرين والناشرين في حيرة من المستقبل، من الصعب تخيل مستقبل النشر والتقنية.. هناك تنافس محموم ووتيرة متسارعة في مجال النشر». ومع نمو أرباح «شازام» رغم تعرضها لهجوم إعلامي بسبب ما أشيع عن أن نسخة التطبيق الخاصة بالأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد ترسل معلومات المستخدمين الخاصة لأطراف غير معلومة، فإن فيشر الرئيس التنفيذي له يؤكد حرصهم على تزايد عدد المستخدمين بغض النظر عن الإعلان ويضيف: «المعلن مهم وكذلك الإعلان، المشكلة أنك قد تسبب إزعاجا متواصلا للمستخدم مما يضطره لحذف التطبيق وهذا ما نخشاه ولهذا نحرص على تجنيب المستخدم لإزعاج الإعلانات المتكرر».
كانت الجلسات المتتالية في مؤتمر الإعلام الرقمي منصبة على الجانب الرقمي دون حديث عن المحتوى بشكل مكثف، عدا في بداية المؤتمر حين افتتح بالتصويت على سؤال: «هل تؤيدون أن المحتوى هو الملك؟» وكانت الإجابة بنسبة أكثر من 90 في المائة بـ«نعم». وهو ما دفع بأحد المتخصصين بالتعليق بقوله: «بالتأكيد أن المحتوى ملك، لكن يجب القيام بتصفية هذا المحتوى بدلا أن من نستقبل محتوى لا فائدة منه يوميا».
* كلفة الصحافة
* الرئيس والرئيس التنفيذي لشركة نيويورك تايمز الأميركية مارك ثومبسون يرى أن الإعلان هو التحدي القادم للصحف، والأهم من ذلك كيفية الفصل بين المحتوى وتأثير المعلن، فالصحيفة لديها رسالة ولديها خطة وأهداف مالية، وفي الوقت نفسه فهي تراعي مسألة الإعلانات دون إخلال بالمهنية يقول: «من يريد الانتشار والتوسع فسيتمكن من ذلك شريطة أن لا يتنازل عن مبادئه، كانت لدينا إشكالية مثلا في النسخة الصينية من موقعنا الإلكتروني فيما يتعلق بالمحتوى، وحين قمنا بتغيير طريقة تعاطينا مع الصين والأخبار الصينية ونشر ما يهم القارئ الصيني في المقام الأول استطعنا جذب قاعدة جماهيرية جيدة». ويشكو ثومبسون من الكلفة والخطورة التي تحيط بالصحافة الاستقصائية مؤكدا التزام «نيويورك تايمز» بها ويقول: «على الألواح الكفية القارئ يقرأ بسرعة ويريد المختصر، وهناك قارئ جاد يبحث عن التفاصيل ويريد قراءة القصة كاملة، نحن نتعامل مع القارئ الجاد في الوقت الذي نحاول عدم خسارة أي قارئ حتى مع احتدام المنافسة فيما يتعلق بتنامي صحافة الإنترنت والتطبيقات». ويرى ثومبسون أن التحول القادم في صناعة النشر سيكون عبر الهواتف الذكية والألواح الكفية ويقول: «هناك دخل لبعض الصحف من اشتراكات الإنترنت والتطبيقات تجاوز عشرات الملايين من الدولارات وأظن أن هذه الصحف ينبغي عليها مواصلة تطوير محتواها والتركيز على إعلام الهواتف الذكية الذي سيكون هو الرهان والمصب الأساسي للدخل في الأعوام القليلة الماضية، مثلما رأينا التحول من الإعلام الورقي إلى المواقع الإلكترونية فالتحول القادم من المواقع الإلكترونية إلى الجوال».
يقول الرئيس التنفيذي لـ«نيويورك تايمز» أن مصطلح الدخل الثنائي هو ما يجب أن تركز عليه الصحف في الفترة المقبلة، فبهذه الطريقة ستنجو من أي خطر مستقبلي يهدد مصادر دخلها إضافة إلى قدرتها على تنويع مصادر الدخل وكل مصدر دخل يدعم الصحيفة بطريقة أو أخرى.
«فيسبوك» وأحلام التوسع
نائبة رئيس فيسبوك نيكولا ميندلسون تتحدث مبتسمة حين سألها ريتشارد ووترز، محرر الـ«فايننشيال تايمز» بقوله: «لماذا قمتم بشراء تطبيق واتزاب» فكان الرد: «استثمارنا في الواتزاب يأتي من إيماننا العميق أن هذا التطبيق وهذه الوسيلة ستكون ضمن وسائل التواصل والمراسلة الخمس الأساسية في العالم لإبقاء الناس على اتصال، وهو استثمار لا نراهن فيه على المستقبل فقط... بل على القاعدة الأساسية التي بناها واتزاب خلال الفترة الماضية». تتحدث نيكولا عما يسمى باقتصاد الإنترنت وترى أنه بات جزءا أساسيا من اقتصاد الشعوب وتقول: «أرقام مستخدمي الإنترنت في العالم في تزايد، الآن لدينا أكثر من 101 مليار مستخدم للفيسبوك وطموحنا الآن الوصول للمليار الثاني وهو التحدي الحقيقي الذي نسعى لتحقيقه ونطمح إليه ومستقبل الاستثمار الناجح سيكون عبر الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي خلال السنوات القادمة».
توقعات مستقبلية
آدم بيرد مسؤول الإعلام والترفيه في مجموعة ماكنزي للاستشارات يرى أن التصفح عبر الهواتف الذكية والألواح الكفية سيصل إلى نسبة 4 إلى 1 مقارنة بالتصفح عبر أجهزة الكومبيوتر الشخصي أو المحمول ويقول: «بعد عامين فقط ستكون الغلبة في إحصاءات التصفح للأجهزة الكفية على حساب أجهزة الكومبيوتر، كما أن الفيديو سيكون في مقدمة الاهتمامات ولا سيما إذا ما عرفنا أن أكثر من 50 في المائة ممن يتصفحون الإنترنت يبحثون أو يشاهدون مقاطع فيديو».
وفيما يتعلق بالصحافة يقول بيرد: «الصحف يجب عليها الاهتمام بمواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها، وحتى هذه اللحظة هناك أمان فيما يخص نسبة المتصفحين بالنسبة لقراء الورق حيث تبلغ أكثر من 51 في المائة من قراء الصحف يزورون مواقعها».
أما جوناثان بيرلمان نائب المدير العام لموقع «بزفيد»، وهو موقع أخبار اجتماعية وترفيه أسس في مدينة نيويورك عام 2006 ثم تحول إلى أحد أهم المواقع للأخبار الاجتماعية والمنوعة بعد أن تعاقد «بزفيد» مع بن سميث محرر صحيفة «بوليتكو» الأميركية ليصبح رئيسا لتحرير الموقع، جوناثان بيرلمان يرى أن هناك تفاؤلا فيما يتعلق باستحواذ المواقع الإلكترونية الإخبارية على نسبة كبيرة من كعكة الزيارات وتصفح الإنترنت. يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أكثر من 4 ملايين مشترك في قناتنا على اليوتيوب هم الزوار الأساسيون والمتابعون لنا، ومن خارج هذا الرقم 20 في المائة فقط من مشاهدات مقاطعنا على اليوتيوب تأتي من موقعنا الأساسي وهناك إقبال كبير من متصفحي الإنترنت على الفيديو كبديل للقصص الإخبارية والمطولات».
ويقول جوناثان بأن الصحافة الورقية ما تزال مالكة للمحتوى وهذا ما يعطيها ويمنحها قوة في هذا الجانب لكن هناك نوع جديد من الأخبار تقدمه بعض المواقع الإخبارية وهو ما يسمى بالأخبار «المكبسلة» الصغيرة والمختصرة، والتي تغني عن قراءة الموضوع كاملا. ويرى بيرلمان أن الصحف لديها فرصة كبيرة للبقاء قوية في مواجهة كثير من مواقع الإنترنت، فقط في حالة قراءتها الجيدة لاتجاهات المستهلك.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».