«رؤية السعودية 2030».. التحديات والمخاطر

ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في صورة تعود إلى شهر أبريل الماضي بالرياض في معرض رده على أسئلة الصحافيين حول {رؤية السعودية 2030} (أ.ف.ب) - في الإطار د. التجاني الطيب إبراهيم
ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في صورة تعود إلى شهر أبريل الماضي بالرياض في معرض رده على أسئلة الصحافيين حول {رؤية السعودية 2030} (أ.ف.ب) - في الإطار د. التجاني الطيب إبراهيم
TT

«رؤية السعودية 2030».. التحديات والمخاطر

ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في صورة تعود إلى شهر أبريل الماضي بالرياض في معرض رده على أسئلة الصحافيين حول {رؤية السعودية 2030} (أ.ف.ب) - في الإطار د. التجاني الطيب إبراهيم
ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في صورة تعود إلى شهر أبريل الماضي بالرياض في معرض رده على أسئلة الصحافيين حول {رؤية السعودية 2030} (أ.ف.ب) - في الإطار د. التجاني الطيب إبراهيم

حتى النصف الأول من عام 2014، كان الاقتصاد السعودي واحدًا من أسرع الاقتصادات نموًا في مجموعة العشرين، التي تمثل أكبر اقتصادات العالم، حيث بلغ متوسط معدل النمو الحقيقي في العام أكثر من 5 في المائة خلال السنوات 2011 - 2014، حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي.
المحرك الرئيسي لهذا النمو كان الارتفاع المتواصل لأسعار النفط الخام، الذي نتجت عنه أيضًا فوائض كبيرة في ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة، أدت إلى توسع قوي في الإنفاق العام قاد بدوره إلى حراك حيوي في القطاع الخاص. لكن خلال العامين الماضيين، تغيرت بيئة أسواق النفط العالمية بصورة مذهلة، حيث انخفضت أسعار النفط الخام بأكثر من 50 في المائة، لهذا تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى 2.6 في المائة في عام 2015، مع التوقع باستمرار التراجع إلى 2 في المائة في عام 2016، نتيجة لخفض الإنفاق الحكومي بعد الرفع الجزئي عن دعم الجازولين، والكهرباء، والمياه، والبدء في ترشيد الصرف العام، أما في المدى المتوسط، ومع استمرار تكييف الإنفاق الحكومي مع بيئة أسعار النفط الخام المنخفضة، فمن المتوقع ارتفاع معدل النمو إلى نحو 3 في المائة، مع احتمال أن يظل معدل التضخم في حدود آمنة (2 - 3 في المائة في العام).
أيضا، تدني الأسعار العالمية للنفط الخام أثر سلبًا على عائدات الصادرات والإيرادات العامة، مما أدى إلى أول عجز في موازنة الدولة في تاريخ المملكة بلغ نحو 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي (746 مليار دولار) في عام 2014، مع التوقع بانخفاض العجز تدريجيًا في 2016 والأعوام المقبلة، رغم ذلك، بقى مستوى الدين العام متدنيًا، نحو 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بنهاية عام 2014، أما فائض الحساب الجاري في ميزان المدفوعات، فقد هبط في عام 2015، لكن من المتوقع أن يعود للارتفاع في المدى المتوسط.
في حين يتعلق بالجهاز المصرفي في المملكة، فقد أثبت مقدرته على مواجهة تحدي انخفاض أسعار النفط الخام وتباطؤ النشاط الاقتصادي.
* مدخل
لأكثر من 80 عامًا، ظل النفط يمثل نحو 90 في المائة من الموازنة العامة للمملكة، وتقريبًا كل عائدات الصادرات، وأكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي. بموجب ذلك، تحول النفط إلى عقد اجتماعي تؤول السلطة المطلقة فيه للدولة مقابل الإنفاق السخي على مواطني السعودية البالغ عددهم الآن نحو 21 مليون نسمة، نصفهم تحت عمر الخمسة والعشرين عامًا، لكن الاعتماد الكلي على النفط، جعل من الاقتصاد السعودي رهينة لتقلبات أسواق النفط العالمية، ما أخر كثيرًا من انتقاله إلى اقتصاد ناشئ متطور، هذا الوضع زاد من ضرورة القيام بإصلاحات هيكلية واسعة لتغيير وجهة الحراك الاقتصادي من القطاع العام، الذي يوظف ثلثي العمالة السعودية، إلى القطاع الخاص، الذي تسيطر العمالة الوافدة على نحو 80 في المائة من فاتورته، في هذا الإطار، واستجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لرسم رؤية مستقبلية للمملكة، أقر مجلس الوزراء السعودي في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) 2016، «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، التي أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقيادة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
* «السعودية 2030».. الرؤية والمحتوى تقديم
يحتوي نص الوثيقة على 41 صفحة، تتضمن الخطوط العريضة للرؤية على أن تعلن التفاصيل الكاملة لاحقًا، تطرح الوثيقة رؤية كلية متكاملة وشاملة لتوزيع الاقتصاد السعودي وتعميق التنمية المستدامة والمتوازنة عن طريق إعادة بناء قواعد الإنتاج، وتنويع مصادر الدخل، وعلاقة السلطة بالمجتمع وفق أسس ومعايير علمية ممنهجة، ما يعني الانتقال إلى عقد اجتماعي جديد يكون فيه المواطن شريكًا في السلطة والثروة.
لذلك، فالمنطلق الأساسي للرؤية هو الاستفادة من الأدوات الاستثمارية التي تمتلكها السعودية، وأهمها صندوق الاستثمارات العامة، الذي سيتحول إلى أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم (1.8 تريليون دولار) بعد نقل جزء من ملكية شركة أرامكو النفطية إليه، لكي تساهم عائدات استثماراته بفاعلية في تنمية قطاعات جديدة، وشركات عامة ترفع من إيرادات المملكة غير النفطية وتعزز دور الصندوق في تنويع وتوسعة القاعدة الإنتاجية للبلاد، ولضمان تحقيق هذا الهدف، ترتكز الرؤية على ثلاثة عوامل أساسية (1) العمق العربي والإسلامي لكون السعودية هي قبلة المسلمين ولديها إرث عربي وإسلامي ضخم؛ (2) القوة الاستثمارية للمملكة ممثلة في صندوقها السيادي والصناديق الأخرى؛ (3) الموقع الجغرافي الاستراتيجي حيث تمر 30 في المائة من التجارة العالمية عبر المضايق البحرية السعودية.
أما توجيه الأصول للاستثمار، فستأتي بصورة خاصة من طرح أقل من 5 في المائة من موجودات شركة أرامكو، التي ستقيّم بنحو 2 - 2.5 تريليون دولار، للاكتتاب العام، تعقبه موجة ثانية من الطرح للشركات التابعة لأرامكو، ما يمكن أن يدخل إلى الصندوق السيادي أموالاً جديدة تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
* الأهداف
تتضمن الرؤية تحقيق أهداف استراتيجية محددة بحلول عام 2030، تشمل:
(1) تنويع الاقتصاد واستدامة النمو برفع نسبة المكون المحلي في قطاع النفط والغاز من 40 في المائة إلى 75 في المائة، ورفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار إلى نحو 7 تريليون ريال سعودي.
(2) زيادة الإيرادات العامة غير النفطية من 163 مليارا إلى تريليون ريال سنويًا.
(3) رفع مدخرات الأسر من إجمالي دخلها من 6 في المائة إلى 10 في المائة.
(4) رفع مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي من أقل من 1 في المائة إلى 5 في المائة، إلى جانب توطين أكثر من 50 في المائة من الإنفاق العسكري بحلول 2030.
(5) رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي من 3.8 في المائة إلى المعدل العالمي 5.7 في المائة.
(6) زيادة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40 في المائة إلى 65 في المائة.
(7) توسعة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين من 8 إلى 30 مليون معتمر.
(8) خفض معدل البطالة من 11.6 في المائة إلى 7 في المائة.
(9) رفع مساهمة المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة من إجمالي الناتج المحلي من 20 في المائة إلى 35 في المائة.
(10) رفع نسبة الصادرات غير النفطية من إجمالي الناتج المحلي من 16 في المائة إلى 50 في المائة.
(11) بناء شراكات زراعية استراتيجية مع الدول التي حباها الله بموارد طبيعية من تربة خصبة ومياه وفيرة.
(12) زيادة الأنشطة الثقافية والترفيهية وتنويعها.
* المسارات
لتحقيق أهدافها المعلنة، ستتبع الرؤية خمسة مسارات أساسية:
(1) انتهاج الشفافية من خلال عدم التهاون أو التسامح مع الفساد المالي والإداري والاستفادة من أفضل الممارسات العالمية، لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات.
(2) المحافظة على الموارد الحيوية في مجال الموارد الغذائية بمواصلة بناء مخزونات استراتيجية بمستويات آمنة ومستدامة، إضافة إلى بناء شراكات زراعية استراتيجية مع الدول الغنية بالموارد الطبيعية الزراعية المتجددة بما يحمي الموارد المائية السعودية الشحيحة.
(3) دعم قنوات التواصل بين الأجهزة الحكومية والمواطن والقطاع الخاص.
(4) الالتزام بكفاءة الإنفاق والتوازن المالي دون فرض أي ضريبة على الدخل أو الثروة أو السلع الأساسية على المواطن، حيث يتم تحقيق التوازن المالي بتنويع مصادر الإيرادات وتنظيمها وإدارة الموازنة العامة بصورة رشيدة، مع العمل على تعزيز كفاءة الإنفاق العام.
(5) دعم المسارات بالاستمرار في رفع كفاءة وفاعلية وسرعة الحكومة في اتخاذ القرار لتكون أكثر مرونة في مواكبة متطلبات الرؤية وتحقيق أولوياتها بالحد من الهدر المالي والإداري.
مصادر النمو والإيرادات المتوقعة والبرامج كمصدر للنمو الاقتصادي ودعامة جديدة لاقتصاد متنوع، ستدعم الرؤية قطاعات الطاقة المتجددة والمعدات الصناعية، والسياحة والترفيه، وتقنية المعلومات (الاقتصاد الرقمي)، والتعدين (المعادن، والنفط، والغاز)، في قطاع المعادن تحديدًا، تؤمن الرؤية على بذل الجهود لرفع مساهمته في إجمالي الناتج المحلي من 25.8 مليار ريال حاليًا إلى 97 مليار ريال، وزيادة فرص العمل إلى 90 ألف وظيفة بنهاية عام 2020. أما القطاع الخاص، الذي يساهم حاليًا بنحو 40 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، فستفتح أبواب الاستثمار أمامه بتشجيع الابتكار والمنافسة الحرة، وإزالة كل العوائق التي تحد من أدائه، وتفعيل المنظومة التشريعية المتعلقة بالأسواق والأعمال لإتاحة فرص أكبر للقطاع في مجال الخدمات كالصحة والتعليم.
فيما يتعلق بالإيرادات المتوقعة من كل الحراك الاقتصادي، تركز الرؤية على مصدرين رئيسين: عائد استثمارات الصندوق السيادي مصدرا أساسيا للإيرادات العامة بدلاً من النفط، والإيرادات غير النفطية، التي تم تحديد نحو 70 موردًا منها يمكن أن تدر على الخزينة العامة أكثر من 1.5 تريليون ريال في العام، لكن الرؤية تستهدف فقط ربع تلك الموارد، التي ليس لها أي تبعات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية سلبية كبطاقة الإقامة الدائمة، التي ستجعل من المقيمين في المملكة جزءا من الاقتصاد المحلي.
لدعم مصادر النمو وتحقيق الإيرادات المتوقعة، تضمنت الرؤية أيضًا برامج مفصلة تم وضعها مسبقًا تتضمن: برنامج إعادة هيكلة الحكومة، وبرنامج الرؤى والتوجهات، وبرامج تحقيق التوازن المالي، وبرنامج إدارة المشروعات، وبرنامج مراجعة الأنظمة، وبرنامج التوسع في التخصص، في حين هناك برامج جديدة من المتوقع إطلاقها قريبًا، مثل برنامج التحول الاستراتيجي لشركة أرامكو، وبرنامج إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة، وبرنامج رأس المال البشري، وبرنامج الشراكات الاستراتيجية، وبرنامج تعزيز حوكمة العمل الحكومي، هذه البرامج تمثل الأساس لبداية انطلاقة الرؤية.
* انطلاقة الرؤية الجديدة
للبدء في إنزال الرؤية السعودية إلى أرض الواقع، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في السابع من مايو (أيار) 2016، أي بعد عشرة أيام فقط من إعلان الرؤية، 42 أمرًا ملكيًا شملت: إعادة هيكلة مجلس الوزراء بتعديل خمس وزارات ودمج واحدة، وإعفاء ستة وزراء وتكليف ثلاثة منهم بحقائب جديدة، وإنشاء هيئة عامة للترفيه وأخرى للثقافة، بالتالي، تكون السعودية قد وضعت حجر الأساس لانطلاقة رؤيتها الجديدة للتنمية الشاملة والمستدامة، مما يعكس جدية الحكومة في تنفيذ تلك الرؤية والانتقال بالبلاد إلى عهد جديد من التطور الاقتصادي والاجتماعي، رغم ذلك، تظل هناك تحديات ومخاطر لا بد من أخذها في الحسبان والتحوط لها، لضمان تطبيق الرؤية في أرض الواقع.
- دعم الإصلاح شيء، ومعايشة الإصلاح شيء آخر، لذلك، سيكون التحدي الأكبر في تحويل الرؤية إلى برامج عملية وفق جداول زمنية وأولويات محددة وأهداف كلية بمعدلات واقعية قابلة للتنفيذ، السعودية لديها ما يكفي من النخب المتعددة، التي تستطيع تحويل الرؤية إلى واقع ملموس، مما يعني أن ملكية الرؤية يجب أن تكون سعودية مائة في المائة، لضمان نجاحها في البيئة السعودية السياسية والاجتماعية.
- المعلومات الأولية المتوفرة عن الرؤية، لا تقدم تفاصيل عن حجم ومعدلات الاستثمارات السنوية، التي يراد توظيفها، والاستثمارات غير النفطية المتوقعة، هذا قد يفسر أيضًا عدم وجود معدلات للنمو الاقتصادي والتضخم المراد استهدافها، في غياب هذه المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، تصعب محاولة إجراء تقييم أولي للرؤية وإمكانية تنفيذها على أرض الواقع حسب الأهداف المعلنة.
- مستوى الثقة في الرؤية سيتأثر بأوجه عدم اليقين الإقليمية الناتجة عن الصراعات المعقدة في المنطقة، خصوصا في اليمن حيث تشارك السعودية في حراكها العسكري، لذلك، لا بد من العمل الدؤوب لتحسين الأوضاع الأمنية وإنهاء حدة الصراعات المسلحة في اليمن أولاً، وبقية المنطقة ثانيًا، في أسرع وقت ممكن.
- الحيز المتاح لخلق وظائف في القطاع العام سيكون محدودًا أمام الحكومة جراء عمليات التكيف المالي مع أسعار النفط المنخفضة، لكن يمكن تقليل الأثر السلبي لذلك على النمو بالتركيز على اتخاذ تدابير موجهة على صعيد الإيرادات - كإلغاء الإعفاءات الضريبية والجمركية وإدخال ضرائب دخل تصاعدية وتعزيز التحصيل الضريبي - بالإضافة إلى استمرار تعديل أولويات الإنفاق بتحويلها من الدعم المعمم إلى الدعم الاجتماعي الموجه وزيادة الاستثمار في التعليم والرعاية الاجتماعية.
- هناك أيضًا حاجة إلى إصلاحات هيكلية، خصوصا في مجالات الأعمال والتجارة وأسواق العمل والأسواق المالية، لدعم توسع القطاع الخاص، وخلق فرص العمل، لدعم عملية خلق الوظائف في القطاع الخاص، ينبغي إجراء مزيد من التحسينات في الحوافز الداعمة لمناخ الأعمال بما يشجع المواطنين على العمل في القطاع الخاص، بالإضافة إلى تزويد العاملين بمهارات تتوافق مع متطلبات القطاع الخاص عن طريق تحسين نوعية التعليم والتدريب.
- ضبط أوضاع المالية العامة يجب ألا يكون مفرطًا في السرعة حتى لا يؤثر سلبًا على النمو المستهدف، كما يجب ألا يكون مفرطًا في البطء، لذلك، يجب أن تتحدد سرعة الضبط حسب ما تحتمل ظروف المملكة الداخلية، على أن يظل الهدف إجراء ضبط مالي موثوق على المدى المتوسط.
- من المخاطر السلبية البارزة احتمال حدوث تحولات مربكة في أسعار الأصول، وزيادة تقلب الأسواق المالية عند طرح موجودات شركة أرامكو للاكتتاب العام، فعلاوات مخاطر الاستثمار في السندات طويلة الأجل وعلاوات المخاطر الأخرى لا تزال منخفضة، كما أن هناك احتمال رد فعل قوي من الأسواق حيال المفاجآت في هذا الإطار، مثل هذه التحولات في أسعار الأصول يمكن كذلك أن تنطوي على مخاطر تؤثر سلبًا على مسار التدفقات الرأسمالية في الأسواق السعودية، وبالتالي فرضيات الرؤية.
- رؤية السعودية لمرحلة ما بعد النفط من الصعب أن تتحقق دون استثمارات على أرضها كالاستثمارين (المتوسط والطويل المدى) في مشاريع السياحة والطاقة المتجددة والري واستصلاح الأراضي والثروة الحيوانية وصناعة المواد الكيميائية (توجد منها حاليًا 661 مصنعًا) وصناعة فحم الكوك والمنتجات النفطية المكررة (141 مصنعًا)، مع التركيز على الصناعات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل الآن 47 في المائة و25 في المائة حسب الترتيب من إجمالي عدد المصانع الكلي، لغرض توفير فرص عمل وإنتاج يمهد لقيام صناعات متنوعة، خصوصا في مجال الغذاء.
- وضع وتطبيق إصلاحات لمحاربة الفساد ليس بالأمر السهل نسبة للتحديات الكبيرة التي لا بد من اعتبارها: (1) هدف الفساد (الهجوم عبر القطاعات)؛ (2) تحديات الفساد؛ (3) الدبلوماسية والاتفاقيات الدولية؛ (4) ابتكار أنجع الوسائل والتجارب؛ (5) الصراعات والمصالح الاستراتيجية؛ (6) الإرادة السياسية.. هذا يعني أن محاربة الفساد تتطلب أولاً فهم وتقييم الفساد.
* خاتمة
في الختام، بقي القول إن «الرؤية السعودية» تمثل خطة «طموحة»، كما وصفها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، تستجيب الإجراءات التفصيلية المدرجة فيها للتحديات والتطلعات التي تواجه الاقتصاد السعودي، الأكبر حجمًا في المنطقة، فالإعلان عن الرؤية يصب في الاتجاه الصحيح، ويعكس التوجه الصادق للقيادة السعودية للانتقال باقتصاد البلاد إلى مصاف الاقتصادات الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية بتنويع قاعدته الإنتاجية، وجعله أقل عرضة للصدمات الخارجية.
ورغم أن مشوار تنفيذ الرؤية سيكون طويلاً، فإن ابتعادها عن البيروقراطية والإصرار على تسويقها محليًا وخارجيًا بتوفير كل المعلومات عنها يشير إلى أن السعودية تمتلك القدرة على القيادة وتحقيق أهدافها المعلنة، وبما أن إنزال الرؤية إلى أرض الواقع سيكون له آثار مهمة على منطقة الشرق الأوسط، وربما العالم، فيما يتعلق بمجالات التجارة والاستثمار وحركة العمالة، فنأمل في أن تحذو دول المنطقة الأخرى حذو السعودية في العمل على تنويع اقتصاداتها لاستيعاب المتغيرات المتوقعة خلال الخمسة عشر عامًا المقبلة.
* خبير اقتصادي بصندوق النقد والبنك الدوليين سابقًا، ووزير دولة للمالية والتخطيط الاقتصادي في السودان إبان فترة الديمقراطية الثالثة (1986 – 1989)، ومحاضر سابق في الاقتصاد الكلي بجامعة الخرطوم وجامعات ومعاهد عليا في ألمانيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية، وحاليًا مستشار مالي واقتصادي لعدة مؤسسات إقليمية ودولية.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».