ثلاثية الرصاص ـ الحب ـ الموت

الشاعرة الإيرانية ساناز داودزاده في مجموعتها «أمشي على حروف ميتة»

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

ثلاثية الرصاص ـ الحب ـ الموت

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

تهيمن مشاغبة الحواس، ومحاولة إيجاد علاقات جديدة مغايرة بينها وبين الأشياء على المجموعة الشعرية «أمشي على حروف ميتة» للشاعرة الإيرانية الشابة ساناز داودزاده فر، التي ترجمها حديثًا إلى العربية، الشاعر الفلسطيني محمد حلمي الريشة، بالتعاون مع الشاعرة نفسها، التي تجيد العربية.
تهدي الشاعرة ديوانها إلى جدّها، عاقدة مقارنة شفيفة بين لطف الجد واللون الأخضر، وتوسِّع من فضاء الإهداء، بكل دلالته ورموزه، ليصبح اللون الأخضر ظلاً لجمال ووجود مفتقدَيْن، يتم اغتيالهما واستلابهما، وتحت مبررات هشة من القبح والتواطؤ والجريمة، على مستوى البشر والطبيعة والشعر أيضًا.
ومن ثم يضعنا الإهداء على عتبة أولى لشعرية الحواس، وهي شعرية نزقة، مفتوحة بحيوية على الأشياء، في أقصى تجلياتها حضورًا وغيابًا، ترى الشعر مثلما الحياة فعل لذة ومعايشة حية في المقام الأول.
تقول في الإهداء:
«رَحل جدِّي،
وبقي لطفهُ هُنا
لونُ اللُّطفِ أَخضرٌ،
وأَن تكونَ الأَخضرَ، فَهذا جريمةٌ لاَ تُغتَفرُ،
فالشِّعرُ يبقَى أَخضرَ أَيضًا
حتَّى بعدَ تنفيذِ الجريمةِ فيهِ..».
إننا أمام شاعرة تحاول دائمًا أن تكون غير قابلة للنسيان، تكمن حداثتها في كيفية إيقاظ العالم ببصيرة شعرية نافذة وحادة. مفتوحة بحيوية وحرية على شتى حدوسات المعرفة الإنسانية. عالمها الشعري ابن مصادفة الحياة والوجود، مصادفة الجسد والروح، والرغبة العارمة في اعتصارهما بلذة عارمة، تتجلى حتى في دخان سيجارة، في فنجان قهوة، في مظاهرة عابرة في الشارع، في صاروخ فشل في سرقة الحب من جفن السرير، في قصص الغرام والعشق، ومشاعر الإحباط والقلق، والحلم بالأمن والراحة، أمن القصيدة واللغة والجسد والروح. شاعرة لا تغيب عن واقعها الإيراني، بكل صعوده وانكساراته، بكل ما فيه من حياة وحيوات مشتعلة أحيانًا، مستلبة ومعطلة ومقموعة، أحيانًا أخرى.. شاعرة تتأمل العالم والواقع حولها بعين طفلة، ترسخ خطوتها دائما في الشعر، حيث تنحل الفواصل والعقد السميكة في الزمن والعناصر والأشياء.. مثلما تقول في نشدانها العاطفي:
«إِذا قُمتَ بإِزالةِ الحُدودِ
تُهمّني الهجرةُ فيك
بدون تأْشيرةٍ
قضيَّتي ليَستْ سياسيَّةً
هربتْ عاشقة
إِذا أَعودُ
سيخيطون لِسَاني وشفتيَّ
الحبُّ
دون حدیث
مع الحدود
بلا وطن».
لا تنفصل شعرية الحواس ومشاغباتها الدائمة في نصوص المجموعة عن جدل الذاكرة والحلم، فجميعها في حالة من الحيوية والقلق والتوتر، يستعيد بعضها الآخر، ويفيض عنه، في حالة من الظمأ والنشوى، والبحث عن أرض جديدة ولغة جديدة للشعر لم تطأها قدم من قبل. إن شعرية الحواس لا تؤكد حسية النصوص فحسب، بل تشدها في كثير من النصوص إلى أفق أعلى، تحاول أن تلمس فيه الذات الشاعرة حقيقة وجودها المهمّش والمنسي، والمسكوت عنه، والمصادَر أحيانًا، وأيضًا تلمس حقيقة الحياة المختبئة في داخلها، التي لا ينفجر دِفؤها الداخلي إلا في لحظة الكتابة واستشراف لذتها، وكأنها لحظة انعتاق من قيود الواقع والحياة معًا.
تضفّر الشاعرة هذه الجدلية في ومضات شعرية خاطفة تبدو وكأنها لطشات مرتجلة تفور فيها الألوان فوق سطح اللوحة.. حيث تقول:
«ولِدتُ وكنتُ أَبكِي،
وعِشتُ وأَنَا أَصرخُ كثيرًا،
أُريدُ أَن أَرحلَ معَ ابْتسامةٍ
تُشبِهُ الـ(مُوناليزا).
==
عندَما أَشمُّ رائحةَ الحبِّ
لا تستطيعُ مروحةُ أَي مصنعٍ
أَن تكونَ منافسةً لِي.
مزِّقوني كبَتَلاتٍ
وأَرسِلُوني إلى «باريسَ»
وادْعُوني «جُولييتَ»
سأَكونُ العطرَ الأكثر بيعًا.
===
إِذا زُلِزلَ أَي مكانٍ فِي الأرض
سيتَصدَّعُ بذلِكَ، أَيضًا، قَلبي
الَّذي كانَ يظنُّ
أَنَّها كالمهدِ
ستُنِيمُ هزَّاتُها آلامِي.
يَا أرض
هلِّلي غِناءً لأَخطائِكِ».
إذن، نحن إزاء شكل من أشكال المرثية الإنسانية، حيث التشظي هو منطق تصدع الكون، والذات في الوقت نفسه. لكن تحت قشرة هذه المرثية تصدِّر الشاعرة رسالة شديدة الرهافة، تشير إلى أنه لا مقاييس ثابتة في الشعر، هناك دائما الجديد والمدهش، مهما تعددت الأشكال والتقاليد الشعرية، بل إن ثبات الشكل يعني انتقال حركته من السطح إلى العمق، لتتم دورته، في مياه أقل كدرا وضجيجا من صخب العالم فوق السطح، وهو المعنى نفسه المطمور في دلالة عنوان المجموعة، المحفوف بمغامرة المشي فوق حروف ميتة.. تقول الشاعرة:
«أَمشي
وصوتُ الرَّصاصِ مِن حَولِي
أَموتُ
وصوتُ الرَّصاصِ مِن حَولِي
كأَنَّ رائحةَ البارودِ تَخرجُ
مِن أَفواهِ النَّاس.
==
سِعرُ الموتِ
أكثر فائدةً مِن سِعْرِ شجرِ الزَّيتونِ
حتَّى لَو تَنمُو أَشتالهُ فِي كلِّ العالمِ
فالسَّلامُ لاَ يمكنُ أَن يكُون.
==
حينَ استيْقظتُ
وجَدتُ العالمَ قدْ رحلَ،
فَبقيتُ وحدِي
فِي هذَا الفضاءِ الخالِي».
في هذه الومضات، تلوح ثلاثية: الرصاص - الحب - الموت.. تستحضر الضفاف القصية المخبوءة في العاطفة والمشاعر والرؤى والانفعالات، مضيفة إلى لذة الكتابة لذة أخرى، وهي أن الشعر أيضًا فن استحضار الغائب والقبض على المدهش والمثير للأسئلة، وأن هذه اللذة لا تنتهي بانتهاء النص، فطالما ثمة سعي للبحث عن حقيقة الذات والعالم والوجود، ثمة أيضًا سفر وترحال مستمر، تتواشج فيه عملية الذهاب والإياب، وكأنها صيرورة الدخول إلى عتبة النص والعالم معًا، فحقيقة الثبات هي الحركة والعكس أيضا.. تشير الشاعر إلى هذه الأجواء قائلة:
«لاَ تذمرٌّ.
الصَّمتُ،
علامةُ إِشاراتِ
كلِّ الشَّوارع.
==
أَن أَراكَ،
هذهِ عَادةٌ.
حينَ لاَ تكونُ هنَا،
أَراكَ أكثر.
==
(الموتُ لِ...)
(الحياةُ لِ..)
سأَدعُوهما إلى فنجانِ شايٍ،
أُريدُ للحياةِ أَن تعيشَ».
فهكذا، في الومضة، في الإيماءة، في الخفقة، في الإشارة، في اللقطة العابرة، توسع نصوص المجموعة فضاء المشهد، ورغم تشابكها المستمر مع الخارج والعالم والأشياء، فإنها تتحاشى دائما تواطؤات العقل ورتابة التكرار، تاركة لرموزها ودلالتها حرية النمو بمحبة ولذة خاصة، ولو في جدار مهدم، وعبر لغة شغوفة بإغراءات الحياة، تتشبث بها، وتستحلبها، حتى في أقصى لحظات الألم والشعور بالأسى والمرارة، داعية القارئ دائمًا إلى أن يمارس بدوره نوعًا من التواطؤ المٌلْهِم معها أيضًا، وأن يدخل لهذه النصوص، عاريًا من كل شيء، إلا من الرغبة في اللذة، بمعناها الأشمل والأعمق في الشعر والحياة معًا.



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.